الخبير
كلمةُ (الخبير) في اللغةِ صفة مشبَّهة، مشتقة من الفعل (خبَرَ)،...
العربية
المؤلف | إبراهيم بن محمد الحقيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - الصيام |
وَالتَّقْوَى تَكُونُ فِي الْعَمَلِ وَفِي الْعَامِلِ: فَتَمَامُ التَّقْوَى فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ تُؤَدِّي إِلَى تَمَامِ قَبُولِهِ وَالْجَزَاءِ عَلَيْهِ، وَنَقْصُ التَّقْوَى فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ تَجْعَلُ قَبُولَهُ بِحَسْبِ مَا فِيهِ مِنَ التَّقْوَى، فَإِذَا خَلَا الْعَمَلُ الصَّالِحُ مِنْ تَقْوَى صَاحِبِهِ أَثْنَاءَ عَمَلِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ عُمِلَ لِغَيْرِ اللَّهِ -تَعَالَى-، (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) [الْبَيِّنَةِ: 5].
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ، الْكَرِيمِ الْمَنَّانِ؛ هَدَانَا لِلْإِيمَانِ، وَعَلَّمَنَا الْقُرْآنَ، وَبَلَّغَنَا رَمَضَانَ، فَصُمْنَا مَعَ الصَّائِمِينَ، وَقُمْنَا مَعَ الْقَائِمِينَ، نَحْمَدُهُ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ، وَنَسْتَغْفِرُهُ اسْتِغْفَارَ التَّائِبِينَ، وَنَسْأَلُهُ مِنْ فَضْلِهِ الْعَظِيمِ؛ فَهُوَ الرَّبُّ الْكَرِيمُ، الْبَرُّ الرَّحِيمُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ عَظِيمُ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ، وَاسِعُ الْمُلْكِ وَالْعَطَاءِ، كَثِيرُ الْعَفْوِ وَالْإِحْسَانِ، يَجْزِي عَلَى قَلِيلٍ كَثِيرًا، وَيَجْبُرُ قَلْبًا كَسِيرًا، وَيُجِيرُ خَائِفًا ضَعِيفًا، وَيَقْضِي شَأْنًا عَظِيمًا (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) [الرَّحْمَنِ: 29]، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ كَانَ دَائِمَ التَّعَلُّقِ بِاللَّهِ -تَعَالَى-، يُكْثِرُ حَمْدَهُ وَشُكْرَهُ، وَلَا يَغْفُلُ عَنْ ذِكْرِهِ، وَيُحْسِنُ الظَّنَّ بِهِ، وَيَرْجُو رَحْمَتَهُ، وَيَخَافُ عَذَابَهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ، وَالْهَجُوا فِي خِتَامِ هَذَا الشَّهْرِ الْكَرِيمِ لِلَّهِ -تَعَالَى- بِالْحَمْدِ وَالشُّكْرِ وَالثَّنَاءِ، وَسَلُوهُ قَبُولَ الْأَعْمَالِ؛ فَإِنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَى الْقَبُولِ لَا عَلَى كَثْرَةِ الْعَمَلِ، فَمَنْ قُبِلَ مِنْهُ نُجِّيَ وَفَازَ، وَمَنْ رُدَّ عَمَلُهُ خَسِرَ وَخَابَ.
أَيُّهَا النَّاسُ: أَزِفَ شَهْرُ التَّقْوَى عَلَى الرَّحِيلِ، وَرَبُّنَا –سُبْحَانَهُ- يَجِبُ أَنْ يُتَّقَى فِي كُلِّ حِينٍ، بَيْدَ أَنَّ فَرْضَ الصِّيَامِ قَدْ عُلِّلَ بِالتَّقْوَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الْبَقَرَةِ: 183]. وَقَبُولُ الْعَمَلِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى حُصُولِ التَّقْوَى كَمَا فِي قَوْلِ اللَّهِ -تَعَالَى-: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [الْمَائِدَةِ: 27]، وَهَذِهِ الْآيَةُ جَاءَتْ فِي سِيَاقِ قِصَّةِ ابْنَيْ آدَمَ حِينَ تَقَرَّبَا لِلَّهِ -تَعَالَى- بِقُرْبَانٍ (فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [الْمَائِدَةِ: 27].
وَفِي تِلْكَ الْكَلِمَاتِ الطَّيِّبَةِ مَعَانٍ كَرِيمَةٌ؛ فَهِيَ تُفِيدُ قَصْرَ الْقَبُولِ بِلَفْظِ (إِنَّمَا) عَلَى الْمُتَّقِينَ، وَالْقَصْرُ نَفْيٌ وَإِثْبَاتٌ؛ أَيْ: أَنَّ التَّقْوَى هِيَ سَبَبُ الْقَبُولِ، فَإِنْ وُجِدَتْ كَانَ الْقَبُولُ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدِ انْتَفَى الْقَبُولُ، وَتُفِيدُ أَيْضًا: أَنَّ عَدَمَ الْقَبُولِ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ نَفْسِ عَامِلِ الْعَمَلِ، لَا مِنْ أَمْرٍ خَارِجِيٍّ؛ فَالْجَزَاءُ عَلَى قَدْرِ النِّيَّةِ.
وَفِيهَا تَوْجِيهٌ لِمَنْ فَسَدَتْ نِيَّتُهُ فِي عَمَلِهِ فَكَانَ لِغَيْرِ اللَّهِ -تَعَالَى- أَنْ يُبَادِرَ فِي إِصْلَاحِ قَلْبِهِ، وَإِخْلَاصِ عَمَلِهِ لِلَّهِ -تَعَالَى-، فَالتَّقْوَى تَنْبُعُ مِنَ الْقُلُوبِ؛ وَلِذَا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "التَّقْوَى هَاهُنَا، وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ). وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ" (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَالتَّقْوَى الَّتِي اعْتُبِرَتْ سَبَبًا لِقَبُولِ الْعَمَلِ تَتَضَمَّنُ خَشْيَةَ اللَّهِ -تَعَالَى- فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ، وَإِخْلَاصَ الْعَمَلِ لَهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَرَجَاءَ ثَوَابِهِ –سُبْحَانَهُ-، وَاتِّبَاعَ نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَهِيَ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لِكُلِّ مَعَانِي الْفَضِيلَةِ، وَالْبُعْدِ عَنِ الرَّذِيلَةِ.
وَالتَّقْوَى تَكُونُ فِي الْعَمَلِ وَفِي الْعَامِلِ: فَتَمَامُ التَّقْوَى فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ تُؤَدِّي إِلَى تَمَامِ قَبُولِهِ وَالْجَزَاءِ عَلَيْهِ، وَنَقْصُ التَّقْوَى فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ تَجْعَلُ قَبُولَهُ بِحَسْبِ مَا فِيهِ مِنَ التَّقْوَى، فَإِذَا خَلَا الْعَمَلُ الصَّالِحُ مِنْ تَقْوَى صَاحِبِهِ أَثْنَاءَ عَمَلِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ عُمِلَ لِغَيْرِ اللَّهِ -تَعَالَى-، (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) [الْبَيِّنَةِ: 5].
وَأَمَّا تَقْوَى الْعَامِلِ فَإِنَّ مَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ -تَعَالَى- بِعِبَادِهِ أَنَّهُ يُعَامِلُ الْعَامِلَ مِنْهُمْ بِحَسَنَاتِهِ وَسَيِّئَاتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَّقِيًا فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ، مَا دَامَ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ لَمْ يَنْقُضْ إِيمَانَهُ (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزَّلْزَلَةِ: 7-8].
بَلْ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ -تَعَالَى- أَنْ جَعَلَ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ مُكَفِّرَاتٍ لِمَا اقْتَرَفَهُ الْعَامِلُ مِنَ السَّيِّئَاتِ (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) [هُودٍ: 114]. فَإِنْ نَقَضَ إِيمَانَهُ فَلَا يُقْبَلُ لَهُ عَمَلٌ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْكَافِرِ وَالْمُنَافِقِ لَا يُقْبَلُ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [الْمَائِدَةِ: 36]، وَقَالَ –سُبْحَانَهُ- فِي الْمُنَافِقِينَ: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ) [التَّوْبَةِ: 54].
وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُحَقِّقَ تَمَامَ الْقَبُولِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُحَقِّقَ كَمَالَ التَّقْوَى فِي نَفْسِهِ وَفِي عَمَلِهِ، وَمَنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ -وَكُلُّنَا كَذَلِكَ- فَلْيَجْتَهِدْ فِي تَحْصِيلِ التَّقْوَى فِي نَفْسِهِ، وَتَكْمِيلِهَا فِي عَمَلِهِ، بِحَيْثُ يُرَاقِبُ اللَّهَ -تَعَالَى- فِي كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ يَعْمَلُهُ، وَلَا يَكُونُ فِي قَلْبِهِ أَثْنَاءَ عَمَلِهِ سِوَاهُ –سُبْحَانَهُ-.
وَعَلَى الْعَبْدِ فِي كُلِّ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ أَنْ يَدْعُوَ بِالْقَبُولِ، كَمَا دَعَا إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ وَهُمَا يَبْنِيَانِ الْبَيْتَ فَقَالَا: (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [الْبَقَرَةِ: 127]، وَدَعَا الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِدَعَوَاتٍ مُبَارَكَاتٍ خَتَمَهَا بِقَوْلِهِ: (رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ) [إِبْرَاهِيمَ: 40].
وَالدُّعَاءُ بِقَبُولِ الْعَمَلِ سَبَبٌ لِقَبُولِهِ، كَمَا أَنَّ التَّوْبَةَ وَالِاسْتِغْفَارَ سَبَبَانِ لِلْقَبُولِ؛ كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِيمَنِ اسْتَقَامَ وَدَعَا لِنَفْسِهِ وَلِوَالِدَيْهِ وَلِذُرِّيَّتِهِ وَأَعْلَنَ تَوْبَتَهُ: (أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) [الْأَحْقَافِ: 16]، أَيْ: هَؤُلَاءِ الْمُتَّصِفُونَ بِهَذَا، التَّائِبُونَ إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى-، الْمُنِيبُونَ إِلَيْهِ، الْمُسْتَدْرِكُونَ مَا فَاتَ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ، هُمُ الَّذِينَ يُتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنُ مَا عَمِلُوا، وَيُتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ، فَيُغْفَرُ لَهُمُ الْكَثِيرُ مِنَ الزَّلَلِ، وَيُتَقَبَّلُ مِنْهُمُ الْيَسِيرُ مِنَ الْعَمَلِ.
نَسْأَلُ اللَّهَ -تَعَالَى- فِي خِتَامِ هَذَا الشَّهْرِ الْكَرِيمِ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْنَا بِالْعَفْوِ وَالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْقَبُولِ، وَأَنْ يَكْتُبَ لَنَا وَلِلْمُسْلِمِينَ الْعِتْقَ مِنَ النَّارِ، وَأَنْ يَجْعَلَ حَالَنَا بَعْدَ رَمَضَانَ خَيْرًا مِنْ حَالِنَا فِيهِ، وَأَنْ يَفْتَحَ لَنَا أَبْوَابَ الْخَيْرِ، وَأَنْ يَخْتِمَ لَنَا رَمَضَانَ بِخَيْرٍ، وَأَنْ يُبَلِّغَنَا رَمَضَانَ الْقَادِمَ وَنَحْنُ نَنْعَمُ بِالْأَمْنِ وَالِاسْتِقْرَارِ وَالصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ. إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ، وَأَحْسِنُوا خِتَامَ الشَّهْرِ الْكَرِيمِ بِكَثْرَةِ الذِّكْرِ وَالِاسْتِغْفَارِ، وَشُكْرِ اللَّهِ -تَعَالَى- عَلَى بُلُوغِهِ وَإِكْمَالِهِ (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الْبَقَرَةِ: 185].
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: فَرَضَ اللَّهُ -تَعَالَى- عَلَيْكُمْ زَكَاةَ الْفِطْرِ فِي خِتَامِ هَذَا الشَّهْرِ، وَهِيَ مِنْ قُوتِ أَهْلِ الْبَلَدِ كَالْأُرْزِ، أَوْ مِنْ أَنْوَاعِ الطَّعَامِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ" (رَوَاهُ الشَّيْخَانِ).
وَالْحِكْمَةُ مِنْهَا جَاءَ ذِكْرُهَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ" (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ).
فَأَخْرِجُوهَا عَنْكُمْ وَعَمَّنْ تَلْزَمُكُمْ نَفَقَتُهُمْ مِنْ زَوْجَاتٍ وَأَوْلَادٍ، وَضَعُوهَا فِي أَيْدِي الْمَسَاكِينِ. وَأَكْثِرُوا مِنَ التَّكْبِيرِ فِي لَيْلَةِ الْعِيدِ؛ تَعْظِيمًا لِشَعَائِرِ اللَّهِ -تَعَالَى- وَإِعْلَانًا بِهَا. وَاحْذَرُوا الْمَعَاصِيَ وَالْمُنْكَرَاتِ بَعْدَ الْعِيدِ (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا) [النَّحْلِ: 92]، وَاسْتَمِرُّوا عَلَى الْعَهْدِ مَعَ اللَّهِ -تَعَالَى- بِمُوَاصَلَةِ الطَّاعَاتِ بَعْدَ رَمَضَانَ، وَالدَّيْمُومَةِ عَلَيْهَا؛ فَإِنَّ "أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى- أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ" كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَمِنْ مُوَاصَلَةِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ بَعْدَ رَمَضَانَ صِيَامُ سِتِّ شَوَّالٍ؛ فَفِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَالْزَمُوا التَّقْوَى بَعْدَ رَمَضَانَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- حَقِيقٌ أَنْ يُتَّقَى فِي كُلِّ زَمَانٍ، وَقَبُولُ الْأَعْمَالِ مُعَلَّقٌ بِالتَّقْوَى (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)[الْمَائِدَةِ: 27].
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...