المعطي
كلمة (المعطي) في اللغة اسم فاعل من الإعطاء، الذي ينوّل غيره...
العربية
المؤلف | خالد بن سعود الحليبي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة - الحكمة وتعليل أفعال الله |
المخدرات التي ظهرت في هذا الزمان قد أجمعَ العلماءُ على إلحاقها بالخمر؛ لاستواء العلةِ الجامعةِ، بل هي أشدُّ خطرًا من الخمورِ باتفاق الأطباءِ والعقلاءِ، بل وعامةِ الناس، ويُستدلُّ على إلحاقِها بالخمرِ بما...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
أما بعد:
فإن أصدقَ الحديث كلامُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد -صَلى الله عليه وسلم-، وشرَ الأمورِ محدثاتُها، وكلَ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَ ضلالةٍ في النار.
عبادَ الله: نِعَمُ اللهِ -عزَّ وجلَ- على الإنسانِ لا تعدُّ ولا تحصى، قال الله -تعالى-: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم: 34].
ومن هذه النعمِ: تكريمُه عزَّ وجل لبني آدم، يقول الله -تعالى-: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) [الإسراء: 70].
قال القرطبيُّ -رحمه الله-: "التفضيلُ إنما كان بالعقلِ الذي هو عُمدةُ التكليفِ".
فمن هنا جاءَ الشرعُ المطهرُ بحفظِ العقلِ، بل كان ذلك من أعظمِ مقاصدِه إضافةً إلى حفظِ الدينِ والنفسِ والمالِ والنسبِ، ونهى ومنعَ من الإخلالِ بالعقلِ، بل رتَّبَ العقوبةَ على ذلك؛ لأن الإنسانَ بلا عقلٍ دابّةٌ لشهواتِه، تقوده يمينًا وشمالاً، وتحركه إلى الأمامِ والخلفِ، وتُلقي به في مهاوي الردى.
ومن هذا المقصدِ انطلق تحريمُ الخمر؛ لأن الشريعةَ جاءت لمصالحِ العبادِ لا مفاسدِهم، وأصلُ المصالحِ العقلُ، كما أن أصلَ المفاسدِ ذهابُه، فمنعت الشريعةُ من كلِ ما يذهبُه أو يشوِّشُ عليه، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) [المائدة: 90- 91] سمعَ هذه الآيةَ أصحابُ النبي -صَلى الله عليه وسلم- فكانتِ الوقفةُ الأخيرةُ مع الشهوةِ التي مالت إليها النفوسُ، فكُسِرتِ الدِنانُ، وأريقتِ الخمورُ حتى جرت في سككِ المدينةِ رَضي الله عنهم وأرضاهم.
هذا هو الإسلامُ: الاستسلامُ لله بالتوحيدِ، والانقيادُ له بالطاعة، والبَراءةُ من المعاصي.
عبادَ الله: والمخدراتُ التي ظهرت في هذا الزمان قد أجمعَ العلماءُ على إلحاقها بالخمر؛ لاستواء العلةِ الجامعةِ، بل هي أشدُّ خطرًا من الخمورِ باتفاق الأطباءِ والعقلاءِ، بل وعامةِ الناس، ويُستدلُّ على إلحاقِها بالخمرِ بما جاء عن ابنِ عمرَ -رضي الله عنهما- أنه قال: قال رسولُ الله -صَلى الله عليه وسلم-: "كلُّ مسكرٍ خمرٌ، وكلُّ مسكرٍ حرامٌ" [رواه مسلم].
وعن أمِ سلمةَ -رَضي الله عنها- قالت: "نهى رسولُ اللّه -صَلى الله عليه وسلم- عن كلِّ مسكرٍ ومُفتِّرٍ" [رواه أبو داود وفي سنده مقال].
والمفتِّرُ هو ما يجعلُ الأعضاءَ تتخدَرُ وترتخي، وهذه العلةُ موجودةٌ في المخدراتِ، وموجودةٌ في المنشطاتِ بعد زوالِ مفعولهِا.
والعِبرةُ -عبادَ الله- بالمعاني لا بمسمياتِ أهلِ الفسوقِ في كل زمانٍ ومكانٍ؛ فعن أبي مالكٍ الأشعريِّ -رَضي الله عنه- أنه سمعَ رسول اللّه -صَلى الله عليه وسلم- يقول: "ليشربنَّ ناسٌ من أمتي الخمرَ؛ يسمونها بغيرِ اسمِها" [رواه أبو داود وصححه الألباني].
أيها المسلمون: مضارُ الخمرِ والمخدراتِ والمنشطاتِ أكثرُ من أن تحصرَ، ومن مضارِها الدينيةِ: أن شاربَ الخمرِ يرتفع عنه وصفُ الإيمانِ حالَ تناولهِا؛ فعن أبي هريرةَ -رَضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلى الله عليه وسلم-: "ولا يشربُ الخمرَ حين يشربُها وهو مؤمنٌ" [متفق عليه].
وهي مفتاحُ كلِ شرٍ كما أخبرَ بذلك النبيُّ -صَلى الله عليه وسلم- حين قال: "لا تشربِ الخمرَ؛ فإنَّها مفتاحُ كلِ شرٍ" [رواه ابن ماجة وصححه الألباني]، وصدقَ رسولُ اللهِ -صَلى الله عليه وسلم-، فهي مفتاحُ الزنا والقتلِ والسرقةِ للحصولِ على المالِ، وهي الطريقُ إلى الانتحار، وسَبَبُ العقوقِ والحوادثِ المروريةِ وإهمالِ الزوجةِ والأولادِ والوظيفةِ، وغير ذلك من الشرور التي لا يحيط بها إلا الله.
وهي رجسٌ من عملِ الشيطانِ، ومن أعظمِ ما يؤجِّجُ العداوةَ والبغضاءَ بين المؤمنينَ، ومن أعظمِ ما يصدُّ عن ذكرِ الله وعن الصلاة.
ومن أكثرِ المخدراتِ انتشارًا في مجتمَعِنا ما يسمّى ب "الكبتاجون"، ويسمِيها متعاطُوها ب "الأبيضِ" أو "أبو قوسين" أو "القضوم"، أو غيرِ ذلك من الأسماء.
ومشكلةُ تعاطيها وغيرِها من الحبوبِ المنشطةِ قدْ أصبحتْ من أخطرِ المشاكلِ الصحيةِ والاجتماعيةِ والاقتصاديةِ في المملكةِ العربيةِ السعوديةِ بل والعالمِ أجمع، خاصةً أنَّ أغلبَ ضحايا "الكبتاجون" ممن يكونون في سنِ الشبابِ والإنتاجيةِ، وقد تأكدَ علميًّا خطرُ الحبوبِ المنشطةِ على الصحةِ، عِلاوةً على مشاكِلها الأخرى الدينيةِ والأسريةِ والاجتماعيةِ والاقتصاديةِ.
ومما تجدُرُ الإشارةُ إليه أن انتشارَ "الكبتاجون" بين شبابِ أمتِنا أمرٌ مخططٌ له ويستهدِفُ تخريبَ الأمةِ اجتماعيًّا وأخلاقيًّا واقتصاديًّا، وقد صرَّحَ مديرُ عامِ مكافحةِ الجريمةِ بالمملكةِ العربيةِ السعوديةِ في ندوةِ المخدراتِ بجامعةِ الملكِ عبدِ العزيزِ والتي نشرتْها صحيفةُ الندوةِ السعوديةِ بأن ما تم ضبطُه من الحبوبِ المخدرةِ والمنبِهةِ بلغَ مائتينِ وستةً وسبعينَ مليون حبة، وذلك خلالَ سبعِ سنواتٍ فقط في المملكةِ العربيةِ السعوديةِ، ثم قال: "لقد تأكدَ لدى وَزارةِ الداخليةِ في المملكةِ أن هناك أطرافًا دوليةً تعملُ بشكلٍ مكثفٍ على غزوِ المملكةِ العربيةِ السعوديةِ بالمخدراتِ، بالأحرى إسرائيلَ، إن المملكةَ كغيرِها من البلادِ العربيةِ والإسلاميةِ مقصودةٌ في عمليةِ إغراقِ السوقِ بالمخدراتِ وتدميرِ هذا المجتمعِ وتفكيكِ مقوماتِه، ولا يجبُ أن ننظرَ إلى عمليةِ انتشارِ المخدراتِ على اعتبارِ أنها عمليةٌ تجاريةٌ بحتةٌ" ا. هـ. فماذا ننتظر -عبادَ الله- من إسرائيل وأشباهِها غيرَ السمومِ الفتاكةِ؟
هذه الحبوبُ المسمّاةُ ب "الكبتاجون" تقومُ بمنعِ الدماغِ من إرسالِ إشاراتِ النُعاسِ والاسترخاءِ إلى الجسمِ، ليظل في عملٍ ونشاطٍ دائمٍ، والدماغُ يرفضُ ذلكَ، مما يتسببُ حتمًا في تلفٍ جزئيٍّ في الدماغِ، علمًا بأن هذه الموادَ نظرًا لابتعادِها عن حدودِ المراقبةِ القانونيةِ تباعُ في أسواقِ التهريبِ بصورةٍ غيرِ نقيةٍ، وتحتوي غالبًا على شوائبَ وأخلاطٍ خطيرةِ السُّميةِ، تضافُ إما بقصدِ الغشِ، أو لتقويةِ مفعولِها، أو للفتكِ بشبابِ المسلمينَ كما تخططُ لذلك إسرائيلُ وغيرُها من أعداءِ الإسلامِ، والضحيةُ لكلِّ هؤلاءِ واحدةٌ، هذا المتعاطي المسكينُ الذي يفرّط في عقلِه أعزِّ ما يملِكُه الإنسانُ ويفرِّطُ في دينِه وصحتِه وحياتِه.
وأيضًا تزيدُ جرعةُ المتعاطي لهذه الحبوبِ يومًا بعدَ يومٍ، حتى يصل إلى الإدمانِ التامِّ، ومع الإفراطِ في الاستخدامِ تدمِّرُ جهازَ المناعةِ للجسمِ، مما يضعفُ المقاومةَ للأمراضِ، ثم تؤدي إلى ظهورِ حالاتٍ من الهلوسةِ السمعيةِ والبصريةِ واضطرابِ الحواسِّ، فيتخيَّلُ أشياءً لا وجودَ لها، وقد تظهرُ عليه أعراضٌ تشبهُ مرضَ الانفصامِ، وكذلك الشعورُ بالاضطهادِ والبكاءِ بدون سببٍ والشكِ في الآخرينَ؛ مما يسببُ مشاكلَ عائليةً واجتماعيةً للمتعاطي.
ناهيك عن الأضرارِ الماديةِ والتكاليفِ الباهظةِ لهذه المخدراتِ التي تُلجِئ المتعاطيَ إلى بذلِ كلِّ ما في يديهِ من مالٍ لتُجارِ المخدراتِ، ثم يلجأُ بعدَ ذلك للاستدانةِ من الأهلِ والأصدقاءِ، إلى أن يصلَ الحال ببعضِهم إلى ارتكابِ الجرائمِ للحصولِ على هذه الحبوبِ، فإما أن يعملَ مروجًا تابعًا لهؤلاءِ التُّجارِ، أو سارقًا أو نحوِ ذلك.
عبادَ الله: إن النهايةَ الحتميةَ لمتعاطي هذه المنشطاتِ إما السجونُ، وإما المستشفياتُ النفسيةُ، ناهيك عن تدميرِ الأسرةِ وطلاقِ الزوجةِ وضياعِ الأولادِ والفصلِ من العملِ والعُزلةِ الاجتماعيةِ وغيرِها من النهاياتِ الشقيةِ لمن عصى ربه وأطاعَ شيطانه وتأثرَ برُفقاءِ السوءِ: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [النور: 51].
بارك الله لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيمِ.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كلِ ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله ربِ العالمينَ، ولا عدوانَ إلا على الظالمينَ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله وأطيعوه.
إن الله أعدَّ لمتعاطي المخدرات والخمور عقوباتٍ دنيويةٍ وأخرويةٍ، أولُها: اللعنُ والطردُ من رحمةِ اللهِ؛ فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: سمعتُ رسولَ الله -صَلى الله عليه وسلم- يقولُ: "أتاني جبريلُ فقال: يا محمدُ، إنّ الله -عز وجل- لعنَ الخمرَ وعاصرَها ومعتصرَها وشارَبها، وحاملَها والمحمولةَ إليه، وبائعَها ومبتاعَها، وساقيها ومستقيَها" [رواه أبو داود وصححه الألباني].
وعن أبي هريرة -رَضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلى الله عليه وسلم-: "مدمنُ الخمرِ كعابدِ وثنٍ" [رواه أحمد وحسنه الألباني].
ومن عقوباتِه: ما رُويَ عن أبي هريرة -رَضي الله عنه- قال: قالَ رسولُ اللهِ -صَلى الله عليه وسلم-: "أربعةٌ حقٌ على الله أن لا يدخلَهم الجنةَ ولا يذيقَهم نعيمَها: مدمنُ الخمرِ، وآكلُ الربا، وآكلُ مالِ اليتيمِ بغيرِ حقٍ، والعاقُ لوالديه" [وفي سنده مقال].
ومن عقوباتِه: ما جاءَ في الحديث الصحيح عن عبدِ الله بنِ عمروٍ -رضي الله عنهما- قال: قال رسولُ اللهِ -صَلى الله عليه وسلم-: "من شربِ الخمرَ وسكِرَ لم تقبلْ له صلاةٌ أربعينَ صباحًا، وإن ماتَ دَخَلَ النارَ، فإن تابَ تابَ اللهُ عليه، وإن عادَ فشرِبَ فسكِرَ لم تقبلْ له صلاةٌ أربعينَ صباحًا، فإن ماتَ دخلَ النارَ، فإن تابَ تابَ اللهُ عليه، وإن عادَ فشرِبَ فسكِرَ لم تقبل له صلاةٌ أربعينَ صباحًا، فإن ماتَ دخلَ النارَ، فإن تابَ تابَ اللهُ عليه، وإن عادَ كان حقًا على الله أن يسقيَه من رَدْغَةِ الخبالِ يومَ القيامةِ"، قالوا: يا رسولَ الله وما رَدْغَةُ الخبالِ؟ قالَ: "عُصارةُ أهلِ النارِ".
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسولُ اللّه -صَلى الله عليه وسلم-: "من ماتَ وهو يشربُ الخمرَ يدمنُها لم يشربْها في الآخرةِ" [رواه أبو داود وصححه الألباني].
واسمعوا -عبادَ الله- لما أعدَّه اللهُ للمتقينَ الذينَ تركُوا هذه الشهواتِ لوجهِ الله -عزَّ وجلَّ-: يقول الله -تعالى-: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ) [محمد: 15].
اللهم إنا نسألك من فضلك العظيم.
(أَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ)، قال ابنُ كثيرٍ -رحمه الله-: "أي: ليست كريهةَ الطعمِ والرائحةِ كخمرِ الدنيا، بل حسنةُ المنظرِ والطعمِ والرائحةِ والفعلِ".
وقال تعالى: (لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ) [الصافات: 47].
قال ابن كثيرٍ -رحمه الله-: "نزَّه الله -سبحانه وتعالى- خمرَ الجنةِ عن الآفاتِ التي في خمرِ الدنيا من صُداعِ الرأسِ ووجَعِ البطنِ وهو الغَولُ وذهابِها بالعقلِ جملةً، فقال تعالى ها هنا: (يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) [الصافات: 45] أي بخمرٍ من أنهارٍ جاريةٍ لا يخافونِ انقطاعَها ولا فراغَها، قال مالكٌ عن زيدِ بنِ أسلمَ: "خمرٌ جاريةٌ بيضاءُ" أي لونُها مشرقٌ حسنٌ بهيٌ لا كخمرِ الدنيا في منظرِها البشعِ الرديءِ من حمرةٍ أو سوادٍ أو اصفرارٍ أو كُدورةٍ إلى غيرِ ذلك مما يَنفِرُ الطبعُ السليمُ منهُ" ا. هـ.
وقال تعالى: (إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا) [الإنسان: 5- 6]، وقال جل وعلا: (وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً) [الإنسان: 17] كلُّ ذلك وغيرُه مما لم تره عينٌ، ولم تسمعْ به أُذُنٌ، ولم يخطرْ على قلبِ بشرٍ، أعده الله لمن اتقى الله وأطاعَه.
جنَّبَنا الله وإياكم سبلَ المهالك.
اللهم يا عزيز يا حكيم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر إخواننا المجاهدين، وارفع البأس والظلم والجوع عن إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها.
اللهم كما متعتنا بنعمة الأمن، ونعمة التوافق بين الراعي والرعية فنسألك أن تديم أمننا في أوطاننا، وأن تصلح ولاة أمورنا، وتوفقهم لإصلاح رعاياهم.
اللهم أيدهم بالحق وأيد الحق بهم، واجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، سلمًا لأوليائك حربًا على أعدائك، واحفظ إمامنا بحفظك، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة، وجنبه بطانة السوء.
اللهم إنا نجعلك في نحور من يقتل إخواننا، ويعتدي على أعراضهم، في فلسطين وفي العراق وفي سوريا وفي اليمن، وفي ليبيا، وفي كل مكان لك فيه مؤمن بك، مسلم لك، اللهم خلص الأسرى المسلمين والمعتقلين من بين أيديهم ناجين بدينهم وأرواحهم وأعراضهم، اللهم خذ من ظلمهم أخذ عزيز مقتدر، اللهم انزع الملك من بين يديه نزعًا، واجعل ولاية هؤلاء المستضعفين في من ترضاه ويرضيك، ويقيم العدل بينهم، ويحكم كتابك وسنة نبيك -صلى الله عليه وسلمَ- فوق أرضك.
اللهم بارك لنا فيما أعطيتنا، وأغننا بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمن سواك، وأغننا برحمتك يا حي يا قيوم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، واجعلنا من أهل جنة النعيم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.