البحث

عبارات مقترحة:

المبين

كلمة (المُبِين) في اللغة اسمُ فاعل من الفعل (أبان)، ومعناه:...

الوكيل

كلمة (الوكيل) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (مفعول) أي:...

القابض

كلمة (القابض) في اللغة اسم فاعل من القَبْض، وهو أخذ الشيء، وهو ضد...

حناجر الخطيئة

العربية

المؤلف عاصم محمد الخضيري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة - الحكمة وتعليل أفعال الله
عناصر الخطبة
  1. حسرات على أيام النشيد الإسلامي وانحرافاته .
  2. ذم الغناء .
  3. مفاسد الغناء وقبائحه .
  4. دلالات جرأة الناس على سماع الغناء .
  5. أقوال أئمة المذاهب في تحريم الغناء .
  6. لماذا ينافحون عن الغناء ويشجعون الشباب عليه؟ .
  7. أقبح المعاصي وأسوئها. .

اقتباس

ليس مجرد غناء؛ إنها معصية غناء، ومعصية مجاهرة، ومعصية الدعوة إليه، ومعصية المنافحة عن سوقه، ومعصية الحرب على منكريه، والمعاصي الأُخَر التي تجمعت؛ من اختلاط ومجون وغفلة، وكلمات خادشة، المعاصي تنادي بعضها بعضًا، وهذه عادة السوء عندنا ولود حقود حتى صارت سوق الغناء المعاصرة تجتمع فيها أرذل صور الهزيمة الأخلاقية، ومجمع تكون فيه المعاصي تحت سقف واحد...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الواحد الحكم العلي القادرِ، الباطن الحق الولي الظاهرِ، الحي والقيوم والصمد الذي ذل الورى كرهًا لحكم القاهرِ، المبدئ المحصي الكريم ووارث الأول البر الجليل الآخر، سبحانه جلت جلائل وصفه تبت يد ذات الجحود الكافر.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا شريك لربنا فهو حقاً لا ند له ولا من نظير.

أشهد أنه أعطى وأسدى وأنه هو أغنى وأقنى، وأنه هو رب الشعر فبأي آلاء ربك تتمارى، لا إله إلا هو ما سبح المسبحون له حبًّا وإجلالاً.

وأشهد أن محمدًا بن عبدالله عبدُ الله ورسوله تجلت نعمة الرحمن فيه، لنا أحمد من بين كل الخلائق فحق لنا فخرًا بأحمد في الورى فصلوا عليه من شفيع وصادق.

اللهم صلِّ وسلم عليه وصلى اللهم على آله المصطفين الأخيار وصحابته الكرام الأبرار وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

السلام عليك ورحمة الله وبركاته... قبل ثلاثة أعوام كنت خطبتنا عنه، أفلا حدثتك نفسك أن تخطب عما هو ألح منه؟ ذكرت شيئًا وقد أُنسيت أشياء.

قبل ثلاثة أعوام كنت خطبتنا عن هذا النشيد، وكأنك تستكتم خطبة عن حداء العرابيد أخرجها من جوفك فقد طالت بها المواعيد، وقد بشمنا وما تفنى العناقيد.

كنت تساءلنا قبل أعوام النشيد الإسلامي إلى أين؟ وأنا أقول لك إلى أين؟ إلى أن يكون الحديث عن مثل هذا الحديث ضربًا مما تتندر به المجالس وحدثًا نادرًا يُتلى في ردهات المدارس.

أن يخصص خطيب جمعة حديثه عن آفات النشيد وهو يرى الساحة في مخارط الزمن السريع فهو شيء من دروب العجب العجاب لو كان ثَم عجيب بعد ما ظهر.

كنت تساؤلنا النشيد إلى أين؟ ونحن نقول لك إلى أين؟ إلى أن تصبح الشوارع مسارح مهيأة لتدشين مجون الحناجر، وأن يكون مفهوم الثقافة البديل هو العود والجيتار والطبل والهوى، وبوق ومزمار ورنة عاشق. عفا الله عنك.

النشيد إلى أين؟..

وكأنك تصيح بالناس لا يصبكم غبار الطريق وأنت الذي تراهم مسرعين نحو منعرج الوادي السحيق خفت عليهم من الغبار أم لم تخف عليهم من الإعصار؟ أم أردت أن تحمي الأجساد من القطرات، وأنت الذي تركت الغرقى على السواقي، وهل يخاف غريق البحر من بلل!!

قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد

وينكر الفم طعم العلقم النتن

كيف اجترأت على أن تُساءلنا النشيد إلى أين وقد أصبحت شبهات النشيد في هذا العصر شيئا يمكن أن يُترحم عليه وغسيلاً تتطهر به لوثات الفضاء المعاصر.

إنها حناجر الخطيبة ..

غنِّ لهم بالردح والألحان

قد طال عهدهما بغير أغاني

 انصر جنودك بالغناء فإنهم

يستنصرون به وبالألحان

 غابت التحضر فاستعده بنبرة

فالعود أُس حضارة الأوطان

وافخر على كل المدائن في

غد مستبدل قرآنه بأغاني

إنها حناجر الخطيئة وإن شئت فقل خناجر الخطيئة ..

الغناء من أوائل خطابات الله لإبليس أن الله -عز وجل- قال له: (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ) [الإسراء: 64]، وإنما صوته الغناء كما حكاه جملة من أهل التفسير.

الغناء أن يرتبط الغناء باسم الشيطان فهو من أظهر الأدلة على كونه مذمومًا في نظر الشرع ومشوهًا في حكم الطبع.

لما دخل أبو بكر -رضي الله تعالى عنه- على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد رأى مزمارًا مع بعض الجواري في مجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال أبو بكر -رضي الله عنه- للجواري: "أمزمار الشيطان في بيت رسول الله"؟ أمزامير الشيطان عند رسول الله"؟ فأقره عليه الصلاة والسلام على ارتباط اسم الشيطان باسم المزمار.

إذا قيل مزمار فشيطانه معًا

سواء علينا قيل بوق وشيطان

لن تبلغ بشاشة الإيمان من قلبك إلا عندما يكون قول الله قبل قول كل قائل، وأن الله إذا حرم شيئًا أوجب الاستسلام لحكمه ولو كرهته نفسك وأباه سمعك وتمعرت منه أذناك.

أيتها الأجيال المؤمنة:

والله لو أن القلوب سليمة

مات المراء على هدى التسليم

لكنها شغلت بتبرير الهوى

فاسترسلت بالشك والتهويم

كل مناسبة يكثر فيها الجدل بالغناء فانظر إلى الشهوات المنزوية في القلوب تخبرك عما عرى إيمانها، عن وطأة الأهواء تشعل خلسة نيرانها، ولقد مضى دهر وكان كتاب ربي صانها، والله هذا الهدى في كف الجموع لو أنها قد حكمت قول الرسول وحكمت قرآنها.

من معجزات رسول الأمة عليه الصلاة والسلام أنه تنبأ بوقوع الاستحلال بالمعازف منذ تلك الساعة التي نزل الوحي عليه.

الوحي والغناء ضدان لما استجمعا عرفا، والضد يظهر حكمه الضد.

المستحلون .. ما ظهروا إلا ليؤدوا وظيفة تثبت وظيفة معجزة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث.

المستحلون .. قد نبأنا الله من أخبارهم ورسوله، فلقد روى البخاري وغيره من حديث أبي مالك الأشعري -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف".

والله لكأنها رأي الأحداق فالمعازف جائزة؛ لأن فلانًا قال بها، والحرير لم يُذكر تحريمه في القرآن، والخمر حرمته غير صريحة، والوصول إلى الزنا حقّ مكفول عند التراضي.

يستحلون ولو أنهم شاءوا لعارضوا تعاليم هذا الدين وانتزعوا الوحي.

لقد آمنت أن أكثر التشغيب على حكم الغناء هو من أثر شهوة استحكمت، فلما استحكمت استجمعت أشتات الشبهات، فصار الفؤاد كوزا مُجَخِّيًا لا يعرف معروفًا ولا  ينكر منكرًا.

اشتهوا الغناء ثم بحثوا عن شبهة تسهل لهم طريقًا لتجويزه، لقد اشتهوه ثم أحلوه، ثم حاربوا من حرموه.

ظلمات الحرام بعضًا لبعض

ويجر الحديث فيها القديم

ينازعونك في حكم الغناء؟ هل تراهم ينازعونك في غناء هذا العصر، وقد تجاوز مرحلة الوقوف على الأطلال الأولى إلى تركيبة من المنكرات التي تستجلب بعضها، وتنادي على بنات عمها ينازعونك في حكمه.

ينازعونك في الغناء؟ كيف لهم أن ينازعونك وغناء العصر القديم ما هو إلا لمحة مصغرة للغناء المعاصر الذي شبع من الغناء فصار يعجن معه المكرمات تباعًا الظاهرة والباطنة ويستيطل على الله في أحكامه.

وما إن سمعت عن جريمة قياس ترتكب في حق العلم كمن قاس غناء هذا العصر بعصر سابق. إنها جناية استدلالية تستحق التوبة منها لا تسويقها على الناس.

المستحلون ظنوا أن استحلالهم لحكم الغناء المعاصر سينصرف للغناء فحسب، وما علموا أنه شبكة كبرى لاستجرار الرذيلة، وتوطين أشتات المحرمات والمنكرات والخطيئات والسيئات.

لقد غاب فقه المآلات حتى رأيت بعضهم يصوِّر المسألة منزوعة من سياقها الواقعي، ومن سياقها المآلي، وهم يمدون للإفتاء باعًا قصيرة وأكثرهم عند الفتاوى يحلون ما لم يفهموه وربما تموج بهم أهوائهم وتحركه (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً) [النساء:83].

الجهل له وصفة علاجية وهي (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) [النساء:59].

أستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم..

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرًا.

صرت بعد أن كنت تسمع القرآن عند الإشارات تستفتح يومك بسماع أغنية جديدة تسمعها الأحياء المجاورة معك.

صرنا بعد أن كنا لا نسمع إلا اللحن المنضبط، وهو يدعو إلى الفضيلة فإذا أذناك قد تطبعت على التفريق بين الموضات الغنائية في أسواق الناس وفي شوارعها.

لا يتحرز لك سمع ولا أنت تستطيع المنع، صار بعد أن يمر بك الحول وأنت تسمع صوتًا خافتًا، ثم تحتسب عليه؛ صرت بعدها تواجه أصنافًا وألوانًا من الشباب وهم يستغربون أن توجه لهم كلمة تقول لهم بها: طهَّر الله آذانكم وصان الله أسماعكم.

يا غريبا على الديار وعهدي بها ولدت ثم تموت، كيف غيَّرها عليك سريعًا، كيف شاد على الهدى العنكبوت.

كل مسألة لا تُفتح بالتسليم فإنها كفيلة أن يضل صاحبها من أول الطريق.

فخذوا الكتاب بسنة وبقوة، فالوحي وحي الله في الأمران: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) [النساء:65].

إذا أراد المجتمع المسلم أن يتخلص من هذه التجاذبات فإن الحل الأذكى له أن يرجع إلى ميثاق الوحي، ويترك ما طفت فيه النوادي، فقول الله قاضٍ في العباد.

الغناء.. وهو يحتل هذه المساحة العريضة من هذه التجاذبات ليعطينا دلالة ظاهرة أنه (وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلكِن يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء) (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا) [يونس:99]، (وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ) [الأنعام:35].

قد كان ربك قادرًا على أن يجعل الناس جميعهم على رأي واحد، وعلى طريقة واحدة، وعلى مذهب واحد، وكلهم يحرِّمون الغناء ولكن أين مقام الاختبار بين الخلق؟ أين مقام التمحيص لإذعانك؟ أين مقام فحص بشاشة الاستسلام؟ أين مقام نزع ما تعلق بالهوى فصار يرى حقًّا وهو الذي بزغت به الأهواء.

أنت منهم لولا أن الله أنجاك، أنت منهم لولا أن الله اصطفاك، أنت منهم لولا أن الله هداك، لو شاء ربك كنت أنت أيضًا مثلهم؛ فالقلب بين أصابع الرحمن.

مقامات المذاهب.. يقول أبو الطيب الطبري -رحمه الله تعالى-: "كان أبو حنيفة يجعل سماع الغناء من الذنوب، وقال: وكذلك مذهب سائر أهل الكوفة"، وعن أبي حنيفة -رحمه الله تعالى- أنه يقول: "الغناء حرام في جميع الأديان".

يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى- معقِّبًا في إغاثة اللهفان: "مذهب أبي حنيفة في ذلك من أشد المذاهب وقوله فيه أغلظ الأقوال، وقد صرح أصحابه بتحريم سماع الملاهي كلها كالمزمار ونحوه حتى الضرب بالقضيب، وصرحوا بأنه معصية توجب الفسق وترد به الشهادة وأبلغ من ذلك أنهم قالوا: إن السماع فسق والتلذذ به كفر"، هذا لفظهم انتهى كلامه.

المالكية عن إسحاق بن عيسى الطباع قال: سألت مالك بن أنس عما يترخّص فيه أهل المدينة من الغناء. فقال: "إنما يفعله عندنا الفساق"، وهذا إسناد صحيح صححه الألباني وغيره.

يقول ابن القاسم -رحمه الله، وكان ممن صاحب مالك عشرين سنة- يقول: سألت مالك عن الغناء فقال مالك -رحمه الله-: "يقول -عز وجل-: (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ) أفيكون الغناء حقًّا"؟ ا.هـ.

وعن إبراهيم بن المنذر بن المدني أنه سئل فقيل له: "أنتم ترخصون في الغناء؟ فقال: معاذ الله ما يفعل ذلك عندنا إلا الفساق".

الشافعية، يقول الشافعي -رحمه الله-: "تَرَكْتُ فِي الْعِرَاقِ شَيْئًا يُقَالُ لَهُ: التَّغْبِيرُ أَحْدَثَهُ الزَّنَادِقَةُ، يَصُدُّونَ بِهِ النَّاسَ عَنِ الْقُرْآنِ" إسناده صحيح أخرجه أبو نعيم في الحلية والخلال وغيرهما.

يقول ابن تيمية -رحمه الله- في الفتاوى: "ما ذكره الشافعي من أنه من إحداث الزنادقة فهو كلام إمام خبير بأصول الإسلام؛ فإن هذا السماع لم يرغِّب فيه ويدعو إليه في الأصل إلا من هو متهم بالزندقة" ا.هـ.

يقول ابن الجوزي -رحمه الله-: "وهذا قول علماء الشافعية وأهل التدين منهم، وإنما رخَّص في الغناء من متأخريهم من قل علمهم وغلب هواه".

الحنابلة، عن عبد الله بن أحمد بن حنبل سألت أبي عن الغناء، "فقال: الغناء ينبت النفاق في القلب يا ولدي" أخرجه الخلال في كتابه الأمر بالمعروف.

يقول ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في الفتاوى: "فمذهب الأئمة الأربعة أن آلات اللهو كلها حرام".

يقول ابن الجوزي: "فأما الغناء المعروف اليوم فمحظور عنده"، يعني عند الإمام أحمد "كيف ولو علم ما أحدث الناس من الزيادات".

ونحن نقول لابن الجوزي: "يرحمك الله وكيف لو عملت ما أحدث الناس في الغناء من الزيادات في العصر الحاضر"؟.

ليس مجرد غناء إنها معصية غناء، ومعصية مجاهرة، ومعصية الدعوة إليه، ومعصية المنافحة عن سوقه، ومعصية الحرب على منكريه، والمعاصي الأُخَر التي تجمعت من اختلاط ومجون وغفلة، وكلمات خادشة، المعاصي تنادي بعضها بعضًا، وهذه عادة السوء عندنا ولود حقود حتى صارت سوق الغناء المعاصرة تجتمع فيها أرذل صور الهزيمة الأخلاقية، ومجمع تكون فيه المعاصي تحت سقف واحد.

ماذا يريدون؟ التحضر؟

حسن الحضارة مجلوب بأغنية

وفي الشريعة حسن غير مجلوب

يبتغون الحضارة؟ إذا ما الذي يجعل هذه الدول المتخلفة من العالم الثالث والعاشر والحادي عشر لم تتحضر بالغناء ولا بالسينما، وهي التي تسقي الموسيقى في أفواه الصبيان وتشكل رقصتها في أجساد عرايا الصبايا الحسان.

الغناء يحمي من الإرهاب..! إذًا ما الذي منع الغناء من أن يهذِّب من دموية الإنسان الغربي والعالم الغربي يشهد على نفسه أنه السم في فتكاته، والجرم في وثباته، والأغنية تشيب رائحة الدم.

كيف للغناء أن يحمي من الإرهاب ومن التشدد ومن التطرف ومن قتل الإنسان، والإنسان الغربي قتل في حقبة قصيرة في حربين اثنتين أكثر من مائة وخمسين مليون إنسان رشوهم بالموت ثم تلوا على أكفانهم زمارة الشيطان.

الغناء يحمي من الإرهاب ..! كيف ذاك وقوائم الإرهاب أدرجت قبل عام واحد مغنيًا للراب في ألمانيا لأجل انضمامه لقوى الشر القتالية حسبما تذكر.

يقتلون الإنسان ثم تراهم فوقه يعزفون بالألحان، حين تكون المزامير هي علامة التحضر البارزة في المفاهيم العامة فقد طاب موت العقل والحث والواقع والنظر والعقل.

وحين نقول للناس إن قضايانا وحروبنا سننتصر فيها عبر الغناء فنحن نضادّ سنة (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ) [محمد: 7] إلى سنة "إن تنصروا شهواتكم تجبكم".

الله يقول (إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) [يونس:81]، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: "ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تأخذوه بمعصية الله، فإن الله لا ينال ما عند الله إلا بطاعته".

المقام الأخير: نصيحة قيمة من الفتى القيم ابن القيم، يقول -رحمة الله تعالى عليه-: "ولا ريب أن كل غيور يجنِّب أهله سماع الغناء كما يجنبهم أسباب الريب، ومن طرَّق أهله إلى سماع رقية الزنا فهو أعلم بالإثم الذي يستحقه".

ويقول شيخ الإسلام -رحمه الله-: "وَمَنْ أَقْوَى مَا يُهَيِّجُ الْفَاحِشَةَ إنْشَادُ أَشْعَارِ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مِنَ الْعِشْقِ وَمَحَبَّةِ الْفَوَاحِشِ وَمُقَدِّمَاتِهَا بِالأَصْوَاتِ الْمُطْرِبَةِ، فَإِنَّ الْمُغَنِّيَ إذَا غَنَّى بِذَلِكَ حَرَّكَ الْقُلُوبَ الْمَرِيضَةَ إلَى مَحَبَّةِ الْفَوَاحِشِ، فَعِنْدَهَا يَهِيجُ مَرَضُهُ وَيَقْوَى بَلاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ الْقَلْبُ فِي عَافِيَةٍ مِنْ ذَلِكَ جَعَلَ فِيهِ مَرَضًا" ا. هـ.

وقال أيضا -رحمه الله تعالى-: "وَالرَّجُلُ الْمُتَشَبِّهُ بِالنِّسَاءِ يَكْتَسِبُ مِنْ أَخْلَاقِهِنَّ بِحَسَبِ تَشَبُّهِهِ حَتَّى يُفْضِيَ الْأَمْرُ بِهِ إلَى التَّخَنُّثِ الْمَحْضِ، وَالتَّمْكِينِ مِنْ نَفْسِهِ كَأَنَّهُ امْرَأَةٌ، وَلَمَّا كَانَ الْغِنَاءُ مُقَدِّمَةَ ذَلِكَ وَكَانَ مِنْ عَمَلِ النِّسَاءِ كَانُوا يُسَمُّونَ الرِّجَالَ الْمُغَنِّينَ مَخَانِيثَ".

ويقول أيضًا -رحمه الله تعالى-: "وأما الفواحش فَالْغِنَاءُ رُقْيَةُ الزِّنَا، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ لِوُقُوعِ الْفَوَاحِشِ، وَيَكُونُ الرَّجُلُ وَالصَّبِيُّ وَالْمَرْأَةُ فِي غَايَةِ الْعِفَّةِ وَالْحُرِّيَّةِ حَتَّى يَحْضُرَهُ فَتَنْحَلُّ نَفْسُهُ وَتَسْهُلُ عَلَيْهِ الْفَاحِشَةُ، وَيَمِيلُ لَهَا فَاعِلًا أَوْ مَفْعُولًا بِهِ، أَوْ كِلَاهُمَا كَمَا يَحْصُلُ بَيْنَ شَارِبِي الْخَمْرِ وَأَكْثَرُ" ا هـ.

همسة أخيرة: أخطر أنواع المعاصي هي التي تنتقل من حيز الاستتار إلى حيز الإجهار، ومن حيز التخفي إلى حيز الافتخار؛ لأن من سمع الغناء في بيته فقد أذنب ذنبًا واحدًا، ويوشك أن يتوب الله عليه إذا تاب، أما من جاهر ودعا الناس إلى فسقه وأعلن ذلك على الملأ وحارب المصلحين فيوشك أن يموت موتة لا يتوب الله عليه بها.

"كل أمتي معافى إلا المجاهرين"

اللهم ادفع عنا الغلا والوبا والربا والغنا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن..