البحث

عبارات مقترحة:

الوكيل

كلمة (الوكيل) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (مفعول) أي:...

العزيز

كلمة (عزيز) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وهو من العزّة،...

الحكيم

اسمُ (الحكيم) اسمٌ جليل من أسماء الله الحسنى، وكلمةُ (الحكيم) في...

العزة لله

العربية

المؤلف عبد العزيز بن عبد الله السويدان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - أهل السنة والجماعة
عناصر الخطبة
  1. تأملات في حال الأمة قديمًا وحديثًا .
  2. سنن الله في النصر والهزيمة وفي إعلاء الأمم وذلها .
  3. المنهج الصحيح لفهم المصائب التي تعيشها الأمة .
  4. واجب المسلمين اليوم تجاه المستضعفين من إخوانهم. .

اقتباس

سبحان الله! هو مالك الملك، ما هي إلا أعوام حتى يعز في ملكوته دولة على الأرض، ويذل أخرى، ثم تمر أعوام فيزل الله تعالى الأولى ويعز الأخرى. إنها السنن وسنن الله -تعالى- تحركها بعد الله الأسباب من أتى بأسباب العزة عز، ومن أتى بأسباب الذلة ذل. كل ما يجري إنما يجري وفق علمه وتقديره الذي أسس عليه هذا الكون الفسيح، وربما طال الزمان قبل تحقق تلك المداولة حتى تنشأ أجيال في هذه الفترة العصيبة التي وصلت فيها الأمة إلى حالة شديدة من الضعف بعد أن كانت قوية فاعلة مهابة. تخرج هذه الأجيال على الحياة فترى الضعف راسخًا، وترى التبعية للأعداء..

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]،  (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

(قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران:26].

سبحان الله! هو مالك الملك، ما هي إلا أعوام حتى يعز في ملكوته دولة على الأرض، ويذل أخرى، ثم تمر أعوام فيزل الله تعالى الأولى ويعز الأخرى.

إنها السنن وسنن الله -تعالى- تحركها بعد الله الأسباب من أتى بأسباب العزة عز، ومن أتى بأسباب الذلة ذل.

كل ما يجري إنما يجري وفق علمه وتقديره الذي أسس عليه هذا الكون الفسيح، وربما طال الزمان قبل تحقق تلك المداولة حتى تنشأ أجيال في هذه الفترة العصيبة التي وصلت فيها الأمة  إلى حالة شديدة من الضعف بعد أن  كانت قوية فاعلة مهابة.

تخرج هذه الأجيال على الحياة فترى الضعف راسخًا، وترى التبعية للأعداء، وترى البون الشاسع في التقدم الصناعي والعسكري بيننا نحن المسلمين وبين غيرنا، فلا تكاد تلك الأجيال تصدق أو تتخيل أن كان للأمة يومًا ما تاريخها العريق الذي مكَّنها من السيطرة على ثلث الكرة الأرضية في أقل من مائة عام.

بحيث امتدت حدودها من غرب الصين عبر آسيا وإفريقيا لتصل إلى غرب أوروبا؛ حيث بلاد الأندلس، وكان للأمة تاريخها المجيد في نشر العقيدة الصحيحة اللامعة النافعة، نعم لا تكاد تصدق، لكنها الحقيقة إنها سنة المداولة.

يقول سبحانه: (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) أي: نصرّفها بينهم بحكمة العليم الخبير، أتدرون متى أنزل الله هذه الآية؟ أنزلها بعد معركة أُحد المعركة التي حصل بها من الآلام ما حصل ولمن لخير  البشر.

أتدرون لماذا أنزلها سبحانه؟ أنزلها تسلية عما أصاب النبي والمسلمين في تلك المعركة من الهزيمة والخسارة في الأرواح؛ يخبرهم بأن ذلك غير عجيب في الحرب؛ إذ لا يخلو جيش من أن يغلب في بعض مواقع القتال، وقد سبق أن غلب العدو، قال -تعالى-: (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [آل عمران:140].

وأخبر -تعالى- أن ذلك الابتلاء لم يكن عبثًا، -تعالى- الله عن العبث، بل حصل بسبب المعصية، قال: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران:165].

قال (إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي أنه لو شاء لنصركم، ولكنه شاء أن تكون السنن الجارية قائمة (ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ).

هل كان المشركون وعبدة الأوثان من قريش عند الله -تعالى- خيرًا من النبي الكريم وأصحابه الأجلاء؟ اللهم لا، بل كان هو -صلى الله عليه وسلم- وصحابته خير من على وجه الأرض ولكن السنن الإلهية لا تحابي أحداً، مسلما كان أو غير مسلم.

السنة ماضية على الجميع والمسلم الموحّد لا يتسخط كغيره من الملل المنحرفة، بل ينتفع بصبره ويبادر في الإصلاح، فقد يكون في الحدث الأليم إعلاء للمؤمن في مقامات الصبر ورفع لدرجاته، وتكفير عن ذنوبه؛ كما حدث في حديث فاطمة بنت اليمان في مجمع الزوائد هذا الحديث تقول فيه: "أتينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نعوده في نساء، فإذا سقاء معلق نحوه يقطر مائه عليه مما يجده -صلى الله عليه وسلم- من حر الحمى، فقلنا: يا رسول الله لو دعوت الله فشفاك؟" فقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن من أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم".

وجاء في صحيح الجامع من حديث أبي سعيد قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الرجل ليصيبه البلاء حتى يمشى في الناس ما عليه خطيئة"، ينال هذا بصبره واحتسابه فالبلاء يجتهد في تفسيره بحسب وضع الإنسان وظاهر سيرته وحقيقة علاقته بربه فقد يكون البلاء عقوبة، وقد يكون رفعة لمقام العبد عند الله، وقد يكون اختبار لقوة إيمانه وإعانة له على العودة إلى رحاب الدعاء والتضرع والرجاء، ولقد قال -تعالى- بعد غزوة أحد: (وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) [آل عمران:154].

وقال سبحانه: (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ) [محمد: 4- 6].

معاشر المسلمين: ونحن نسمع أخبار حلب -فرَّج الله عن أهلها ونصر جنودها وأهلك عدوها-، ينبغي ألا يراود أحدنا أدنى ذرة من شك في عدل الله المطلق وحكمته الأبلغ ورحمته الأوسع سبحانه، وأنه مهما جرى على الأرض من مآسٍ وآلام، فالعاقبة حتمًا وجزمًا للمتقين، فقد أعمل فرعون قتله بالأطفال وأدار حملة شرسة فتك فيها بالأطفال الرضع حتى عبر القرآن بفعل فلم يقل يذبح أبناءهم بل قال يُذبِّح أبناءهم بالباء المشددة إشارة إلى المبالغة في سفك الدماء، دماء الأطفال.

وفي مقام آخر لم يقل يَقتُلون بل قال (يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ) ثم ماذا؟ ثم كانت العاقبة للمتقين، أما فرعون فعذابه بعد عذاب الغرق يستمر أيضًا في قبره إلى يوم القيامة، ثم إذا كان يوم القيامة يذاق بظلمه أشد العذاب، ليس العذاب فحسب، بل أشد العذاب، قال سبحانه: (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا) قال جمهور المفسرين "أي تعذب أرواحهم في القبر" (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) [غافر: 45- 46].

وأحرق أصحاب الأخدود المؤمنين من رجال ونساء وأطفال دون تفريق ولكن كانت العاقبة لأهل التوحيد قال -تعالى- في أصحاب الأخدود: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) [البروج:10]، قال: (فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ) لكن ما اكتفى زاد ولهم عذاب الحريق.

فالحرق يكون قطعًا بالنار ففي هذا تأكيد على تعذيبهم بالنار؛ لأن عذاب جهنم ليس بالنار وحدها بل هو أصناف وأنواع، نسأل الله السلامة؛ فهناك الزمهرير، وهناك طعام الضريع الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، وهناك شجرة الزقوم، وهناك ماء الصديد الذي يتجرعه الظالم ولا يكاد يسيغه، يتحساه مرة بعد مرة فيغصّ به ويطول عذابه، وهناك ماء الحميم الذي يملأ البطن ويقطع الأمعاء.

لكن ذكر عذاب الحريق؛ لأنهم حرقوا المؤمنين في الدنيا وفي هذا تخصيص وتأكيد على الجزاء والوفاق.

وقد يكون أخذ الله -تعالى- للظالم أخذًا سريعًا، وقد يمهله لحكمة تغيب عن المظلومين، بل قد يؤخر الانتقام منه إلى ما بعد هلاكه، ولقد قال سبحانه: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ) [إبراهيم:42]، وقال سبحانه: (فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا * يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا) [مريم: 84- 86].

وفي الصحيح من حديث أبي موسى -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله ليملي للظالم" يمهله حتى يتمادى في ظلمه والعياذ بالله، ولذلك قال -تعالى-: (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) [آل عمران:178].

أما المؤمنون فالواجب عليهم أن يجتهدوا في دفع البلاء عن أنفسهم بكل ما يستطيعون من سبب بالدعاء، والتضرع إلى الله باستجماع وسائل القوة المادية، بالاستنصار بإخوانهم وهم في هذا كله يرجون الله -تعالى- أن يقبل صبرهم واحتسابهم وأن يفرِّج عنهم.

قال -تعالى-: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ) [البقرة:214].

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه..

الخطبة الثانية:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أما بعد:

فإنهم مهما أعملوا في إخواننا المسلمين الموحدين قتلاً وتشريدًا؛ فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، ولكنَّ المنافقين لا يفقهون.

أسأل الله -تعالى- أن يوحّد صفوفنا وأن يلمّ شتاتنا، وأن يهدي للحق ضالنا، وأن ينزع الخوف من قلوبنا، وأن يصلح أحوالنا، وأن يجعلنا نصرة لإخواننا في كل مكان، وأن يقبل دعاءنا، وألا يردنا من واسع فضله ولا عظيم عفوه.