البحث

عبارات مقترحة:

الرحيم

كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...

الحفي

كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...

الرب

كلمة (الرب) في اللغة تعود إلى معنى التربية وهي الإنشاء...

صلاة العاجز

العربية

المؤلف عبد المجيد بن عبد العزيز الدهيشي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الصلاة
عناصر الخطبة
  1. حاجة القلب إلى زاد الإيمان والتقوى .
  2. فضل التزود بالصلاة في الآخرة .
  3. وجوب الصلاة على المريض ما دام يعقل .
  4. صفة طهارة المريض وصلاته .

اقتباس

إذا عَلِمنا ذلك -أيها المؤمنون- فيا تُرى ما هذا الزاد والقوت الذي تَحيا به القلوب؟ إنه زادٌ عجيب، وذو أثر أكيدٍ، زاد يزيد في الحَسنات ويرفع الدرجات، إنَّه قوت، وأيُّ قوت لِمَن حُرِم منه، ففاتَته تلك المكاسب والخيرات. يُحدِّثنا ربُّنا عن هذا الزاد...

الخطبة الأولى:

أمَّا بعدُ:

فإنَّ الناس جميعًا في هذه الدنيا على سفرٍ وارتحالٍ إلى الدار الآخرة، التي هي المقرُّ الدائم، والمنزل الأبدي: (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ) [غافر: 39].

وابن آدمَ في سفره هذا يحتاج إلى الوقود والزاد الإيماني الذي يَحدوه للمسير، ويُنير له الطريق، أرأيتم مسافرًا لا يتزوَّد لسفره؟ وهل تسير السيارة والطائرة بغير وقود؟ وهل يعيش الإنسان بلا طعامٍ أو شراب؟ وهل يعيش بدنٌ لا يأتيه الزاد من الطعام يوميًّا، وعلى جرعات متفاوتة وفي أوقات مرتَّبة، وإلاَّ هلَك البدن، وانهدَّت قُواه، وعجَز صاحبه؟ وهل يستطيع العبد أن ينجوَ بنفسه من كَرْب الدنيا، ومن كُربات الآخرة بغير زاد التقوى والإيمان والعمل الصالح؟ (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) [البقرة: 197].

فإنْ كان للجسد زادُه وطعامه، فللقلب زادُه وقوَّته الذي لا يبقى حيًّا إلاَّ به، وهل يكون القلب سليمًا مُعافًى، ينفع صاحبه يوم الفزع الأكبر، إن لَم يكن معمورًا بالإيمان، ومُترعًا بالتقوى والاستقامة: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء: 88 - 89].

إذا عَلِمنا ذلك -أيها المؤمنون- فيا تُرى ما هذا الزاد والقوت الذي تَحيا به القلوب؟

إنه زادٌ عجيب، وذو أثر أكيدٍ، زاد يزيد في الحَسنات ويرفع الدرجات، إنَّه قوت، وأيُّ قوت لِمَن حُرِم منه، ففاتَته تلك المكاسب والخيرات.

يُحدِّثنا ربُّنا عن هذا الزاد، فيقول: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) [هود: 114].

وعن أثر هذا الزاد ومفعوله القوي يُخبرنا ربُّنا: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) [العنكبوت: 45].

وأهل الفلاح والنجاح لهم مع هذا الزاد ارتباطٌ عجيب: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) [المؤمنون: 1- 2].

ولأهميَّة هذا الزاد وعظيم الحاجة إليه في حياة القلوب، فإنه لا يَسقط أداؤه عن أيِّ إنسان مسلم ما دام عقله معه، حتى لو كان المسلمون في مواجهة أعدائهم وفي مَعمعة الحرب والقتال: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) [النساء: 102].

إنَّ الصلاة لا تُسقط بحال حتى في حال شدَّة الخوف الذي يقطع نياط القلوب، فلا يلوي أحدٌ عن أحدٍ: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا) [البقرة: 238 - 239].

عباد الله: ليس الحديث إليكم الآن عن وُجوب الصلاة، وحُكم تاركها؛ فهذا أمرٌ معلوم من الدِّين بالضرورة، يعرفه حتى الصِّبيان والعجائز، غير أنِّي أريد التنبيه إلى أمرٍ يَغفل عنه البعض من المسلمين، وهو أنَّ بعض المسلمين يظنُّون أنَّ المسلم إذا كان مريضًا أو عاجزًا، أو كان حبيسَ فراشه -أنَّ الصلاة تسقُط عنه، وبعضهم يظنُّ أنَّ المريض لا يُصلِّي حال مرضه، ثم إذا شُفِي قضى ما عليه من الصلوات بحجَّة أنَّه عاجز عن أداء الصلاة كاملة؛ بوقوفها وطهارتها، وأركانها وواجباتها، فإلى هؤلاء يُقال: إنَّ الله -سبحانه- أوجَب الصلاة على المسلم المكلَّف، وأخبر سبحانه أنَّ الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا، فلم تَسقط عن المسلمين وهم في أتون المعركة ووسط لهيبِها ونيرانها، والأعداء عن قُرب، والموت يَتخطَّفهم من كلِّ جانب، فمن باب أوْلَى مَن هو آمِن مُطمئن.

ولكن قد يقول قائلٌ: كيف أُصلِّي وأنا لا أستطيع الطهارة، أو عليَّ ثياب نَجسة لا يُمكن نَزعها، أو لا يُمكنني الوقوف أو الركوع أو السجود، وربما لا يكون جسمي جهة القِبلة؟ فما أصنع في حالتي هذه؟

إنَّ الجواب عن ذلك قد أخبر به الحبيب -صلى الله عليه وسلمَ- في حديث عِمران بن حُصين -رضي الله عَنه- قال: "كانت بي بواسير، فسألت النبيَّ -صلى الله عليه وسلمَ- عن الصلاة، فقال: "صلِّ قائمًا، فإن لَم تستطع فقاعدًا، فإن لَم تستطع، فعلى جَنبٍ" [أخرَجه البخاري].

كما علَّمنا كتاب ربِّنا أن دينَنا لا حرَج فيه: (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج: 78].

وأنَّ التكليف بالأوامر الشرعيَّة يكون بحسَب القدرة والطاقة: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) [البقرة: 286]، (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن: 16]، وفي الصحيحين يقول صلى الله عليه وسلمَ: "إذا نهيتُكم عن شيءٍ فاجْتَنبوه، وإذا أمَرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتُم".

وعندما ورَد الأمرُ بالوضوء في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) [المائدة: 6].

جاء التخفيف عمَّن لا يستطيع الوضوء بالماء أو لا يَجده، فقال سبحانه: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [المائدة: 6].

أيُّها المؤمنون: إذا عَلِمنا ذلك كله فلنَعلم أنَّ الصلاة تجبُ على المسلم ما دام عقله موجودًا؛ فقد قال ربُّنا -تعالى-: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: 99].

قال ابن باز -رحمه الله تعالى-: "المرض لا يَمنع من أداء الصلاة بحجَّة العجز عن الطهارة، ما دام العقل موجودًا، بل يجب على المريض أنْ يُصلِّي حسَب طاقته، وأن يتطهَّر بالماء إذا قدرَ على ذلك، فإن لَم يستطع استعمال الماء، تيمَّم وصلَّى، وعليه أنْ يغسلَ النجاسة من بدنه وثيابه وقت الصلاة، أو يبدِّل الثياب النجسة بثياب طاهرة وقت الصلاة، فإن عجَز عن غسْل النجاسة وعن إبدال الثياب النجسة بثياب طاهرة، سقَط ذلك عنه، وصلَّى على حسَب حاله؛ لقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن: 16]".

وقد بيَّن أهل العلم كيفيَّة الطهارة والصلاة بالنسبة للمريض على النحو الآتي باختصار: حيث يجب على المريض أن يتطهَّر بالماء، فيتوضَّأ من الحدَث الأصغر ويَغتسل من الحدث الأكبر، فإن كان لا يستطيع الطهارة بالماء -لعجْزه، أو خوف زيادة المرض، أو تأخُّر بُرْئه- فإنه يتيمَّم، وإن كان لا يستطيع استعمال الماء أو التيمُّم بنفسه، فإنه يستعين بِمَن يوضِّئه أو يُيَمِّمه، وإن كان على بعض أعضاء وضوئه رباطٌ أو جبسٌ، مسَح عليه بالماء ولا يتيمَّم له، ثم يصلي الفريضة قائمًا، ولو مُنحنيًا أو معتمدًا على جدار أو عصًى عند الحاجة، فإن كان لا يستطيع القيام، صلى جالسًا، فإن كان لا يستطيع الجلوس، صلَّى على جنبه متوجِّهًا إلى القِبلة قدْرَ الإمكان، فإن كان لا يستطيع الصلاة على جَنبه، صلَّى مُستلقيًا ورِجلاه إلى القِبلة إن أمْكَنه ذلك، أمَّا عن الركوع والسجود، فإن كان المريض يَستطيعهما وجَبا عليه، فإن لَم يستطع أوْمَأ بهما برأسه، ويجعل السجود أخفضَ من الركوع، فإن كان لا يستطيع الإيماء برأسه في الركوع والسجود صلَّى بقلبه؛ فيكبِّر ويقرأ، وينوي الركوع والسجود، والقيام والقعود بقلبه، أمَّا عن وقت الصلاة فيجب على المريض أن يصلِّي كلَّ صلاة في وقتها، فإن شقَّ عليه فِعْل كلِّ صلاة في وقتها، فله الجمْع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء حسَب ما يتيسَّر له؛ تقديمًا، أو تأخيرًا، أمَّا الفجر فلا تُجمع مع غيرها.

هذا باختصار ما يجب على المريض فِعْله حيال الصلاة، وما ذاك إلا لأهميَّة الصلاة للمسلم، فهي الوقود والزاد الإيماني، ومَن فرَّط فيها، فهو الخاسر في الدنيا والآخرة، ويا عبد الله، احْمَد ربَّك على نعمة الصِّحة والعافية، واستغلَّها في طاعة مولاك قبل أن يحالَ بينك وبينها، صلِّ مع المسلمين قبل أن يصلَّى عليك، وحينذاك: (لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا) [الأنعام: 158].

اللهمَّ إنَّا نسألك العفو العافية في الدنيا والآخرة، يا رحمن يا رحيم.

أقول...