البحث

عبارات مقترحة:

الرب

كلمة (الرب) في اللغة تعود إلى معنى التربية وهي الإنشاء...

الرزاق

كلمة (الرزاق) في اللغة صيغة مبالغة من الرزق على وزن (فعّال)، تدل...

الظاهر

هو اسمُ فاعل من (الظهور)، وهو اسمٌ ذاتي من أسماء الربِّ تبارك...

المورد الصباب في المحرم من الثياب

العربية

المؤلف عبدالسلام بن برجس آل عبدالكريم
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - الحكمة وتعليل أفعال الله
عناصر الخطبة
  1. نعمة اللباس وشكر الله عليها .
  2. الأصل في الألبسة الإباحة .
  3. بعض الملابس المحرمة .

اقتباس

الأصلُ في الألبسة الإباحةُ؛ كما قال الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- منكرًا على مَن حَرَّمَ أشياءَ من المطاعم والملابس بغير دليل، فَكُلُّ الألبسةِ حلالٌ للمسلم أن يلبسها إلا ما جاء الشرع بتحريمه والنهيِ عنه؛ فهذه هي القاعدة في الملابس. ونحن نذكر جملةً من الملابس التي...

الخطبة الأولى:

عباد الله: لقدِ امتَنَّ الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- على عباده بما جعل لهم من اللِّبَاسِ والرِّيشِ الذي يُوارُونَ به عوراتِهم، ويتجملون به في مجامِعِهم ومحافِلِهم؛ فقال الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) [الأعراف: 26].

فاللباس نعمةٌ عظيمة تَفَضَّل الله -جَلَّ وَعَلاَ- بها على الإنسان، فيها من المنافعِ والفوائدِ الشيءُ الكثير؛ فهو سِتر يستر به الإنسان سَوأتَهُ، وهو جمال له وبهاء، وهو أيضًا وقاء له مِنَ الحرِّ ومِنَ البَرْدِ؛ كما قال الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ  أي: قُمُصًا،  وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ) [النحل: 81].

فواجبُ هذه النعمة العظيمة شكرُها، والثناءُ على الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بها.

وشكرُها إنما يكون باستعمال ما أحَلَّهُ الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- منها، واجتنابٍ ما حَرَّمَهُ الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- منها؛ فإن ربَّنا -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- جعل من اللباس أشياءَ مُحَرَّمَة، وجعل من اللباس أشياء مباحة.

فينبغي على المسلم أن يعرف ذلك، وأن يُلِمَّ به؛ ليُتْبِعَه بالعمل؛ فيستخدمَ المباح، ويجتنب المحرَّم.

الأصلُ في الألبسة -يا عباد الله- الإباحةُ؛ كما قال الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- منكرًا على مَن حَرَّمَ أشياءَ من المطاعم والملابس بغير دليل: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) [الأعراف: 32]؛ فَكُلُّ الألبسةِ حلالٌ للمسلم أن يلبسها إلا ما جاء الشرع بتحريمه والنهيِ عنه؛ فهذه هي القاعدة في الملابس.

ونحن نذكر جملةً من الملابس التي حرَّمها الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- على عباده؛ ليجتنبها المسلمُ اجتنابًا كاملاً؛ امتثالاً لقولِ النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ".

فمِنَ الملابسِ المحرَّمة: تلك الملابس الْمُخْتَصَّةُ بِالكُفَّار، والتي لا يلبسها سِواهُم؛ فهي عَلَمٌ عليهم وشعار لَهم، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وَمَنْ تَشَبَّهُ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ"، التشبه بالكفار في ملابسهم ينافي العزَّة التي يجب أن يكون عليها المؤمن؛ إذ إن التشبه بهم يعني شعور المتشبِّه أنهم أعلى مِنَّا، كما يعني أيضًا إعجابَه بهيئاتِهم وملابسهم، وهذه خطوة أولى للإعجاب بعقائِدِهم وأفكارهم -عافانا الله وإياكم من ذلك-.

ومن الألبسة المحرمة أيضًا: لبس الرجال ما يَخْتَصُّ بالنِّساء من الملابس، ولبس النساء ما يختص بالرجال من الملابس، سواءٌ كان ذلك شاملاً للجسم كلِّه أو لِعُضْوٍ مِنهُ كالحذاء ونحوه؛ فقد لَعَنَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "المُتَشَبِّهِين مِنَ الرِّجال بالنِّساء، والمُتَشَبِّهاتِ مِنَ النِّساء بالرِّجال"، وثبت في سنن أبي داود عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الرَّجُل يلبس لِبسة المَرأة، والمَرأة تلبس لبسة الرَّجُل.

ومن الألبسة المحرمة: لبس الحرير على الذكور من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- خاصَّةً دون النِّساء؛ فقد ثبت في الصحيحين عن عُمَرَ بنِ الخطابِ -رضي الله عنه- مرفوعا: "لا تلبسوا الحرير؛ فإن مَن لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة"، وقال صلى الله عليه وسلم: "إنما يلبس الحرير مَن لا خَلاقَ له".

وإذا نُسِج الحرير مع غيره كقطن وكتان ونحو ذلك كما هو الحال في كثيرٍ من ملابس الرجال اليوم؛ فيُنظر: فإن كانت نسبة الحرير كبيرة فوق النصف فلا يجوز لبس هذه الملابس؛ تغليبًا للحرير، وتغليبًا للحرمة. وإن كانت نسبة الحرير قليلة ككونها أقل من النصف فيجوز اتخاذ هذه الملابس؛ لأنها لا تسمى حريرًا عندئذ.

وملابس الحرير المحرمة على الرجال تشمل الثياب والسراويل والغُتَر، ونحو ذلك من الملابس؛ فهي ليست مختصة بالثوب المعروف فحسب؛ بل بكل لباس يلبسه الرجل.

ومن الألبسة المحرمة: لبس ما فيه صورة حَيَوان؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- امتنع من دخول بيت عائشة لما علم أن فيه تصاوير، وأخبر عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ أن الْمَلاَئِكَةَ لاَ تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ.

ولقد بُلِي كثير من الناس في هذه الأيام بالملابس التي فيها صور حيوان، لا سيما في ملابس الأطفال، وهي رزية عظيمة ومصيبة كبيرة، مَن أحب منكم أن تدخل الملائكة بيته وأن تبتعد الشياطين من بيته فعليه أن يذهب بهذه الصور، وأن يَطْمِسَها، وأن يُطَهِّرَ بيته منها.

وقد يقول قائل: إن الصبي لا تثريب عليه؛ فإذا أُلْبِسَ هذه الملابسَ التي فيها الصورُ فلا إثم عليه عندئذ.

وهذا كلام غير صحيح؛ فإن الفقهاءَ -رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى- يقولون: يَحْرُمُ إلباسُ صَبِيٍّ ما يحرم على الرجل لِبسُه كالحرير، ومنتوج الذهب والفضة؛ ودليل ذلك قول جابر بن عبد الله –رضي الله عنه- عن الحرير: "كنا ننزعه عن الغِلمان"، وثبت عن عمر وابن مسعود -رضي الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عنهما- أنهما كانا يُمَزِّقَانِهِ إذا رأوه على صبي.

فعلى المسلم أن يجتنب شراء الثياب التي فيها صورة، وعليه أن يخرجها من بيته إن كان في بيته منها شيء، أو عليه أن يطمس وجه الصورة التي فيها ملابس الأطفال على وجهٍ لا يفسد الثوب، كأن يأخذ قطعة قماش مناسبةً لشكل الثوب فيطمسَ به وجه الصورة، أو يأخذ بعض الأزرار الجمالية فيضعها على وجه الصورة؛ ليستفيد من الثوب، وليسلم من مَغَبَةِ الحرمة.

الخطبة الثانية:

عباد الله: ومن اللباس المحرم على الرجال خاصة: لبس ما أسفل من الكعبين من ثوب أو سراويل أو نحو ذلك كعباءة؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- حرَّم هذا الأمر، وشدد النكير عليه، وأخبر أن "مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الإزَارِ فَفِي النَّارِ".

وبعض الناس يُفَرِّقُ بين إسبال الثياب خُيَلاء وبين إسبالها لغير الخيلاء، وهذا القول وإن كان قولاً لبعض الفقهاء إلا أنه قولٌ مرجوح، والصحيح أن إسبال الثوب أسفل من الكعبين من غير خُيَلاء معصية مستقلة، وأن إسبال الثوب تحت الكعبين خيلاء معصية أخرى مستقلة؛ بدليل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جمع بينهما في حديث واحد في لفظ واحد، وفرَّق بينها بتفريق العقاب على كل واحدة منهما؛ يقول صلى الله عليه وسلم: "مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الإزَارِ فَفِي النَّارِ، وَمَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاَءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ"؛ فعقوبة الأولى: النار، وعقوبة الثانية: عدم نظر المولى -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- إليه.

فاجتنبوا الإسبال في الثياب -عباد الله-، واحذروه أشد الحذر؛ فإن النبي –صلى الله عليه وسلم- جعله من كبائر الذنوب في قوله عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: "ثَلاَثَةٌ لاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"، قال أبو ذر: خابوا وخسروا، مَن هم يا رسول الله؟ قال: "الْمُسْبِلُ، وَالْمَنَّانُ، والْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبَةِ".

فهذه -يا عباد الله- صور من الألبسة المحرمة، اجتنبوها في أنفسكم، واجتنبوها في أهليكم؛ فحذروا من رأيتم من أقاربكم وجيرانكم يستخدمها، حذروه من استخدامها واستعمالها؛ حتى نكونَ قد أدينا شكر هذه النعمة العظيمة التي خَصَّنا الله -جَلَّ وَعَلاَ- بها دون سائر المخلوقات.