المجيد
كلمة (المجيد) في اللغة صيغة مبالغة من المجد، ومعناه لغةً: كرم...
العربية
المؤلف | صالح بن فوزان الفوزان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصيام |
حافظوا على صيامكم مما يخل به أو يفسده من الأعمال السيئة والأقوال الآثمة؛ فاحفظوا أسماعكم من سماع ما حرم الله من الأغاني وقول الزور والغيبة والنميمة، واحفظوا أبصاركم عن رؤية ما حرم الله عليكم من المناظر الفاتنة؛ فإن النظر سهم مسموم من سهام إبليس، واحفظوا ألسنتكم من قول الزور وشهادة الزور والغيبة والنميمة والشتم والسباب؛ فإن سابك أحد فلا ترد عليه بالمثل بل قل: إني صائم
الحمد لله الذي خص شهر رمضان الفضل والإحسان. وجعله موسماً لنيل العفو والغفران. أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان. أحمده على نعمه التي لا تزال تتوالى على العباد في كل زمان. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أوجب على العباد صوم شهر رمضان. ليضاعف لهم الأجور ويغفر الذنوب والعصيان. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله كان يخص شهر رمضان بمزيد طاعات من صلاة وتلاوة قرآن وصدقة وإحسان. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما تعاقبت الشهور وتوالت الأزمان وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله، واسمعوا ما ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيان فضائل شهر رمضان: عن سلمان رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في آخر يوم من شعبان فقال: "يا أيها الناس قد أظلكم شهر مبارك شهر فيه ليلة القدر خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعاً. من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه. ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه. وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة. وشهر المواساة. وشهر يزاد فيه رزق المؤمن، ومن فطر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره غير أن ينقص من أجره شيئاً". قالوا: يا رسول الله ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يعطي الله هذا الثواب لمن فطر صائماً على مذقة لبن أو تمرة أو شربة ماء. ومن سقى صائماً سقاه الله عز وجل من حوضي شربة لا يظمأ بعدها أبداً حتى يدخل الجنة. ومن خفف عن مملوكه فيه غفر الله له وأعتقه من النار (حتى يدخل الجنة) وهو شهر أوله رحمة. وأوسطه مغفرة. وآخره عتق من النار. فاستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غنى بكم عنهما. أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله وتستغفرونه، وأما اللتان لا غنى بكم عنهما فتسألون الله الجنة وتعوون به من النار" رواه ابن خزيمة والبيهقي وغيرهما.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أظلكم شهركم هذا لمحلوف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما مر بالمسلمين شهر خير لهم منه. ولا مر بالمنافقين شهر شر لهم منه".
أيها المسلمون: اشكروا الله؛ إذ بلغكم شهر رمضان، وسلوه الإعانة على فعل الخيرات وتقديم الطاعات، وأن يتقبل منكم صيامكم وقيامكم. ويغفر لكم سيئاتكم، واعمروا أوقاته بالأعمال الصالحة؛ فإنها هي التجارة الرابحة؛ فإن ربكم قد أتاح لكم الفرصة وأعطاكم المهلة، ومكنكم من العمل الذي ينفعكم؛ فلا تضيعوا هذا الشهر باللهو والغفلة والإقبال طلب الدنيا.
فإن بعض الناس لا يعرف من شهر رمضان إلا أنه وقت للتفنن في المأكولات والمشروبات، فيشغلون ليله بالأكل والشرب والسهر على القيل والقال والمزاح والضحك، ويضيعون نهاره بالنوم والكسل. فلم يزدهم رمضان إلا رغبة في الأكل وحرصاً على النوم. وصنف آخر من الناس ينشغلون في رمضان بالبيع والشراء وطلب الدنيا؛ لأن حركة الأسواق تزيد في رمضان فينتهزونه فرصة لطلب الدنيا. إننا لا نطلب من هؤلاء أن يغلقوا دكاكينهم ويعطلوا الأسباب، ولكن نريد منهم أن لا يصرفوا كل الوقت لطلب الدنيا، وإنما يأخذون من ذلك بقدر لا يطغى على طلب الآخرة ويفوت مواسم العبادة. فقد كان السلف يتفرغون في رمضان حتى من طلب العلم، ويقبلون على الصلاة والتلاوة والذكر.
أيها المسلمون: حافظوا على صيامكم مما يخل به أو يفسده من الأعمال السيئة والأقوال الآثمة؛ فاحفظوا أسماعكم من سماع ما حرم الله من الأغاني وقول الزور والغيبة والنميمة، واحفظوا أبصاركم عن رؤية ما حرم الله عليكم من المناظر الفاتنة؛ فإن النظر سهم مسموم من سهام إبليس، واحفظوا ألسنتكم من قول الزور وشهادة الزور والغيبة والنميمة والشتم والسباب؛ فإن سابك أحد فلا ترد عليه بالمثل بل قل: إني صائم؛ فليس الصيام هو الإمساك عن الطعام والشراب فقط، بل هو إمساك كذلك عن كل ما حرم الله.
أيها المسلمون: عليكم بتلاوة القرآن العظيم في هذا الشهر العظيم اقتداء بنبيكم -صلى الله عليه وسلم- فقد كان يلقاه جبريل فيدارسه القرآن في شهر رمضان، وكان السلف الصالح يكثرون من تلاوة القرآن في هذا الشهر، وأخبارهم في ذلك مشهورة.
ذلكم -يا عباد الله- لما لهذا الشهر من خاصية بالقرآن على غيره من الشهور قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) وقد صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من قرأ حرفاً من كتاب الله فله عشر حسنات".
ولتكن تلاوتكم للقرآن بتدبر وخشوع وحضور قلب وترتيل لآياته وحسنوا أصواتكم بالتلفظ به ما استطعتم. اقرؤوه في المسجد والبيوت وأكثروا من تلاوته وترديده؛ فإنه لا يخلق عن كثرة الرد ولا تفنى عجائبه.
ألزموا أولادكم بتلاوته وتفقدوهم في ذلك وشجعوهم بالجوائز التي تشجعهم على تلاوته، ولا تتركوهم يهيمون في الشوارع ويضيعون الأوقات في اللعب؛ فإنهم يشبون على ما عودتموهم.
فيا أيها المسلم.. يا منْ منّ الله عليك بحفظ كتابه العظيم: اشكره على هذه النعمة العظيمة، وداوم على تلاوته وتعاهده، لا سيما في هذا الشهر المبارك، تلذذ بألفاظه وتفكر في معانيه فلا أحلى من كلام الله.
أيها المسلمون: لازموا صلاة التراويح ولا تفرطوا فيها فإن ثوابها عظيم؛ روى الإمام أحمد والترمذي وصححه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" متفق عليه. والتراويح سنة مؤكدة وفعل الصحابة لها مشهور، وتلقته الأمة بالقبول خلفاً بعد سلف. فاحرصوا عليها ولا تتكاسلوا عنها فإنكم بأشد الحاجة إليها لعل الله أن يكتبكم مع الصائمين القائمين.
أيها المسلمون: استقبلوا شهركم بارك الله لكم فيه بالتوبة والفرح بإدراكه، واجتهدوا في استغلال أوقاته الشريفة بما ينفعكم (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) اجعلوه منطلقاً لكم من أسر الشهوات والغفلة إلى نور الطاعة والتقوى؛ لعله يكون منبهاً لكم على تفريطكم فيما مضى لتستدركوا ما تبقى من أعماركم؛ فإنه ليس لكم من أعماركم إلا ما عمرتموه بالطاعة، وما ضيعتموه فإنه يكون حسرة عليكم.
أيها المسلمون: هذا شهر البركات. هذا شهر الخيرات. هذا شهر الرحمة و المغفرة. والعتق من النيران. هذا شهر فيه ليلة خير من ألف شهر من قامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه. فبين أيديكم شهر كريم وموسم عظيم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).