العربية
المؤلف | عبد الرحمن بن صالح الدهش |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الصلاة |
إنَّ موضوعاً لا ينبغي أن يشغلنا عنه أيُّ موضوعٍ، وحديثاً لا يليق أن يجعل كسائر الأحاديثِ. ولأهميته، وعظمه لا بدَّ أن يبدأ القولُ فيه ويعاد. ولخطورته، وتساهل الكثير فيه لا بدَّ أن تسمعه الآذان، وأن تعيه القلوبُ. إنَّ هذا الموضوع من آخر ما تكلَّم به النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإن شئت قل: هو وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- لأمته؛ فــ....
الخطبة الأولى:
الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العليم الخبير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البشير النذير، والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم الجمع الكبير وسلم تسليماً.
أما بعد:
فإنَّ موضوعاً لا ينبغي أن يشغلنا عنه أيُّ موضوعٍ، وحديثاً لا يليق أن يجعل كسائر الأحاديثِ.
ولأهميته، وعظمه لا بدَّ أن يبدأ القولُ فيه ويعاد.
ولخطورته، وتساهل الكثير فيه لا بدَّ أن تسمعه الآذان، وأن تعيه القلوبُ.
إنَّ هذا الموضوع من آخر ما تكلَّم به النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإن شئت قل: هو وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- لأمته.
فعن أنس -رضي الله عنه- قال: "كانت آخر وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو يغرغر بها في صدره، فلا يكادُ يفيضُ بها لسانه: الصلاة الصلاة، اتقوا فيما ملكت أيمانكم"[حديثٌ حسن].
أجل -عباد الله-، إنه موضوع الصلاة.
موضوع عليه نجاة الإنسان وفلاحه؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أوَّل ما يحاسب عنه العبدُ صلاته، فإن كان قد أتمها فقد أفلح وأنجح، وإن نقصت فقد خاب وخسر" [رواه أبو داود].
إنَّ الصلاة هي العهد الذي بين العبد وربه قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر".
ولقد ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- الصلاة يوماً، فقال: "من حافظ عليها كانت له نوراً، وبرهاناً، ونجاةً، يوم القيامةِ، ومن لم يُحافظ عليها لم تكن له نورٌ ولا برهانٌ، ولا نجاةٌ، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبيِّ بن خلف".
وبعد هذا نجد في كثير من المسلمين من كانت الصلاة في ثانويات أعمالهم، وفي أخريات اهتماماتهم، خفَّ ميزانها في نفوسهم.
فمنهم من عطَّلها فترك الصلاة تركاً كلياً، وهؤلاء أحسن الله عزاء المسلمين فيهم.
هؤلاء قد حكم فيهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة"
وقال عبد الله بن شقيق: "كان أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفرٌ غير الصلاة".
ومن الناس من تكاسل عن الصلاة فصار يؤخرها عن وقتها من غير عذر شرعي.
فإن نام فصلاته بعد نومه طال نومه أو قصر.
وإن جلس مع رفاقه، وأصحابه يتحدثون فصلاته بعد مجلسه مهما امتدَّ هذا المجلس، وعلى أي حال هم في هذا المجلس.
وإن كان مشتغلاً في محله، أو مزرعته، أو في بيته، أو متابعاً لمباراة، أو مشاهداً لتلفزيون فصلاته بعد هذه كلها، لا يقبل في ذلك صرفاً ولا عدلاً.
ومن الناس من حرص على الصلاة، ولكنَّه ظنَّ صلاته في بيته مجزئة فتخلَّف عن جماعة المسلمين، وهجر بيت رب العالمين.
ومن ترك الجماعة من غير عذرٍ فهو على خطرٍ عظيمٍ، ولقد همَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يُحَرِّق بيوتاً على أقوامٍ لم يشهد الصلاة مع الجماعة، ولم يقل النبي -صلى الله عليه وسلم- لعلهم يصلون في بيوتهم.
فكيف تطيب نفسك -يا عبد الله-: أن تسمع النداء وأنت صحيح في بدنك، آمن في بيتك ثم لا تجيب داعي الله؟
أرأيت لو فاجأك مرض لم تعط أملاً في شفائه، أو حلَّ بك كربٌ لا قدرة لك بدفعه، كيف حالك مع هذا؟
إن الظنَّ بك أن تسابق مؤذن المسجد في الحضور ترجو فرج الله، تعطي العهود بالمحافظة على الصلاة وعبادتك حينئذ عبادة ضرورة.
فلم لا تعبدِ الله عبادة اختيارٍ، ورغبة؟.
تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة.
وإنَّ مما ابتلي به كثيرٌ من المسلمين التفريطَ في صلاة الفجر، فثقلت رؤوسهم في هذا الليل القصير، واعتاد كثير منهم السهر الكثيرَ، فشابهوا المنافقين في تخلفهم عن هذه الفريضة، محتجين أنهم لا يستطيعون القيام، ولو علِموا لهم مصلحة عاجلة لجاؤوا إليها وهم يجمحون.
ولقد رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- أقواماً ترضخُ رؤوسهم بالصخر، كلَّما رضخت عادت كما كانت، لا يفتر عنهم من ذلك شيء، قال: "يا جبريل مَن هؤلاء، قال هؤلاء الذين ثقلت رؤوسهم عن الصلاة" [رواه البزار بسند حسن].
يقول عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سن نبيكم لضللتم، وما من رجلٍ يتطهر فيحسن الطهور، ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكلِّ خطوةٍ يخطوها إلى الصلاة حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا، وما يتخلفُ عنها إلا منافقٌ معلومٌ النفاقِ، ولقد كان الرجلُ يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقامَ في الصفِّ".
رضي الله عنهم، ووفقنا لما وقفهم، وأعاننا على أنفسنا.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله…
الخطبة الثانية:
الحمد لله وفق الصادقين لطاعته، وخذل المنافقين لحكمته، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمداً عبده، صلى الله...
أما بعد:
فإن من أكبر قضايا التربية التي يهتم بها المربي من أب، أو معلم، أو غيرهما، هو تعاهد من تحت يده في أمر الصلاة.
فلنعظم في نفوس أبنائنا شأن الصلاة في وقتها؛ فصلاة الفجر ينتهي وقتها بطلوع الشمس، وصلاة العصر باصفرار الشمس، والمضطر إلى غروبها.
وعجب من حالنا أن نحمل هماً لمواعيد أولادنا في مدارسهم، فنحن حريصون أن لا يأخذ عليهم تأخر يعاتبون عليه.
ثم تأتي أيام الاختبارات فيعظم الحرص، ولنا في ذلك احتياطاتٌ كثيرةٌ، ولكننا -وللأسف- قد لا نبذل مِعْشارها في إيقاظهم للصلاة.
ثم علينا أن نحملهم على الاستعداد لها بالطهارة التي هي أحد شروطها فالسفهاء أو المتسافهون من أبناء المدارس عليهم أن يعوا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ".
أيها الإخوة: إنَّ المحافِظَ على الصَّلاةَ لا يَقَعُ في فحشاء ولا منكر؛ لأنَّ الله -تعالى- قال عن الصَّلاةِ: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) [العنكبوت: 45].
إنَّ المحافظ على الصلاة قد سلم من وصف الهلع الذي ذكره الله وصفاً للإنسان واستثنى المصلين، قال تعالى: (إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ)[المعارج: 19-22].
فالمصلي أثبت الناس قلباً، فهو لا يجزع عند الشرِّ والمصائب، فإن أصابه فقرٌ، أو مرضٌ، أو ذهابُ محبوبٍ، من أهلٍ، أو ولدٍ، علِم أنَّ ذلك بقدر الله، وما أبقى الله أكثر مما أخذ.
والمصلي لا يمنع عند حصول الخير والنعمة، فهو شاكر باذلٌ، يؤدي ما أوجب الله من زكاة ونفقة على من أوجب الله نفقته عليه، ويرى فضل الله في ذلك كلِّه عليه.
وكيف لا يكون المصلي كذلك وهو يناجي ربَّه، ويقف بين يديه ويجيب دعوة خالقه في كلِّ يوم خمس مرات.
إنّ الصلاة عونٌ للعبد في عمله، وقوةٌ له في بدنه، ومستراحٌ له في قلبه، يتزود منها نشاطاً وطمأنينةً.
ولقد كان نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، وجعل الله قرة عينه فيها، فهو أكمل المصلين، يطيل قراءتها، ويتمُّ ركوعها، ويحسن سجودها.
إنَّ الصلاة عصمة للبيوت، ورباط للأسر، وسدٌّ في وجه الشيطان الذي يريد فصامها، وهدمها على أهلها؛ ولذا أمر الله -تعالى- بالصلاة في أثناء آيات الطلاق، والعدد وبعد آية الخلع إشارة واضحة أنَّ الصلاة من أكبر الأسباب للمِّ شعث البيوت، والقضاء على نزغات الشيطان فيها.
قال الله -تعالى-: (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى) [البقرة: 238].
فالمصلي أبعد الناس عن التلاعب بالطلاق، وإيقاعه لأنفه الأسباب، فصلاته تربط على قلبه، وتعينه على تحمل نقص زوجه، والتغاضي عن عيبها.
فالصلاة كلها صلاح الدين والدنيا…
وأنتم يا رواد البر ومتتبعي الأمطار ويا أصحاب المخيمات الخلوية: الله الله في صلاتكم، راقبوا وقتها، وتحروا اتجاه القبلة الصحيح.
وأذنوا لها، وأعدوا مكانها، واجتمعوا عليها، أيقظوا النائم، وانتظروا الغائب القريب.
الوضوء بالماء شرط فيها، فإن عدم الماء، أو شق استعماله، فالتيمم بدل عنه في رفع الحدث الأصغر والأكبر.
فاللهم اجعلنا مقيمي الصلاة وذرياتنا...