العربية
المؤلف | أحمد بن ناصر الطيار |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصلاة - فقه النوازل |
وينبغي تجنُّب الخطأ الذي يقع مِن بعض المأمومين عند إقامة الصلاة, حيث يلتفت يمنةً ويسرة, وبعضهم مشغولٌ بالحديث مع صاحبه, حتى إنّ الإمام يُكبر للصلاة وهو مشغولٌ بالحديث مع صاحبه, وبعضهم يقف مكانه بلا حراك, ولا يلتفت إلى نداء الإمام له بالتراصِّ والاعتدال, وبعضهم يتأخر عن القيام لاسْتكمال آياتٍ من القرآن, ولم يعلم أنَّ التلاوة سنة, وإتمامَ الصف واجبٌ يأثم بالإخلال به.
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه, وعلى آله وأصحابه, ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين, وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله, واعلموا أن الصلاةَ لَمَّا كانت أعظمَ ركن, وأعلا فريضةٍ بعد الشهادتين, كانت لها شروطٌ وواجباتٌ تسبقها, كالوضوء, وتجنُّبِ الرائحةِ الكريهةِ المؤذية, وغيرُ ذلك من واجبات وشروط الصلاة.
ومِن واجبات الصلاة وآدابها: تسويةُ الصفوفِ وإقامتها, والقيامُ لها عند الإقامة دون تأخير, بسكينةٍ وتؤدة, وقطْعٍ للكلام والالتفات الذي لا نفعَ فيه.
وكلُّ هذا من أسباب قبول وإقامة الصلاة, والطمأنينةِ والخشوع, وإجابةِ الدعاء فيها, قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "سَوُّوا صُفُوفَكُمْ؛ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ", وفي رواية: "مِنْ حُسْنِ الصَّلَاةِ". متفق عليه.
والمراد بتسوية الصفوف: اعتدالُ المأمومين على سمتٍ واحد، مع سدِّ الخلل الذي في الصف, وألا يتقدم أحد على أحد، لا بصدره، ولا بكعبه.
والمعتبر المناكب في أعلى البَدَن، والأكعُب في أسفل البَدَن.
وينبغي التَّراصُ في الصَّفِّ, وهو عدمُ تركِ فُرَجٍ للشياطين، وليس المراد بالتَّراص التَّزاحم؛ لأن هناك فَرْقاً بين التَّراصِّ والتَّزاحم.
وقد قال أَنَس بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه: «كَانَ أَحَدُنَا يُلْزِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ، وَقَدَمَهُ بِقَدَمِهِ» رواه البخاري.
والسنة لمن دخل المسجد أنْ يُبادر إلى الصف الأول, ولْيقترب أهل العلم والعقل والدين من الإمام, قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى, ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» رواه مسلم.
ومن الحرمان أنْ ترى الرجل يُفرط في الصف الأول, أو يأتي مُبكّرًا ثم يجلس في الخلف, ولو كشف الله تعالى ما لك من الأجر الْمُدَّخر عنده: ما تأخرت عن الصف الأول يومًا واحدًا, ولو دفعت مالاً للوصول إلى الصف الأول لدفعتَه.
قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا» متفق عليه.
ومعنى الحديث: أنّ الناس لو علموا فضيلة الصف الأول وقدره وعظيم جزائه, ثم لم يجدوا طريقًا يُحَصِّلونَه به, لاكتمالِه وعدمِ وجودِ فُرَجٍ فيه, لاقترعوا في تحصيله.
واعلموا - معاشر المسلمين- أنّ أيمنَ الصَّفِّ ليس بأفضلَ مِن أيسره على سبيل الإِطلاق؛ لأنه لو كان على سبيل الإِطلاق كما في الصف الأول: لقال الرسولُ -عليه الصلاةُ والسلام-: "أتمُّوا الأيمن فالأيمن", كما قال : "أتِمُّوا الصَّفَّ الأول فالأول".
وإنما يكون يمينُ الصف أفضلَ من يساره: إذا تساوى اليمينُ واليسار أو تقاربا؛ بحيث لا يظهر التفاوتُ بين يمين الصّفِّ ويسارِه، أما مع التّباعد فلا شكّ أن اليسار القريبَ أفضلُ مِن اليمين البعيد.
والسنة للإمام إذا أُقيمت الصلاة, أن يُقْبل بوجهه تجاه المأمومين, ويتفقدَ صفوفهم, ويأمرَهم بتسويتها وإتمامها.
قال البخاري -رحمه الله-: بَابُ إِقْبَالِ الْإِمَامِ عَلَى النَّاسِ عِنْدَ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ, ثم روى بسنده عن أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ, فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِوَجْهِهِ فَقَالَ: "أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ وَتَرَاصُّوا, فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي".
ويجب على الإمام أن يحرص على تسوية الصفوف, ويُرشدَ من يراه قد أخلّ بذلك, ولا يتحرجُ من ذلك أبداً.
قال العلاَّمةُ ابن عثيمين -رحمه الله-: "يجب على الإمام أن يعتنيَ بتسوية الصف, ولا تأخذه في الله لومةُ لائم؛ لأن كثيراً من الجهلة, إذا تأخر الإمام في التكبير لتسوية الصفوف, أخذهم الحنَقُ والغضب، فلا ينبغي أن يباليَ الإمام بأمثال هؤلاء". ا.هـ
وهي واجبةٌ يأثم من أخلَّ بها, خَرَجَ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا للصلاة, فَقَامَ حَتَّى كَادَ أن يُكَبِّر, فَرَأَى رَجُلاً بَادِيًا صَدْرُهُ مِنَ الصَّفِّ فَقَالَ: «عِبَادَ اللَّهِ لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ, أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ».
واعلموا معاشرَ المصلِّين: أن الصفوف في الصلاة, مما خصَّ الله به هذه الأمة وشرفها به ؛ فإنهم أَشْبَهُوا بذلك صفوف الملائكة في السماء, ثبت صحيح مسلم عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قالَ: «فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلاَثٍ, وذكر منها : جُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلاَئِكَةِ».
فلْنلتزمْ بهذا الأدب يا أمة الإسلام, فإذا أُقيمت الصلاة فلا ينبغي أنْ ننشغل بشيء عنها أبداً, ولْنَقُمْ إليها بلا تأخيرٍ ولا انْشغالٍ أو حديثٍ, ولْيكن همُّنا وشُغلُنا: الاسْتعدادُ للمثول بين يدي الله تعالى.
ولْينظُر كلُّ واحدٍ منَّا إلى كعبيه, ليتأكد أنها قد حاذت كعب مَن بجواره.
ومِمَّا يجب علينا عند إقامة الصلاة, أنْ نُعين الإمام على تسوية الصف, وننَهى الأطفال عن اللعب, ونأمرَهم بالاصْطفاف, ونُرشدَ مَن بجوارنا بالتراصِّ والاعتدال.
وينبغي تجنُّب الخطأ الذي يقع مِن بعض المأمومين عند إقامة الصلاة, حيث يلتفت يمنةً ويسرة, وبعضهم مشغولٌ بالحديث مع صاحبه, حتى إنّ الإمام يُكبر للصلاة وهو مشغولٌ بالحديث مع صاحبه, وبعضهم يقف مكانه بلا حراك, ولا يلتفت إلى نداء الإمام له بالتراصِّ والاعتدال, وبعضهم يتأخر عن القيام لاسْتكمال آياتٍ من القرآن, ولم يعلم أنَّ التلاوة سنة, وإتمامَ الصف واجبٌ يأثم بالإخلال به.
نسأل الله تعالى أن يعيننا على إقامة الصلاة, وعلى الخشوع حال وقوفنا بين يدي الله, إنه سميعٌ قريبٌ مجيب.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, وسلم تسليمًا كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: معاشر المسلمين: لقد مضى ما يُقارب عامان كاملان, وجنودُنا البواسل يُخاطرون بأرواحهم وأوقاتهم ودمائهم, لحماية بلدنا وأعراضنا مِنَ الخطر الحوثيّ الإيرانيّ, ولقد أبلوا بلاءً حسنًا, وساندوا الشعب والمقاومة اليمنية على دحر الحوثيّ وأعوان المخلوع الخائن العميل, ووصلوا إلى تُخوم صعدة, ودخلوا مدينةَ وميناء الْمُخاء عظيمِ الأهميّة.
ولا زال ولاة الأمر -وفقهم الله تعالى- يُولون اليمن أهمية كبرى, ويبذلون المال والطعام للشعب اليمني المنكوب.
فنسأل الله تعالى أن يُعجل نصرهم, ويدحر عدوهم, وأن يُعجل بسقوط إيران دولة الشرك والإرهاب, إنه على كل شيء قدير.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا علمًا نافعًا, وعملاً صالحًا مُتقبّلا, إنه جواد كريم.