الولي
كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...
العربية
المؤلف | صالح بن فوزان الفوزان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصلاة - الحكمة وتعليل أفعال الله |
إنما شرعت هذه الاجتماعات العظيمة لمصالح عظيمة عاجلة وآجلة، يحصل بها التعارف بين المسلمين والتواصل بينهم بالبر والإحسان. يحصل بها التعارف والرعاية. يحصل بها التواد والتحابب في القلوب. يحصل بها تفقد بعضهم لأحوال بعض؛ ليعودوا مريضهم، ويشيعوا ميتهم. ويواسوا فقراءهم. يحصل بها تعليم الجاهل، وتذكير الغافل.
الحمد لله رب العالمين. شرع للمسلمين أفضل الشرائع وأكملها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تمسك بسنته إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها المسلمون: اتقوا الله، واعلموا أن أداء الفريضة مع جماعة المسلمين في المساجد شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام؛ فقد اتفق المسلمون على أن أداء الصلوات الخمس في المساجد من آكد الطاعات، وأعظم القربات.
فقد شرع الله لهذه الأمة الاجتماع في أقوات معينة؛ من هذا الاجتماع ما يتكرر في اليوم والليلة؛ كالاجتماع للصلوات الخمس في المساجد؛ فإن المسلمين يجتمعون لذلك في مساجد الحارات بصفة مستمرة، لا يغيب عن هذا الاجتماع إلا من هو معذور بعذر شرعي، أو من هو منافق معلوم النفاق.
ومن هذه الاجتماعات المباركة ما يتكرر على المسلمين في الأسبوع مرة: وهو الاجتماع لصلاة الجمعة يجتمع فيه عدد ضخم من المسلمين لا يغيب عنه إلا معذور. أو من طبع الله على قلبه وكان من الغافلين.
ومن هذه الاجتماعات الإسلامية ما يتكرر على المسلمين مرتين في السنة: وهو الاجتماع صلاة العيدين، يجتمع فيه جميع أهل البلد حتى الحُيَّض والعواتق من النساء؛ ليشهدن دعوة المسلمين ويعتزل الحيض المصلى.
ومن هذه الاجتماعات الدينية العظيمة ما يتكرر على المسلمين مرة واحدة في السنة: وهو الاجتماع للوقوف بعرفة وهذا الاجتماع يحضره المسلمون من كافة أقطار الأرض في صعيد واحد محرمين ملبين داعين مستغفرين.
أيها المسلمون: إنما شرعت هذه الاجتماعات العظيمة لمصالح عظيمة عاجلة وآجلة، يحصل بها التعارف بين المسلمين والتواصل بينهم بالبر والإحسان.
يحصل بها التعارف والرعاية. يحصل بها التواد والتحابب في القلوب. يحصل بها تفقد بعضهم لأحوال بعض؛ ليعودوا مريضهم، ويشيعوا ميتهم. ويواسوا فقراءهم. يحصل بها تعليم الجاهل، وتذكير الغافل. يحصل بها إظهار قوة المسلمين وإغاظة الكفار والمنافقين. يحصل بهذه الاجتماعات تكفير السيئات ورفعة الدرجات. يحصل بها النشاط والجد في الأعمال الصالحة والتعاون على البر والتقوى؛ وفي الحديث -المتفق على صحته-: أن الصلاة في الجماعة تفضل على صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة.
أيها المسلمون: إن صلاة الجماعة واجبة على الرجال في الحضر والسفر، وفي حال الأمان وحال الخوف وجوباً عينياً؛ والدليل على ذلك الكتاب والسنة وعمل المسلمين قرناً بعد قرن.
ومن أجل ذلك عمرت المساجد ورتب الأئمة والمؤذنون. وشرع لها لنداء بأعلى صوت: "حي على الصلاة حي على الفلاح" وقال تعالى -آمراً نبيه أن يقيم صلاة الجماعة في حال الخوف-: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) [النساء:102] والأمر للنبي -صلى الله عليه وسلم- أمر لأمته ما لم يدل دليل على خصوصيته به. فدلت هذه الآية الكريمة على وجوب صلاة الجماعة حيث لم يرخص للمسلمين في تركها في حال الخوف؛ فلو كانت غير واجبة لكان أولى الأعذار لتركها عذر الخوف؛ فإن صلاة الجماعة في حال الخوف يترك فيها كثير من الواجبات في الصلاة مما يدل على تأكد وجوبها، وقد اغتفرت في صلاة الخوف حركات كثيرة وتنقلات وحمل أسلحة ومراقبة لتحركات العدو وانحراف عن القبلة.. كل هذه الأمور اغتفرت من أجل الحصول على صلاة الجماعة فهذا من أعظم الأدلة على وجوبها وتأكدها.
ومن الأدلة على وجوب صلاة الجماعة ما ورد في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً ولقد هممت أن آمر الصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس. ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار".
فقد وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث المتخلفين عن صلاة الجماعة بالنفاق، وهذا أيضاً وصفهم في القرآن الكريم. قال تعالى -عن المنافقين-: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً) [النساء:142] وقال تعالى عنهم: (وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ) [التوبة:54] ثم هدد -صلى الله عليه وسلم- المتخلفين عن صلاة الجماعة بأن يحرق عليهم بيوتهم بالنار، وهذه عقوبة شنيعة. فوصفهم بالنفاق أولاً، وهددهم بالتحريق بالنار ثانياً- ولم يمنعه من ذلك إلا ما في البيوت من النساء والذرية الذين لا تجب عليهم صلاة الجماعة. مما يدل دلالة صريحة على عظم جريمة المتخلف عن صلاة الجماعة، وأنه مستحق لأعظم العقوبات في الدنيا والآخرة.
وفي صحيح مسلم: أن رجلاً أعمى قال: يا رسول الله: ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأله أن يرخص له أن يصلي في بيته، فرخص له. فلما ولّى دعاه فقال: "هل تسمع النداء". قال: نعم. قال: "فأجب" فهذا رجل أعمى أبدى أعذاراً كثيرة، ومع هذا لم يسقط عنه حضور الجماعة؛ فما حال الذي يتخلف عنها من غير عذر، وهو مجاور للمسجد وأصوات المؤذنين تخترق بيته من كل جانب، يدعى فلا يجيب، ويؤمر فلا يمتثل، ويعصي فلا يتوب؟!
أيها المسلمون: لقد بلغ من اهتمام صدر هذه الأمة بصلاة الجماعة ما رواه ابن مسعود رضي الله عنه قال: "لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق. ولقد كان الرجل يؤتى يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف". يعني: إذا كان الرجل منهم لا يستطيع المشي لمرض أو كبر أخذوا بعضديه وساعدوه على المشي حتى يقيموه في صف المسلمين للصلاة؛ فما بال الذي يتخلف عن الصلاة اليوم وهو صحيح قوي الجسم؟
لقد سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن رجل يصوم النهار ويقوم الليل ولا يحضر الجماعة، فقال: "هو في النار". وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار".
أيها المسلمون: ومكان صلاة الجماعة هو المساجد التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه. وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد" وروي عن علي رضي الله عنه مثله وزاد: "وجار المسجد من أسمعه المنادي" رواه البيهقي بإسناد جيد.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "ومن تأمل السنة حق التأمل تبين له أن فعلها في المساجد فرض على الأعيان، إلا لعارض يجوز معه ترك الجماعة. فترك حضور المساجد لغير عذر كترك أصل الجماعة لغير عذر. وبهذا تتفق الأحاديث وجميع الآثار".
وفي إقامة صلاة الجماعة في غير المساجد تعطيل للمساجد، أو تقليل من المصلين فيها، ويكون ذلك سبباً لتقليل أهمية الصلاة في النفوس، وقد قال الله تعالى: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ) [التوبة:18] وقال تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) [النور:36] ففي هاتين الآيتين تنويهُ بشأن المساجد وعُمّارها، ووعدهم بجزيل الثواب. وفي ضمن ذلك ذم المتخلفين عنها؛ لكن إذا دعت حاجة لإقامة صلاة الجماعة في غير المسجد؛ كالموظفين الذين يصلون في محل عملهم؛ لأنهم إذا صلوا في دائرتهم كان أضبط لعملهم وأحزم لجمع الموظفين لأداء الصلاة لعله لهذه المبررات يكون لهم عذر في عدم الذهاب إلى المسجد؛ نظراً للمصالح المترتبة على ذلك.
أيها المتخلف عن صلاة الجماعة لغير عذر: لقد عصيت ربك وحرمت نفسك ثواباً عظيماً. وعرضتها لسخط الله وعقوبته. لقد شاركت المنافقين في صفاتهم، وأصبحت أسيراً للشيطان. لقد سمعت داعي الله فامتنعت عن إجابته مراراً، ليلاً ونهاراً؛ فتب لله وحافظ على الجمع والجماعات؛ فإن الله يتوب على من تاب.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) [هود:115]