المجيب
كلمة (المجيب) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أجاب يُجيب) وهو مأخوذ من...
العربية
المؤلف | علي باوزير |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
الخاتمة الحسنة هي أن يموت الإنسان على طاعة الله -تبارك وتعالى-، أن يموت وهو قائم على فرائض الله، مجتنب للمحرمات، متباعد عن المنكرات، مقتدٍ برسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فمن مات على هذا الحال فميتته طيبة، وخاتمته حسنة حميدة، بإذن الله -تبارك وتعالى-؛ وهذا لا بد له من أسباب، وهذه الأسباب كثيرة متعددة، نذكر بعضها في هذه الخطبة بإذن الله -تبارك وتعالى-.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلّ له، ومَن يُضْلِلْ فلا هاديَ له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وبعد: أيها المسلمون عباد الله، تحدثنا في الخطبة الماضية عن الخاتمة الحسنة وعن بعض صورها ونماذجها، وتحدثنا عن الخاتمة السيئة وعن بعض صورها ونماذجها، ولا شك أنه سيطرأ في عقل كثير ممن يريد وجه الله -تبارك وتعالى- ويبتغي الدار الآخرة، سيطرأ عليه سؤال مهم يريد له جوابا: كيف أكون من أصحاب الخاتمة الحسنة؟ كيف يختم لي بالخاتمة الطيبة؟ كيف ألقى الله -تبارك وتعالى- وأنا على أحسن حال؟ سؤال مهم يشغل بال الكثيرين ممن يريدون وجه الله -تبارك وتعالى- ويبتغون تحصيل رحمته ورضوانه، وهو سؤال مهم لا بد له من جواب.
فأقول -أيها الأحباب-: الخاتمة الحسنة هي أن يموت الإنسان على طاعة الله -تبارك وتعالى-، أن يموت وهو قائم على فرائض الله، مجتنب للمحرمات، متباعد عن المنكرات، مقتدٍ برسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فمن مات على هذا الحال فميتته طيبة، وخاتمته حسنة حميدة، بإذن الله -تبارك وتعالى-؛ وهذا لا بد له من أسباب، وهذه الأسباب كثيرة متعددة، نذكر بعضها في هذه الخطبة بإذن الله -تبارك وتعالى-.
أول أسباب الخاتمة الحسنة -أيها الأحباب- سلامة المعتقد، وصحة الإيمان، أن يكون الإنسان سليم العقيدة، صحيح الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدَر خيره وشره؛ فمن صح إيمانه وسلمت عقيدته حسنت خاتمته بإذن الله -تبارك وتعالى-، يقول ربنا -تبارك وتعالى- في كتابه الكريم: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) [الأنعام:82]، ولم يلبسوا إيمانهم بظلم، أي: لم يخلطوا إيمانهم بشرك، كما فسرها بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فعقيدتهم صحيحة، وإيمانهم خالص لله -تبارك وتعالى-، فلهم الأمن في الدنيا، ولهم الأمن عند الموت، ولهم الأمن بعد الموت في القبر، ولهم الأمن يوم العرض على الله -تبارك وتعالى-.
وكم من عامل يشقى وينصب ويتعب جسده يتقرب إلى الله -تبارك وتعالى- بأنواع من القربات وهو على انحراف في العقيدة؛ فيذهب عمله هذا كله ويحبط ولا ينتفع منه بشيء! قال الله -تبارك وتعالى-: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) [الكهف:103-104]، يظنون أنهم على خير وهم ليسوا على خير؛ فقد انحرفت عقيدتهم ولم يخلص إيمانهم بالله -تبارك وتعالى-.
وليس أضر على العبد من أن ينحرف اعتقاده ويفسد إيمانه، والواقع يشهد أن أهل الزيغ والضلال هم أكثر الناس شكا واضطرابا وقلقا وخوفا عند الموت، وتسوء خاتمتهم، والعياذ بالله!.
يذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في كتابه البداية والنهاية أن رجلا رافضيا كان يسب صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شِعره، وكان شاعرا يدعى بإسماعيل بن محمد، يذكر ابن كثير -رحمه الله- أنه عندما حضرته الوفاة اسودّ وجهه واشتد عليه الكرب جدا، ومات، فلما مات أبى المسلمون أن يصلوا عليه أو أن يدفنوه؛ لأنه كان يسب صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. خاتمة سيئة والعياذ بالله! والقصص في هذا والأخبار كثيرة جدا، ولكن المقام لا يتسع لإيرادها وسردها.
من أسباب حسن الخاتمة -أيها الأحباب- أن يحسن باطن الإنسان، وأن يوافق ظاهره، فيكون عند الناس صالحا تقيا، ويكون إذا استتر عن أعين الناس كذلك صالحا تقيا، يراقب الله ولا يراقب الناس، يخشى الله ولا يخشى الناس، يسعى لرضوان الله ولا يبالي برضوان الناس، صادقا مع الله في قوله، صادقا مع الله في فعله، صادقا مع الله في نيته وقصده وإرادته، باطنه كظاهره، بل باطنه أفضل من ظاهره.
من صدق الله -تبارك وتعالى- صدقه الله، والله لا يخلف الميعاد، يروي الإمام مسلم في صحيحه عن سهل بن حنيف -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه"، إن صدق مع الله في سؤاله بلغه الله هذه المنزلة وختم له بالحسنى وهو على فراشه حتى وإن لم يقاتل في سبيل الله!.
واسمع لهذه القصة العجيبة في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-: جاء أعرابي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وآمن به واتبعه، وقال له: أهاجر معك. فأوصى به النبي -صلى الله عليه وسلم- بعض أصحابه، فلما كانت غزوة غَنِمَ النبي -صلى الله عليه وسلم- غنيمة فقسمها وقسم لهذا الأعرابي منها وأعطاها لأصحابه، وكان هذا الأعرابي يرعى لهم دوابهم، فلما جاء أعطوه قسمه فقال: ما هذا؟ قال: هذا قسم قسمه لك -صلى الله عليه وسلم-. فأخذه وذهب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: ما هذا يا رسول الله؟ قال: "قسمته لك"، فقال: ما على هذا اتبعتك! ولكني ابتعتك على أن أُرمَى إلى ها هنا! وأشار إلى حلقه.
فماذا قال له النبي -صلى الله عليه وسلم- على هذه الكلمة العظيمة؟ يا من يريد الخاتمة الحسنة ويا من يريد النهاية الطيبة الحميدة، اسمع لهذه الكلمة، قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن تصدق الله يصدقك"، إذا صدقت مع الله صدقك الله -تبارك وتعالى-.
فلبثوا قليلا ثم نهضوا إلى قتال العدو، فأصيب هذا الرجل في المحل الذي أشار إليه، فجيء به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يحمل، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "أهو هو؟"، هل هو هذا الرجل الذي قال اتبعتك على أن أرمى ها هنا؟ قالوا: نعم يا رسول الله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "صدق الله فصدقه الله".
"صَدَقَ اللهَ"، ليس الأمر بالدعاوى وليس الأمر بالأماني، كثير من الناس يقولون نريد الخاتمة الحسنة، كثير من الناس يقول نريد الخاتمة الطيبة، ولكن الأمر ليس باللسان؛ إنما صدق وعزيمة في القلب، وتوجه وإقبال على الله -تبارك وتعالى-، صَدَقَ مع الله وصدقه الله -تبارك وتعالى-، والله لا يخلف الميعاد.
فمن حسُن باطنه حسنت خاتمته بإذن الله، يقول ابن القيم -رحمه الله-: "واعلم أن سوء الخاتمة لا يكون لمن استقام ظاهره وصلح باطنه، لا يعلم ولم يسمع به بحمد الله"، لا يكون هذا أبداً! إنما تكون الخاتمة السيئة لوجود النية السيئة.
يقول -صلى الله عليه وسلم-: "إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يظهر للناس وهو من أهل النار"، وقوله: فيما يظهر للناس يشير إلى أن هذا العامل كان في الظاهر صالحا، فيما يظهر للناس، ولكنه كان يخفي في قلبه من فساد النية وخبث الطوية ما أوجب له سوء الخاتمة والعياذ بالله!.
من أسباب حسن الخاتمة -أيها الأحباب- تذكر الموت والآخرة؛ فإن من تذكر الموت عمل له، جاء عند الترمذي من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- وأرضاه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أكثروا ذكر هاذم اللذات"، الموت، أكثروا من ذكره؛ فإن من أكثر من ذكره أحسن العمل، ومن غفل عن ذكره أطال الأمل، ومن أطال الأمل أساء العمل.
ليس أنفع للإنسان من أن يستشعر دائما أنه مسافر مرتحل عن هذه الدنيا، يوشك أن ينادى فيجيب داعي الله -تبارك وتعالى-؛ ولهذا يقول حبيبنا -صلى الله عليه وسلم-: "عش في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل"، ليست دار مقر بل هي دار ممر. كان ابن عمر -رضي الله عنه- يقول: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح".
وأما من ظن الخلود والبقاء، ونسي الموت والفناء؛ فإنه لا محالة هالك، جاء عند أحمد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين، ويهلك آخرها بالبخل والأمل".
هذه المهلكات: البخل والشح بالدنيا والمال، والأمل الذي يأمل الإنسان معه أنه سيعيش ويبقى وأنه سيخلد في هذه الدنيا.
الله -تبارك وتعالى- أخفى عنا آجالنا لأجل أن نكون في تذكر دائم للموت، وفي حذر دائم منه، واستعداد وتأهب له.
فيا من غرته الدنيا بزينتها: ارجع عن غرورك، ويا من ألهته بمتاعها: أفِق من غفلتك؛ فالموت ميعاد كل حي على هذه الأرض.
هو الموت ما منه ملاذ ومهرب | متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب |
نؤمل آمالا ونرجو نتاجها | وعل الردى مما نرجيه أقرب |
ونبني القصور المشمخرّاتِ في الهوا | وفي علمنا أنا نموت وتخرب |
إلى الله نشكو قسوة في قلوبنا | وفي كل يوم واعظ الموت يندب |
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارا به وتوحيدا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما مزيدا.
وبعد: أيها الأحباب الكرام، من أسباب حسن الخاتمة لزوم العبادة ودوام الطاعة والاستقامة على أمر الله -تبارك وتعالى-، بفعل الواجبات وترك المحرمات والمنكرات؛ فمن استقام حاله حسنت خاتمته، يقول الله -تبارك وتعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ)، متى؟ في وقت موتهم وفي لحظات سكراتهم! (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) [فصلت:30].
ما أعظمها من خاتمة! وما أحسنها من نهاية حين تتلاقى هذه الملائكة مع هذا العبد فتبشره بهذه البشرى العظيمة من الله -تبارك وتعالى-!.
فلزوم الاستقامة أعظم الكرامة، وهو أجلّ أسباب حسن الخاتمة، خاصة إذا فتح الله -عز وجل- على عبد في عمل معين فليلزم هذا العمل، فمن فتح عليه في الصلاة فليكثر منها، ومن فتح عليه في القرآن فليكثر من قراءته، ومن فتح عليه في الصدقة فليكثر من الصدقة؛ وهكذا، مع فعل بقية الواجبات وترك المحرمات.
يقول السبكي -رحمه الله-: "وهكذا رأينا، من لزم بابا من الخير فتح عليه غالبا منه"، أي: من هذا الباب.
يحكي أحد علماء المدينة في هذا الزمن أن رجلا من أهل اليمن كان في المسجد النبوي ملازما له، وكان رجلا أميا لا يعرف القراءة والكتابة، فكان كلما دخل المسجد نظر حوله فإذا وجد رجلا خاليا لا شغل له أخذ مصحفا وذهب إليه وقال: اقرأ علي من كلام ربي، وهكذا كلما دخل المسجد، لم تكن القراءة ممكنة له فعوضها بسماع القرآن، فكلما دخل المسجد ورأى رجلاً أخذ مصحفا وقال: اقرأ علي من كلام ربي.
ذات يوم دخل هذا الرجل إلى المسجد النبوي كعادته فرأى رجلا خاليا فجاء إليه بمصحفه وقال له: يا فلان اقرأ علي من كلام ربي، فقرأ عليه من القرآن حتى أتى على موضع سجدة، فسجد القارئ وسجد هذا العبد الصالح معه، فرفع القارئ رأسه وأما هذا العبد الصالح فلم يرفع، وقبض على هذا الحال. ما أجملها من خاتمة بلزوم عمل يسير قد يكون حقيرا في نظر كثير من الناس!.
من أسباب حسن الخاتمة التوبة، فمن تاب إلى الله ورجع إليه وأقبل عليه ختم له بالحسنى بإذن الله -عز وجل-.
واسمع لخبر ذاك الرجل من بني إسرائيل، قتل تسعة وتسعين نفسا فأراد أن يتوب فسأل عن عالم فدل على راهب عابد ليس له علم، فقال له: هل لي من توبة؟ قال: لا، فقتله فأكمل به المائة، ثم أراد أن يتوب، فسأل عن عالم فدل على عالم فجاء إليه وقال له: إني أريد أن أتوب، وقد قتلت مائة نفس! قال: ومن يحول بينك وبين التوبة؟ اذهب إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء. فخرج هذا الرجل مقبلا على الله حتى نصف الطريق، فجاءه الموت، فاختصم فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، تقول ملائكة الرحمة: هذا جاء مقبلا تائبا! وتقول ملائكة العذاب: هذا رجل لم يعمل خيرا قط! فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم فقال لهم: قيسوا ما بين الأرضين؛ فأيهما أدنى كان لها، فأوحى الله -تبارك وتعالى- إلى هذه أن تقاربي، أي: الأرض الطيبة، وأوحى إلى تلك أن تباعدي، أي: أرض السوء، فقاسوا ما بين الأرضين فوجدوه أقرب إلى الأرض التي أراد بشبر واحد، فقبضته ملائكة الرحمة.
ختم الله له بالحسنى لأنه تاب إلى الله وأقبل عليه -سبحانه-، والإنسان لا يدري متى يموت؛ فلهذا كان لزاما عليه أن يجدد توبته باستمرار، وأن يرجع إلى ربه -تبارك وتعالى- على الدوام.
وأخيرا -أيها الأحباب-: من أسباب حسن الخاتمة الرفقة الصالحة، أصدقاء الخير، الذين إذا أخطأت نصحوك، وإذا غفلت ذكروك، وإذا ذكرت أعانوك، فهم خير رفيق في الدنيا وفي الآخرة، وهم خير عون على حسن الخاتمة.
كان غلام يهودي يخدم النبي -صلى الله عليه وسلم- فمرض فذهب النبي -صلى الله عليه وسلم- يعوده، يزوره، فقال له: "أسلم"، فنظر الغلام إلى أبيه، فقال له أبوه: "أطع أبا القاسم"، فقال هذا الغلام: "أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله"، ثم مات، فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- فرحا مسرورا يقول: "الحمد لله الذي أنقذه بي من النار".
هذا الغلام اليهودي انتفع بصحبته لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكانت هذه الصحبة سببا لإسلامه؛ بل لأن يكون في منزلة عالية، أن يكون صحابيا من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويختم له بالحسنى.
وفي المقابل، الرفقة السيئة من أسباب سوء الخاتمة، هذا أبو طالب عم النبي -صلى الله عليه وسلم- لما حضرته الوفاة جاءه النبي -صلى الله عليه وسلم- وجاءه أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول له: "يا عم، قل: لا إله إلا الله! كلمة أحاج لك بها عند الله!"، وقد كان أبو طالب يعلم أن هذه الكلمة حق، وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صادق؛ ولكن انظر إلى أثر رفقاء السوء! قال له أبو جهل: "أترغب عن ملة عبد المطلب؟"، تترك دين أبيك ودين أجدادك؟ فلا زال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكرر عليه ما قال: "يا عم، قل لا إله إلا الله"، ولا يزال أبو جهل يردد عليه ما قال: "أترغب عن ملة عبد المطلب؟"، فكان آخر ما قال أنه على ملة عبد المطلب. ومات على الشرك!.
كل ذلك بسبب من؟ بسبب أصدقاء السوء ورفقاء السوء، فاختر لنفسك رفيقا إذا حضرتك الوفاة لقنك لا إله إلا الله، وذكرك بالله -تبارك وتعالى-؛ واحذر كل الحذر من رفيق إذا حضرتك الوفاة كان عونا للشيطان عليك، والعياذ بالله!.
والعاقل من اختار لنفسه رفيقا يصحبه في الدنيا والآخرة، قال -تعالى-: (الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) [الزخرف:67].
ختاما -أيها الأحباب- هذه أسباب لحسن الخاتمة: أولها: سلامة المعتقد وصحة الإيمان، ثانيها: صلاح الباطن وموافقته للظاهر والصدق مع الله -تبارك وتعالى-، ثالثها: تذكر الموت والآخرة، رابعها: الاستقامة على أمر الله ولزوم طاعة الله، خامسها: التوبة الصادقة، وآخرها: الرفقة الصالحة.
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يحسن خواتمنا، نسأله -سبحانه وتعالى- أن يختم بالخير أعمالنا وأعمارنا، اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة.