الرحمن
هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...
العربية
المؤلف | منصور محمد الصقعوب |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب |
معشر الشباب: الرجولة مضمون لا مظهر, مخابرُ لا مناظر, فكم من شيخ في السبعين وقلبه في سنّ السابعة، يفرح بالتافه، ويبكي على الحقير، ويتعلق بالقشور. وكم من غلام صغير العمر، ولكنه رجلٌ من رأسه إلى أخمَصِ قدميه؟ فكم ترى من أطفالٍ في أسنانهم, ولكنهم رجالٌ في أفعالهم؟ أو...
الخطبة الأولى:
الحمد لله العظيم في قدره, العزيز في قهره, العليم بحال العبد في سره وجهره, أحمده على القدر خيره وشره, وأشكره على القضاء حلوه ومره, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, ربى أصحابه على خير الخصال, فأخرج للناس جيلاً هم رجالٌ حَقَّ رجال, وسلم تسليمًا.
أما بعد:
فاتقوا الله، فهي خيرُ لباسٍ في الدنيا، وخيرُ زادٍ إلى الآخرة.
عباد الله: من بالغِ حكمةِ الله -عز وجل-: أن يجعلَ عباده درجات، بعضهم فوقَ بعض، يُقسِّمُ بينهم الأرزاق والأخلاق، خلقهم مختلفين، يتمايزون في العلمِ، وفي نظرتهم للحياة، وفي فهمهم لحقيقةِ ما خُلِقوا من أجله، ثمَّ تمضي الحياةُ، وتطوى الأعمارَ، ويصير كلٌ إلى ربه، فمنهم من أعتقَ نفسه، ومنهم من أوبقها، منهم من يُقال له: (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ) [الحاقة: 24].
ومنهم من يقال له: (هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ) [الطور: 14].
عبد الله: الحياةُ وأيامُها, الزمان ولحظاته؛ هبةُ الله لعباده، وهو في نفس الوقت بلاءٌ لهم واختبار؛ كيف يديرون هذه الحياة؟ وكيف يستثمرونها؟ (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) [الملك: 2].
أجل، فاللهُ -عز وجل- يهبُ الحياةَ لعبده، ويمدّهُ بأسبابها، ليبلُوه ماذا يعمل؟ وكيف يعمل؟
يقولُ ابن القيم: والناسُ قسمان: عِلْيَة شرفاء، قد عرفوا الطريق إلى ربهم فسلكوه قاصدين الوصول إليه, وسَفَلةً لؤماء، لم يعرفوا الطريق ولم يسلكوه: (وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ) [الحـج: 18]، ففهمُ الحياةِ على حقيقتها، وتحقيقُ العبوديةِ التي من أجلها خُلِق، وتحمل مسؤولية الاستخلاف في الأرض بجدّية، هي معارجُ النجاةِ، وعوامل النجاح في الدنيا والآخرة، وهي كذلك سرّ عزِّ الأمةِ وسبب قوّتها ومجدها، فدولةُ الإسلام الأولى التي شيَّدها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنَّما قامت على أكتافِ الرجالِ الأشدّاء، ذوي العزمِ والصدقِ والإباء، كالخلفاء الأربعة، وبقية المبشرين العشرة، وغيرهم من نجوم الصحابة والتابعين، أولئكَ الرجالُ ومن شابههم من أفذاذِ الأمةِ في عصورها المتلاحقةِ، الذين أسَّسُوا حياتهم على فهمٍ عميق، وإيمانٍ وثيق، وجدٍ متّواصل، فكان واحدهم كألف، بل إنَّ الأمةَ قد تمرُ بأزمةٍ شديدة، أو منعطفاتٍ خطيرة، فإذا واحدٌ من أبنائها، وفردٌ من رجالاتها، يُمسِكُ بزمامها، فيعصمها الله به من شرٍ عظيم، وخطرٍ ماحِق، كما فعل الصدِّيقُ يومَ الردّةِ، وكما فعلَ عُمرُ بن عبد العزيز حين غشَا الظلمُ والجور، وكما فعل ابن حنبلٍ يوم فتنة خلقِ القرآن, وكما فعل صلاح الدين حين استرد بيت المقدس، كلُّ أولئك وغيرهم كثير.
إنَّما هم أفرادٌ وهبهم اللهُ من السماتِ والخصائص ما وهبهم، ثمَّ أدّبوا أنفسهم وربّوها، وأكسبُوها من خصالِ الجدِّ والعزم، والصدق والصبر ما أهَّلهم للقيادة ومن ثمَّ التأثير والتغيير, ولأجل ذلك فإنَّهُ لا عجب أن يمرَّ بالأمّةِ أزماتٌ ومحنٌ وشدائدُ، ولكنَّ العجبَ أن لا يخرجَ من أبنائها من يصُدَّ عنها, العجبُ أن تنجحَ مشاريعُ الأعداءِ في تشتيتِ هممِ رجال الأمّة، وفي تسطيحِ اهتماماتِ شبابها، فلا يعرفون قيمةَ ذواتهم، ولا يدركون أدوارهم، فتضيعُ حياتُهم في الركضِ وراءَ المصالحِ الشخصية، أو خلفَ الشهوات الدنِيّة، وتذرف دموعهم بسبب ضياع أمجاد كروية, ولتبقى قضايا الأمةِ الأساسية المصيرية لا تُمنح إلاَّ القليل من المواهب المتواضعة، والأوقاتِ اليسيرة المتقطعة، والفكرِ السطحي المكدُود.
قال عُمر بن الخطاب مرةً لجلسائه: تمنّوا؟ فقال أحدهم: أتمنّى لو أنَّ هذه الدارَ مملوؤةٌ ذهبًا فأُنفقهُ في سبيل الله، ثم قال عمر: تمنّوا، فقال آخر: أتمنّى لو أنَّها مملوؤة بالجواهر فأنفقهُا في سبيل الله، فقال: تمنّوا؟ فقالوا: ما ندري يا أميرَ المؤمنين؟ فقال عُمر: أما أنا فأتمنّى لو أنَّها مملوءة رجالاً مثلَ أبي عبيدةَ بن الجراح ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حُذيفة وحذيفةَ، فأستعملهم في طاعة الله.
نعم، فأولئكَ الرجال في حس أمير المؤمنين أنفعُ للأمةِ من الذهبِ، ونفيس الجواهر؛ لأن الرجال الأكفاء هم الذين يُغيّرون مَجْرى التاريخ، وهم مَن تقومُ عليهم الحضارات، وتنتصر بهم الجيوش, وتنتشر الدعوات, ولذلك قال من قال: "يا له من دين لو كان له رجال!".
هذا الدين, من العجيب أن نقول: أنه يشكو من قلّة الرجال, مع أنه يضم بين أتباعه ما يزيد على ألف مليار مسلم، ينتسبون إليه، ويُحسَبون عليه، ولكن كثيراً منهم كما قال صلى الله عليه وسلم: "غثاء كغثاء السيل".
أيها المسلمون: إن في كلِ فردٍ منَّا خصائصَ وصفات، ومواهبَ وقدرات، ولو أخدمها للإسلامِ لتغيّرَ طعم الحياةِ في حسه، ولشعرَ بعلو قيمته وقدره، والجميلُ في الأمر أن الإسلامَ لا يُريدُكَ أن تُغيّر مُيُولَك أو تلغيَ صفاتِك, أو أن تنسى نفسك, وإنَّما يُريدُك أن توجّه طاقاتك الوجهةَ الصحيحة، يُريدُك أن تزدادَ بها شرفًا ورفعةً، ويُريدُها أن تزيدَك من ربك قرباً, فمن كان قويًا شُجاعًا مِقْدامًا! فعلام يضيعُ ذلك في العبثِ والمغامرات الرياضية، والإسلامُ بأمسِ الحاجةِ إلى شُجاعٍ يُقدِّمُ نفسه يصدع بالحقِ؟ لا يخشى في الله لومة لائم، ومن كان بليغًا فصيحًا فدُونهُ دعوة الحقِّ، فهي أحقُّ بمن كان ناصعاً بيانُه، فصيحًا لسانُه, ومن كان ذا مال ففي الأمة من هُم بأمسِ الحاجةِ لذلك, وهكذا, وذلكم هو التطبيق العملي للتوجيه النبوي: "اعملوا فكلٌّ مُيسّرٌ لما خُلِق له".
إن عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان رجلاً قويًّا مقداماً شُجاع القلبِ والرأي، ولذلك نالَ المسلمينِ منه قبل إسلامه ما نالهم منهُ, فلمَّا هداهُ الله للإسلامِ بقيت سِماتُهُ وصِفاتُه وشخصيته كما هي، إلا أنه حوّلَ تلك الخصائصَ إلى خدمةِ الإسلام.
وخالدُ بن الوليد -رضي الله عنه- الذي كان يُهدِرُ فروسيتهُ وخبرتهُ القتالية من أجلِ أهدافِ القبيلة، أصبحَ بعد إسلامه يستثمرُها لخدمةِ الدين ونشر الإسلام، فكان رضي الله عنه يقولُ: "ما ليلة تُهدى إليَّ فيها عروس أنا لها محب، بأحب إلىَّ من ليلةٍ شديدةُ الجليدٍ أبيتُّ فيها مع نفرٍ من المهاجرين أُصبِّحُ بها العدو".
عباد الله: إنَّ جماع الخيرِ، ومِعْراج الفلاح، أن تربّي نفسك على المعالي والأهداف العظيمة، وأن تعرف قيمةَ ذاتك فليست الحياةُ الكريمةُ أن تلبسَ أحسنَ اللباس، ولا أن تسكُن فارِهَ المساكن، ولا أن تحوز أضخمَ الأرصدةِ، ليس ذلكم هو النجاحُ، وليست هذه الرجولة, وليس هذا هو التفوقُ، بل هو الإخفاقُ بعينه إن قصرت الهمة عليه، وماذا يغني عن الإسلام رجال أهمتهم أنفسهم، وحكمتهم شهواتهم، وسيّرتهم مصالحهم، فلا وثقوا بأنفسهم، ولا اعتمدوا على ربهم، رجال يجمعهم الطمع، ويفرقهم الخوف، أو كما قيل: يجمعهم مزمار وتفرقهم عصا!
وتأمل -يا مبارك- في كلمة الرجل في القرآن, أين أطلقت, الرجل في القرآن هو من وقف أمام قوم فرعون ناصراً لدعاة الحق، قائلاً: (أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ) [غافر: 28].
الرجل في القرآن هو من ينصر الرسل، ويقف معهم, وسعى في إنقاذ موسى من القتل, فقال ربنا عنه: (وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) [يــس: 20].
الرجل في القرآن هو طاهرُ القلب والبدن, زكيُ الروح والفؤاد: (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) [التوبة: 108].
الرجل في القرآن هو من صمد أمام الملهيات, وتعالى على المغريات, ولا تشغله الدنيا عن الدين, ديدنه ذكر الله, وراحته في الصلاة, قال ربنا عن هؤلاء الرجال: (لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ) [النــور: 37].
الرجل في القرآن هو من يضحي لأجل نصرة الدين بقوله وماله وأفعاله، قال الحق عنهم: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) [الأحزاب: 23].
هؤلاء رجال القرآن, وفي الأمة في كل زمان رجال.
فاللهم وفقنا لسلوك طريقهم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى.
أما بعد:
فقد جاء في الحديث الصحيح: "إنما الناس كإبل مائة، لا تكاد تجد فيها راحلة".
والنّاس ألفٌ مِنهم كواحدِ | وواحد كالألفِ إن أَمرٌ عنى |
الرجل الكفء الصالح، هو عماد الرسالات، هو روح النهضة، ومحور الإصلاح.
أعِدَّ ما شئت من معامل السلاح والذخيرة، لن تتحرك الأسلحة إلا بالرجل المحارب.
صُغ ما شئت من مناهج التعليم والتربية، لن يقوم المنهج إلا بالرجل الذي يدرِّسه.
أنشء ما شئت من المكاتب والدوائر والمصالح، لن تُنْجَزَ الأعمالُ إلا بالرجلِ الكفءِ, ولا غرو فالرجل أعز من كل معدن نفيس وأغلى من كل جوهر ثمين.
معشر الشباب: الرجولة مضمون لا مظهر, مخابرُ لا مناظر, فكم من شيخ في السبعين وقلبه في سنّ السابعة، يفرح بالتافه، ويبكي على الحقير، ويتعلق بالقشور.
وكم من غلام صغير العمر، ولكنه رجلٌ من رأسه إلى أخمَصِ قدميه؟ فكم ترى من أطفالٍ في أسنانهم, ولكنهم رجالٌ في أفعالهم؟ أو ليس الذي قتل أبا جهلٍ شابٌ حدثُ السن؟ أو ليس محمد الفاتحُ كان شاباً صغيراً, والقائمة تطول في تعداد هؤلاء؟
دخل غلامٌ على هشام بن عبد الملك ليتحدث باسم قومه، فقال له الخليفة: "ليتقدم من هو أسنُّ منك يا غلام؟ فقال: يا أمير المؤمنين، لو كان الأمرُ بالسنِّ لكان في الأمة من هو أولى منك بالخلافة، المرء بأصغريه قلبهِ ولسانه".
نعم، فالرجولة ليست في بسطة الجسم، ولا في طولِ القامة، فلقد قال الله عن طائفة من المنافقين: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ) [المنافقون: 4].
ومع هذا فقد ذمهم بالبلادة والجبن: (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) [المنافقون: 4].
وجاء في الحديث الصحيح: "يأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة فلا يزن عند الله جناح بعوضة".
معشر الشباب: الأمة تحتاج إلى رجال, نعم رجال, الأمة تحتاج إلى متعلمين ومفكرين, تحتاج إلى المتخصص في الاعتقاد وفي الفقه وفي السنة والإدارة والاقتصاد والسياسة, تحتاج إلى المهندس والطبيب, وكل هؤلاء يخدمون الأمة, والمجالُ أمامكم.
شبابَ الأمة, وجيلَ الغد: الرجولة ليست بالصلافة مع الأهل والأسرة, ليست بالتصلب في المواقف ولا يتضعضع عن رأيه ليكون رجلاً على كلمته, ليست الرجولة أن تفعل ما تشاء بحجة أنك رجل, وإذا عوتبت قلتَ: أنا رجلٌ أدرى بمصلحتي, الرجولة ليست بكل هذا, الرجولة الحقة أن تطيع ربك, وتحسن خلقك, وتعلي همتك, وتوسع طموحك, وتنمي مداركك.
الرجل هو الذي يفكر كيف يكون لبنةً في بناء الأمة, كيف يُسهِمُ في نُصرَةِ الدين؟ كيف يوقد شمعة في طريق نشر الإسلام؟ كيف يكون له دور في نهضة الأمة بشتى مجالات التغيير والتطوير, هؤلاء هم الرجال؟
الرجولة وقوف في وجه الباطل، وصدع بكلمة الحق, والرجولة ثبات على الحق والمبدأ في زمن ربما ترى من يتراجع عن الحق عند أول بادرة امتحان.
الرجل حقًا هو الذي يتعالى على شهواته المحرمة, ويتركها لأجل ربه, فإذا تيسرت له المحرمات تذكر ربه وقال: إني أخاف الله رب العالمين, في زمن ربما رأيت من ينهزم عند أول امتحان شهوة, إما بنظرة أو بمقارفة.
الرجل هو الذي يترفع عن المثبطين والمخذِّلين, ويعرض عن الجاهلين, ويضرب صفحًا عن اللاهين والعابثين, همة الرجل في الثريا عالية, في حين أن غيره همه في الثرى داني.
فكن رجلًا رجله في الثرى | وهامة همته في الثُّرَيَّا |
الرجل لباسه لباس الرجال, وهيئته هيئة الرجال, لا يقتدي بالنساء في ملبس ولا طبع ولا هيئة.
الرجل هو من تحلى بالخلق الحسن, والسمت الصالح, يعفو عند المقدرة, ولا يشمت عند الغلبة, ويشكر عند النعمة, ويصبر عند البلاء والموجدة, وهل ينفع الفتيانَ حُسنُ وجوههم, إذا كانت الأخلاقُ غيرُ حسان؟
ليس برجلٍ -أيها الكرام- من يتكبر على الآخرين, ويترفع عليهم بماله ولونه وجنسيته, ليس برجلٍ من لم يعرف للمسجد طريقًا, ولا للخير سبيلًا, وإن امتلأ بدنه قوةً وشجاعة, ليس برجلٍ من يؤتمن على أمرٍ من أمور الأمة فيتخونهم, ويغدر بهم, ليس برجلٍ من يتتبع عورات المسلمين, ويهتك أعراضهم, ويريد السوء فيهم.
ويبقى السؤال: كيف تحصل الرجولة؟ كيف نربي الشاب على الرجولة؟ وذاك لعمري من مهمات الأمور, فلقد بتنا نرى الميوعة شائعة لدى فئام من جيل الغد, وكثيرُ من الأعواد دائها من تربية آبائها, ومراعاةُ معاني الرجولة منذ الصغرِ ورعايتُها مطلب.
وفي تجنيب الابن أسباب الميوعةِ والتخنثِ في لباسه وطبعه, والاهتمامِ بالحشمة في ملابسه، وإبعادهِ عن التّرف وحياةِ الدّعةِ والكسل والبطالة, واستشارته وأخذ رأيه، وتوليته مسؤولياتٍ تناسب سنّه وقدراته، واستكتامهِ الأسرار, وأخذهِ للمجامع العامة وإجلاسهِ مع الكبار؛ وتعليمهِ الأدبَ معهم, وتعليمهِ الرياضاتِ الرجولية؛ كالرماية والسباحة وركوب الخيل، وتحديثهِ عن بطولات السابقين واللاحقين والمعارك الإسلامية وانتصاراتِ المسلمين, أمور معينة على التربية على الرجولة منذ الصغر.
مصانعُ الرجالِ هي المساجد, هي حلقاتُ العلم, هي مجالس الرجال النبلاء, هي كتب العلماء الفضلاء, فعن طريق هذه تحصل الرجولة, فما قدر هذه المصانع في حياتنا, وهل باتت مدارسنا تصنع الرجال, ذلكم هو المؤمل, وعلى الله التكلان.
اللهم أرنا في رجالنا وفي شبابنا خيرًا, وابعث لدينك ناصرًا واستخدمنا في نصرة دينك.