السلام
كلمة (السلام) في اللغة مصدر من الفعل (سَلِمَ يَسْلَمُ) وهي...
العربية
المؤلف | يحيى جبران جباري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - أعلام الدعاة |
فلولا المعلمون ما كان العلماء ولا الأدباء، ولولا المعلمون ما كان المهندسون ولا الأطباء، ولولا المعلمون ما كان الموظفون ولا المدراء، ولولا المعلمون ما كان الرؤساء ولا الوزراء، ولولا المعلمون ما كان الأئمة ولا الخطباء، بفضلهم بعد الله قرأنا القرآن، وعرفنا الصلاة وواجباتها والأركان، وعبدنا الله وحده وهجرنا الطغيان. من أفواههم تعلمنا أن الأجر بالطاعة، وأن الإثم بالعصيان، كيف لا، وهم يحملون للعلم اللواء، وورثة الرسل والأنبياء..
الخطبة الأولى:
الحمد لله أول ما أنرل على الخلق اقرأ، أحمده سبحانه وأشكره، عدد ما أخبر به وأنبأ، وأستعينه وأستهديه وأستغفره، هو المعين على تجاوز الأسوأ، والهادي لمن طلب وتهيأ، والغافر لمن عصى وأخطأ.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة خالية من قول المعتزلة ومن أرجأ، وأشهد أن محمدًا عبدالله ورسوله، معلم الأمة الأول، قرشي الهوية والمنشأ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، إلى يوم لا نجاة منه ولا مخبأ.
ثم أما بعد: فأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المقصرة بتقوى الله -جل وعلا- وخشيته، قولاً وفعلاً، سرًّا وجهرًا، فبها حياتك تستقر وتهدأ، وآخرتك تطيب وتهنأ، فاتقوا الله عباد الله؛ فتقواه أعظم منجى وملجأ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أيها المسلمون، اعلموا رحمني الله وإياكم، وكفاني الشر وكفاكم، بأنه توجد في كل مكان وزمان، كثير من الملمات، وتنتشر كثير من الأوبئة والآفات، وكلها قد تتجاوزها الأمم، وتوجد لها بعد عون الله، ما يكافحها، وما يضعف انتشارها، وما يعالج ما أصاب منها، حتى يدحرها الله ويذهبها، إلا أن هناك آفة طغت على كل الآفات، ومُلِمَّة صغرت أمامها كل الملمات، ووباء كل الأوبئة أمامه ضئيلات، ألا وهو الجهل، داء الأمم، وناشر الظلم، وقاتل الهمم، والموقع في الكبائر واللمم.
نحمد الله أن جعلنا ممن منه سلم، وهذا الداء، ليس له إلا لقاح واحد ودواء، ألا وهو العلم، دواء الأمم، ومنير الظلم، ومحيي الهمم، والمانع من الوقوع فيما يضعف الدين والذمم، (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) [العلق: 1- 5]؛ فلئن كان الحلم بالتحلم، فالعلم بالتعلم، هذا العلم يحتاج لمن يبلِّغه ويدرسه ويعلمه للناس.
فالمعلم للمتعلمين، بمثابة المطهِّر من الأدناس، والنور من الإغلاس، والجدة من الإفلاس، فلولا المعلمون ما كان العلماء ولا الأدباء، ولولا المعلمون ما كان المهندسون ولا الأطباء، ولولا المعلمون ما كان الموظفون ولا المدراء، ولولا المعلمون ما كان الرؤساء ولا الوزراء، ولولا المعلمون ما كان الأئمة ولا الخطباء، بفضلهم بعد الله قرأنا القرآن، وعرفنا الصلاة وواجباتها والأركان، وعبدنا الله وحده وهجرنا الطغيان.
من أفواههم تعلمنا أن الأجر بالطاعة، وأن الإثم بالعصيان، كيف لا، وهم يحملون للعلم اللواء، وورثة الرسل والأنبياء، و"إن الأنبياء لم يورثوا درهمًا ولا دينارًا، وإنما ورَّثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر".
لِما يوجد عندهم نقصد البلدان ونسافر، ونترك الأهل والأوطان ونغادر، لننهل من معينهم الزاخر، وتحت مجهرهم نذاكر ونثابر، وبما حصدناه من أفواههم وعلى أيديهم، نفرح ونفاخر، من دونهم، ما كنا لنميز بين الألف والباء، ولا عرفنا التاء من الياء، ولبقينا في غياهب الجهل والشقاء، هم إذا اشتد الحر الظلال، وعندهم ما هو أعظم من التجارة والمال، وهم للظمآن الماء البارد الزلال.
مهما بلغت من قول جميل فيهم، فحقهم لن أوفيهم، ويكفيهم دخولهم في عموم قول الحبيب -عليه الصلاة والسلام- بما ربهم يجازيهم: "إنَّ الله وملائكته وأهل السموات والأرضين، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت في البحر، ليُصَلُّون على معلمي الناس الخير".
فيا من بما يستحقون وصفتهم، وبيَّن لهم النبي –صلى الله عليه وسلم- شيئًا من أجرهم؛ أبناؤنا وبناتنا أمانة بين أيديكم، يأتونكم في كل يوم ومن كل مكان عنوة، فكونوا في أعينهم أعظم قدوة، نشِّؤُوهم على السنة والكتاب، وبثُّوا فيهم محاسن الأخلاق والآداب، علموهم حقيقة التوحيد، ومسائل الفقه، والحساب، ضخُّوا في عقولهم تاريخ الأمة الإسلامية العظيم، وما كان عليه السلف والأصحاب، حذِّرُوهم من فِتَن العصر ومن تقليد أهل الكتاب.
امنعوا الطالبات من السفور والتكشف ورمي الحجاب، وافرضوا عليهن لباس العفاف والجلباب، شدِّدوا على الطلبة في حلق الشعر وترك قصات أهل الكفر وتطويل الثياب، ذكِّرُوهم بأنهم من خير أمة أخرجت للناس، وأنه لا شك في ذلك ولا ارتياب، تابعوهم حتى لا يكونوا صيدًا سهلاً لرفقاء السوء، والمضللين والداعين للإرهاب، لم أبالغ في هذا، فأكثر صيد أهل الفكر الضالّ من براعم النشء والشباب، فسدوا وأغلقوا عليهم كل باب، دعوهم يرون المحبة والرحمة فيكم، فيطبقونها مع أهليهم؛ فيثنون عليكم، فما تعلموه من خير منكم فأجره لهم ولكم، وما تعلموه منكم من خطأ فوزره عليكم.
لا تقولوا: قالت الوزارة، وأرسلت الوزارة، وعمَّمت الوزارة، فما يأتي من الوزارة في الورق، يستطيع التعامل معه وإقامته في صف المعلم والمعلمة، كل ربة ورب مدرسة، حاذق فطن لبق، أما العلم والتوجيه والقدوة، وحسن الأداء والتربية، وفرض الشخصية، والإخلاص لله فيما أوكل إليكم، فأنتم من يملكه وبين أيديكم.
فأحسنوا أحسن الله إليكم، واتقوا الله فيمن عليهم وليتم، أفاض الله من خيره وفضله علينا وعليكم، وما عندكم خير مما عندي فلن أثقل عليكم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [آل عمران: 164].
قلت ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حفظ الكون لئلا يحترق من نور وجهه –تعالى- بالحُجُب، أحمده –سبحانه- وأشكره ما نطق حرف وكتب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده من دعاه يجب، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله مَن له نحب، صل الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه ما شرب ماء وسكب.
وبعد يا مَن في فضل ربه رغب، اتق الله فمن اتقاه ارتاح يوم التعب، (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة: 281].
أيها المسلمون، لئن كنت أفردت المعلمين من الجنسين في الموعظة بالخطاب، فغيرهم أريد منه أن يعرف فضلهم، وما لهم من عظيم أجر وثواب، ويكون لهم عند الحاجة كالماء لا كالسراب؛ ولعلي في موعظة تخلف -إن شاء الله- أخُصّ أولياء الأمور والطلاب.
وعودًا للمعلمين لأختم ما بين الأذانين، يا جبال الأمة الشماء، يا مراجع الباحثين ومصادر العلماء، يا نثرًا خطه الأدباء، وشعرا ينظم الشعراء، أنتم قادة جيل المستقبل، وأمل الأمة العظماء، وأنتم من قدمنا لكم أغلى ما نملك؛ فلذات أكبادنا الأبناء، ففيكم ثقتنا عمياء، ومن بين أيديكم ننتظر جيلاً يقود أمتنا إلى العلياء.
فيا مشعل النور في الليلة الظلماء، لا يضيرنكم قول السفهاء، ومن يرشقونكم بقول السوء والبذاء، فما يذمكم إلا أغبياء، ولا يتجرأ عليكم إلا جهلاء، ألم يقل الله: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) [الزمر: 9]، فسفوهم التراب، واعلموا بأنه لا يجتمع على القذر إلا الذباب.
وفَّقكم الله وهدانا وإياكم الى الحق والصواب، وأعانكم على ما فيه صلاحكم وصلاح الطالبات والطلاب، وكتب لكم على إخلاصكم وجدكم وما تعلموه للناس من خير الأجر والثواب.
وصلوا وسلموا على خير مخلوق من تراب؛ فقد أمركم بذلك رب الأرباب في محكم الكتاب؛ فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].