البحث

عبارات مقترحة:

القيوم

كلمةُ (القَيُّوم) في اللغة صيغةُ مبالغة من القِيام، على وزنِ...

السبوح

كلمة (سُبُّوح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فُعُّول) من التسبيح،...

الوتر

كلمة (الوِتر) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، ومعناها الفرد،...

وما أوتيتم من العلم إلا قليل

العربية

المؤلف علي باوزير
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات - أركان الإيمان
عناصر الخطبة
  1. سعة علم الله تبارك وتعالى .
  2. مثال على علم البشر وعلم رب البشر .
  3. هل فكرت في عدد النجوم؟ .
  4. قصور وضعف علم البشر .
  5. ذم سوء الظن بالله .
  6. أنفع العلم ما أوصل العبد لربه. .

اقتباس

طائرة قبل أشهر سقطت واختفت، انقلب العالم كله بحثًا عن هذه الطائرة الطويلة الكبيرة التي تزن أطنانًا، ومعهم المعدات ومعهم الطائرات، ومعهم الأقمار فما وجدوها إلا بعد عدة أشهر فكيف يستطيع الإنسان أن يراقب ورقة وهو ما استطاع أن يجد طائرة؟! هذا علم الله الذي لا ينازعه فيه أحدٌ، ولا يشاركه فيه أحد سبحانه يعلم كل شيء، ما من حبة في ظلمات الأرض لا تراها العيون ولا تدركها الأبصار إلا...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]،  (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

وبعد أيها المسلمون عباد الله: "بينما موسى -عليه السلام- في ملأ من بني إسرائيل؛ إذ جاءه رجل فقال: يا موسى! هل تعلم أحدًا أعلم منك؟ فقال موسى -عليه السلام-: لا.

فعتب الله عليه أنه لم يرد العلم إلى الله، لم يقل: "الله أعلم"، فأوحى الله إليه: "بلى عبدنا الخضر هو أعلم منك، فسأل موسى ربه أن يدله على مكان الخضر ليتعلم منه فدله على مكانه"، وسافر موسى إليه، وجرت بينهما القصة المعروفة في سورة الكهف.

كان مما جرى بين موسى والخضر -عليهما السلام- أنهما وقفا على شاطئ البحر فجاء طائر وأخذ بمنقاره من ماء البحر، فقال الخضر لموسى: "ما علمي وعلمك في علم الله إلا كما أخذ هذا الطائر من البحر"، فماذا عساه أن يكون قد أخذ هذا الطائر بمنقاره الصغير من هذا البحر الممتد الكبير؟!

صدق الخضر -عليه السلام-، إنه علم الله -تبارك وتعالى- العلم الواسع المحيط، هذه الصفة الجليلة العظيمة التي لا يعرف قدرها إلا الله -تبارك وتعالى-، ما علم الناس في علم الله، وما علم الخلق كلهم في علم الله -تبارك وتعالى- لا يساوي شيئًا، ولا يذكر أمامه أبداً، وصدق الله: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) [الإسراء:85].

هذا العلم كله الذي تراه في الناس، هذه الكتب والمؤلفات هذه المعلومات التي تعد بالملايين والمليارات، هذه كلها لا تساوي في علم الله شيئًا (وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً).

دعونا أيها الأحباب! دعونا نقف نتأمل في آيات الله ونتدبر في هذه الصفة الجليلة التي هي من أجل صفات الله -تبارك وتعالى-، ربنا -سبحانه وتعالى- تحدث في القرآن كثيرًا عن علمه، تحدث في آيات عديدة عن علمه لأجل أن نعرف من هو الله لأجل أن ندرك من نحن أمام الله -تبارك وتعالى-.

وصف الله -سبحانه وتعالى- نفسه فقال: (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) وضع خطاً تحت كلمة (بِكُلِّ شَيْءٍ) كل شيء تتصوره ولا تتصوره قد أحاط الله -عز وجل- به علمًا.

هل فكرت أيها الأخ الحبيب هل فكرت يومًا أن تعد نجوم السماء؟ قبل أن تفكر في هذا؟! تعالى واسمع ماذا قال علماء الفلك والفضاء في آخر ما توصلوا إليه، قالوا : لو أن إنسانًا ظل يعد النجوم عدًّا فقط دون أن يسميها، ودون أن ينظر إليها، بل يقول واحد اثنان ثلاثة أربعة خمسة.. يعدها عدًّا فقط في الدقيقة الواحدة يعد ثلاثمائة لو ظل على هذا الحال ليل نهار دون انقطاع لا ينام ولا يأكل ولا يعمل ولا ينشغل بأي شيء، بل ظل يعد باستمرار بهذا المستوى فإنه إذا قضى على هذا الحال عشر سنوات كاملة فلن يعد إلا ما مقداره ونسبته واحد ونصف بالمائة من نجوم مجرة واحدة، ولو أراد أن يعد نجوم المجرة كلها لاحتاج أن يبقى على هذا الحال من العد والإحصاء 600 عام متواصلة، وهذه مجرة واحدة!!

فماذا لو أردنا أن نعد نجوم المجرات التي تقدر اليوم بمائة وثلاثين مليار مجرة أي أننا نحتاج إلى مائة وثلاثين مليار إنسان يعدون على مدار ستمائة عامة حتى يعدوا ما وصل الناس إليه اليوم من العدد، ولا تزال الاكتشافات مستمرة، ولا يزال الناس في كل يوم يكتشفون نجومًا جديدة وأفلاكًا جديدة ومجرات جديدة.

هل يستطيع الإنسان أن يعدّها، فضلاً على أن يعلمها أو يدرك ما فيها؟ الله -سبحانه وتعالى- خلقها وأوجدها ويعلم كل ذرة فيها ويعلم منازلها ومواقعها ويعلم حركتها وتنقلها (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) [الواقعة: 75- 76].

ويقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [الأنعام:97].

هل أخذت أيها الأخ الحبيب هل أخذت يومًا بيدك حفنة رمل، وفكرت أن تعد حباتها لأجل أن تعلم كم هي؟! هل تستطيع هذا؟ ثم هل تستطيع أن تعد حبات الرمل الموجودة في الأرض؟ هل يستطيع البشر كلهم أن يعدوها أو أن يحصوها؟! لا يستطيعون أبداً.

والله -سبحانه وتعالى- يعلم عددها وتفصيلها بدقة كاملة، بل يعلم ما هو أدق من هذا قال -سبحانه وتعالى-: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) [يونس:61].

ذرة الغبار هذه التي تتطاير أمام عينك، وربما لا تراها يعلمها الله، ويعلم ما هو أصغر منها، ماذا عسى أن يكون أصغر منها، الجزيئات التي تتكون منها المادة والتي يسميها الناس اليوم الذرة، هل تدرون أيها الأحباب أن شعرة الرأس الواحدة عرضها يحتوي على مليون ذرة، عرض هذه الشعرة اليسيرة، وأما طولها ففي كل سنتمتر واحد هناك أربعون مليون ذرة هل تستطيع أن تعدها؟ هل تستطيع أن تحصيها؟ هل تعلم هذا أصلاً؟!

الله -سبحانه وتعالى- يعلمه، وهو الذي خلقه، وهو الذي أوجده لا تغيب عنه ذرة واحدة في هذا الكون كله.

هل فكرت مرة أن تجلس أمام شجرة وتعد ما يتساقط من أوراقها، وتحصي وتراقب متى سقطت، وكيف سقطت؟ وأين سقطت؟

هل فكرت أن تفعل هذا؟ ثم هل تستطيع أن تفعل هذا؟

الله -تبارك وتعالى- يعلم هذا، ويعلم شأن كل ورقة في هذه الأرض، يعلم متى سقطت وأين طارت، وأين وقعت، وماذا جرى لها، قال الله -سبحانه وتعالى-: (عِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) [الأنعام:59].

أحصاه الله -تبارك وتعالى- وعلمه كله.

طائرة قبل أشهر سقطت واختفت، انقلب العالم كله بحثًا عن هذه الطائرة الطويلة الكبيرة التي تزن أطنانًا، ومعهم المعدات ومعهم الطائرات، ومعهم الأقمار فما وجدوها إلا بعد عدة أشهر فكيف يستطيع الإنسان أن يراقب ورقة وهو ما استطاع أن يجد طائرة؟!

هذا علم الله الذي لا ينازعه فيه أحدٌ، ولا يشاركه فيه أحد سبحانه يعلم كل شيء، ما من حبة في ظلمات الأرض لا تراها العيون ولا تدركها الأبصار إلا والله -سبحانه وتعالى- يعلمها.

ليس في هذا الكون من رطب ولا يابس والمخلوقات إما رطبة أو يابسة إلا ويعلمها الله -تبارك وتعالى-.

تفكر يا عبد الله، تفكر في هذا البر والبحر في هذه الأرض التي نعيش عليها كم فيها من الإناث كم فيها من الكائنات التي لها إناث تحمل كل يوم وتضع كل يوم، كل من إناث الحيوانات البرية! وكم من إناث الحيوانات البحرية! وكم من إناث الطيور! وكم من إناث الحشرات! وكم من إناث الكائنات التي لا تُرى بالأعين والأبصار لا تحمل أنثى من هذه الإناث إلا ويعلم الله ذلك ولا تضع هذه الأنثى إلا ويعلم الله ذلك.

هل تتصور أن العدد يسير؟ يكفي فقط أن تعلم أن ما وصل إلى البشر ما علموه من الكائنات الموجودة على الأرض مليون ونصف مليون من الأجناس والأنواع، وتحت كل نوع ملايين ومليارات البشر لوحدهم أكثر من سبعة مليارات.

هذا الذي علمه البشر من الكائنات الموجودة في الأرض، وبقي 90% من الكائنات إلى اليوم لم يعلمها الناس ولا يعلمها البشر، فالذي علموه من الكائنات والذي لم يعلموه من الكائنات لا تحمل أنثى من أنثاهم ولا تضع إلا بعلم الله، قال الله -عز وجل- (وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ).

بل أكثر من هذا كل ما يجري في بطن هذه الأنثى من تغيرات للجنين يعلمه الله -سبحانه وتعالى-، يقول الله -عز وجل- (اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ)، ما تنقص وما تزداد (وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ * عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ) [الرعد:9].

هل فكرت أيها الأخ الحبيب يومًا فيما ينزل من السماء من المطر، هل فكرت أن تعده أو أن تحصيه، هل فكَّرت فيما يدخل الأرض من الحب والبذر والماء وما يخرج منها من النبات والكائنات، الديدان التي تدخل وتخرج في كل لحظة هل تستطيع عدها أو أن تحصيها وهل تستطيع إلى ذلك سبيلاً؟

الله -سبحانه وتعالى- يعلم كل هذا، يعلم ما يلج في الأرض ما يدخل فيها وما يخرج منها، وما ينزل من السماء، وما يعرج فيها، كل شيء بعلم الله -تبارك وتعالى-، دول عندها التقنيات وعندها الآلات ما استطاعت أن تراقب الدخول والخروج من المطارات، فكيف تستطيع أن تراقب ما يدخل ويخرج من الأرض والسماء، فلا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله الجليل الكريم، لا إله إلا الله الحكيم العليم.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارا به وتوحيدًا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما مزيدًا..

وبعد أيها الأحباب الكرام: بعد ما سبق من الوصف اليسير الذي لا يُذكر لعلم الله -تبارك وتعالى- هل يتصور أحد أنه يستطيع أن يخفي عن الله خافية أو أن يكتم عن الرب -تبارك وتعالى- أمراً..!!

هل يظن إنسان أنه سيخفي سريرة قلبه وما يخفيه صدره عن الله -تبارك وتعالى-؟ أوليس الله -سبحانه وتعالى- هو الذي يقول: (أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ) [البقرة:77]؟!

أليس هو الذي يقول: (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ) أليس هو الذي يقول (وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ) [الأنعام:3]؟!

أليس هو الذي يقول: (أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ) [التوبة:78]؟! أليس هو الذي يقول: (وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى) [طه:7]؟! أي ما هو أخفى من السر.

أليس هو الذي يقول: (وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ) [القصص:69]، فهل يظن أحد أنه سيخفي عن الله شيئًا إلا إذا كان جاهلاً مغرورًا؟

ابن مسعود -رضي الله عنه وأرضاه- يحكي لنا أنه مرة كان مستترًا بأستار الكعبة فجاء ثلاثة نفر من المشركين يقول ابن مسعود في وصفهم "كثير شحم بطونهم قليل فقه قلوبهم" ليس عندهم فقه ولا فهم لماذا؟ أخذوا يتحدثون ويتساءلون فقال أحدهم: هل تظنون أن الله يسمع ما نقول؟ فقال الثاني: يسمع إن أعلنا وإن أخفينا لم يسمعنا، فقال الثالث: إن سمع شيئا من كلامنا سمعه كله.

فذهب ابن مسعود وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بكلام هؤلاء فنزل قول الله -تبارك وتعالى-: (وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ) [فصلت: 22- 23].

ظنوا السوء بالله -تبارك وتعالى- حين يظن الإنسان أنه يقدر على أن يخادع الله -تبارك وتعالى-، حين يتصور الإنسان أنه بإمكانه أن يغيب عن علم الله -تبارك وتعالى-، هذا الظن إن وقع في قلبه أهلكه وأرداه وجعله من الخاسرين.

وعجبًا لبني آدم اغتروا بعلومهم، وظنوا أنها هي الغاية والمنتهى، وظنوا أن ما عندهم من العلم خيرًا من العلم الذي جاءت به الرسل من عند الله -تبارك وتعالى-: (وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ)، ما علموا أن العلم الحق إنما هو ما جاء من عند الحق -سبحانه وتعالى- الذي قال: (اللّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)، قالها -عز وجل- في خمسة مواضع من القرآن أمرهم بالقتال فكرهوا القتال في سبيله فقال لهم: (وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ) [فصلت:23].

ظن الله السوء بالله -تبارك وتعالى- حين يظن الإنسان انه يقدر على أن يخادع الله -تبارك وتعالى- حين يتصور الإنسان أنه بإمكانه أن يغيب عن علم الله -تبارك وتعالى- هذا الظن إن وقع في قلبه أهلكه وأرداه وجعله من الخاسرين.

وعجبا لبني آدم اغتروا بعلومهم، وظنوا أنها هي الغاية والمنتهى، وظنوا أن ما عندهم من العلم خير من العلم الذي جاءت به الرسل من عند الله -تبارك وتعالى-: (وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ)، ما علموا أن العلم الحق إنما هو ما جاء من عند الحق -سبحانه وتعالى- الذي قال: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة: 216]، قالها الله -سبحانه وتعالى- في خمسة مواضع من القرآن.

أمرهم بالقتال فكرهوا القتال في سبيله فقال له: (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [البقرة:216].

أمرهم إذا طلقت المرأة طلاقًا رجعيًّا، وأرادت أن ترجع إلى زوجها أن تعاد إليه ولا يمنعوها فكأنهم كرهوا هذا فقال لهم: (ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [البقرة:232].

أمرهم أن يعاقبوا من يشيع الفاحشة بين المؤمنين أن يعاقبوه عقابًا يردعهم فكأنهم استعظموا هذا الأمر فقال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النور:19].

خاضوا في صفاته وتكلموا في ذاته بمجرد عقولهم فعاتبهم وقال: (فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [النحل:74].

خاضوا في رسله وتكلموا في كتبه بجهل وبغير علم وبغير حق، فقال الله -سبحانه وتعالى-: (هَا أَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [آل عمران:66].

فعجبًا للذين لا يعلمون كيف يردون أمر العليم -سبحانه وتعالى-.

عجبًا للذين لا يفقهون كيف يردون شرائع اللطيف الخبير سبحانه جل في علاه.

عجبًا للإنسان كيف يطغى بعلمه ويتكبر، وإنما جاءه هذا العلم من عند الله الذي (عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) [العلق:5].

وانظر إلى قارون حينما قال: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي) أهلكه الله، ولم ينفعه هذا العلم الذي طغى وتكبر به، فسبحان الله ما أعلمه! وسبحان الله ما أعظمه! وسبحان الله ما أحكمه!، ما قدره الناس حق قدره فعصوه وما عرفوه حق معرفته فكفروه.

يا رب هذا العصر ألحد عندما

سخرت يا ربي له دنياكا

علمته من علمك النوويَّ ما

علمته فإذا به عاداكا

ما كاد يطلق للعلا صاروخه

حتى أشاح بوجهه وقلاكا

واغتر حتى ظن أن الكون في

يمنى بني الانسان لا يمناكا

وما درى الانسان أن جميع ما

وصلت إليه يداه من نعماكا؟

أو ما درى الانسان أنك لو أردت

لظلت الذرات في مخباكا

لو شئت يا ربي هوى صاروخه

أو لو أردت لما استطاع حراكا

يا أيها الإنسان مهلا واتئذ

واشكر لربك فضل ما أولاكا

واسجد لمولاك القدير فإنما

مستحدثات العلم من مولاكا

الله فضَّلك دون سائر خلقه

وبنعمة العقل البصير حباكا

أفإن هداك بعلمه لعجيبة

تزور عنه وينثني عطفاكا

إن النواة والكترونات التي

تجري يراها الله حين يراكا

ما كنت تقوى أن تفتت ذرة

منهن لولا الله الذي سواكا

كل العجائب صنعة العقل الذي

هو صنعة الله الذي سواكا

والعقل ليس بمدرك شيئًا إذا

ما الله لم يكتب له الإدراكا

اللهم علمنا علمًا نافعًا تهدي به قلوبنا وتهدينا به إليك..