المعطي
كلمة (المعطي) في اللغة اسم فاعل من الإعطاء، الذي ينوّل غيره...
العربية
المؤلف | عمر بن عبد الله بن مشاري المشاري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان - المنجيات - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
ومن الأمراض أوبئة وطواعين ومنها أوبئة لم تكن معروفة من قبل، قد تنتقل بالعدوى وقد لا تنتقل، وكل ذلك بأمر الله -تعالى- وحده، والوباء والطاعون عقاب يعاقب الله به العصاة ورحمة للمؤمنين..
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي خلق فسوَّى وقدَّر فهدى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً، أمَّا بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون، واعلموا أنَّكم في دار ابتلاء قال -تعالى-: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)[الملك: 1-2]، قال الطبري -رحمه الله-: "ليختبرَكم فينظر أيّكم له أيُّها الناسُ أطوع، وإلى طلبِ رضاه أسرع". (تفسير الطبري: 23/ 505).
عباد الله: إنَّ من الابتلاءات الابتلاء بالأمراض، وفيها تطهير وتكفير للسيئات ورفعة في الدرجات، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ، وَلَا نَصَبٍ، وَلَا سَقَمٍ، وَلَا حَزَنٍ حَتَّى الْهَمِّ يُهَمُّهُ، إِلَّا كُفِّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ"(رواه مسلم: 2573).
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مِنْ مَرَضٍ، فَمَا سِوَاهُ إِلَّا حَطَّ اللهُ بِهِ سَيِّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا"(رواه مسلم:2571). وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً"(رواه مسلم:2572).
ومن الأمراض أوبئة وطواعين ومنها أوبئة لم تكن معروفة من قبل، قد تنتقل بالعدوى وقد لا تنتقل، وكل ذلك بأمر الله -تعالى- وحده، والوباء والطاعون عقاب يعاقب الله به العصاة ورحمة للمؤمنين، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لمَّا سئل عن الطاعون: "إنَّهُ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، وَأَنَّ اللهَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ، فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَهُ، إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ"(رواه البخاري: 3474).
عباد الله: عند الإصابة بالمرض يشرع التداوي قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً، إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ"(رواه الإمام أحمد: 18455، وصححه الألباني في الصحيحة برقم 451). وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ، فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-"(رواه مسلم: 2204).
والتداوي يكون بالرقية الشرعية وبالأدوية الطبية النافعة -بإذن الله-، وللرقية بسورة الفاتحة تأثير عجيب في الشفاء، وهي أعظم سورة في القرآن، وتسمى الشافية، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانُوا فِي سَفَرٍ، فَمَرُّوا بِحَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، فَاسْتَضَافُوهُمْ فَلَمْ يُضِيفُوهُمْ، فَقَالُوا لَهُمْ: هَلْ فِيكُمْ رَاقٍ؟ فَإِنَّ سَيِّدَ الْحَيِّ لَدِيغٌ أَوْ مُصَابٌ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: نَعَمْ، فَأَتَاهُ فَرَقَاهُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، فَبَرَأَ الرَّجُلُ، فَأُعْطِيَ قَطِيعًا مِنْ غَنَمٍ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، وَقَالَ: حَتَّى أَذْكُرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَأَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ وَاللهِ مَا رَقَيْتُ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَتَبَسَّمَ وَقَالَ: "وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟"، ثُمَّ قَالَ: "خُذُوا مِنْهُمْ، وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ مَعَكُمْ"(رواه البخاري: 5749، ومسلم 2201).
قال ابن القيم -رحمه الله-: "لَوْ أَحْسَنَ الْعَبْدُ التَّدَاوِيَ بِالْفَاتِحَةِ، لَرَأَى لَهَا تَأْثِيرًا عَجِيبًا فِي الشِّفَاءِ، وَمَكَثْتُ بِمَكَّةَ مُدَّةً يَعْتَرِينِي أَدْوَاءٌ وَلَا أَجِدُ طَبِيبًا وَلَا دَوَاءً، فَكُنْتُ أُعَالِجُ نَفْسِي بِالْفَاتِحَةِ، فَأَرَى لَهَا تَأْثِيرًا عَجِيبًا، فَكُنْتُ أَصِفُ ذَلِكَ لِمَنْ يَشْتَكِي أَلَمًا، وَكَانَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ يَبْرَأُ سَرِيعًا"(الداء والدواء: ص9).
وقال الله -تعالى-: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)[الإسراء: 82] قال ابن القيم -رحمه الله-: "فَالْقُرْآنُ هُوَ الشِّفَاءُ التَّامُّ مِنْ جَمِيعِ الْأَدْوَاءِ الْقَلْبِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ، وَأَدْوَاءِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَا كُلُّ أَحَدٍ يُؤَهَّلُ وَلَا يُوَفَّقُ لِلِاسْتِشْفَاءِ بِهِ، وَإِذَا أَحْسَنَ الْعَلِيلُ التَّدَاوِيَ بِهِ، وَوَضَعَهُ عَلَى دَائِهِ بِصِدْقٍ وَإِيمَانٍ، وَقَبُولٍ تَامٍّ، وَاعْتِقَادٍ جَازِمٍ، وَاسْتِيفَاءِ شُرُوطِهِ، لَمْ يُقَاوِمْهُ الدَّاءُ أَبَدًا. وَكَيْفَ تُقَاوِمُ كَلَامَ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ الَّذِي لَوْ نَزَلَ عَلَى الْجِبَالِ لَصَدَّعَهَا، أَوْ عَلَى الْأَرْضِ لَقَطَّعَهَا، فَمَا مِنْ مَرَضٍ مِنْ أَمْرَاضِ الْقُلُوبِ وَالْأَبْدَانِ إِلَّا وَفِي الْقُرْآنِ سَبِيلُ الدِّلَالَةِ عَلَى دَوَائِهِ وَسَبَبِهِ، وَالْحَمِيَّةِ مِنْهُ لِمَنْ رَزَقَهُ اللَّهُ فَهْمًا فِي كِتَابِهِ". (ينظر الطب النبوي لابن القيم (ص: 266).
عباد الله: وللمحافظة على الأذكار الشرعية صباحاً ومساء وعند النوم وغيرها من المواضع أهمية في حفظ المرء وسلامته؛ إذ هي حصن حصين له -بإذن الله-، قال ابن القيم -رحمه الله-: "اعْلَمْ أَنَّ الْأَدْوِيَةَ الطَّبِيعِيَّةَ الْإِلَهِيَّةَ تَنْفَعُ مِنَ الدَّاءِ بَعْدَ حُصُولِهِ، وَتَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِهِ، وَإِنْ وَقَعَ لَمْ يَقَعْ وُقُوعًا مُضِرًّا، وَإِنْ كَانَ مُؤْذِيًا، وَالْأَدْوِيَةُ الطَّبِيعِيَّةُ إِنَّمَا تَنْفَعُ، بَعْدَ حُصُولِ الدَّاءِ، فَالتَّعَوُّذَاتُ وَالْأَذْكَارُ، إِمَّا أَنْ تَمْنَعَ وُقُوعَ هَذِهِ الْأَسْبَابِ، وَإِمَّا أَنْ تَحُولَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ كَمَالِ تَأْثِيرِهَا بِحَسَبِ كَمَالِ التَّعَوُّذِ وَقُوَّتِهِ وَضَعْفِهِ، فَالرُّقَى وَالْعُوَذُ تُسْتَعْمَلُ لِحِفْظِ الصِّحَّةِ، وَلِإِزَالَةِ الْمَرَضِ"(الطب النبوي: ص135).
عباد الله: ومن التداوي: التداوي بالأدوية المباحة عند الإصابة بالمرض أو دفعاً له قبل الإصابة، سئل الشيخ ابن باز -رحمه الله- عن حكم في التداوي قبل وقوع الداء كالتطعيم؟ فأجاب: لا بأس بالتداوي إذا خشي وقوع الداء لوجود وباء أو أسباب أخرى يخشى من وقوع الداء بسببها، فلا بأس بتعاطي الدواء لدفع البلاء الذي يخشى منه؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "من تصبَّح بسبع تمرات من تمر المدينة لم يضره سحر ولا سُمّ". وهذا من باب دفع البلاء قبل وقوعه فهكذا إذا خشي من مرض وطعَّم ضد الوباء الواقع في البلد أو في أي مكان، لا بأس بذلك من باب الدفاع، كما يُعالَجُ المرض النازل، يُعالَجُ بالدواء المرض الذي يخشى منه"(ينظر مجموع فتاوى ابن باز: 6/21).
عباد الله: تعلمون -حفظكم الله- مدى الحرص البالغ من قبل ولاة الأمر -حفظهم الله- على صحة المواطن والمقيم وضرب أروع الأمثلة في التعامل مع جائحة كورونا علاجاً للمصابين به، واتخاذاً للإجراءات الاحترازية للحد من انتشاره، ودفعاً للوباء قبل الإصابة به، ولمَّا اكتشف لقاح لهذا الوباء سارعت بلادنا -حرسها الله- في توفيره مجاناً للمواطن والمقيم، بعد أن تمَّ التأكد من اللقاح ومأمونيته -ولله الحمد والمنة-.
ومن الأهمية أخذ المعلومات الصحية من مصادرها الرسمية المعتمدة كوزارة الصحة والهيئة العامة للغذاء والدواء في بلادنا -أعزها الله-، وعدم الأخذ بالمعلومات المغلوطة، والحذر من الإشاعات والتحذير منها.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه، إنَّه هو الغفور الرحيم.