الواسع
كلمة (الواسع) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَسِعَ يَسَع) والمصدر...
العربية
المؤلف | عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - التاريخ وتقويم البلدان |
تفكروا -عباد الله- لو أن هذه الأرضَ التي نمشي عليها لو تزلزلت وتحركت؛ كيف يكون الشأن في الناس؟! وكيف يكون الشأن في البيوت والزروع؟ وفي المصالح والأعمال؟! إن كل ذلك -عباد الله- يتعطل ولا ينتفع منه بشيء, ولا يهدأ للناس بال، لنتفكر في هذه الآية العظيمة، ولنقبل على الخالق الجليل -جلَّ وعلا-
(الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير * يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور) [سبأ:1-2] وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الحليم الشكور، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليماً كثيرا .
أما بعد:
أيها المؤمنون عباد الله: اتقوا الله تعالى، واعلموا أن تقواه -جلا وعلا- هي أساس السعادة وسبيل الفلاح والفوز في الدنيا والآخرة، ثم اعلموا -رعاكم الله- أن الله -جلا وعلا- دعا عباده في آيات كثيرة في القرآن الكريم إلى التفكر في آياته، والتأمل في مخلوقاته الدالة على عظمة خالقها وكمال موجدها وعظمة الرب الجليل سبحانه وتعالى، وكم هي الآيات العظيمة والبراهين الواضحة الدالة على كمال الخالق الرب العظيم سبحانه.
وفي كل شيء له آية
عباد الله: وإن من آيات الله العظيمة وبراهينه القويمة الدالة على كمال الرب -جلا وعلا-: هذه الأرض التي نمشي عليها، ونسير في فجاجها، كم فيها -عباد الله- من البراهين الدالة على كمال الخالق، وعظمة الموجد سبحانه وتعالى، يقول الله -جلا وعلا-: (إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين) [الجاثية:3].
ويقول -جلا وعلا-: (وفي الأرض آيات للموقنين) [الذاريات:20] ويقول -جلا وعلا-: (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خُلقت * وإلى السماء كيف رُفعت * وإلى الجبال كيف نُصبت * وإلى الأرض كيف سُطحت) [الغاشية:17-20].
ما أعظمها -عبادَ الله- من آية دالة على كمال الخالق -جلا وعلا-، هذه الأرض -عباد الله- لم يوجدها -عز وجل- لعباً وهملاً وباطلاً، تنزه ربنا عن ذلك وتقدس -جل شأنه-؛ بل إنه -جلا وعلا- وضعها للأنام، وسخرها لهم وأوجد فيها من النعم ما لا يعد ولا يحصى؛ ليطيعه الأنام عليها (والأرض وضعها للأنام * فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام * والحب ذو العصف والريحان * فبأي آلاء ربكما تكذِّبان) [الرحمن:10-13].
عباد الله: ومن آيات الله العظيمة في الأرض: إمساك الله -جلا وعلا- لها أن تزول، ولإقامته لها من أن تسقط وتقع، يقول -جلا وعلا-: (إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليماً غفوراَ) [فاطر:41].
ويقول -جلا وعلا-: (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره) [الروم:25] تبارك الله ما أعظمها من آية، إمساكه لهذه الأرض من السقوط والوقوع والـهُوِيُّ، إنها لآية عظيمة دالة على كمال الخالق الجليل والرب العظيم، ثم إنه -جلا وعلا- ثبّت هذه الأرض وأرساها بالجبال، يقول -جلا وعلا-: (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم) [النحل:15] ويقول -جلا وعلا-: (والجبال أرساها) [النازعات:32].
فما أعظمها من آية هذا التثبيت للأرض من الزوال والتزلزل والهوي بهذه الجبال العظيمة الصم الصِّلاب الراسخة التي جعلها الله -عز وجل- أوتاداً للأرض تثبتها، ثم إنه -جلا وعلا- مدَّ هذه الأرض، وبسطها لعباده؛ ليتمكنوا من العيش فيها والسير في فجاجها، يقول الله تبارك وتعالى: (والله جعل لكم الأرض بساطا) [نوح:19]، ويقول -جلا وعلا-: (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور) [الملك:15]
فما أعظمها -عباد الله- من آية دالة على كمال الخالق -جلا وعلا-: (والأرض مددناها) [ق:7] مدها -جلا وعلا- وبسطها، وجعل فيها السبل؛ ليسير العباد في أكنافها، ويمشوا في فجاجها؛ طلباً لرزق الله، وسعياً في الحصول على نعمة الله؛ فما أعظمها -عباد الله- من آية دالة على كمال الخالق -جلا وعلا-.
عباد الله: ومن آيات الله العظيمة في هذه الأرض: أنك ترى الأرض خاشعة، وتراها هامدة لا زرع فيها و لا نبات، فينزل عليها الرحمن -جلا وعلا- فينزل عليها الماء؛ فتهتز وتربو وتنبت من كل زوج بهيج، إن هذه -عباد الله- لآية دالة على كمال الخالق، وأنه الإله الحق، وأنه على كل شيء قدير؛ يقول -جلا وعلا-: (وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج * ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحي الموتى وأنه على كل شيء قدير * وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور) [الحج:5-7]
ومن عظيم آيات الله -عز وجل- في الأرض: أن القطع المتجاورات المتماثلات في الهيئة ينزل الرب جلَّ وعلا عليها الماء؛ فتنبت أنواعاً من الزروع مختلفة في الهيئات وفي الأشكال، وفي الطعم وفي المنظر، مع أنها سقيت بماء واحد، ونبتت على أرض واحدة، ما أعظمها من آية -عباد الله-، يقول الله جلَّ وعلا: (وفي الأرض قطعٌ متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يُسقَى بماء واحد ونفضِّل بعضها على بعض في الأُكُل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) [الرعد:4].
عباد الله: وإن من عظيم آيات الله في الأرض: أن جعلها قراراً للعباد، ساكنةً مطمئنة، ليست رَجْراجَةً متكفئة، وإنما ثبتها وجعلها قراراً، كما قال الله -عز وجل-: (الله الذي جعل لكم الأرض قرارا) [غافر:64]؛ أي مستقِرَّة ساكنة تمشون عليها مطمئنين، ليست مهتزّة من تحت أرجلكم، ولا متزلزلة، وليست بأرض رجراجة، فما أعظمَها -عباد الله- من آية.
واعتبر -عبد الله- بما يحدثه -جلَّ وعلا- في بعض الأوقات على أجزاء من الأرض من زلازل؛ تحرك الأرض من تحت الناس؛ فلا يَقَرُّ لهم قرار، ولا يهدأ لهم بال، ولا يهنأ لهم عيش؛ بل إن اهتزازها إذا اشتد وعظم أهلكت من يمشي عليها.
ولعلنا سمعنا قريباً ما حدث في بعض الديار، وفي ليلة واحدة هلك أكثر من ثلاثين ألفَ نفسٍ، هلكوا في ساعة واحدة، وماتوا موتة نفس واحدة، بيوتهم تهدمت، زروعهم هلكت، الذي يمشون عليها هلكوا عن بكرة أبيهم إلا قليلاً منهم.
هذه آية -عباد الله- تدل على عظمة الخالق -جلَّ وعلا-، وأنه على كل شيء قدير، ولا يغيب عن بالنا قول الله -جلَّ وعلا-: (وما نرسل بالآيات إلا تخويفا) [الإسراء:59]
إن هذا -عباد الله- فيه عظةٌ للعباد وعبرةٌ؛ ليتذكروا عظمة الخالق الجليل، وكمال المبدع العظيم، وقدرته على كل شيء، أفلا تذكرنا -عباد الله- نعمة الله علينا بثبات هذه الأرض التي نمشي عليها، وقرارها وسكونها, أرض ثابتة ليست متزلزلة من تحتنا ولا متحركة.
تفكروا -عباد الله- لو أن هذه الأرضَ التي نمشي عليها لو تزلزلت وتحركت؛ كيف يكون الشأن في الناس؟! وكيف يكون الشأن في البيوت والزروع؟ وفي المصالح والأعمال؟! إن كل ذلك -عباد الله- يتعطل ولا ينتفع منه بشيء, ولا يهدأ للناس بال، لنتفكر في هذه الآية العظيمة، ولنقبل على الخالق الجليل -جلَّ وعلا-، ولنستفد من عتابه لعباده، كما قال بعض السلف –رحمهم الله- عندما اهتزت الأرض في زمانه، قال للناس: "إن هذا ربُّكم يستعتبُكم" أي يطلب منكم أن تعودوا إليه، وتنيبوا إليه، وتتذكروا عظمته، وأنه خلقكم لطاعته ولعبادته. جاء في بعض كتب السير أن الأرض اهتزت في المدينة في زمن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فقام وخطب الناس، ووعظهم وذكَّرهم، وكان فيما قاله لهم: "إن عادت إلى هذا لا أساكنكم فيها".
فلنتب -عباد الله- إلى الله، ولنتذكر نعمة الله ومنته -جلَّ وعلا- علينا بهذه الأرض التي خلقنا وأوجدنا عليها؛ لنمشي مطمئنين، ولله طائعين، ومنه -تبارك وتعالى- خائفين، وعلى عبادته مقبلين، ولرحمته راجين, اللهم وفقنا لما تحبه وترضى، وأعنا على البر والتقوى، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
اللهم اجعلنا من عبادك المتعظين المعتبرين، واجعل لنا فيمن ابتليتهم من عبادك عظة وعبرة، ولا تجعلنا لغيرنا عظة وعبرة, اللهم اهدنا سواء السبيل، وأعنا يا ذا الجلال والإكرام، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، يغفر لكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد الله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله تعالى.
عباد الله: لنتفكر في شأن هذا الإنسان الذي يمشي على هذه الأرض، ما شأنه بها؟ يقول الله -تبارك وتعالى-: (والله أنبتكم من الأرض نباتا * ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا) [نوح:17-18]
إن هذا الإنسانَ أُنْبِتَ من الأرض؛ لأن أبينا آدم خلق وذريتُه في صلبه من تراب؛ فالله -جلَّ وعلا- أنْبَت الناس من الأرض نباتا، ثم يعيدهم فيها، وعندما يموت كل واحد مآله إلى الدفن في الأرض؛ فالله -جلَّ وعلا- جعل الأرض كفاتاً، للأحياء من الناس والأموات (ألم نجعل الأرض كفاتا * أحياءً وأمواتا) [المرسلات:25-26]؛ فهي كفات لهم عليها، يمشون ويسكنون في حياتهم، وفي بطنها يودَعون ويدخلون بعد مماتهم، ثم يعيدكم منها ويخرجكم إخراجا، وذلك البعث والنشور يخرج الناس من الأرض؛ للقيام بين يدي رب العالمين؛ ليجزيهم ويحاسبهم على أعمالهم في هذه الأرض هل كانوا يمشون عليها مطمئنين بعبادة الله خاشعين ممتثلين بأوامر الله؟؛ كما قال الله عن عباد الرحمن: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا) [الفرقان:63]؟ أم أنهم كانوا يمشون على الأرض بالفساد والعتُوِّ والتجبُّر والطغيان؛ فالحساب يوم القيامة أمام الله -جلَّ وعلا- يحاسب الناس ويجازيهم على أعمالهم على هذه الأرض (يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات) [إبراهيم:48].
فأعِدُّوا -عباد الله- لذلك إلى اليوم عدة بطاعة الله وامتثال أوامره -سبحانه وتعالى-، والاستعداد بالوقوف بين يديه، فالكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني.
وصلوا وسلموا -رعاكم الله- على خير من مشى على الأرض محمد بن عبد الله صلواته الله وسلامه عليه, اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان ذي النورين وأبي الحسنين علي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين, اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين, اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وأعنه على البر والتقوى, اللهم وألبسه ثوب الصحة العافية، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة.
اللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك، واتباع سنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-, اللهم آت نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولها, اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى, اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.
اللهم وفقنا لما تحب وترضى، وأعنا على البر والتقوى، ولا تكلنا لأنفسنا طرفة عين، اللهم أصلح ذات بيننا، وألف بين قلوبنا، واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وأموالنا وأزواجنا وذريتنا، واجعلنا مباركين أينما كنا, اللهم اغفر لنا ذنبنا كله، دقه وجله، أوله وآخره، سره وعلنه.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات, اللهم اغفر ذنوب المذنبين من المسلمين، وتب على التائبين، واكتب الصحة والعافية والسلامة لعموم المسلمين, اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، وفرج كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحمنا موتانا وموتى المسلمين.
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين, اللهم اسقنا وأغثنا, اللهم اسقنا وأغثنا, اللهم اسقنا وأغثنا, اللهم إنا نسألك غيثاً مغيثاً، هنيئاً مريئاً، سحاً طبقاً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل, اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من إلى ائسين.
اللهم أعثنا قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر, اللهم رحمتك نرجوا فلا تكلنا إلا إليك, اللهم اسقنا وأغثنا, اللهم اسقنا وأغثنا, اللهم اسقنا وأغثنا, وآخر دعوانا أن الحمد رب العالمين، وصلى الله وبارك وأنعم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.