الأحد
كلمة (الأحد) في اللغة لها معنيانِ؛ أحدهما: أولُ العَدَد،...
العربية
المؤلف | عاصم محمد الخضيري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - صلاة العيدين |
ما أجمل صباح العيد وما أسعد أهله الذين أتموا العدة وأخرجوا الفِطْرة وودعوا موسمًا عظيمًا مذكورًا قد أودعوا فيه من حُلُل الطاعات والأعمال الصالحات، فحُقَّ للمسلم أن يفرح ويبهج ويحمد ويلهج (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس:58]..
الخطبة الأولى:
الحمد لله المتفرد بالجلال الموصوف بالكمال والجمال عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال، أحمده وأشكره على النعم وجزيل النوال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له سجد له من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا وظلاهم بالغدو والآصال.
وأشهد أن محمد بن عبدلله عبدُ الله ورسوله وصفيه وخليله خير من مشى وأكرم من قال، صل الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم كثيرا إلى يوم المآل.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر الله لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الله أكبر سن وشرع، الله أكبر رفَع ووضع، الله أكبر خضع له كل عبد وخشع، الله أكبر الله أكبر علا وظهر وهزم ونصر، وقصم وقهر، وعلم وستر، وعفا وغفر.
الله أكبر كبيرًا، الله أكبر ربنا الله أعلى وأجل لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا، ولا لداعي الحق قد أجبنا، ولا في شهر السالف قد صمنا.
الله أكبر الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
ما أجمل صباح العيد وما أسعد أهله الذين أتموا العدة وأخرجوا الفِطْرة وودعوا موسمًا عظيمًا مذكورًا قد أودعوا فيه من حُلُل الطاعات والأعمال الصالحات، فحُقَّ للمسلم أن يفرح ويبهج ويحمد ويلهج (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس:58].
أيها المفطرون على نعم الله! صمتم لأمر الله، وأفطرتم لأمر الله، وقمتم لأمر الله وتعيدتم لأمر الله، تلك هي عبودية الاستسلام التي حُرِمَها ست مليارات نسمة بشرية في محيط هذا العالم الكبير.
لو شاء ربك كنت أيضًا مثلهم فالقلب بين أصابع الرحمن.
يختص برحمته من يشاء، ولو شئنا لأتينا كل نفس هداها، ولو شاء الله لهدى الناس جميعًا، ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
في هذا اليوم العظيم نتعلم معنى الفرحة والبهجة، نتعلم معنى أن نعظِّم شعائر الله، نتعلم معنى أن نعبد الله بالفرح كما عبدناه بالصوم، نتعلم أن هذا الدين وصل لمرحلة من العظمة أن صارت الفرحة فيه عبادة يؤجر عليها الإنسان.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
الله أعلى وأجل، الله أكرم وأرحم الله أمنّ وأحلم الله أسمع وأعلم -سبحانه وتعالى- ما هفت شفة بقولها اليوم يا ربِ لك الحمد.
مهما توالت الأحداث ومهما طافت الحالكات؛ فالله هو القريب الله هو المجيب، الله هو المستجيب الله أكرم وهو أعظم وهو أحلم وهو أعلم وهو رب الناس.
مدرسة رمضان علمتنا أن نعمل ثم نرجو القبول من المليك الأعظم ثقة بما عنده، والله عند حسن ظن عبده به.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
الحمد لله هذه الأمة بخير، هذه الأمة ربها الله، لها رب يبتليها ليعليها، لها رب يظمئها ليسقيها، لها رب يمحصها ليصطفيها، لها رب اسمه الله، لها رب اسمه الرحمان، لها رب اسمه القهار والقدوس والجبار والرزاق والتواب والغفار والقيوم والفتاح والقهار.
مهما توالت غمامات ملبَّدة فالله رغم سكون الريح يزجيها.
دين الله بخير وإسلامه بخير، ونحن بخير إن أحسنا الظن به ووثقنا بنصره لا بد أن يخرج المسلم من هذه المدرسة الرمضانية وهو يحسن الظن بربه في نفسه وفي أمته، صمنا ثم أحسنا الظن بربنا أنه سوف يقبلنا، وقد آن أن نجعل ثقتنا بالله شاملة لجميع حياتنا.
عبودية الثقة هي عبودية الأنبياء هي عبودية الأولياء، هي عبودية الأتقياء، ثقوا بالله فوالله لو عرف اليأس طريقًا إلى قلب أحد لعرفته قلوب الأنبياء من شدة ما وجدوه وما كابدوه ولكنهم أكمل الناس طريقًا ولهم قلوب هي أوسع القلوب صبرًا.
ثقوا بالله فلقد أُوذي في الله نبي من الأنبياء إلى حد قال معه: (يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ) [يونس:71].
لكن ربك قد أولاه ميسرة | وعاقبات الشجي دوما مياسير |
ثقوا بالله؛ فلقد حاصر العدو نبي من الأنبياء بعدما ركضوا خلفه بجنودهم ثم ألجئوه على شط بحر كبير في موقف قمطرير فقال ذلك النبي والبحر أمامه والعدو خلفه وأتباعه قليل والإسلام مستضعَف قليل، ونقمة العدو منتظرة قال مجيبا لأتباعه حين نادوه (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) فقال موسى عليه السلام (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ).
وكأن الأمواج على قلق | والبحر الهادر عاتيها |
قد ناد في موسى رفقا | الله علي سيجريها |
فانهال الموج ليغرقه | يا فرعون تبور طواغيها |
سبحان الله جرى قدر | من خلق الأحزان سينهيها |
(أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ) [الزمر: 36- 37].
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
أعظم أولئك الأمة ضميرًا هم أولئك الذين تحلك الليالي في عيونهم، فيرون شرفات النور تقول لهم: الله موجود يراكم إنه علام ما في الغيب وهو حكيم.
ما أكثر تلك اللحظات الوجودية التي كنا نقول فيها: إن الإسلام فيها إلى زوال، فإذا الشياطين تزول والإسلام باقٍ متطاول نحو السماء شامخًا.
جددوا ما تآكل من الثقة بموعود الله -عز وجل-، يبتلي الله الأمة بالهزيمة لكي تثق به فتجتمع على حبله، ثم ينصرها، ويبتليها إذا قطعت بينها وبينه حبائل العودة إليه حتى تأخذ خطامها إلى مرضاته.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
إن أحقر ذنب عُصي الله به هو سوء الظن به، فمن هذا الذنب تولدت كثير من الآثام وانتكس المنتكسون وانقلب المنقلبون.
كل أمر يمكن أن يلج في قلب المؤمن إلا سوء الظن بالله، وعدم الثقة بربه في نفسه وفي أمته وفي دينه.
فنعوذ بك ربنا من قلب لا يثق بك، ومن شعور لا يحسن الظن بك، ولقد قال الله -عز وجل-: (مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ) [الحج:15]، أي: من كان يزعم أن الله ليس ناصرًا دينه ولا رسوله ولا المؤمنين فإنا نرشده أن يأخذ حبلاً ثم يربطه بخشبة على سقف بينته ثم يشد على عنقه ثم ليقطع الحبل ثم لينظر بعد هذه العملية الانتحارية هل يذهب عنه غيظه؟ كلا والله (وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) [غافر: 51- 52].
(وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) [الصافات: 171- 173].
(إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ) (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ * كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [المجادلة: 20- 21].
في أضيق مراحل الحصار على أهل الإسلام في مدن الإسلام وبعد قدوم هذا الجثوم التتاري الذي يفترس القرى والحصون واحدة فأخرى، سقطت الخلافة العباسية على يد التتار حينئذ، وذلك في القرن السابع الهجري، ولقد ظن الناس بعدها أنه لن تقوم للإسلام قائمة فإذا يشع من الشام يقوده مماليك يباعون ويشترون يقود الله بهم انتصارًا على أكبر جثوم عظيم خطير، لكنها صيحة وإسلاماه وهي تلتهم الآفاق مستجيبة حية شعارها الله قبلكم اشترى.
وحين سقطت بني أمية في الأندلس وانقسمت عشرين دولة، وكادت شمس الإسلام اللامعة أن تتقبل العزاء في معاقل الإسلام الأخرى، فإذا رجل مرابط من المرابطين أعجمي ليس بعربي يقال له يوسف بن تاشفين يقود معركة الغرب ضد النصارى ليفسح من عمر الدولة الإسلامية في الأندلس قرونًا عديدة.
من الناصر غير الله؟! من القاهر غير الله؟! ثقوا بالله ليس له شريك، وعقبى دين ربي الاعتلاء،
ثق بالله وارض به إن الذي | يكشف البلوى هو الله |
والله ما لك غير الله من أحد | فحسبك الله، في كل لك الله |
لم تنتصر هذه الأمة يومًا بعدد ولا عدة ولا عتاد، وإنما انتصرت بإيمانها وحسن ظنها وثقتها بربها.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
الثقة بالله التي لا يصحبها عمل هي ثقة أشبه بالعبث، والله منزه عن العبث، من يترك العمل وفعل السبب في النجاة بنفسه، وفي العمل لدينه وأمته ثم يزعم أنه يثق بالله فهو مخطئ، وفعله ليس ثقة بل عجز وكسل وتوانٍ وخَبَل.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: رأينا في رمضان ملايين المصلين في المساجد ما بين راكع وقانت وساجد، رأينا الآلاف وهم يجلسون بعد الصلوات يقرؤون القرآن، رأينا الملايين وهم يطوفون بقلوبهم وأبدانهم نحو البيت الحرام، رأينا المتصدقين والتائبين والآبيين والمنيبين رأيناهم على ذلك رغم الجهود الجبارة لصرف الناس عن دينها والتهكم على شعائرها وشرائعها، رأيناهم على ذلك رغم الهجمات الشرسة على التدين وحب الدين والصالحين والمصلحين، رأيناهم على ذلك رغم المكر الكبار والسيل الجرار من الشهوات والشبهات والدركات والألغام والآثام.
رأيناهم على ذلك، رأينا فلول الناس وهي تحب دينها وتتسابق إلى الصدقة وإلى البر بأي ثغر يقفون عليه أو عمل صالح يصل إليهم، لا يختلف في ذلك مقصرهم عن طائعهم او صالحهم عن طالحهم، وحاديهم في ذلك:
الله حادينا ونعم الحادي | للخير والقرآن والرشاد |
رأينا في رمضان وفي هذا الجامع بالذات أشبالاً يتسابقون إلى ختم القرآن في كل عشر ليال، ويتسابقون أيهم يقرأ أكثر ما حفزهم لذلك أحد ولا أشار عليهم بشر لكنه سلطان هذا الدين في القلوب وحاديها إلى الله.
رأينا مخيمات الإفطار التي يرتادها الألف في مشهد إسلامي رهيب يفي باللُّحْمة الواحدة ويتقاطر إليها المسلمون، بل يحضرها غيرهم وأعينهم تفيض بالإعجاب لهذا الدين.
رأينا حادث الدهس على مصلين في بريطانيا، ثم يتقاطر بعد الحادث فئام ممن لم يسمعوا بهذا الدين إلى المكاتب الإسلامية يسلمون ويتشهدون.
رأينا ورأينا ما يعزز ثقتنا بالله، وبأن العاقبة للمتقين وبأن النصر لهذا الدين ولو كره الكافرون ولو كره المنافقون.
رغم أننا نشهد أعدى حصار عليه وعلى حملته وعلى الداعين إليه، ألا يبعث في نفوسنا ذلك الفخر ثم الشكر، نعم نحن في طوفان من النعم وفي محيطات من رحمة الله ووالله لا يمكن تقييد ما نحن فيه إلا بأمرين بالشكر، ثم المواصلة في النصرة والصلاح، أقرأ في سورة العنكبوت قول الله -عز وجل- (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) [العنكبوت: 67]، ثم تصيبني قشعريرة كيف بالله نجت هذه البلدة بفضل الله من المصائب والنكبات والكربات والنكسات، هل بينها وبين الله ضمانة؟ أم أنه الميثاق الذي من أخذ به نجا، ومن تركه أو استهان به خسر وخاب وحلت به ما حل بهم.
اللهم إنا نعوذ بك من عروة نكسرها بأيدينا، ومن نعمة نهدمها بكفرنا وعدم شكرها.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
من شكر الله على التمام وإكمال عدة الصيام أن نجعل آخر ليلة من رمضان شاهدة علينا بالمواصلة، فأيكم الذي أوتر ليلة البارحة، وأينا الذي قام ولو بقسط قليل من الليل، لا تحتقر عملاً ولو قليلاً فأحب العمل إلى الله أدومه وإن قل.
علمنا رمضان أننا نستطيع صيام الاثنين والخميس وأيام البيض بمواظبة وبلا مشقة، علمنا رمضان أننا نستطيع كسر شح أنفسنا بالصدقة، علمنا رمضان أننا نستطيع تنظيم أوقاتنا بالطاعة، علمنا رمضان ترك الغيبة علمنا ترك النميمة، علمنا ترك الكذب فأحسن مواصلة ما بقي يغفر لك ما مضى وما بقي.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد..
كما أن من تمام الشكر ومن الشكر على التمام مواصلة الطاعة فإنه يكون أيضًا بترك المعصية وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبالقيام على واجب الإصلاح وبالمساهمة كلٌّ بحسبه بإصلاح محيطه وأسرته ومجتمعه حتى نأخذ بضمانة الله في حفظ هذه البلدة، فهذا البلد لم يُحفظ من البلاء ولم يُحفظ من السوء ولا من الكوارث السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالصلاة وبالصيام وبقراءة القرآن مع أنها كانت أسبابًا عظيمة في حفظه إلا أن هذا البلد يحفظ أولاً وأخيرًا بالإصلاح، وترك التواكل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما يقول -عز وجل-: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [هود:117]، ولم يقل مُصَلّون أو صائمون أو منفقون أو معتمرون؛ لأن الإصلاح يشملها جميعًا، وهو من أوثق أسباب حفظ البلاد من الفساد ومن نخرة السوسة فيها.
إذا سمعتم بأي منكر فلا تتوانوا في رفعه، إذا سمعتم بمعصية تقام في أي مكان فعلى كل أحد أن يحتسب بالذي يستطيع.
هذا الإصلاح ليس حصرًا على المستقيمين ولا على الشرعيين ولا على الدعاة ولا على الأئمة ولا على المطيعين، بل على كل من آمن بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولاً فعليه كفلٌ من القيام بهذا الحق؛ لأن الله -عز وجل- إذا عمَّ بالعقوبة فإنه سيعم بها الصالحين والطالحين. قالت يا رسول الله: "أنهلك وفينا الصالحون؟" "قال: نعم؛ إذا كثر الخبث".
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
الله -عز وجل- يقول: (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) [الفرقان:72]، يقول نبينا -عليه الصلاة والسلام-: "من رأى منكم منكرًا فليغيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".
من غشّ الرعية وخيانة الأمانة أن يصطحب الولي أهله إلى أماكن المعصية، لا تتحمل وزر أولادكم بزيارة مهرجانات الغناء والصخب والتبرج والتعري والاختلاط والانحطاط، لا تتحمل وزر أولادكم بأخذهم لأماكن اللهو الحرام فإن الحلال بَيِّن وإن الحرام بَيِّن وبينهما أمور مشتبهات، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه.
لا تتحمل وزر أولادكم بالسفر إلى بلاد تكثر فيها المنكرات وتعم فيها البليات ويطول فيها النظر الحرام ويستغضب فيها رب الأنام.
لا تتحمل وزر أولادكم ولا أنفسكم بالتطبع على ممارسة الأعين لمشاهد الفجور والزور، فإن الفتنة إذا استشرفها الإنسان استشرفته، ومن سعى إلى الفتنة برجليه فإنه يوشك أن يقع فيها.
لا تتحمل أولادكم بغشهم فما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
أيتها المرأة المسلمة: علِّميهم جميعًا أن التحضر والتمدن ليس هو ترك الحياء والعفاف ولا التحلل من التكاليف الشرعية ولا التفلت والانفلات، علميهم جميعًا أن أوامر الله في كتابه وعلى لسان رسوله هي معقد الفخار الحقيقي ومحل الإجلال، وأن خالق المرأة هو أدرى بها لا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا.
علِّميهم جميعًا أن الستر والعفاف لا يعق حضارة ولا مشروع حضاري ولا رؤية نهضوية، علِّميهم جميعًا أن نصف المجتمع ليس عاطلاً، بل يصنع الأجيال ويلد الرجال ويقوم بعظائم الأعمال.
علِّميهم جميعًا أن التجلل بالعباءة والستر بما أمر الله هو عبادة عظيمة وجهاد جليل، وأن ظاهرة العباءات المنقوشة والألبسة الضيقة العارية إنما هي من تصدير من لا خَلاق له ومن لا يريد بالمرأة خيرًا، وكم من عباءة ملبوسة احتاجت لعباءة أخرى.
يا ربة الشرف المصون | على التقى أرخى سدوله |
عطف الأمومة والحنان | إكسير البطولة |
فارعي به أغراسك الخضراء | في أزهى خميلة |
وتعهدي برعاية الرحمن | أزهار الطفولة |
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
القدوات الحقيقية هي قدوات العلم لها قدوات صاغتها مواقع التفاهة تصدر الثقافات وتقدمها للشباب والفتيات بحجة الترفيه وسعة الصدر، قولوا كلا لكل مجنون أو مجنونة يريد أن يشتهر بالحمق والسفالة.
لا تجعلوا من الحمقى مشاهير، ولا تجعلوا لهم فرصة بالظهور على حساب القدوات الحقيقية.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
أيها الناس (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].