البحث

عبارات مقترحة:

الحق

كلمة (الحَقِّ) في اللغة تعني: الشيءَ الموجود حقيقةً.و(الحَقُّ)...

القاهر

كلمة (القاهر) في اللغة اسم فاعل من القهر، ومعناه الإجبار،...

المنان

المنّان في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من المَنّ وهو على...

كثرة التخلف عن صلاة الجماعة

العربية

المؤلف صالح بن عبد الله الهذلول
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الصلاة
عناصر الخطبة
  1. أحاديث منذرة للمتخلفين عن صلاة الجماعة .
  2. قول المحدثين بوجوب صلاة الجماعة .
  3. اهتمام السلف بصلاة الجماعة .
  4. رسالة ساخنة للمتكاسلين عن صلاة الجماعة .

اقتباس

هذه الأحاديث -معاشر المسلمين- ذكرى ونذير للمتخلفين عن الجماعة في المساجد، الذين ألهتهم أموالهم، وشغلتهم أهلوهم أو أعمالهم وتجاراتهم عن حضور الجماعة، أو تكاسلوا وتثاقلوا إلى الأرض رغبة فيها عما عند الله -تعالى-.

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد: فقد روى مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد ناساً في بعض الصلوات، فقال: "لقد هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس، ثم أخالف إلى رجال يتخلفون عنها فآمر بهم فيحرقوا عليهم بحزم الحطب بيوتَهم، ولو علم أحدهم أنه يجد عظماً سميناً لشهدها"، يعني صلاة العشاء.

وجاء رجل أعمى إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- أن يرخص له فيصلى في بيته، فرخص له، فلما ولى دعاه، فقال: "هل تسمع النداء بالصلاة؟"، فقال: نعم. قال: "فأجب" رواه مسلم.

وقال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد علم نفاقه، أو مريض. إن كان المريض ليمشي بين رجلين حتى يأتي الصلاة". وقال -رضي الله عنه-: "إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علمنا سنن الهدى، وإن من سنن الهدى الصلاةَ في المسجد الذي يؤذن فيه" رواه مسلم. وقال -رضي الله عنه-: "من سَّره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطُّهور، ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلومُ النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف" رواه مسلم.

هذه الأحاديث -معاشر المسلمين- ذكرى ونذير للمتخلفين عن الجماعة في المساجد، الذين ألهتهم أموالهم، وشغلتهم أهلوهم أو أعمالهم وتجاراتهم عن حضور الجماعة، أو تكاسلوا وتثاقلوا إلى الأرض رغبة فيها عما عند الله -تعالى-.

لقد أخذ المحدثون بهذه الأدلة وقالوا بوجوب صلاة الجماعة، وأنها لا تسقط إلا بعذر شرعي من مرض أو نحوه. ولو كان أحد يعذر بتركها (أي صلاة الجماعة) لعذر الأعمى الذي لا يجد قائداً، وبينه وبين المسجد طريق موحش، ولعُذر بتركها المجاهد الذي يجالد الأعداء دفعاً لشرهم ورفعاً لراية الإسلام، فقد حضرت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معركة الأحزاب قبل نزول صلاة الخوف فحبسه المشركون عن صلاة العصر، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "شغلونا عن الصلاة الوسطى، صلاة العصر، ملأ الله أجوافهم وقبورهم ناراً" رواه مسلم. ثم نزلت الآيات بتشريع صلاة الخوف.

عباد الله: مرض أحد الصالحين من التابعين، واسمه ثابت بن عامر بن عبد الله بن الزبير، فسمع أذان المغرب، فقال لأبنائه: احملوني إلى المسجد. قالوا: أنت مريض وقد عذرك الله. قال: لا إله إلا الله! أسمع حي على الصلاة حي الفلاح ثم لا أجيب! والله لتحملونني إلى المسجد! فحملوه إليه، ولما كان في السجدة الأخيرة من صلاة المغرب قبض الله روحه.

قال بعض أهل العلم: وكان هذا الرجل إذا صلى الفجر قال: اللهم إني أسألك الميتة الحسنة. قيل له: وما الميتة الحسنة؟ قال: أن يتوفاني ربي وأنا ساجد.

همُّ الموتِ والدار الآخرة، والجنة، والنار، همٌّ لا يكاد يفارقهم، ولا يغفلون عنه ساعة ولا ينسونه، وهم في أحرج الأوقات وأضيق الساعات، فجاءت عاقبتهم حميدة، وخاتمتهم سعيدة، ومن يحفظ الله يحفظه، وتعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة.

معاشر المسلمين: أحد المفسرين ذهب في معنى قوله -تعالى-: (إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ) [الصافات:35] أنها في الذين لا يحضرون الصلاة مع جماعة المسلمين.

إنها رسالة ساخنة للمتكاسلين عن صلاة الجماعة، وما سبق من نصوص الوحيين: الكتاب والسنة في التحذير من التهاون بصلاة الجماعة، نُذرٌ لمن خاف عذاب الآخرة.

لما حضرت سعيد بن المسيب عالم التابعين الوفاةُ، بكتْ ابنته عليه، فقال لها: لا تبكي عليَّ يا بنية، والله ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد. وقال: ما فاتتني الصلاة في جماعة منذ أربعين سنة. وكان حين وفاته بلغ عمره ثمانين سنةًّ، وكان يمشي إلى المسجد في ظلام الليل، فقيل له: خذ معك سراجاً ينير لك الطريق، فقال: (وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ) [النور:40]، يكفيني نور الله -تعالى-.

وفي الحديث: "بشروا المشائين إلى المساجد في الظلم بالنور التام يوم القيامة" رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وصححه الألباني.

لقد كانت صلاة الجماعة شعاراً للمسلمين، بها يفتخرون، وعليها يحافظون حتى وسيوفهم ملتحمة مع سيوف أعدائهم في المعارك، وحالهم كما يصفه الشاعر:

نحــن الــذين إذا دُعــوا لصلاتهم

والحــرب تســقي الأرض جــاماً أحـمرا

جعــلوا الوجــوه إلى الحجاز فكبروا

في مسمـــع الــروح الأمــين فكــبرا

فيا أيها المسلمون: كم تأخذ صلاة الجماعة من أوقاتنا؟ وكم من الساعات نهدرها أكلاً وشراباً ونوماً ولهواً ولعباً؟ فحافظوا -رحمكم الله- على هذه الصلوات حيث ينادى بهن، وتسابقوا إلى الصفوف الأولى.

واعلموا أنه لن يُصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، وقد بدأت نُذر الغدر والشر تلوح بالأفق، ومشاريع التهديد والتدمير تكاد تتجدد كل يوم على مسامعنا، ولا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم، فتوبوا إلى ربكم وأسلموا له، وتعرفوا إلى الله في الرخاء يعرفكم في الشدة.