البحث

عبارات مقترحة:

القابض

كلمة (القابض) في اللغة اسم فاعل من القَبْض، وهو أخذ الشيء، وهو ضد...

البارئ

(البارئ): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (البَرْءِ)، وهو...

المجيد

كلمة (المجيد) في اللغة صيغة مبالغة من المجد، ومعناه لغةً: كرم...

الإنسان المعاصر عناء وبناء

العربية

المؤلف عبدالعزيز بن علي الحربي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات القرآن الكريم وعلومه - الزهد
عناصر الخطبة
  1. تأملات في حال الإنسان قديماً وتعبه وراحته .
  2. ملازمة الهموم للإنسان المعاصر رغم توفر وسائل الراحة .
  3. قواعد السعادة .
  4. أهمية العمل في حياة الإنسان .
  5. دور الأمل في سعادة المسلم .
  6. الرضا جنة الدنيا .
  7. ثمرات حسن التنظيم والترتيب والتدبير في الحياة. .

اقتباس

الأمل فهو شيء عجيب، خلقه الله -تعالى- في قلوب بني آدم، شيء لا يُوصَف، له حلاوة، وعليه طلاوة، ويفتح الأبواب، وتتسع لصاحبه الدنيا، ولو كانت ضيقة بهذا الأمل، مع أنه مجرد خيال ومجرد تفكير ومجرد وهم، وجعل الله -تعالى- هذا الأمل في نفوس بني آدم إلى الموت.. وإنك لتجد الرجل في التسعين من عمره وأسنانه مخلعة ولا يكاد يبصر وهو محدودب الظهر وهو قريب من القبر، ولديه جلطات وأمراض، ولكنه يعيش في نفسه أمل، وأمل طويل، وهذا من نعمة الله -سبحانه وتعالى- على عباده...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: انظروا كيف جعل صلاح الأعمال ومغفرة الذنوب ثمرتين للتقوى والقول السديد (اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) النتيجة (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) الدنيوية والأخروية (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

يا ابن آدم عش راضيًا، واهجر دواعي الألم، واعدل مع الظالم مهما ظلم، نهاية الدنيا فناء فعش فيها كريما واعتبرها عدم.

يا معشر الإخوة: يقول المولى -سبحانه وتعالى- في محكم تنزيله: (وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ * لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ) [البلد: 3- 4]، ذلك هو حال الإنسان منذ أن كان خلقه الله -تعالى- في كبد، أي: في نَصَب وتعب وجهد ومشقة، ولكننا نحسب أن الإنسان المعاصر الذي تهيأت له هذه الوسائل الكثيرة التي رفَّهت جسده وأراحته أنه خارج عن هذه القاعدة، وأنه ليس في كَبَد، وقد كان الإنسان الأول أو الإنسان في الزمان الماضي يحرث أرضه، وهو الذي يزرع، وهو الذي يسقي أو ينتظر المطر، وهو الذي يحصد الزرع وهو الذي يطحن وهو الذي يعجن وهو الذي يخبز، وهو هو...

 فيتعب هذا التعب، وإنسان اليوم يأتيه رغيف الخبز لا يدري من أين جاء، ولا يدري كيف صُنع، ولكنه يأكل وحسب، ولكن ذلك الإنسان في الزمان الماضي لم يكن له همّ لا يعرف إلا ناقته أو مزرعته وعمله في نهاره ونومه في ليله.

والهمّ همّ واحد ليس هنالك تعب نفسي، وليس هنالك همّ ولا غمّ، وهو مستمتع بهذا الكون وبالنظر إليه؛ ينظر إلى الإبل كيف خُلقت، وإلى السماء كيف رُفعت، وإلى الجبال كيف نُصبت، وإلى الأرض كيف سُطحت، يتمتع بذلك كله، وكل ذلك يعكس عليه ألوانًا من الانشراح، وألوانًا من الانبساط والسرور والحبور.

وإنسان اليوم كالمهجور عن ذلك، وهو مرتاح بالوسائل الكثيرة التي وفَّرت له سبل الراحة، لكن هل هو مرتاح من الداخل؟ هل نفسه مرتاحة؟ هل قلبه خالٍ من الهم والغم والكآبة؟

الواقع ينادي بأعلى صوت، والدراسات تشهد بلا فوت بأن الإنسان المعاصر يعاني نفسيًّا، فقد كثرت الأمراض النفسية، وكثرت الهموم والأوجاع التي لا تُعرف أسبابها وكثرت الوساوس.

ومن ثَم تقطعت الصلات والأسباب التي كانت بين الناس من صداقة ومودة، ومحبة وخلة وحميمية، وغير ذلك، تقطعت الأرحام، تقطعت الصلات، كثر الجفاء، كثرت البطالة وكثر الكسل، تولد الإحباط في كثير من النفوس.

إذًا المعادلة: الترفه والوسائل الكثيرة والمال الكثير والراحة كل ذلك لا يولِّد الراحة ولا يولِّد السعادة، من الذي يولد السعادة؟ الكلام في ذلك كثير، ولكنني بعد التأمل والنظر في مقاصد الشرع وفيما قاله علماء النفس والمعنون بالصحة النفسية الأمر يعود إلى ثلاثة أشياء: في العمل، والأمل، والرضا.

عمل وأمل ورضا؛ العمل الذي هو الكدح والتعب، والعمل في نظر الإسلام هو العمل للدنيا والآخرة، فإن الدنيا مزرعة للآخرة.

قد يحصل الإنسان على سعادة الدنيا بعمله للدنيا، ولكنه لا يتحصل على السعادتين سعادة الدنيا والآخرة إلا بالعمل لهما معهما.

(كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ) [البقرة:219- 220]، أي: فيهما معًا؛ فإن الدنيا ما هي إلا مطية للآخرة، فإذا كان الإنسان يعمل ويكدح فلن يجد هنالك في قلبه مللاً ولا سآمة ولا كآبة، بل يجد راحة في نفسه، وإنما يولد السآمة والبطالة والملل هو الفراغ، يقول: إن الرجل مر على رجل وهو ينزح من بئر وله وسيلة على قدر حاله، وهذه الوسيلة تطيل له مدة النزح فمر به رجل وقال: ألا أدلك على خير من هذا؟ أدلك على وسيلة تعجل لك هذا العمل، قال لا أريدها إنها ستولد لي فراغًا، والفراغ يولد لي همًّا في النفس، وأنا أريد أن أعمل بطريقتي.

العمل، العمل، العمل، حث عليه الإسلام وقال الله -تعالى- في كتابه: (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [التوبة:105].

كل عمل في الدنيا يستطيع الإنسان أن يجعله عبادة يتقرب بها إلى الله -سبحانه وتعالى-، كل عمل حتى لو كان ذلك العمل عمل دنياوي فيما نراه، ولكنه بنيته يستطيع أن يحوله إلى عمل أخروي يتقرب به إلى المولى –سبحانه-.

وأما الأمل فهو شيء عجيب، خلقه الله -تعالى- في قلوب بني آدم، شيء لا يُوصَف، له حلاوة، وعليه طلاوة، ويفتح الأبواب، وتتسع لصاحبه الدنيا، ولو كانت ضيقة بهذا الأمل، مع أنه مجرد خيال ومجرد تفكير ومجرد وهم، وجعل الله -تعالى- هذا الأمل في نفوس بني آدم إلى الموت، حتى إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في ذلك كلامًا عجيبًا؛ "يشيب ابن آدم ويشب معه خصلتان؛ الحرص وطول الأمل".

وإنك لتجد الرجل في التسعين من عمره وأسنانه مخلعة ولا يكاد يبصر وهو محدودب الظهر وهو قريب من القبر، ولديه جلطات وأمراض، ولكنه يعيش في نفسه أمل، وأمل طويل، وهذا من نعمة الله -سبحانه وتعالى- على عباده؛ إلا أن هذا الأمل إن كان ملهيًا للإنسان عن طاعة الله -سبحانه وتعالى- فهو مذموم وهو أمل ملعون لا يقبله الإسلام ولا يحبه ولا يرضاه.

إذاً عمل وأمل، والأمر الثالث هو الرضا وما أدراك ما هو الرضا؟ إنه جنة الدنيا، من دخل في هذه الجنة، وكان من الموحدين فهو داخل في جنة الآخرة، وقد حاز على الجنتين جنة الدنيا وجنة الآخرة.

ولهذا أرشدنا -صلى الله عليه وسلم- إلى أن ننظر إلى من هو أسفل منا، ولا ننظر إلى من هو أعلى منا؛ حتى لا نزدري نعمة الله –تعالى-.

يا أيها المسلم! إذا شئت أن تحيا سعيدًا فلا تكن على حالة إلا رضيت بدونها.

الرضا له برد على النفس، له أثر في القلب، وهو يأتي بعد القناعة، ويأتي بعد الصبر، ويجمع أخلاقًا جميلة، وصاحب الرضا هو السعيد.

نحن رأينا بعض الناس في بعض الشعوب يكتفي بأمور يسيرة، وليس إليه من أمور الحياة إلا أمور يسيرة، ولكنه كأنه أسعد السعداء؛ لأن العبرة بما في القلب لأنه راضٍ، وأما من لم يكن راضيًا؛ فإنه لا يكفيه شيء حتى لو حاز الدنيا كلها.

نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يرزقنا الرضا، وأن يجعلنا من العاملين للدنيا وللآخرة، وأن لا يجعل حظنا في هذه الدنيا نصيبًا في الدنيا وحسب، بل يجعلنا من الفائزين في الدنيا والآخرة، وأن يوفقنا جميعًا إلى ما يحب ويرضى إنه سميع الدعاء.

هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ إله الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدالله ورسوله أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كان المشركون، صلى الله عليه وعلى آله السادة الغرر ما اتصلت عين بنظر وسمعت أذن بخبر.

يا معشر الإخوة: سمعنا وسمعتم، ورأينا ورأيتم إعلان ميزانية الخير، وتلك نعمة من المولى -سبحانه وتعالى- ولنا أن نقف عند هذه النعمة لنذكر ثلاث إضاءات:

الإضاءة الأولى: أن في هذه الميزانية ما يؤذن بالخير ويبشر به، وفي ذلك سد لحلوق الذين يحقدون على أهل الفضل وعلى أهل النعمة والخير.

والإضاءة الثانية: لك أيها المسلم أن تخطط لعامك كما تفعل الدول، وأن تضع لعامك ميزانية وخطة حياتية، فإن هذا من حسن التنظيم ومن حسن الترتيب ومن حسن التدبير، والله علّمنا أن ندبّر، وأخبرنا عن نفسه أنه يدبر الأمر، والتدبير هو النظر في عواقب الأمور وما تدبره من معاني أو أحداث أو غير ذلك.

وكان -عليه الصلاة والسلام- في زمانه الأول لم يكن عنده إلا قوت يومه وفي بعض الأيام لا يوجد عنده لا قوت يومه ولا نصف يومه، ولكن بعد ذلك عندما حصلت الفتوحات وكثر الخير كان -عليه الصلاة والسلام- يدّخر قوت عام كامل، فهذا هو الذي يوجبه عليك لطف التدبير.

أما أن يهتم الإنسان ليخطط لمائة سنة أو ستين سنة، فالأمر بيد الله والأعمار بيد الله، إن حصل ذلك فهو خير، وإن لم يحصل ذلك فهو خير أراده الله -تعالى- لك.

الإضاءة الثالثة: لا تخشوا من فوات الدنيا، بل اخشوا من إقبالها، وهذا هو الذي خافه -عليه الصلاة والسلام- على أمته؛ فالدنيا مقبلة ولا شك كما أخبر النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، ووسائل الاقتصاد كثيرة لا تحصى كثرة ولا تعد، وفي كل يوم تخترع وسائل ومن قبل لم يكن هناك وسيلة للاقتصاد إلا ما يوجد في الأرض من معدن أو ما تنتجه الأرض من خيرات.

أما الآن فالوسائل كثيرة؛ وسائل البيع والشراء، والشركة والرهن، والعارية والقرض، والحوالة، وغير ذلك من المعاملات الكثيرة لا تُحصى، ولهذا أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ما يأتي من الزمان يفيض فيه الزمان ويكثر.

نسأل الله –عز وجل- أن يجعل الدنيا في أيدينا وليس في قلوبنا، اللهم ألهمنا شكر نعمتك..