الله
أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...
العربية
المؤلف | سعود بن ابراهيم الشريم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المهلكات - أهل السنة والجماعة |
إن الكلمةَ الجامعةَ المُختصرَة التي يُمكن أن تُوصَفَ شريعةُ الإسلام بها هي: أنها جاءَت لتحقيقِ المصالِح ودرءِ المفاسِد، أو فَتحِ أبوابِ الخير، وإغلاق أبوابِ الشرِّ في العقيدةِ، والتشريعِ، والخبَر، والإخبار، ولا تدَعْ ضرورةً من الضَّروراتِ الخَمسِ التي أجمعَ الناسُ عليها إلا سعَت إلى تحقيقِ المصلَحة فيها، ودَرء المفسَدَة عنها، في ضرورةِ الدين، وضرورةِ النفسِ، وضرورةِ العقلِ، وضرورةِ المالِ، وضرورةِ العِرضِ...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفُسِنا، ومن سيِّئات أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مُضلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادِيَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].
أما بعد: فإن أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهَديِ هديُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وشرَّ الأمور مُحدثاتُها، وكلَّ مُحدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعةِ المُسلمين؛ فإن يدَ الله على الجماعة، ومن شَذَّ عنهم شذَّ في النار، (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) [النساء: 115].
أيها المسلمون: لقد أكرمَ الله أمةَ الإسلام بشريعةٍ غرَّاء كامِلةٍ بإكمالِ العليمِ الخبير لها، هي قِوامُ الأمة المُسلِمة صحيحةً، ودواؤُها إذا غشِيَها اعتِلالُها، (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة: 3].
نعم، عباد الله: إنها شريعةُ الكمال التي لا يعتَرِيها النَّقصُ بوجهٍ من الوجوهِ، وشريعةُ الحُسن التي لا يشُوبُها قُبحٌ ولا عيبٌ. كيف لا؟ والمُشرِّعُ هو من لا تخفَى عليه خافِية، مَن يعلَم ونحن لا نعلَم، مَن لا تُحيطُ المخلُوقاتُ بشيءٍ مِن علمِه إلا بما شاء، مَن يعلَمُ ما كان، وما يكُون، ولو كان كيف يكون، (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة: 216].
عباد الله: إن الكلمةَ الجامعةَ المُختصرَة التي يُمكن أن تُوصَفَ شريعةُ الإسلام بها هي: أنها جاءَت لتحقيقِ المصالِح ودرءِ المفاسِد، أو فَتحِ أبوابِ الخير، وإغلاق أبوابِ الشرِّ في العقيدةِ، والتشريعِ، والخبَر، والإخبار، ولا تدَعْ ضرورةً من الضَّروراتِ الخَمسِ التي أجمعَ الناسُ عليها إلا سعَت إلى تحقيقِ المصلَحة فيها، ودَرء المفسَدَة عنها، في ضرورةِ الدين، وضرورةِ النفسِ، وضرورةِ العقلِ، وضرورةِ المالِ، وضرورةِ العِرضِ.
تدعُو إلى النفعِ فيهنَّ، وتحُضُّ عليه، وتمنَعُ الضَّررَ والضِّرارَ فيهنَّ بدَفعهما قبل وقوعِهما، أو برَفعهما بعد الوقوعِ، والدَّفعُ في شريعتنا الغرَّاء أولَى من الرَّفع؛ فإن الوِقايةَ خيرٌ من العلاجِ.
أيها المُسلمون: إنكم لن تجِدُوا أمرًا من أمور الدين والدنيا إلا هو راجِعٌ إلى أحد هذين الأصلَين العظيمَين، ولما كان الضَّررُ والضِّرارُ خطَرَين عظيمَين، ومفسدَتَين ظاهِرتَين أحاطَتهما شريعتُنا بسِياجٍ منيعٍ يحمِي الأمةَ - فردًا وجماعةً - من الوقوعِ في شَرَكِهما، أو الالتِياثِ بعَدواهما.
لذلكم جاء من مِشكاةِ النبُوَّة ما يدُلُّ على منعهما، والنهيِ عن مُقاربَتهما، فضلًا عن الوقوعِ فيهما.
فعن أبي سعيدٍ الخُدريِّ - رضي الله تعالى عنه -، أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ"(رواه ابنُ ماجه والدارقطنيُّ وغيرُهما).
قال أبو داود صاحبُ "السنن": "إن هذا من الأحاديثِ التي يدُورُ الفِقهُ عليها".
وقد ذكرَ بعضُ أهل العلمِ أن هذا الحديثَ رُبع الفِقهِ. وقال آخرون: إنه نِصفُ الفِقهِ، وهو أقربُ الأقوال إذا قُلنا: إن الدينَ إما أن يكون في جَلبِ منفَعةٍ - وتلك هي المصلَحة -، وإما أن يكون في دفعِ مضرَّةٍ أو رَفعها - وتلك هي المفسَدة -، والدينُ أمرٌ ونهيٌ؛ فالأمرُ في المصالِح، والنهيُ في المفاسِد، (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ)[الأعراف: 157].
لقد نفَى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في حديثِه ذلكم الضَّررَ والضِّرارَ، وهو ليس نفيًا لوُجودِهما؛ فإن الواقِعِين فيهما من أمَّتِه - صلى الله عليه وسلم - كثيرٌ، غيرَ أن النفيَ هنا نفيٌ للإقرارِ على إيقاعِه، ونفيٌ للإقرارِ به بعد وُقوعِه؛ ليكون النفيُ والنهيُ شامِلَين الضَّررَ والضِّرارَ بكلِّ معانِيهما وأحوالِهما على مُستوَى الفردِ والمجمُوعِ.
فالضَّررُ - عباد الله - هو ما كان دُون قصدٍ، والضِّرارُ هو ما كان عن قصدٍ، ويستَوِي في ذلكم المنع الضَّررُ والضِّرارُ بنفسِه أو بغيرِه، غيرَ أن الضِّرارَ بالغيرِ أعظمُ جُرمًا، وأكبرُ خطيئةٍ، (وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ) [الطلاق: 6].
ومن هنا اتَّفقَ أهلُ العلمِ قاطِبةً على قاعدةٍ مشهُورةٍ كُبرَى، تُعدُّ قِوامًا في الفِقهِ وحفظِ الشريعة، وهي قاعِدةُ: "الضَّررُ يُزال". أجل .. عباد الله، الضَّررُ يُزال، الضَّررُ ممنوعٌ كلُّه، والضِّرارُ ممنُوعٌ كلُّه، فإذا تحقَّقَ أحدُهما أو كِلاهُما في أمرٍ وجَبَ إزالتُه إن وقَع، أو دَفعُه قبل أن يقَع.
وقد رتَّبَ الشارِعُ الحكيمُ الأجرَ والمثُوبةَ على ذلكم، كما قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وتُميطُ الأذَى عن الطريقِ صدقةٌ"(متفق عليه).
وهذا يعُمُّ كلَّ أذًى، وكلُّ أذًى ضررٌ صغيرًا كان أو كبيرًا، قاصِرًا كان أو مُتعدِّيًا؛ فقد صحَّ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنه "نهَى أن يُتعاطَى السَّيفُ مسلُولًا"(رواه أبو داود والترمذي).
والمعنى: نهَى عن تناوُلِ السَّيفِ غيرَ مُخبَّئٍ في غِمده؛ حتى لا يجرَحَ مَن تناوَلَه.
وقد مرَّ رجُلٌ بسِهامٍ في المسجِدِ، فقال له رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أمسِك بنِصالِها"(متفق عليه).
أمرَه أن يُغطِّيَ رُؤوسَها؛ حتى لا تجرحَ أحدًا مِن المارَّة دُون قصدٍ.
وقد قال أيضًا - صلواتُ الله وسلامُه عليه -: "مَن أشارَ إلى أخِيه بحديدةٍ فإن الملائِكةَ تلعَنُه، حتى وإن كان أخاهُ لأبِيهِ وأمِّه"(رواه مسلم).
فانظُروا - يا رعاكم الله - كيف جاءَت تلكُم النواهِي عن تناوُلِ السَّيفِ مسلُولًا، والإشارةِ بالحَديدةِ في وَجهِ المُسلم، فكيف بما هو أعظمُ من ذلكُم مِن اقتِتالِ المُسلمين، وإهراقِ دماءِ بعضِهم بعضًا بغير وَجهِ حقٍّ، وإيذاءِ بعضِهم بعضًا، ومُضارَّة بعضِهم بعضًا بالمَكرِ، والحِقدِ، والحسَدِ، والبَغيِ، والغِيبةِ، والنَّميمة، والهَمزِ، واللَّمزِ، والشَّحناء، والبَغضاء، وأكلِ بعضِهم أموالَ بعضٍ، ومُضارَّتهم في دينِهم وأعراضِهم وعقولِهم.
وقد قال مَن أُوتِيَ جوامِع الكلِم - صلواتُ الله وسلامُه عليه - عن ذلكُم كلِّه: "مَن ضارَّ مُسلِمًا ضارَّه الله، وكَن شاقَّ مُسلِمًا شقَّ الله عليه"(رواه أبو داود والترمذي، وحسَّنه). والمعنى: أن الجزاءَ مِن جنسِ العملِ.
عباد الله: إنه مهما كانت العقولُ البشريَّة من النُّضجِ والتفكيرِ والمعرِفةِ، لم ولن تستطيعَ أن تأتِيَ بأكملَ، ولا أتقنَ، ولا أعدلَ مِن هذه القاعِدة الشرعيَّة العظيمة؛ لأن العُقولَ مهما كبُرَت فهي صغيرةٌ أمامَ علمِ الله وحِكمتِه، والأفهامَ مهما اتَّسَعَت فهي ضيِّقةٌ أمامَ إحاطةِ الله بكلِّ شيءٍ، (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً) [البقرة: 138]، (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)[المائدة: 50].
إن صِبغةَ الله ظاهِرةٌ جلِيَّةٌ في منعِ الضَّررِ والضِّرار، حيث تعُمُّ كلَّ ضررٍ كان سابِقًا، أو حاضِرًا، أو لاحِقًا؛ لأن الضَّررَ والضِّرارَ جهلُ وفسُوقٌ يحجِزانِ المُجتمعَ البشريَّ عن الفَلاحِ للفردِ، والأُسرةِ، والبِيئةِ، والمُجتمع، ما لم تكُن إزالةُ الضَّرر والضِّرار من أولويَّاته في تشريعِه وسلُوكِه ورَقابَتِه، فإن أذِيَّة المُسلم من أعظم ما نهَى الله عنه ونهَى عنه رسولُه - صلى الله عليه وسلم -.
وهل الأذِيَّةُ إلا ضررٌ وضِرارٌ؟! (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) [الأحزاب: 58].
وقد قال - صلواتُ الله وسلامُه عليه -: "كلُّ المُسلم على المُسلم حرامٌ؛ عِرضُه ومالُه ودمُه، التقوَى ههنا، بحسبِ امرِئٍ مِن الشرِّ أن يحقِرَ أخاه"(رواه مسلم).
وفي "الصحيحين": أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "سِبابُ المُسلم فسُوقٌ، وقِتالُه كُفرٌ".
ألا فاتَّقُوا الله - عباد الله -؛ فإن مَن اتَّقَى الله كفَاه شرَّ نفسِه وشرَّ غيرِه، وعلَّمَه ما لم يكُن يعلَم، ومَن علَّمَه الله فهو جَديرٌ بمعرفةِ الضَّرر والضِّرار، ومعرفةِ اتِّقائِه والتحرُّزِ منه، كما قال تعالى: (وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [البقرة: 282].
بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنَّة، ونفعَني وإياكم بما فيهما من الآياتِ والذكرِ والحكمة، قد قلتُ ما قلتُ؛ إن كان صوابًا فمِن الله، وإن كان خطأً فمِن نفسي والشيطان، وأستغفِرُ الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنبٍ وخَطيئةٍ، فاستغفِرُوه وتوبُوا إليه، إن ربي كان غفورًا رحيمًا.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله على إحسانِه، والشُّكرُ له على توفيقِه وامتِنانِه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له تعظيمًا لشَأنِه، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه الداعِي إلى رِضوانِه، صلواتُ الله وسلامُه عليه، وعلى آله وأزواجِه وصحبِه وإخوانِه.
أما بعد: فاتَّقُوا اللهَ - عباد الله -، واعلَمُوا أن رسولَنا الكريمَ - صلواتُ الله وسلامُه عليه - قد تركَنا على البيضاء؛ فلم يدَعْ خيرًا إلا دلَّنَا عليه، ولا شرًّا إلا حذَّرَنا منه.
قم لينظُر أحدُكم إلى نفسِه كيف أنها لا ترضَى بأن يُضارَّها أحدٌ من البشَر أيًّا كان جِنسُه أو لونُه، فكذلك الآخرون لا يرضَون بمُضارَّة أحدٍ لهم، لذلكم كان الضِّرارُ بالغَيرِ علامةً على ضَعفِ الإيمان؛ لأن من مُقتَضَيات الإيمان احتِرامَ الآخرين، واحتِرامَ حُقوقِهم.
فقد قال - صلواتُ الله وسلامُه عليه -: "لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى يُحبَّ لأخِيهِ ما يُحبُّ لنفسِه"(رواه البخاري ومسلم).
قال أبو أُمامةَ - رضي الله تعالى عنه -: إن فتًى شابًّا أتَى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسولَ الله! ائذَن لي بالزِّنا، فأقبَلَ القومُ عليه فزَجَرُوه وقالوا: مَهْ مَهْ! فقال - صلواتُ الله وسلامُه عليه -: «ادْنُه»، فدنَا منه قريبًا، قال: فجلسَ، فقال: «أتُحبُّه لأمِّك؟»، قال: لا والله، جعلَني الله فِداك، قال: «ولا الناسُ يُحبُّونَه لأمَّهاتهم»، قال: «فأتُحبُّه لابنَتِك؟»، قال: لا والله يا رسولَ الله، جعلَني الله فِداك، قال: «ولا الناسُ يُحبُّونَه لبناتِهم»، قال: «أفتُحبُّه لأُختِك؟»، قال: لا والله، جعلَني الله فِداك، قال: «ولا الناسُ يُحبُّونَه لأخواتِهم»، قال: «أفتُحبُّه لعمَّتِك؟»، قال: لا والله، جعلَني الله فِداك، قال: «ولا الناسُ يُحبُّونَه لعمَّاتهم»، قال: «أفتُحبُّه لخالَتِك؟»، قال: لا والله، جعلَني الله فِداك، قال: «ولا الناسُ يُحبُّونَه لخالاتِهم»، قال: فوضعَ يدَه عليه وقال: «اللهم اغفِر ذنبَه، وطهِّر قلبَه، وحصِّن فَرْجَه»، فلم يكُن بعد ذلك الفتَى يلتَفِتُ إلى شيءٍ (رواه أحمد).
ألا وإن مِن سماحةِ الإسلام وعَدلِه ألا يدفعَ الضَّررَ بضررٍ مِثلِه، ولا بضررٍ أعلَى منه، ولا المُنكَر بمثلِه، ولا بأنكَرَ منه، وإذا ما تزاحَمَت الأضرارُ في الأمرِ الواحدِ فيُرتكَبُ الضَّررُ الأصغرُ لتَفوِيتِ الضَّررِ الأكبَر، وهذا مِن تمامِ الحِكمةِ والعَدلِ والمنطِقِ، مثلما أنه ينبَغي تحصِيلُ اعلى النَّفعَين، فكذلك ينبَغي درءُ أعظم الضَّرَرَين.
ألا ترَون أن القاتِلَ يُقتَل، والزَّانِيَ يُرجَم أو يُجلَد، والسارِق تُقطعُ يدُه، وشارِب الخَمر يُجلَد، فهذه كلُّها مضرَّاتٌ تَلحَقُ بالجانِي؛ ليُدفعَ بها ضررٌ أكبر على النفسِ والعِرضِ والعقلِ والمالِ، (وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) [البينة: 5].
هذا وصلُّوا - رحمكم الله - على خيرِ البريَّة، وأزكى البشريَّة: محمد بن عبد الله صاحبِ الحوضِ والشفاعة؛ فقد أمرَكم الله بأمرٍ بدأ فيه بنفسِه، وثنَّى بملائكته المُسبِّحة بقُدسه، وأيَّه بكم - أيها المُؤمنون -، فقال - جلَّ وعلا -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ صاحبِ الوجهِ الأنوَر، والجَبين الأزهَر، وارضَ اللهم عن خُلفائِه الأربعة: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابةِ نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوِك وجُودِك وكرمِك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واخذُل الشركَ والمشركين، اللهم انصُر دينَكَ وكتابَكَ وسُنَّةَ نبيِّك وعبادَكَ المؤمنين.
اللهم فرِّج همَّ المهمُومين من المُسلمين، ونفِّس كربَ المكرُوبِين، واقضِ الدَّيْنَ عن المَدينين، واشفِ مرضانا ومرضَى المُسلمين، برحمتِك يا أرحم الراحمين.
اللهم مَن أرادَنا وأرادَ الإسلام والمُسلمين بسُوءٍ فاشغَله بنفسِه، واجعَل كيدَه في نَحرِه يا سميعَ الدُّعاء.
اللهم آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلِح أئمَّتَنا وولاةَ أمورِنا، واجعَل ولايتَنا فيمن خافَك واتَّقَاك واتَّبعَ رِضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّه وترضاه من الأقوالِ والأعمالِ يا حيُّ يا قيوم، اللهم أصلِح له بِطانتَه يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أصلِح أحوالَ المُسلمين في كل مكان، اللهم أصلِح أحوالَ المُسلمين في كل مكان، اللهم أصلِح أحوالَ المُسلمين في كل مكان، اللهم كُن لإخوانِنا المُستضعَفين في دينهم في سائِر الأوطانِ يا حيُّ يا قيُّوم.
اللهم لا تدَع لنا ذنبًا إلا غفرتَه، ولا همًّا إلا فرَّجتَه، ولا كربًا إلا نفَّستَه، ولا دَينًا إلا قضَيتَه، ولا حاجةً مِن حوائِجِ الدنيا والآخرة هي لك رِضا ولنا فيها صلاحٌ إلا أعَنتَنا على قضائِها ويسَّرتَها برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.
عباد الله: اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكُركم، واشكُروه على آلائِه يزِدكم، ولذِكرُ الله أكبر، والله يعلَمُ ما تصنَعُون.