الأكرم
اسمُ (الأكرم) على وزن (أفعل)، مِن الكَرَم، وهو اسمٌ من أسماء الله...
العربية
المؤلف | عبد الملك بن محمد القاسم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - التوحيد |
وأمر بأن يجزم العبد في طلبه ويوقن الإِجابة، والعلة في تحريم تعليق الطلب من الله على المشيئة: أن تعليق الدعاء يشعر بأن الله له مكره، وهو -سبحانه- لا مُكره له فعال لما يريد، يحكم ما يشاء لا مُعقب لحكمه. وكذلك أنه يشعر بأن هذا أمر عظيم على الله وهو -سبحانه- الذي لا يتعاظمه شيء؛ فهو رب الأرض والسموات غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب بيده مقاليد الأمور
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102] (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70 - 71]
أما بعد:
فاتقوا الله -أيها المسلمون-: اتقوه في السر والعلن، فإن تقوى الله -عز وجل- سبب الأمن في الدنيا والهداية في الآخرة: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) [الأنعام: 82]
أيها المسلمون: الدعاء عبادة عظيمة وحبل موصول، وعروة وثقى مع الله -عز وجل-، قال الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله-: "فالأمور كلها وإن كانت بمشيئة الله وإرادته، فالمطالب الدينية: كسؤال الرحمة والمغفرة، والمطالب الدنيوية المعينة على الدين: كسؤال العافية والرزق وتوابع ذلك، قد أُمر العبد أن يسألها من ربه طالبًا ملحًا جازمًا، وهذا الطلب عين العبودية ومخها، ولا يتم ذلك إلا بالطلب الجازم الذي ليس فيه تعلق بالمشيئة، لأنه مأمور به، وهو خير محض لا ضرر فيه، والله -تعالى- لا يتعاظمه شيء".
وبهذا يظهر الفرق بين هذا وبين سؤال بعض المطالب المعينة التي لا يتحقق مصلحتها ومنفعتها، ولا يجزم أن حصولها خير للعبد، فالعبد يسأل ربه، ويعلقه على اختيار ربه له أصلح الأمرين؛ كالدعاء المأثور: "اللهم أحيني إذا كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيرًا لي".
وكدعاء الاستخارة؛ فافهم هذا الفرق اللطيف البديع بين طلب الأمور النافعة المعلوم نفعها وعدما ضررها، وأن الداعي يجزم بطلبها ولا يُعلقها، وبين طلب الأمور التي لا يدري العبد عن عواقبها، ولا رجحان نفعها على ضررها؛ فالداعي يُعلقها على اختيار ربه الذي أحاط بكل شيء علمًا وقدرة ورحمة ولطفًا.
وللدعاء -عباد الله- فضائل ومزايا عديدة، منها:
أولاً: أن الله -عز وجل- أمر بالدعاء: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر: 60] وقال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) [البقرة: 186]
ثانيًا: الدعاء هو العبادة، كما في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الدعاء هو العبادة" رواه أبو دود والنسائي.
ثالثا: الدعاء يرد البلاء ويدفعه، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الدعاء ينفع مما نزل، ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء" رواه الترمذي.
رابعًا: المعية الخاصة من الله -عز وجل- لمن دعاه، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله -تعالى- يقول: "أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا دعاني" رواه مسلم.
خامسًا: لا يرد القضاء إلا الدعاء كما قال -صلى الله عليه وسلم-.
عباد الله: في الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة فإن الله لا مُكره له".
ولمسلم: "وليُعظم الرغبة، فإن الله لا يتعاظمه شيء أعاطه"، أي: ليسأل ما شاء من قليل وكثير، ولا يقل: هذا كثير، لا أسأل الله إياه، فهو الجواد الكريم، بيده خزائن السموات والأرض.
نهى -صلى الله عليه وسلم- عن تعليق الدعاء بالمشيئة مثل قول: "اللهم اغفر لي إن شئت" لأن ذلك يدل على فتور الرغبة، وقلة الاهتمام بالمطلوب وينبئ عن قلة اكتراثه بذنوبه ورحمة ربه.
وأمر بأن يجزم العبد في طلبه ويوقن الإِجابة، والعلة في تحريم تعليق الطلب من الله على المشيئة: أن تعليق الدعاء يشعر بأن الله له مكره، وهو -سبحانه- لا مُكره له فعال لما يريد، يحكم ما يشاء لا مُعقب لحكمه. وكذلك أنه يشعر بأن هذا أمر عظيم على الله وهو -سبحانه- الذي لا يتعاظمه شيء؛ فهو رب الأرض والسموات غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب بيده مقاليد الأمور.
ومن ذلك -أيضًا-: أنه يُشعر باستغناء العبد عن الله، والعبد لا غنى له عن الله أبدًا، وهو -سبحانه- الغني الحميد، والإنسان ينبغي أن يدعو الله -تعالى- وهو يشعر أنه مفتقر إليه غاية الافتقار، وأن الله قادر على أن يُعطيه ما سأل.
ومن الأمثلة على تعليق الدعاء بالمشيئة: ما يدور على ألسنة الناس كقول: "اللهم اهدني إن شئت" أو كقول: "اللهم اجعله في موازين حسناتي إن شئت"، وكل ذلك من المحرمات المنقصة لتوحيد العبد.
أما قوله -صلى الله عليه وسلم- للمريض: "لا بأس طهور إن شاء الله" رواه البخاري.
فهذا من باب الخبر لا من باب الدعاء؛ إذ أن الدعاء لا بد من الجزم فيه، وللدعاء -عباد الله- آداب يجب مراعاتها والأخذ بها ومنها:
أولاً: الجزم فيه واليقين على الله بالإِجابة: لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا دعا أحدكم فلا يقل: الله اغفر لي إن شئت، ارحمني إن شئت، ارزقني إن شئت، وليعزم مسألته، إنه يفعل ما يشاء لا مكره له" رواه البخاري ومسلم.
ثانيًا: حضور القلب وعدم الغفلة عند الدعاء، كما قال - عليه الصلاة والسلام-: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه" رواه الترمذي.
ثالثًا: الدعاء في كل الأحوال، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب، فليكثر الدعاء في الرخاء" رواه الترمذي.
ومن آداب الدعاء -أيضًا-: أن يخفض صوته بين المخافتة والجهر، وأن يسأل الله -عز وجل- بأسمائه الحسنى، ويثني عليه، ويصلي ويسلم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأن يتوخَّى أوقات الإِجابة، ولا يتكلف السجع في الدعاء، وأن يكون مستقبلاً القبلة، رافعًا يديه، متوضئًا قبله، مع إظهار الافتقار والضعف والشكوى إلى الله -عز وجل-.
والله -سبحانه- يجيب دعاء من دعاه ولكن قد يؤخر الإِجابة لحكمة بالغة: ليُكثر العبد من دعاء خالقه وخشوعه بين يديه؛ ليحصل له بهذا من خير العظيم وصلاح القلب ما هو أنفع له من حاجته، وقد يؤخرها لوقوع العبد في المعاصي، كعقوق الوالدين، وأكل الحرام.
فعلى العبد أن يبادر إلى التوبة؛ رجاء أن يقبل الله توبته ويجيب دعوته، وقد يؤخرها الله -سبحانه- لحكم أخرى هو أعلم بها، كما في الحديث عنه -صلى الله عليه وسلم-: "ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها" قالوا: إذًا نُكثر، قال: "الله أكثر" أي: أكثر إحسانًا مما تقولون رواه أحمد.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر: 60]
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، -سبحانه- له الحمد في الآخرة والأولى، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد غوى.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عالم السر والنجوى، وأشهد أنَّ محمدًا عبده المصطفى ورسوله المجتبى، صلى الله عليه وعلى آله الشرفاء وصحبه النجباء، والتابعين أولي النهى، ومن تبعهم بإحسان وسار على نهجهم واقتفى، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
عباد الله: فمن موانع الإجابة: الاستعجال في الدعاء؛ فإن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يُستجاب للعبد ما لم يَدْعُ بإثم أو قطعية رحم ما لم يستعجل" قيل: يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: "يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك ويَدَعُ الدعاء" رواه مسلم.
ومن موانع الإِجابة -أيضًا-: أكل الحرام من ربا ورشوة وسرقة وأكل مال اليتيم، وأكل الحقوق الغير،ـ والتعدي على أموال الناس، وأخذ حقوق الخدم والأجراء، وكذلك خيانة الأمانة، يقول -صلى الله عليه وسلم- في الرجل الذي يمد يديه إلى السماء ويقول: "يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِّي بالحرام؛ فأنى يستجاب لذلك" رواه مسلم.
ومن موانع الإجابة: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا من عنده ثم لتدْعُنَّه فلا يستجيب لكم" رواه أحمد.
سُئل إبراهيم بن أدهم: "ما بالنا ندعو فلا يُستجاب لنا؟ فقال: لأنكم عرفتم الله فلم تطيعوه، وعرفتم الرسول فلم تتبعوا سنته، وعرفتم القرآن فلم تعملوا به، وأكلتم نعم الله فلم تؤدوا شكرها، وعرفتم الجنة فلم تطلبوها، وعرفتم النار فلم تهربوا منها، وعرفتم الشيطان فلم تحاربوه ووافقتموه، وعرفتم الموت فلم تستعدوا له، ودفنتم الأموات فلم تعتبروا، وتركتم عيوبكم واشتغلتم بعيوب الناس".
هذا، وصلوا وسلموا.