الحفي
كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...
العربية
المؤلف | عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - الحكمة وتعليل أفعال الله |
والإنسان مرتبطٌ ببيئته، وعنصرٌ مؤثّرٌ عليها، أُمرَ بحماية البيئة الطبيعية والاجتماعية؛ لأن بها عمارة الأرض، وسلامة الإنسان والكائنات جميعاً، فيجب حمايتُها من التلوّث والتخريب والانقراض... وإن جهلَ الإنسانِ وعدوانيّتَه تخريبٌ للبيئة وإفساد... وخاطب الله الإنسان: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا) [الأعراف:85]...
الخطبة الأولى:
الحمد لله نهى عن الفساد في الأرض والأوطان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الديان، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرشد الأمة لطريق السعادة ودخول الجنان، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ما تعاقب دهرٌ وزمان.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وتأمّلوا كيف تكلم القرآن كثيراً عن عظيم صنع الله وروعته بالأرض، (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ) [فاطر:27]، ويقول -سبحانه-: (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ) [فصلت:10].
الإسلام يأمرُ بكلّ خير، وينَهى عن كلّ شرّ، يحثُّ على الآدابِ ومحاسنِ الأخلاق،كالحفاظِ على البيئة التي نعيشُها. والأرض التي نسكنها نهتمّ بها؛ لمصلحة الفرد والمجتمع.
والإنسانُ مستخلفٌ في الأرض، (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة:30].
خلافةُ الأرضِ مسؤوليةٌ جسيمة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الدنيا حلوةٌ خضرة، وإن الله مستخلِفُكم فيها فناظرٌ ماذا تعملون" رواه مسلم.
فاستخلافُ الإنسان خيرُ رابط بينه وبين بيئته، وخالق الإنسان وصانع البيئة واحد، (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ) [السجدة:7].
والإنسان مرتبطٌ ببيئته، وعنصرٌ مؤثّرٌ عليها، أُمرَ بحماية البيئة الطبيعية والاجتماعية؛ لأن بها عمارة الأرض، وسلامة الإنسان والكائنات جميعاً، فيجب حمايتُها من التلوّث والتخريب والانقراض.
فحمايةُ الصحة والبيئة، والتوعية والتثقيف، والتربية على العناية بالصحة، وحمايةُ الأحياءِ والحياةِ على هذه الأرض، دينٌ وخلقٌ عظيم، فما صنعه الخالق -سبحانه- كاملٌ متقن، ولا شيءَ خُلقَ عَبثاً في هذا الوجود، (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) [النمل:88].
وإن جهلَ الإنسانِ وعدوانيّتَه تخريبٌ للبيئة وإفساد، (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) [الروم:41]، وخاطب اللهُ الإنسانَ: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا) [الأعراف:85]؛ وذلك للعيش بها، والاستفادة منها.
الطهارةُ مثلاً -عباد الله- وأحكامها تربيةٌ على النظافة في الجسد والملبس والبيت والشارع والإناء، وحماية للبيئة، (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) [المدثر:4]، (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) [المائدة:6].
فالطهارة حمايةٌ للبيئةِ من التلوّث، ونعمةٌ من الله، بها تصلح أحوال الحياة؛ فالله طيب لا يقبلُ إلا طيباً، ونظيفٌ يحبُ النظافة،كما ورد.
ومن الطهارةِ حمايةُ البيئة من تلويثها وإفسادها، فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن البُصاق في الأرض لمضرّته ومخالفةِ الذوق، ونهى عن التغوّط تحت الأشجار المثمرة، والتبوّلِ في المياه الراكدة والجارية وعلى الطرقات؛ حمايةً للبيئة، وحفظاً للطهارة والصحة، فخطر فضلات الإنسان على الصحة وتلوّث البيئة -خاصةً المياه- كبير؛ إذ إنها تساعد على نموّ الجراثيم وتفشّي الأمراض.
ومن ذلك تساهلُ بعضِ المزارعين بلا خوفٍ من الله بوضع المبيدات والكيماويات وبيعها مباشرة، وهذا ضرر بيئيٍ وخلقي؛ فالإسلام يحمي الإنسان ويحافظ على صحته وحياته المدنية، بجلب المصالح له ودرءِ المفاسدِ عنه، فلا ضرر ولا ضرار؛ فما يضرُّ الأرضَ والبيئةَ الإسلامُ يُحرّمُه، كالتجاوز في الصيد، وإفساد البحار والبراري، وتلويثها بآثار المصانع المدمّرة، وغير ذلك مما اتفق البشر على خطرِه وضررِه بالتخلص من الفضلات ومخلّفات مجازر الحيوانات وفضلاتها، هذه من أكبر مصادر التلوّث بالجراثيم والأمراض، وهو إفسادٌ في الأرض...
عباد الله: البيئةُ -في العالم أجمع- تشكو مما أصابها وأثر على كيان الأرضِ ومخلوقاتِها، مما يدعو جميع الخلق، دولاً وشعوباً، لمواجهة تلك المشكلاتِ البيئيّة، كتلوّث الهواء والماء، والتلوث الإشعاعي والضوضاء، وتلوّث التربة والغذاء، كل ذلك خطر على الأرض والإنسان، فكلّنا في أرضٍ واحدة، ومن المهم أن نتفق على حمايتها بعد أن أصلحها الله.
الإحصاءاتُ عن تضرر البيئة والجو مخيفة، فقد توفي عام خمسة عشر وألفين فقط اثنا عشر ونصف مليون إنسان في العالم لأسباب تتعلق بالبيئة؛ إضافةً لانقراض أعداد مخيفة من الطيور والحيوانات، وتعرّض عدد آخر للخطر.
أما الغابات الخضراء فهي في تناقص مستمر بمعدل اثنين في المائة سنوياً نتيجة الاستنزاف؛ مما سبّبَ التصحّرَ وانعدام الغطاء النباتي، وخمسة عشر في المائة من أنهار العالم ملوّثة، وتحتاج بعض البحار في العالم إلى مئات السنين للتخلص من التلوث الذي أصابها!.
تغيّر المناخ وتقلّباته وكثرة الغبار مؤخراً بسبب تأثر الغطاء النباتي وتلوّث الهواء بأضراره وبنسبه المخيفة أصبح يمثل قلقاً لنا وللعالم، والعجيب أن بلداناً نسميها متطورة تدّعي المحافظة على البيئة هي أكثر الدول المسببِّة للتلوث بنسبٍ عالية كأمريكا وأوروبا والصين وغيرها؛ بسبب المصانع، لكن هذا لا يُعفي بلداننا نحن من الخطأ والمسؤولية.
أما المياه، فالممارساتُ الخاطئة والإسراف بها ببيوتنا ومزارعنا أدى لندرتها ونضوبها في الأرض، مما يُهدّدُ بخطرٍ حقيقي بفقدها، عياذاً بالله!.
لقد وصل استهلاك المياه للفرد الواحد فقط في بيتٍ واحد إلى خمسين وثلاثمائة لتر يومياً، لاحظ للفرد، وهو أمر لا مبالغة به إذا تخيلنا ما تقوم به العاملة المنزلية مثلاً من الصباح إلى المساء، كما أن الاستهلاك الزراعي للمياه يُهدّدنا بمشكلةٍ كبرى لأنه يستهلك أكثر من تسعين في المائة من مياهنا الجوفية سنوياً، إعدادُ لترٍ من اللبن يحتاج لـخمسة وعشرين لتراً من الماء... وكأننا نعيش على أنهار، مما يجعلنا في خطرٍ داهمٍ لفقد المياه. انظروا لإسرافنا بالكهرباء في بيوتنا، وإهمالُ أولادِنا!.
أما إسراف الطعام وبقاياه، حسب آخر إحصاء، فنحن الأوّل عالمياً مع الأسف! نعم نحن! بما نتركه من بقايا أطعمة تتلف بسبب الإسراف.
إسرافٌ وتعدٍّ باستخدام السيارات، خاصةً في البراري والمتنزهات، وكأن الدِّين لم يأمرنا، والأرض والوطن لا يهمّنا!.
حقائقُ وإحصاءات توضح مدى خطورة الوضع الذي وصلت إليه أرضُنا إن لم ننتبه لذلك نتيجةَ سوء استخدام البيئة من قبل الإنسان بسبب الإفساد في كلِّ الأرض بعد إصلاحها، وهي مظاهر تستلزم التدخل السريع للإنقاذ، ولا إنقاذَ للبشرية إلا بفهم تعاليم الإسلام.
والأديانُ كلُّها تدعو للمحافظة على البيئة، وتُحرِّم تلويثَها وإفسادها؛ فالله خلقَها للإنسان، وسخّرها لخدمته ومنفعته، (وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ) [النحل:5]، (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل:14].
الكون مسخر بأمر الله لك أيها الإنسان؛ فحافظ على نظافته ونظامه الدقيق البديع الذي خلقه الله عليه.
عباد الله: حمايةُ البيئةِ في الإسلام سببٌ للحفاظ على الإنسان الذي أُمر بعدم الإسراف واستنزاف الموارد الطبيعية وتبديدها، (كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [البقرة:60]، (وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ) [الشعراء:151]، وكذلك بقيةُ العناصر الطبيعية من ماءٍ وهواء أولاهما الإسلام عنايةً كبرى؛ لأنهما عنصران أساسيّان، بهما وجود الإنسان والنبات والحيوان، (وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) [الأنعام:65].
يحثُّ -صلى الله عليه وسلم- على حماية البيئة ومكوناتها، فكان يُوصي الجيوش بــأن "لا تقتُلُنَّ امرأةً، ولا صغيرًا رضيعًا، ولا كبيرًا فانيًا، ولا تُحرقنَّ نخلاً، ولا تقلعُنَّ شجرًا، لا تهدموا بيوتًا" رواه مسلم، هذا في الحرب، فكيف بالسلم؟.
انظروا كيفية تعظيم الحرم وربطه بالعبادة بالمحافظة على بيئته بعدم قطع شجره وتنفير طيره وعدم صيده للمحرم!.
ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "ما من مسلم يغرس غرسًا إلا كان له صدقة" رواه مسلم؛ تشجيعاً على الشجرة وغرسها ونشرها، والمحافظة عليها من العابثين السفهاء ممن يتسبَّبُ باستهتار في قطع الأشجارِ، بل وجريمة قلعها من جذورها، والاحتطاب الجائر على الغابات التي تمثُّلُ حمايةً للأرض والهواء والنبات.
وما أكثر التعدّي على الشجر والغطاء النباتي اليوم باسم الفوضى أو فعاليات غير منظمة تفسد البيئة! فأين هذا من حرص الأوائل ممن قالوا عن الشجرة: "غرسوا فأكلنا ونغرس فيأكلون"، ويقول -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه البخاري-: "إِنْ قَامَتْ عَلَى أَحَدِكُمُ الْقِيَامَةُ وَفِى يَدِهِ فَسِيلَةٌ فَلْيَغْرِسْهَا". إنه منتهى الأمل، وتواصل العمل بدون كلل.
ولك أن تتساءل: من سيستفيد من غرس الفسيلة مع قيام الساعة؟ لكنه تشجيع لمفهوم البيئة والشجرة والحفاظ عليها.
إننا اليوم نفقد كثيراً من الأشجار والمناطق الخضراء بسبب فوضى يمارسها البعض إما جهلاً أو جشعاً بالمال أو غيره، والماء يتناقص في بطن أرضنا بإسرافنا! يمرُّ -صلى الله عليه وسلم- بصحابي يتوضأ فقال: "ما هذا السرف؟" فقال: "أفي الوضوء إسراف؟"، قال: "نعم، وإن كنت على نهر جارٍ" رواه ابن ماجة.
ويقول أبو بكرٍ الصديق -رضي الله عنه-: "لا تعقروا نخلاً، ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بعيرًا إلا لمأكلة". فأين دورك -أخي- في حماية البيئة والحفاظ على مقدرات الأرض التي ذلَّلها الله لنا لنعيش فيها؛ لتنال الأجر وتتجنب الإثم بالاحتطاب الجائر والإفساد؟.
أيها الشباب: هذه المتنزهات الطبيعيّة والأشجار حافظ عليها آباؤكم وحموْها من الاحتطاب الجائر؛ فحافظوا عليها، واحرصوا على نظافتها. أليس عيباً أن تجدَ مستهتراً لا يبالي بقطعها أو بجرها بسيارته إجراماً؟ أو ترى منتزهاتنا مليئة بقاذورات أصحابها، مع أن التعاون على نظافة مكانك لا يُكلّفك شيئاً، ويدلُّ على دينك وخلقك وثقافتك؛ فديننا دين النظافة والطهارة.
أيها الشباب: كونوا خيراً لدينكم وأوطانكم وبيئتكم، واحذروا من ممارسات الإفساد في الأرض والشجر والشوارع بسيّاراتكم التي أنعم الله بها عليكم.
إن مما يؤسى له هذه المناظر لممارسات الشباب بسياراتهم في البراري والمتنزهات والمناطق الخضراء بتجمعات الفوضى والتفحيط، وشذوذ وإجرام سبق تكلّمنا عنه، وكذلك ترك أماكنهم مزبلةً بعدهم. فهل هذا تصرف ديني وحضاري؟ وهل هو مِن شُكر الله على نعمة المال والصحة والفراغ؟.
أيها الشباب: إنّها فعالياتٌ وبرامج تُقام للترويح عنكم فلا تفسدوها بتصرفاتكم! ينبغي أن يكون الشعور بحماية البيئة والشجرة هماًّ نتواصى عليه بطريقة سيرنا واستخدامنا للمكان والفياض الناضرة، فإسلامُنا مدرسةُ خلقٍ، وقرآنُنا منهجُ حياة، والسنةُ تعليمٌ وبيان؛ فهل تعلّمنا الدرس وحافظنا على البيئة قبل فسادها بصنع أيدينا؟ (وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ * أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) [النحل:15-17]، (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [البقرة:199].
نسأل الله -جل وعلا- أن يهدي شبابنا لصالح الأخلاق، وأن يحفظ لنا أرضنا من كل سوء، ويهيئنا لحفظ بيئتنا وفهم ديننا وتطبيق تعاليمه؛ ونسأله شكر نعمته ودوامها والمحافظةَ عليها من الإسراف والتبذير.
أقول ما تسمعون...
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أيها الأحبة: عند الحديث عن البيئة والمحافظة عليها يسعدنا ما نراه من العقلاء والمختصّين بالوعيِ بها ونشرِ مفهومها، وكذلك حرصُ بعض الناس عليها ممن يحافظون على النظافة ويستفيدون من مرافق الأرض وبراريها بدون إفساد، وهذا وعيٌ -ولله الحمد- موجودٌ ويزيد.
ولكنّ المؤلمَ -أيضاً- جهلُ وسوء تصرّف البعض وإفسادهم الشجر والأرض رغمَ جهودٍ كبيرة لجهاتٍ حكومية بنشر مفهوم الحفاظ على البيئة من أمارةٍ وبلدية وزراعةٍ ومياه وغيرها؛ بمحاربة الاحتطاب الجائر، والإسراف، ووجود هيئةٍ للبيئة وحماية الحياة الفطرية، نحن نشكر مثل هذه الجهود؛ لكننا نطالب بزيادتها، ونشر الوعي بها، فهذا العالَم الذي نعيش به أصلحه الله، صنع نظامه واستخلفنا فيه، فلا نفسد فيه بممارساتنا، هذا شعور يجب أن نربي عليه أولادنا وأهلنا، فكثير من هذه الممارسات الخاطئة لأولادنا تحتاج إلى التوعية والانتباه دوماً.
نريد أن تكون البيئة وأهميتها والحفاظ على مقدرات الأرض همَّاً وتربية وتعليما في مدارسنا، فما يفعله المتهوُّرون بسياراتهم وإفسادهم للبراري والمتنزّهات نتاجُ بيوتنا ومدارسنا.
البيئة تحتاج -إخوتي- أيضاً لبرامج مكثفة في إعلامنا ومساجدنا، وفتاوى للعلماء، بتحريم ما يحصل من تعدٍّ واحتطاب جائر منعه ولي الأمر لمصلحة البلاد والعباد، نحتاج لعقوبات صارمة في نظامنا للمتجاوزين على البيئة والمفسدين في الأرض والمسرفين، هكذا تنهض البلاد وتصلح.
اللهم اجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر، وأصلح أرضنا وشجرنا وماءنا وسائر أحوالنا، وجنبنا الإسراف والتبذير، وبارك لنا فيما أعطيتنا من نعم، وجنبنا الإسراف، وارزقنا شكرها.
ربنا لا تؤاخذنا بما يفعل السفهاء منا، اللهم وفق ولاة أمرنا لكل ما فيه خير ديننا وبلادنا، وانصر جندنا المرابطين، وكن لإخواننا المسلمين المستضعفين، واكفهم شرّ الطغاة والمرجفين يا رب العالمين...