البحث

عبارات مقترحة:

الشاكر

كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

الرحمن

هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...

الكبير

كلمة (كبير) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، وهي من الكِبَر الذي...

من خيار عباد الله

العربية

المؤلف عبد الله بن علي الطريف
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات - أهل السنة والجماعة
عناصر الخطبة
  1. الخيرية منزلة عظيمة .
  2. أوصاف الخيرية في السنة النبوية .
  3. أهمية حُسنِ الخلق .
  4. بعض صفات الخيرين. .

اقتباس

الخيرية منزلة عظيمة يتطلع إليه كثير من الناس، ولا تتحقق إلا لمن وفَّقه الله -تعالى-، وكان من ذوي الهمم العالية.. وأعظم ميدانٍ تتحقق فيه الخيرية لمريدها ميدان الأخلاقِ العالية وحسنِ التعامل، ولقد أرشد الهادي البشير إلى كمّ كبير من الأخلاقِ وأساليبِ التعامل وجعل أهلها خيرَ الناس أو خيار الناس، ولحبيبنا -صلى الله عليه وسلم- منها أوفر الحظ والنصيب. سنمر على ما استطعنا منها، وهي تحمل كمّاً كبيراً من الأخلاق وأساليب التعامل...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي رفع بحسن الخلق أقوماً ووضع بسوئه آخرين، وأشهد ألا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد المرسلين دعا إلى معالي الأخلاقِ وتَمثَّلَها؛ فاستحق ثناء الله -تعالى- عليه بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4]؛ صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.

أيها الإخوة: الخيرية منزلة عظيمة يتطلع إليه كثير من الناس، ولا تتحقق إلا لمن وفَّقه الله -تعالى-، وكان من ذوي الهمم العالية.. وأعظم ميدانٍ تتحقق فيه الخيرية لمريدها ميدان الأخلاقِ العالية وحسنِ التعامل، ولقد أرشد الهادي البشير إلى كمّ كبير من الأخلاقِ وأساليبِ التعامل وجعل أهلها خيرَ الناس أو خيار الناس، ولحبيبنا -صلى الله عليه وسلم- منها أوفر الحظ والنصيب.

سنمر على ما استطعنا منها، وهي تحمل كمّاً كبيراً من الأخلاق وأساليب التعامل فارعوني أسماعكم؛ يرحمكم الله.

فممن وصف بالخيرية من كان خَيّراً مع أقرب الناس إليه من الحلائل والبنين والبنات والأقارب؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "خِيَارُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ" (رواه الطبراني عن أبي كبشة -رضي الله عنه- وصححه الألباني).

وفي رواية قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي.." (رواه الترمذي وابن ماجة عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-).

قال البيهقي: "يعْنِي أَنَّ مَنْ أَحْسَنَ مُعَاشَرَةَ أَهْلِهِ فَهُوَ أَفْضَلُ النَّاسِ، فَمُرَادُه أَنَّ حُسْنَ الْعِشْرَةِ مَعَ الْأَهْل مِنْ جُمْلَة الْأَشْيَاء الْمَطْلُوبَة فِي الدِّين، فَالْمُتَّصِف بِهِ مِنْ جُمْلَة الْخِيَار مِنْ هَذِهِ الْجِهَة، وَيَحْتَمِل أَنَّ الْمُتَّصِفَ بِهِ يُوَفَّق لِسَائِرِ الصَّالِحَات حَتَّى يَصِير خَيْرًا عَلَى الْإِطْلَاق".

وقد كان من أخلاقه -صلى الله عليه وسلم- أنّه جميلُ العشرة دائمُ البشر، يداعبُ أهله، ويتلطّفُ بهم، ويوسِّعُ عليهم في النّفقة، ويضاحكُ نساءه، ويحسن معاملتهم جميعاً.. وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا" (رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ واللفظ له، وابن ماجه وابن حبان، وقال الألباني: حسن صحيح).

قال شيخنا محمد العثيمين -رحمه الله-: "ومعنى قوله: "وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ" المراد خيركم خيركم لأهله، كما جاء ذلك في السنن أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي.."؛ فينبغي للإنسان أن يكون مع أهله خيرَ صاحب وخيرَ محب وخيرَ مربٍّ؛ لأن الأهل أحقّ بحسن خلقك من غيرهم فابدأ بالأقرب فالأقرب".

وقال: "فخير الناس هو خيرهم لأهله؛ لأن الأقربين أولى بالمعروف؛ فإذا كان فيك خير فليكن أهلك هم أول المستفيدين من هذا الخير، وهذا عكس ما يفعله بعض الناس اليوم تجده سيئ الخلق مع أهله حَسَن الخُلُق مع غيرهم، وهذا خطأ عظيم. أهلك أحق بإحسان الخلق.. أحسنِ الخُلق معهم؛ لأنهم هم الذين معك ليلاً ونهاراً سراً وعلانية، إن أصابك شيء أصيبوا معك، وإن سررت سروا معك وإن حزنت حزنوا معك، فلتكن معاملتك معهم خيراً من معاملتك مع الأجانب؛ فخير الناس خيرهم لأهله".

أيها الأحبة: والخَيّرُ كذلك من يعم نفعه وخيره عباد الله؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "خَيْرُ النَاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَاسِ" (رواه البيهقي والطبراني عن جابر -رضي الله عنه- وقال الألباني: حديث حسن).

قال المناوي: "ويكون نفع الناس بالإحسان إليهم بماله وجاهه وعلمه؛ لأن الخلق كلهم عيال الله، وأحبهم إليه أنفعهم لعياله، بالإحسان إليهم بماله وجاهه؛ فإنهم عباد الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله أي: أشرفهم عنده أكثرهم نفعًا للناس، وذلك: بنعمة يُسديها، أو نقمة يَزْويهَا عنهم ديناً أو دنيا، ومنافعُ الدين أشرفُ قدراً وأبقى نفعاً، قال بعضهم: وهذا يفيد أن الإمام العادل خير الناس أي: بعد الأنبياء؛ لأن الأمور التي يَعُمُّ نفعُها ويعظُمُ وقعها لا يقوم بها غيره، وبه نفع العباد والبلاد وهو القائم بخلافة النبوة في إصلاح الخلق ودعائهم إلى الحق وإقامة دينهم وتقويم أوَدهم، ولولاه لم يكن علم ولا عمل".

أيها الإخوة: ويؤكد رَسُولُنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- منزلة حُسنِ الخلق، وهو صفة أنبياء الله -تعالى- وأوليائه، وأن المتصف بها قد أخذ حظاً وافراً من الخيرية فيقول -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا، الموطئون أكنافاً، وإنَّ شراركم الثَّرثارونَ المتفيهقونَ المتشدِّقُونَ" (رواه البيهقي في شعب الإيمان، وصححه الألباني).

قال الحسن البصري -رحمه الله-: "حقيقة حُسْن الخلق بذل المعروف وكفّ الأذى وطلاقة الوجه".. وقال القاضي: "هو مخالقة الناسِ باليُمْنِ والبشرِ والتوددِ لهم والإشفاقِ عليهم واحتمالِهم والحلمِ عنهم والصبرِ عليهم في المكارهِ وتركِ الكبرِ والاستطالةِ عليهم ومجانبةِ الغلظةِ والغضبِ والمؤاخذةِ".

أيها الإخوة: ويبيِّن رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- أنواعاً من الأخلاق والتعاملات، ويصف المتصف بها بالخيرية، منها: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- سِنٌّ مِنْ الْإِبِلِ فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ: أَعْطُوهُ فَطَلَبُوا سِنَّهُ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ إِلَّا سِنًّا فَوْقَهَا. فَقَالَ: أَعْطُوهُ فَقَالَ: أَوْفَيْتَنِي أَوْفَى اللَّهُ بِكَ. قَالَ: النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- "إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً".

وفي رواية: "أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَتَقَاضَاهُ، فَأَغْلَظَ فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "دَعُوهُ، فَإِنَّ لِصَاحِبِ الحَقِّ مَقَالاً"، ثُمَّ قَالَ: "أَعْطُوهُ سِنًّا مِثْلَ سِنِّهِ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِلَّا أَمْثَلَ مِنْ سِنِّهِ، فَقَالَ: "أَعْطُوهُ، فَإِنَّ مِنْ خَيْرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ قَضَاءً" (رواه البخاري ومسلم).

قال شيخنا محمد العثيمين -رحمه الله-: "إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً" في صفة القضاء، وفي معاملة المستقضي الذي يطلب حقه؛ فينبغي للإنسان أن يقتدي برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حسن القضاء، وفي معاملة المستقضي الذي يطلب حقه، أيْ لا يعامله بالجفاء والسب والشتم بل باللين؛ لأن له حقاً ومقالة، ولا في المقضي –المردود- يعني يقضي أحسن مما عليه سواء كان أحسن مما عليه كيفية، أو أكثر مما يطلب.

فمثلاً إذا استقرضت من شخص مائة ريال، وعند الوفاء أعطيته مائة وعشرة بدون شرط فإن هذا لا بأس به، وهو من خير القضاء، وكذلك لو استقرضت منه صاعًا من الطعام وسطًا ليس بالطيب ولا بالرديء، فأعطيته صاعًا طيبًا، فهذا أيضًا من حُسن القضاء وخير الناس أحسنهم قضاء.

أسأل الله -تعالى- أن يجعلنا من الخيرين من عباده؛ إنه جواد كريم.

الخطبة الثانية:

أما بعد: ومن خيار الأمة كذلك من وصفهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بهذه الصفات فقال: "خير المسلمين من سلم المسلمون من لسانه ويده" (رواه مسلم).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "منْ خَيْرِ النَّاسِ ذُو القَلْبِ المَخْمُومِ -خَمَمْتُ البَيْتَ إِذا كَنَسْتُهُ-، واللسان الصادق. قيل: وما القَلْبُ المَخْمُومُ؟ قال: هو التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا حسد. قيل: فمن على أثره؟ قال: الذي يشنأ الدنيا، ويحبُ الآخرة. قيل: فمن على أثره؟ قال: "مؤمن في خُلق حسن" (رواه الطبراني وأبو نعيم، وصححه الألباني).

وجعل -صلى الله عليه وسلم- المحسنين للأصحاب والجيران من خير الناس؛ فقَالَ: "خَيْرُ الْأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ" (رواه ابن حبان والترمذي وأحمد عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وصححه الألباني).

وجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طول العمر مع حُسن الخُلق أحد صفات الخيرين؛ فقال: "خياركم أطولكم أعماراً، وأحسنكم أخلاقاً" (صحيح رواه الإمام أحمد والبزار).

وفي رواية "ألا أنبئكم بخياركم؟ خياركم أطولكم أعماراً إذا سُدِّدوا" (حديث حسن رواه أبو يعلى).

وفي رواية قال: "خير الناس من طال عمره وحسُن عملهُ، وشر الناس من طال عمره وساء عملهُ" (صحيح الترمذي وأحمد والحاكم).

وذهب رسول الله إلى أبعد من ذلك في الحرص على حسن التعامل بين المسلمين وأمن بعضهم بعضاً ليكون المجتمع مجتمع حب وألفة، فجعل من رُجِيَ خيره وأمن شره من خير الناس، فما بالك بمن بذل الخير للناس، وكفّ الشر عنهم حقيقةً، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "وَقَفَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى أُنَاسٍ جُلُوسٍ, فَقَالَ: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِكُمْ مِنْ شَرِّكُمْ؟" فَسَكَتُوا، "فَقَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ"، فَقَالَ رَجُلٌ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ, أَخْبِرْنَا بِخَيْرِنَا مِنْ شَرِّنَا، قَالَ: "خَيْرُكُمْ مَنْ يُرْجَى خَيْرُهُ, وَيُؤْمَنُ شَرُّهُ، وَشَرُّكُمْ مَنْ لَا يُرْجَى خَيْرُهُ، وَلَا يُؤْمَنُ شَرُّهُ" (رواه الترمذي وصححه الألباني).

أسأل الله أن يكتبنا من الخيرين، ويعننا على التخلق بأخلاقهم؛ إنه جواد كريم.