الوارث
كلمة (الوراث) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَرِثَ يَرِثُ)، وهو من...
العربية
المؤلف | أحمد بن عبد العزيز الشاوي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان - فقه النوازل |
إن ما يجري على أرض الشام من قتل وتدمير وصور من المجازر تتفطر لها القلوب، لا نعدها حربًا بين حاكم وشعبه، ولا هي صراع بين الديكتاتورية وما يسمى بالديمقراطية، ولا هي حرب بين العدل والظلم.. إنها بكل وضوح حرب بين الإسلام والكفر، حرب بين الحق والباطل، إنها صراع عقيدة وحرب مبادئ، إنها سجال بين السنة وخصومهم من الرافضة والباطنية، ومن هم أشد عداء للإسلام من اليهود والنصارى ..
الحمد لله ذي العزة والكبرياء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يبتلي بالسراء والضراء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله سيد الرسل وصفوة الأنبياء صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأتقياء وسلم تسليمًا، أما بعد:
فيا أيها المسلمون: أوصيكم ونفسي بوصية الله للعالمين أن اتقوا الله.
قلبت صفحات المآسي، وفتحت دفتر الأحزان، وبتّ أتأمل أوراقه، فإذا أن بصفحة قد سطر عليها:
ذادَ عن مُقْلِتي لذيذَ المنامِ | شُغلها عنهُ بالدموعِ السجامِ |
أي نوم بعد ما حل بالش | ام ما حل من هناتٍ عِظام |
أي نوم من بعد ما انتهك الطا | غوت جهاراً محارم الإسلام |
إن هذا من الأمورِ لأمْرٌ | كاد أن لا يقومَ في الأوهام |
بينما أهلها في أحسن حالِ | إذ رماهم عدوهم باصطلامِ |
كم أغصوا من شارب بشراب | كم أغصوا من طاعم بطعام |
كم ضنين بنفسه رام منجى | فتلقوا جبينه بالحسام |
كم أخ قد رأى أخاً صريعاً | تَرِب الخد بين صرعى |
كم أب قد رأى عزيز بنيه | وهو يكوى بشظايا اللئام |
كم رضيع هناك قد فطموه | بلظى القاذفات قبل الفطام |
ما تذكرت ما أتى الطاغوت إلا | اضطرم القلب أيما اضطرام |
ما تذكرت ما أتى الطاغوت | إلا أوجعتني مرارة الإرغام |
رُب بيت هناك قد خربوه | كان مأوى الضعاف والأيتام |
بدلت تلكم البيوت تلالاً | من رماد ومن تراب ركام |
سلط النار والحريق عليها | فتداعت أركانها بانهدام |
وخلت من حلولها فهي قفرٌ لا | ترى العين بين تلك الركام |
غير أيد وأرجل بائنات | بذرت بينهن أفلاق هام |
ووجوه قد رملتها دماء | بأبي تلكم الوجوه الدوامي |
يا أهل الشام: إن صور قتالكم تدمي قلوبنا، وإن مناظر الأطفال اليتامى والثكالى لتؤجج مشاعرنا..
يا أهل الشام: إن مآقينا تسيل دمًا لا دموعًا، وهي تشاهد أطفالاً رضعًا مجندلين قُتلت براءتهم، وتشاهد عجائزكم يبكين أبناء وأقربين صرعى بسلاح المعتدين.
وإننا لنغلي حقدًا وغيظًا على كلب سوريا وأعوانه وحلفائه من الرافضة والشيوعيين، ونحن نرى بيوت الله تُدك على المصلين فيه جهارًا نهارًا، ولكن ما حيلتنا فحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا نرفع ولا نملك إلا أن نرفع أيدينا إلى اللطيف الخبير متضرعين إليه أن ينزل على الطاغوت وحلفائه وجنوده عذابًا لا يُبقي منهم ولا يذر.
صبرًا جميلاً فـ (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
إن ما يجري على أرض الشام من قتل وتدمير وصور من المجازر تتفطر لها القلوب، لا نعدها حربًا بين حاكم وشعبه، ولا هي صراع بين الديكتاتورية وما يسمى بالديمقراطية، ولا هي حرب بين العدل والظلم..
إنها بكل وضوح حرب بين الإسلام والكفر، حرب بين الحق والباطل، إنها صراع عقيدة وحرب مبادئ، إنها سجال بين السنة وخصومهم من الرافضة والباطنية، ومن هم أشد عداء للإسلام من اليهود والنصارى..
إنها حرب تهدف لإقامة دولة الرفض والتشيع الكبرى، ذَنَبها في دمشق، ورأسها في طهران وأجنحتها أرض الخليج..
إنها يرموك أخرى ونهايتها إما أن تتكسر شوكة التشيع، ويرتد الأعداء على أعقابهم خاسرين، أو أن يتعرض السنة لمذابح وحرب إبادة وتشريد، إنها حرب نتائجها نكون أو لا نكون.
إننا حين نتنادى لنصرة المظلومين والمستضعفين من إخواننا على أرض الشام فإنه ليس فقط لأن هذا واجب الدعوة ومقتضى النصرة التي أُمرنا بها، وليس فقط تفاعلاً مع الصور الأليمة والمفزعة لآلاف الضحايا من المسلمين..
وإنما قبل هذا ننادي بنصرتهم حماية لأنفسنا ودفاعًا عن أراضينا، إن أرض الشام ومسلميها لهم ولها قدر ومكانة في قلوبنا ونصرتهم فرض علينا، ومن خذل مسلمًا خذله الله..
ولكن يجب أن نستشعر أنه يوم أن ينتصر الطاغوت وحلفاؤه، فإن ذلك يعني عودة الفرس والمجوسية إلى بلاد المسلمين وسيتقوى من بعده أذنابهم هنا أو هناك، وستكون فتنة لا يعلم إلا الله نهايتها.
لا بد أن تقف الأمة بكل إمكاناتها دفاعًا عن إخوانهم ونصرة لقضيتهم ودعمًا لحقوقهم ومطالبهم..
إنه ومع تقديرنا وشكرنا لموقف بلادنا من القضية، وتبنيها في المحافل الدولية، وما اتخذته من قرارات للتعبير عن مناصرة المظلومين، فإن الأمة مطالبة بمواقف أكبر وأكثر.
ناصروا إخوانكم ماديًّا بالتبرع للمشردين والجائعين منهم عبر القنوات الرسمية المعتمدة، ناصروا إخوانكم إعلاميًّا بنشر قضيتهم، وبثّ المقاطع التي تصور مآسيهم، وتفعيل مطالبهم عالميًّا، ناصروا إخوانكم بنصر الدعوة وثقافة الجهاد والعقيدة الصحيحة بين صفوفهم، ورفع معنوياتهم وتحذيرهم من الانجراف وراء ولاءات وتحزبات لا تغني عنهم من الله شيئًا، وتذكيرهم بفضل الجهاد والمجاهدة، والصبر والمصابرة، وعظم ثواب الاستشهاد دون الدين والنفس والمال والعرض..
ناصروا إخوانكم بالوقوف مع أهليهم وعوائلهم في الداخل والخارج، ومواساتهم، والتخفيف من معاناتهم المادية والنفسية «ومن خلف غازيًا في أهله بخير فقد غزى».
ناصروا إخوانكم بالدعاء الدائم لهم، ولتضج المساجد والبيوت بالدعاء، ولتتفاعل الألسنة بالتأمين، ولنحذر من الملل والتراخي عن الدعاء، فإنه لا ندري متى تكون الاستجابة، لكن اليقين أن دعوة المظلوم تُستجاب ولو بعد حين..
يا أهلنا في بلاد الشام: إننا على ثقة بنصر الله وتأييده، فلقد سبقت كلمته لعباده المرسلين، إنهم لهم المنصورون، وإن جنده هم الغالبون، وإن الذي يفصل في الأمر ليس هو ضخامة الباطل وليس هو قوة الضربات، إنما الذي يفصل في الأمر هو قوة الحق ومدى الصمود للضربات.
وإننا على يقين بأن نظام الكفر والطغيان قد قرب زواله وذله، فإنه والله ظَلَم، و«إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته».
وأنه قد فسق، وإذا أراد الله إهلاك قرية أمر مترفيها ففسقوا فيها، فحق عليها القول فدمرها تدميرًا.
وإنه قد فسد وأفسد، وإن الله لا يصلح عمل المفسدين، وإنه قد تكبر وطغى وإن الله لا يحب كل مختال فخور.
إن نظام كلب الشام نملة نبت ريشها، وإن الله إذا أراد هلاك النملة أنبت لها جناحين..
يا أسود الشام.. إلى المرابطين الصامدين، إن رءوسنا ونحن نتابع صمودكم مرفوعة مطرقة، مرفوعة فخرًا بجهادكم وصبركم وثباتكم، واعتزازًا بصور البطولة وروائع الصمود، وابتهاجًا بعزتكم ومواقفكم المشرفة..
لقد رفعتم رؤوسنا، وأعدتم لنا الأمل بهذا الصمود العجيب وتلك البطولة النادرة..
أعلن للعالم أن العزة والنصر والهيبة لا طريق لها إلا الجهاد في سبيل الله، وأنه ما ترك قوم الجهاد إلا ذُلُّوا..
أعلن للعالم أن ساعة من مجاهد أجدى من آلاف القرارات ومئات المؤتمرات، أثبتوا بصبركم أن القلة الصابرة لا ترهبها قوة الأعداء فـ(كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ).
رجال الشام أعادوا البنود...وصفوا الأسودَ.. أسودًا أسود..
رجال الشام أعادوا لنا خالد بن الوليد... لظهر الجوادِ.. أعادوا الرشيد..
أنا يا رجال تساءلت يومًا.. أيغدو أسود الشام عبيدًا..
أتسبى النساءُ.. ويبقي الرجال.. يجرون قرب الجياد القيود..
وجاء الجواب.. وكان جوابًا.. يسر القريب.. ويدني البعيدَ..
وأغرق دم.. الشام الغزاة.. ومن أشعل النار صار وقودًا
أذاقوا الطغاة.. كؤوس المنون.. تدور لتسقي.. بعد اليهود
يا أسود الشام: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).
واقطعوا الأمل إلا بالله ولا تنتظروا الفرج إلا من الله..
يا أبطال الشام إذا لقيتم أهل الرفض والمجوسية وأتباع النصيرية (فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ) (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ) (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ).
وإن بشائر النصر قد لاحت ومعالم العزة قد بدت، والعدو يخسر بالمئات، ولو التعتيم الإعلامي لظهرت حقيقة العدو ومقدار خسائره.
وختامًا فإنه لا يكشف البلوى سوى الله، وما خاب من احتمى بحماه، فانصروا إخوانكم بدعواتكم الخالصة الصادقة، وارفعوا أُكف الضراعة في العشي والإبكار، ولا تقنطوا فهاهي تباشير دعواتكم بدأت تلوح، وقولوا من قلب مخبت موقن: اللهم انصر إخواننا في الشام، اللهم ثبت أقدامهم، واربط على قلوبهم، وانصرهم على القوم المجرمين..
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه أجمعين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.. أما بعد:
فيا عباد الله: إذا كانت رؤوسنا مرفوعة زهوًا وفخرًا بثبات إخواننا وصبرهم وقوة إرادتهم فإن رؤوسنا مطرقة خجلاً من تخاذلنا وحياءً من عجزنا عن مناصرتهم..
رؤوسنا مطرقة لأنهم يذبحون ويهانون وشبابنا بالتفحيط والدوران غارقون..
رؤوسنا مطرقة؛ لأن فئة منا بخلت بنصرتهم حتى الدعاء نقدمه على خجل واستحياء.
رؤوسنا مطرقة؛ لأننا لا نملك إلا أن نتفرج على مآسيهم، ونسمع صرخاتهم واستغاثتهم وعويل نسائهم وبكاء أطفالهم، ونشاهد بيوتهم المدمرة ومساجدهم المهدمة، ولا حيلة لنا ولا سبيل..
يا أهل الشام: إذا كانت مساجدكم خلت من المصلين، فإن رؤوسنا مطرقة حياءً من الله الذي أطعمنا من جوع وآمنا من خوف، وكنا قليلاً مستضعفين في الأرض نخاف أن يتخطفنا الناس فأوانا وأيدنا بنصره ورزقنا من الطيبات، ولكننا لم نقدر الله حق قدره ولم نشكره حق شكره.
يا أهل الشام: إذا كانت مساجدكم خلت من المصلين؛ لأن الطاغوت وجنوده هدمها وحال بينكم وبينها، فإن مساجدنا تشكو كثرة الهاجرين وفئام من المتخلفين رغم ما ينعمون به من أمن وصحة ورخاء.
إذا كانت تزعج مسامعكم أصوات القاذفات والراجمات، فإننا والله نشتكي من مزامير الشيطان تصدح في سياراتنا ومهرجاناتنا..
إنكم لا تنعمون بنوم ولا تهنئون بعيش تترقبون الموت كل لحظة، ونحن نعرض للعالم ثقافاتنا وتراثنا متمثلاً في رقص وغناء واختلاط وحركات مشينة وأفعال تافهة..
ويا ويل المحتسبين الذين إذا رأوا منكرًا ينكرون، وإذا ما أنكروهم يرفقون، فإن جزاءهم (أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) ومن أصر فـ(لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ).
فبالله عليكم كيف تعجبون أنكم لا تمطرون وكيف من عذاب الله تؤمنون (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ).
وجوهكم يا أهل الشام ورؤوسكم تغطيها حمرة الدم الذكي الذي سال من بطش الطاغوت وجنوده وفئام من مراهقين ومراهقاتنا غطت وجوهم ورؤوسهم حمرة الورد والألوان والعصائب احتفالاً بعيد كفري شاذ يدعى بعيد الحب !!
فيا ليت شبابنا من الله يستحون، فئة من شبابنا لا يعرفون إلا الرقص والغناء، ولا يجيدون إلا لغة الحب والغرام يحملون سلاحًا واحدًا مؤلفًا من مشط ومرآة !!
فمن مبلغ شبابنا أنهم بصنيعهم هذا يزرعون بذور العذاب، ويفتحون الطريق لاستعمار العداء، ويسهلون السبيل لضياع الأمن والرخاء..
من مبلغ شبابنا ورجالنا ونسائنا ومسئولينا أن ما حل بغيرنا سيحل بنا إذا قطعنا الصلة بديننا وبطرنا العلاقة مع ربنا..
رؤوسنا مطرقة حياءً من الله حيث نستظل بنعمه ونتفيء خيراته، ونصبح ونمسي على ستره وفضله فنقابل ذلك بمعاداة الفضيلة والدفاع عن الساقطين والساقطات وبتلقي خطوات التغريب بالترحيب..
فيا أمة محمد استحوا من الله.. فيا أمة محمد استحوا من الله..
كيف تُنصر وتُمطر أمة تجادل عن الذين يختنون أنفسهم ويكونون للخائنين خصيمًا.
الأخطار محدقة بنا، ويتخطف الناس من حولنا، وأمتنا لم تحدث تغييرًا ولم تقدم توبة ولا نفيرًا..
يا أمة الإسلام لماذا نستبعد غضب الله؟! ولماذا نؤمن مكر الله؟!
لقد حلت الهزيمة بالمسلمين بأُحد بذنب أذنبوه فكيف بأمة تعصي ربها و تظهر ذنبها (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ..)
لقد أخذ الله أممًا بالبأساء والضراء ليرجعوا إلى أنفسهم وينقبوا في ضمائرهم وفي واقعهم لعلهم تحت وطأة الشدة يتضرعون إلى الله ويتذللون له وينزلون عن عنادهم واستكبارهم، ويدعون الله أن يرفع عنهم البلاء بقلوب مخلصة فيرفع الله عنهم البلاء، ويفتح لهم أبواب الرحمة، لكنهم لم يفعلوا ما كان حري أن يفعلوا..
لم يلجئوا إلى الله ولم يرجوا عن عنادهم (وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ).
إن سنة الله لا تتخلف ومشيئة الله لا تتوقف فما الذي يؤمنهم أن يأخذهم الله بذنوبهم كما أخذ من قبلهم، وأن يطبع على قلوبهم فلا يهتدوا بعد ذلك..
بل لا يستمعوا إلى دلائل الهدى، ثم ينالهم جزاء الضلال في الدنيا والآخرة..
ألا إن مصارع الخالين قبلهم ووراثتهم لهم وسنة الله جارية، ولقد سلف من المؤمنين بالله سلف ما كان يأمن مكر الله، وما كان يركن إلا سواه، وكان بهذا وذاك عامر القلب بالإيمان مطمئنًا بذكر الله قويًا على الشيطان وعلى هواه، مصلحًا في الأرض بهدي الله، لا يخشى الناس فالله أحق أن يخشاه.
يا مسلمون: (يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا) وإن عقاب الله لا يدفع بقوة مادية ولا بجهود بشرية، والفتن لا تدرأ بالحيل ولا بالتمادي إنما يُدفع العذاب وتدرأ الفتن بالالتجاء إلى الله والعودة لدينه والدعوة لشريعته وليس لها من دون الله كاشفة، ولا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم..
والعبادة في الفتن ملجأ المتقين وملاذ المؤمنين (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) (قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً)
أيها المسلمون..
ماذا نقول لربي حين يسألنا | عن الشريعة لم نحيي معانيها |
ومن يجيب إذا قال الحبيب لنا | أذهبتمو سنتي والله محييها |
إنها دعوة لكل مسلم يعصي الله وأمته تُذل، ويلغ في الشهوات ومسلمة تُغل، ويغرق في سكرة الهوى ودماء مسلمة في الشام تراق..
فاتقوا الله.. أيها الراقصون على الجراح (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) واعلموا أن كل معصية تعصون الله بها وكل طاعة تفرطون فيها هي دليل إدانة ضدكم في محكمة دماء المسلمين الأبرياء..
يا مسلمون أين دعائكم؟! أين دعوتكم؟! أين عودتكم؟!..
(يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ * وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)
أنا أقسمت بالله الذي برأ الكون من عدم: إن رضينا بسخفنا وركنا إلى النعم، فخطى الخصم ماضيات من دمشق للحرم، حينها يندم الجميع ولا ينفع الندم.
اللهم صلّ وسلم على من بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده..