الرقيب
كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...
العربية
المؤلف | عبد الملك بن محمد القاسم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - التوحيد |
والمفاسد التي عجز عن حصرها؛ منها اتخاذها أعيادًا، والسفر إليها، ومشابهة عباد الأصنام بما يفعل عندها من العكوف عليها، المجاورة عندها، وتعليق الستور عليها، وسدانتها والنذر لها ولسدنتها، واعتقاد المشركين فيها أن بها يُكشف البلاء، وتُقضى الحوائج وغير ذلك، والشرك الأكبر الذي يفعل عندها، وإيذاء أهلها، وتفضيلها على خير البقاع، والطواف بها، وتقبيلها، واستلامها وتعفير الخدود على تربتها
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلى على الظالمين، أحمده -سبحانه- وأشكره، خلق فسوى، وقدر فهدى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خالق كل شيء بيده مقاليد الأمور، وإليه تصريفها، وإليه المآب.
وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، هدى به أقوامًا حائزة، وجمع به قلوبًا متنافرة، وديارًا متناثرة، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله النجوم الزاهرة، وأصحابه البدور السافرة، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ممن ابتغى الله والدار الآخرة، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- واحذروا موجبات سخطه وعقابه و (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الحديد: 21]
عباد الله: خلق الله -سبحانه- جميع المخلوقات وصورها على أحسن صورة، وجعل فيها الأرواح التي تحصل بها الحياة فأحسن خلقها، قال تعالى: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) [السجدة: 7].
وقد جاء في المصورين من الوعيد الشديد والتهديد الأكيد، للمضاهاة بخلق الله، بل هو منشأ الوثنية، وما دخل على القرون قبلنا إنما هو من هذا الباب، لأن صورة المألوف تعظيم، وإذا ارتسمت في الحافظة وبقي ذكرها يمر على البصر الناظر إليها من رسمها لا بد أن تستولي على قلبه، وتحل فيه حلول التعبد له.
والمصور إذا صور الصورة على شكل ما خلقه الله من ذوات الأرواح؛ فقد وقع في كبيرة من كبائر الذنوب، واستحق بذلك الوعيد الشديد على فعله؛ لما في التصوير من مضاهاة خلق الله، ولأنه وسيلة من وسائل الشرك.
في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قال الله -تعالى-: "ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة".
أي: لا أظلم منه فإن الله له الخلق والأمر، وهو رب كل شيء ومليكه، وهو خالق كل شيء، وهو الذي صور جميع المخلوقات على غير مثال سبق، وجعل فيها الأرواح التي تحصل بها الحياة، فالمصور لما صور الصورة على شكل ما خلقه الله -تعالى- من إنسان وبهيمة، صار مضاهيًا لخلق الله، فصار لا أظلم منه، وما صوره يُعذَّب به يوم القيامة.
وفي الحديث بيان أن أظلم الناس الذين يصورون الصور على شكل خلق الله، وقد تحداهم الله أن يخلقوا ذرة فيها روح تتصرف بنفسها كالذرة التي خلقها الله، بل إنهم عاجزون عن خلق ما هو أدنى من ذلك، حبة أو شعيرة فيها طعم تؤكل وتزرع وتنبت: لأن الله -سبحانه- هو المتفرد بالخلق وحده.
وللبخاري ومسلم عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الهم".
ولهما عن ابن عباس -رضي الله عنهما- سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "كل مصور في النار؛ يجعل له بكل صورة صورها نفس يعذب بها في جهنم". ولهما عنه مرفوعًا: "من صور صورة في الدنيا كُلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ".
بين -صلى الله عليه وسلم- في الأحاديث الثلاثة عقوبة المصور وهي:
الأولى: أنه أشد الناس عذابًا يوم القيامة.
الثانية: أنه يُعذَّب بما صنعت يده، فيجعل له بكل صورة صورها وروحًا يُعذب بها في نار جهنم.
الثالثة: يؤمر أن ينفخ في هذه الصور الروح وليس بنافخ؛ إذ الخلق ونفخ الروح لا يقدر عليهما إلا الله وحده.
قال النووي في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "أشد الناس عذابًا المصورون": "قيل هذا محمول على صانع الصورة لتُعبد وهو صانع الأصنام ونحوها، فهذا كافر وهو أشد الناس عذابًا، وقيل هو فيمن قصد المعنى الذي في الحديث من مضاهاته خلقه واعتقد ذلك فهذا كافر أيضًا، وله من شدة العذاب ما للكافر، ويزيد عذابه بزيادة كفره، فأما من لم يقصد بها العبادة ولا المضاهاة فهو فاسق صاحب ذنب كبير، لا يكفر كصاحب المعاصي".
وقال: "قال العلماء: تصوير صورة لحيوان حرام، شديد التحريم، وهو من الكبائر المتوعد عليها بهذا الوعيد الشديد، وسواء صنعه لما يمتهن أم لغيره فصنعه حرام بكل حال، وسواء كان في ثوب أو بساط، أو درهم أو دينار أو فلس، أو إناء أو حائط أو غيرها، فأما ما ليس فيه صورة حيوان فليس بحرام".
ولمسلم عن أبي الهياج قال: قال لي علي -رضي الله عنه-: "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن لا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته".
مشرفًا: أي مرتفعًا، إلا سويته: أي بالأرض، ففيه التصريح ببعثه لتسوية القبور، لما في تعليتها من الفتنة بأربابها، وتعظيمها، وهو أكبر وسائل الشرك وذرائعه، بل هو الأصل في عبادتها، وصرف الهمم إلى محو هذا وأمثاله من أكبر مصالح الدين ومقاصده وواجباته.
ولما وقع التساهل في هذه الأمور وقع المحذور، فكثر التصوير واستعماله، وكثر البناء على القبور وزُخرفت، وجُعلت أوثانًا تُعبد من دون الله، وصُرف لها خالص التضرع والخشوع، والذبح لها والنذور، وغير ذلك من كل شرك محظور.
قال ابن القيم: "ومن جمع بين سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في القبور وما أمر به ونهى عنه وبين ما عليه أكثر الناس اليوم -رأى أحدهما مضادًا للآخر مناقضًا له، بحيث لا يجتمعان، فنهى عن الصلاة إلى القبور وهؤلاء يصلون عندها وإليها، ونهى عن اتخاذها مساجد، وهؤلاء يبنون عليها المساجد ويسمونها مشاهد مضاهاة لبيوت الله، ونهى عن إيقاد السرج عليها وهؤلاء يوقفون الوقوف على إيقاد السرج عليها، ونهى أن تتخذ عيدًا وهؤلاء يتخذونها أعيادًا ومناسك، ويجتمعون لها اجتماعهم للعيد أو أكثر، وأمر بتسويتها وهؤلاء يبالغون في مخالفة هذين الحديثين، ويرفعونها عن الأرض كالبيوت، ويعقدون عليها القباب.
وذكر ما نهى عنه من تجصيصها والزيادة على ترابها، والتصريح بتحريم ذلك، وأنه قد آل الأمر بهؤلاء إلى أن شرعوا للقبور حجًا، ووضعوا لها مناسك، ولا يخفى ما فيه من مشاقة دين الإِسلام.
والمفاسد التي عجز عن حصرها؛ منها اتخاذها أعيادًا، والسفر إليها، ومشابهة عباد الأصنام بما يفعل عندها من العكوف عليها، المجاورة عندها، وتعليق الستور عليها، وسدانتها والنذر لها ولسدنتها، واعتقاد المشركين فيها أن بها يُكشف البلاء، وتُقضى الحوائج وغير ذلك، والشرك الأكبر الذي يفعل عندها، وإيذاء أهلها، وتفضيلها على خير البقاع، والطواف بها، وتقبيلها، واستلامها وتعفير الخدود على تربتها، وعبادة أصحابها، والاستغاثة بهم، وسؤالهم النصر، والرزق، والعافية، وقضاء الديون، وتفريج الكربات، وإغاثة اللهفات، وغير ذلك من أنواع الطلبات التي كان عباد الأوثان يسألونها أوثانهم فالله المستعان"!!
عباد الله: في بيان هديه -صلى الله عليه وسلم- وهدي خلفائه في الصور والقبور كفاية وإرشاد، فها هو أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- يعرض على أبي الهياج أن يوجهه إلى القيام بالمهمة التي وجهه إليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي:
الأول: إزالة الصور ومحوها؛ لما فيها من مضاهاة خلق الله، ولأنها وسيلة من وسائل الشرك.
فأول شرك وقع في الأرض كان في قوم نوح -عليه السلام- يسب التصوير والعكوف على القبور وذلك أن (ودًا وسواعًا ويعوق ويغوث ونسرًا) كانوا رجالاً صالحين، فلما ماتوا صور قومهم صورهم في المجالس، لأجل الذكرى والاقتداء بهم في عمل الخير إلى أن آل الأمر بهم إلى عبادتهم.
إن الواجب على المسلم أن يكون مجتنبًا لتصوير ذوات الأرواح؛ لما ورد في ذلك من الوعيد الشديد، وأن يبادر إلى طمسها إن وجد.
الثاني: تسوية القبور العالية حتى تصير مساوية للأرض "فلا ترفع إلا قدر شبر لكي لا تداس"، فرفعها فوق ذلك وسيلة للشرك وعبادة أصحابها.
فلما وقع التساهل في هذه الأمور؛ وقع المحذور وعظمت الفتنة بأصحاب القبور فيصرف لها أنواع من العبادات كالدعاء والذبح وذلك شرك أكبر.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) [الزمر: 62]
بارك الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ند، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة؛ فصلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: ينقسم التصوير إلى قسمين: الأول: تصوير ما لا روح فيه كالجبال والأشجار، فهذا جائز.
الثاني: تصوير ذوات الأرواح، من إنسان، أو حيوان، سواء كانت الصورة مُجسمة كالتماثيل التي تنصب في المجالس لبعض الحيوانات ويسمونها تحف، أو ما ينصب من صور مجسمة في الحدائق كميادين، أو رسمًا على ورق أو قماش أو جدران أو التقاط بآلة التصوير (الفوتوغرافية)، فهذا من المحرمات المنقصة لتوحيد العبد.
أما ما دعت إليه الضرورة: كالتصوير من أجل إثبات الشخصية، وجواز السفر، وتصوير المجرمين لضبطهم، ونحو هذا مما لا بد منه فهو جائز.
ولاقتناء الصور حالات، منها: أولاً: إذا كانت الصور (فوتوغرافية) ويحتفظ بها للذكرى، أو تعلق على حائط، أو تكون في ثوب، فهذه من المحرمات المنقصة لتوحيد العبد.
وهذه الصور مانعة لدخول ملائكة الرحمة، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة" رواه النسائي. فالواجب الحذر من ذلك.
ثانيًا: إذا كانت الصور مهانة كأن تكون على الفرش والمخدات ونحوها فهذا جائز.
ثالثًا: إذا كان الصور في مجلات أو صحف نافعة، تحوي بحوثًا علمية أو أخبارًا نافعة، واشتريت من أجل ما فيها من خير، ولم تكن الصور مقصودة؛ فهذه يجوز اقتناؤها، وإن أمكن طمسها بلا مشقة فهذا أولى.
هذا وصلوا وسلموا.