الجبار
الجَبْرُ في اللغة عكسُ الكسرِ، وهو التسويةُ، والإجبار القهر،...
العربية
المؤلف | محمد بن إبراهيم النعيم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | القرآن الكريم وعلومه - المنجيات |
لقد مر على بلادنا في السنوات الماضية مواسم الشتاء محملة بأكوام هائلة من السحب المليئة بالماء المبارك، ولكنها مرت علينا ولم ينزل منها شيء يُذكر مما يوحي الى أننا كنا محرومين من فضل الله تعالى ومن رزقه المبارك.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
لقد جعل الله -عز وجل- بحكمته من الماء كل شيء حي قال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) [الأنبياء 30].
ولقد جعل الله المطر رحمة وبركة وطهرًا للعباد لا يستغنون عنه مهما أوتوا من نعم. قال تعالى: (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ) [ق 9].
وقال تعالى (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) [الفرقان 48].
لقد مر على بلادنا في السنوات الماضية مواسم الشتاء محملة بأكوام هائلة من السحب المليئة بالماء المبارك، ولكنها مرت علينا ولم ينزل منها شيء يُذكر مما يوحي الى أننا كنا محرومين من فضل الله تعالى ومن رزقه المبارك.
فلماذا حُبس عنا المطر؟
أليس لكثرة ذنوبنا وقلة استغفارنا وامتناعنا عن دفع زكاة أموالنا؟
بل كنا نرى أكوام السحب السوداء المحملة بالماء تغطّي السماء صباحا أو مساءً، ولكن سرعان ما تنقشع وتختفي عنا ثم نسمع أنها نزلت في مدن أو دول أخرى.
فما السبب يا ترى وأين الخلل؟ وحتى عندما ينزل المطر بغزارة تراه أحيانا ينزل في غير موسمه فيضر أكثر مما ينفع وهذا مؤشر آخر على عدم رضا الله عنا.
نحن لا نعترض بذلك على قَدَرِ الله وإنما نقول ذلك لِنُقوِّم سلوكنا ونصحح تعاملنا مع حدود الله.
إن أرض الجزيرة العربية مهددة بجفاف آبارها وعيونها لقلة أمطارها، مما ينذر بموت كثير من الزروع ووقوع كارثة قومية لا تقدر بثمن، فضلاً على انخفاض إنتاج التمور والرطب والقمح والشعير وغيرها من مزروعات أساسية ومهمة في بلدنا، ولا يدرك أبعاد هذه الكارثة إلا العقلاء من الناس والخبراء في مجال الزراعة والاقتصاد، لذلك فإن سلاحنا الأقوى لتعود البسمة على تربة ونباتات بلادنا هو بالاستغفار الذي يُستسقى به.
وأما الاعتماد على وسيلة تحلية مياه البحر فإنه لا يمكنها أن تغطي سوى الحاجات الاستهلاكية المتعلقة بالشرب. وأما لغرض الزراعة فإن الكميات المطلوبة لا يمكن أن تتحملها مصانع التحلية في جميع أنحاء العالم إضافة إلى ارتفاع تكلفتها الاقتصادية.
إنَّ الله لا يحبس القطر عن العباد إلا لذنوب ارتكبوها ولعبادات تركوها، ولقد بين الله لنا أسباب حبسه للمطر كي يحذرنا من الوقوع فيها والتي منها:
أولاً: منع الزكاة: فقد قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "لم يمنع قوم زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا".
ثانيًا: ترك الاستغفار: قال الله تعالى على لسان نوح –عليه السلام- لقومه: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا * مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا) [نوح: 10- 14].
ولقد دعا نبي الله هود –عليه السلام- قومه إلى الاستغفار عندما أصابهم القحط، فقال الله تعالى: (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً * قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ * وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ) [هود 50-52].
إنَّ أسرار الاستغفار وكنوزه جهلها كثير من الناس وغفلوا عنها، ولا يدركها إلا العارفون بالله. جاء إلى الحسن البصري -رحمه الله تعالى- رجل يشكي إليه الجدب فقال استغفر الله، ثم شكا إليه آخر الفقر، وآخر النسل، وآخر قلة ريع أرضه فأمرهم كلهم بالاستغفار. فقال له بعض القوم: أتاك رجال يشكون إليك أنواعًا من الحاجة فأمرتهم كلهم بالاستغفار؟ فتلا له الآية من سورة نوح، (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) [نوح: 10- 12].
وخرج عمر –رضي الله عنه- ذات يوم يستسقي فما زاد على الاستغفار، فقيل له: ما رأيناك استسقيت؟ فقال: لقد استسقيت بمجاديح السماء.
فأولئك القوم عرفوا سِرَّ الاستغفار فأخذوه وعملوا به، وأما نحن فقد استهنا بالاستغفار فغفلنا عنه فماذا حلَّ بنا؟
إن استنزال المطر وقت الجدب لا يتأتى إلا بالصلاة والدعاء المشروع وكثرة الاستغفار، فليس أحد بيده مفاتيح الفرج إلا الله ، ولا ينشئ السحاب إلا الله ، ولا يجري الرياح إلا الله ، ولا ينزل الغيث إلا الله، فلا حل لنا إذن إلا بالاصطلاح مع الله -جل وعلا-، وبكثرة الاستغفار.
إنَّ الاستغفار سلاح لا يعرفه إلا المسلمون، وأما الدول الكافرة فإنه إذا أصابها القحط لا يعرفون كيف يتصرفون ولا يعرفون كيف يستنزلون المطر، وفي الغالب أنهم لا يعرفون من الذي ينزل المطر، ولماذا حبس عنهم.
إنَّ قلة المطر أو كثرته عذاب ونقمه.
تفكروا ببعض الشعوب التي نسمع عنها عبر وسائل الإعلام فأصابها القحط فمات كثير من الناس ونفقت البهائم، وهام الناس على وجوههم يبحثون عن الماء والكلاء، تاركين أوطانهم خلف ظهورهم.
وأما المسلمون فقد أخبرهم ربهم بالوسائل المشروعة لإنزال المطر كصلاة الاستسقاء وكثرة الاستغفار وتقديم حق الفقراء من مال الأغنياء.
فهل نغفل عن سُنَّةِ الله في خلقه ونتشبه بالكافرين فنكون غافلين عن سنن الله في الكون ولا نأخذ بها؟
إن الناظر إلى أحوال المسلمين في عدم حرص الكثير منهم على صلاة الجماعة وهي واجبة فلا ملام عليهم بعد هذا إذا فرّطوا في صلاة الاستسقاء وهي سُنة مؤكدة.
إننا نرى كثيرًا من الناس إذا دعاهم ولي الأمر إلى صلاة الاستسقاء لا يأبهون لذلك، ويعتبرون أن الأمر لا يعنيهم في كثير أو قليل. وإنك ترى كثيرًا منهم يمرون بجانب المصلى ذاهبين إلى أعمالهم، وأما المصلون فلا تسأل عن عددهم. إنهم لا يتجاوزن بضع مئات، وهؤلاء قد لا يشكلون نسبة واحد في الألف من سكان المدينة.
إنَّ المشكلة في ذلك تتمثل في عدم صدقنا في طلب المطر، فالمطلوب من وسائل الإعلام وخاصة التلفاز أنَّ يقوم بدور فاعل في تشجيع الناس لأداء هذه الصلاة.
إن الأمر يحتاج إلى تعبئة كاملة من وسائل الإعلام عند صلاة الاستسقاء، وإن كانت صلاة الاستسقاء لا تعدو على أنها سُنَّة وليست بواجبة، إلا أنَّ أهميتها لكافة المجتمع يستدعي هذا الاستنفار من وسائل الإعلام. فلا تكفي إقامة محاضرة تعريفية أو محاضرتان عن صلاة الاستسقاء وآدابها، وإنما المطلوب المزيد.
فكما يقوم الإعلام بتشجيع الشباب لحضور المباريات الرياضية وتُسخر عشرات الباصات لنقل الجماهير مجانا إلى أرض الملعب، فالواجب من الإعلام تشجيع عموم الناس واستحثاث هِمَمِهِم لصلاة الاستسقاء لأن المطر أولى بالاهتمام من غيره.
وكم أتمنى أنْ يُعمم لطلاب المدارس في كافة البلاد أنْ يصلوا الاستسقاء في مدارسهم ومع أساتذتهم. تعليمًا لهم وتكثيرًا لعدد المصلين، وهو علامة على صدق طلب المطر من الجميع، فما ظنكم إذا صلى أكثر من أربعة ملايين طالب هذه الصلاة، وفيهم الصغير والكبير؟
أليس هذا منظر إيماني يهز الوجدان خاصة إذا رفع الأطفال الصغار الأبرياء أكف الضراعة وأخذوا يؤمنون على دعوات الإمام رغم عدم فهمهم لها، وحيث أنهم أبرياء شقوا بمعاصينا فلعل الله أنَّ يرحم وقوفهم وحالهم وينزل الغيث على بلدٍ جُل أهله قد صف قدميه لله -عز وجل- يسأله إنزال الغيث.
فإذا رأى الله جل وعلا اهتمام الناس ولجوئهم إليه وإلحاحهم وصدق طلبهم فإنَّ الله لا يخيب عباده بأي حال من الأحوال.
أما إذا رأى أكثر الشعب غافل لا يريد أن يبتل بالمطر فلا شك بأن الله لا يستجيب دعاءَ قوم قلوبهم غافلة لاهية.
فإذا كان الله -عز وجل- لا يستجيب لإنسان يدعوه من قلب غافل لاهٍ فهل يستجيب الله لأمة ولأناس ولبلد لا يدعونه أصلاً ولا يحرصون على حضور صلاة الاستسقاء ولا يريدون الإقرار بتقصيرهم؟
وإني أتمنى تغيير موعد صلاة الاستسقاء ليكون الساعة الثامنة صباحًا على سبيل المثال ليكون لدى الموظف متسع من الوقت لإيصال أبنائه وبناته لمدارسهم، ثم يذهب على تؤدة إلى المصلى ليصلي الاستسقاء، وفي نفس الوقت أن يؤدي الطلاب مع معلميهم صلاة الاستسقاء في مدارسهم وبذلك يتسنى لمعظم الشعب أداء صلاة الاستسقاء، أما أن يكون بعد شروق الشمس فترى كثيرًا من الموظفين يمتنع عن الذهاب للصلاة بحجة أن وراءه مشاوير عديدة فهو يريد إيصال زوجته إلى عملها وأولاده وبناته لمدارسهم، وطفله الرضيع إلى بيت أهله، إلى غير ذلك. وكذلك ترى الطالب لا يستطيع الصلاة لئلا تفوته محاضراته في المدرسة أو الجامعة، والنتيجة هو ما نراه من قلة من يصلي الاستسقاء.
لقد كان السلف الصالح يحملون صدق الطلب للغيث. ولقد كانوا في يوم الاستسقاء يأتون مع أطفالهم ونسائهم وبهائمهم إلى المصلى ويتضرعون ويستغفرون ولا يرجعون إلا والمطر قد بلَّلَ ثيابهم. ولقد كانت جّلَّ خطبة الاستسقاء استغفار وتضرع ودعاء في حين أنْ خطبنا المعاصرة أشبه بالمحاضرة العامة الطويلة المملة التي ربما يخلو بعضها من الحث على الاستغفار.
حُكي عن الأوزاعي -رحمه الله تعالى- أنه قال: "خرج الناس يستسقون ، فقام بهم بلال بن سعد، فحمد الله تعالى وأثنى عليه، ثم قال: يا معشر من حضر ألستم مقرين بالإساءة؟ قالوا: بلى، فقال: اللهم إنا سمعناك تقول: (مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) [التوبة: 91]، وقد أقررنا بالإساءة، فهل تكون مغفرتك إلا لمثلنا؟ اللهم اغفر لنا وارحمنا واسقنا، فرفع يديه ورفعوا أيديهم فسُقوا" (الأذكار للنووي، ص612).
وأصاب الناس قحطٌ في بعض السنين، فأمر القاضي منذر بن سعيد بالبروز إلى الاستسقاء بالناس، فصام أيامًا وتأهب، وقيل أنْ الملك عبد الرحمن الناصر هو الذي أمره بالاستسقاء للناس. فلما جاءته الرسالة قال لرسول الملك: كيف تركت الملك؟ فقال تركته أخشع ما يكون، وأكثر دعاءً وتضرعًا، ففرح منذر بن سعيد بذلك وأمر غلامه أنْ يحمل ما يقيهم من المطر وقال سُقيتم والله، إذا خشع جبار الأرض رحم جبار السماء، ثم قال لغلامه نادِ في الناس بالصلاة، فجاء الناس إلى محل الاستسقاء ثم خرج القاضي منذر راجلاً متخشعًا ثم وصل المصلى وقام ليخطب والناس ينظرون إليه يسمعون ما يقول، فلما رأى الحال بكى وافتتح خطبته بقوله تعالى (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الانعام 54]، ثم أعادها مراراً فضج الناس بالبكاء والنحيب والتوبة والإنابة، وقال: استغفروا الله وتوبوا إليه وتقربوا بالأعمال الصالحات لديه، فجَأروا بالدعاء والتضرع، وخطب فأبلغ فلم ينفض القوم حتى نزل غيث عظيم.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من البيان والحكمة، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد الله الغني الحميد، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، بعثه الله رحمة للعالمين، وحجة على الخلائق أجمعين، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: اتقوا الله تعالى وأطيعوه وتدبروا قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ) [فاطر: 15- 17]، واستجيبوا لقوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر: 60].
روى أنس بن مالك –رضي الله عنه- أن رجلاً دخل يوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم يخطب فاستقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائمًا فقال: يا رسول الله هلكت المواشي وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا، قال فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يديه فقال: "اللهم اسقنا اللهم اسقنا اللهم اسقنا"، قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة ولا شيئا وما بيننا وبين سلع (اسم جبل بالمدينة) من بيت ولا دار، قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت، ثم أمطرت قال: "والله ما رأينا الشمس ستًا" (رواه البخاري).
ونحن الآن نتوجه إلى الله سائلينه تعالى كما كان يسأله عبده ورسوله ومصطفاه -صلى الله عليه وسلم-، نعرض حاجتنا عليه ونحط ذنوبنا بين يديه وننتظر الخير من لديه، فاللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم إن بالعباد والبلاد من الجهد والضنك ما نشكو إلا إليك، اللهم أنبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع وأنزل علينا من بركات السماء، وأنبت لنا من بركات الأرض، واكشف لنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك.
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت بنا غفارا، فأرسل السماء علينا مدرارًا، اللهم اجعلها سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا محق ولا بلاء ولا هدم ولا غرق، اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا مريعا، سحا عاما غدقا مجللا، اللهم أغثنا ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسق عبادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت.