البحث

عبارات مقترحة:

القادر

كلمة (القادر) في اللغة اسم فاعل من القدرة، أو من التقدير، واسم...

الرب

كلمة (الرب) في اللغة تعود إلى معنى التربية وهي الإنشاء...

الشكور

كلمة (شكور) في اللغة صيغة مبالغة من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

في فضل شهر محرم وما يشرع فيه

العربية

المؤلف صالح بن فوزان الفوزان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان - الصيام
عناصر الخطبة
  1. فضل شهر محرم .
  2. قصة موسى وفرعون .
  3. صيام عاشوراء وأحكامه. .

اقتباس

(يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ) وهم شعب بني إسرائيل الذين هم من سلالة نبي الله يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله وكانوا إذ ذاك خيار أهل الأرض فجعل يستعبدهم في أخس الصنائع ومع هذا (يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ) وكان الحامل له على هذا الصنع القبيح أن بني إسرائيل كانوا يتدارسون فيما بينهم ما يأثرونه عن إبراهيم عليه السلام من أنه سيخرج في ذريته غلام يكون هلاك ملك مصر على يديه

 

 

 

الحمد لله على فضله وإحسانه، يوالي مواسم الخير على عباده على مدار الأيام والشهور، ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أول سابق إلى الخيرات، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ذوي المناقب والكرامات، وسلم تسليماً كثيراً...

أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله تعالى واغتنموا مواسم الخيرات قبل فواتها.

عباد الله: لما انقضت أشهر الحج المباركة أعقبها شهر كريم هو شهر الله المحرم؛ فقد روى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة قيام الليل" فقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم المحرم شهر الله، وإضافته إلى الله تدل على شرفه وفضله فإن الله تعالى لا يضيف إليه إلا خواص مخلوقاته، وهو مفتاح السنَة، وفيه نصر الله نبيه وكليمه موسى عليه السلام على إمام الكفرة والملحدين فرعون الذي طغى وعلا في الأرض وقال: أنا ربكم الأعلى.

قال الله تعالى: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) [القصص:4] أي قسم رعيته إلى أقسام (يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ) وهم شعب بني إسرائيل الذين هم من سلالة نبي الله يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله وكانوا إذ ذاك خيار أهل الأرض فجعل يستعبدهم في أخس الصنائع ومع هذا (يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ) ..

وكان الحامل له على هذا الصنع القبيح أن بني إسرائيل كانوا يتدارسون فيما بينهم ما يأثرونه عن إبراهيم عليه السلام من أنه سيخرج في ذريته غلام يكون هلاك ملك مصر على يديه وكانت هذه البشارة مشهورة في بني إسرائيل فتحدث بها القبط فيما بينهم وصلت إلى فرعون فأمر عند ذلك بقتل أبناء بني إسرائيل حذراً من وجود هذا الغلام- ولن يغني حذر من قدر- فقد شاء الله أن لا يربى هذا المولود إلا في دار فرعون ويتغذى بطعامه وشرابه- فلما حملت أم موسى به احترزت من أن يعلم بجملها ولم يكن يظهر عليها علامات الحمل فلما ولدته ضاقت به ذرعاً فإذ خشيت من أحد وضعته في ذلك التابوت فأرسلته إلى البحر وكان في التابوت حبل تمسكه به وأرسلته ذات يوم ونسيت أن تربط الحبل فذهب التابوت وفيه ولدها مع النيل فمر على دار فرعون (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ) ووضع بين يدي امرأة فرعون ورآه أمر بذبحه فدافعت عنه وقالت: (قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا) وقد حقق الله لها ما رجت فهداها الله به وأسكنها جنته بسببه.

ولما أراد أن يغذوه بالرضاعة لم يقبل ثدياً فحاروا في أمره فأرسلوه مع القوابل إلى السوق لعلهم يجدون له مرضعة يقبل ثديها، فرأته أخته ولم تظهر أنها تعرفه بل قالت: (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ) [القصص:12] فذهبوا إلى منزلهم فأخذته أمه فلما أرضعته التقم ثديها ففرحوا بذلك فرحاً شديداً، وأجروا لها مرتباً من النفقة والكسوة وجمع الله شملها بابنها قال تعالى: (فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ) [القصص:13]

ثم نشأ موسى عليه السلام برعاية الله وحفظه في بيت فرعون يتغذى بأطيب المآكل ويلبس أحسن الملابس (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى) أي تكامل خلقه وخلقه في سن الأربعين آتاه الله حكماً وعلماً وهو النبوة والرسالة، ثم وجد رجلين يقتتلان أي يتضاربان أحدهما من بني إسرائيل شيعة موسى والثاني من القبط أعداء موسى فطلب الإسرائيلي مناصرته على القبطي فأجابه وضرب القبطي فمات على أثر الضربة وعند ذلك أدرك موسى أنه أساء فاستغفر ربه عز وجل فغفر له.

ثم خاف من فرعون وملئه أن يطلبوه من جراء ذلك القتل، فخرج من مصر إلى تلقاء مدين وهي المدينة التي أهلك الله فيها قوم شعيب، فوصل إليها وبقي فيها وتزوج هناك في مقابل رعايته الغنم ثماني سنين أو عشر سنين.

فلما أكمل الأجل سار بأهله إلى أرض مصر وبينما هو في الطريق أكرمه الله برسالته وبعثه إلى فرعون فبلغه رسالة ربه ولكنه عصى وتكبر وعاند وخاصم فأقام موسى عليه الحجج والبراهين وعند ذلك عدل فرعون إلى استعمال القوة لصد الحق فأمر الله نبيه موسى عليه السلام أن يخرج بمن معه من المسلمين إلى بلاد الشام فخرج بهم ليلاً فلما علم فرعون بخروجهم غضب عليهم وجمع جنوده وسار في طلبهم فأدركهم عند شروق الشمس وقد انتهوا إلى البحر (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ)[الشعراء:61]  لأن العدو خلفهم والبحر أمامهم والجبال عن يمينهم وشمالهم وهي شاهقة -فقال لهم الرسول الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام: (قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء:62]

وتقدم إلى البحر -وهو يتلاطم- وهو يقول: ههنا أمرت فأوحى الله إليه: (أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ) [الشعراء:63] فلما ضربه انفلق وصار اثني عشر طريقاً على عدد أسباط بني إسرائيل وصار البحر يابساً فسلكه موسى بمن معه فلما جاوزوه وخرج آخرهم منه دخله فرعون وجنوده في أثرهم وعندما تكاملا أطبقه الله عليهم فأغرقهم أجمعين وبنو إسرائيل ينظرون إليهم.

وهكذا نصر الله رسوله وكليمه ومن معه من المؤمنين- وأهلك فرعون ومن معه من الكافرين- وكان هذا الحدث العظيم والنصر المبين في اليوم العاشر من شهر الله المحرم وهو يوم عاشوراء وقد صام موسى عليه السلام هذا اليوم؛ شكراً لله عز وجل.

ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود يصومونه فقال لهم: "ما هذا اليوم الذي تصومونه؟" قالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه فصامه موسى شكراً فنحن نصومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فنحن أحق بموسى وأولى بموسى منكم" فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه؛ رواه البخاري ومسلم.

ويستحب صوم يوم قبله أو بعده لما روى مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع" وفي مسند الإمام أحمد: "صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود -صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده".

فينبغي صيام هذا اليوم ويوم قبله أو بعده؛ مخالفة لليهود، وتحصيلاً لفضيلته؛ فعن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صيام يوم عاشوراء فقال: "يكفر السنة الماضية" رواه مسلم وغيره وابن ماجه ولفظه: "قال صيام عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي بعده" والمراد تكفير الذنوب الصغائر- أما الذنوب الكبائر كالزنا وشرب الخمر وأكل الربا فإنها لا تكفر إلا بالتوبة منها.

فاتقوا الله عباد الله وبادروا مواسم الفضائل قبل فواتها- واعتبروا بقصص الأنبياء وسيرهم.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [يوسف:111]

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم..