البحث

عبارات مقترحة:

السيد

كلمة (السيد) في اللغة صيغة مبالغة من السيادة أو السُّؤْدَد،...

الجبار

الجَبْرُ في اللغة عكسُ الكسرِ، وهو التسويةُ، والإجبار القهر،...

قصة نبي الله موسى –عليه السلام-

العربية

المؤلف خالد القرعاوي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات القرآن الكريم وعلومه - التاريخ وتقويم البلدان
عناصر الخطبة
  1. قراءة القرآن وتدبره في زمن الابتلاءات والفتن .
  2. قصة موسى -عليه السلام- وما فيها من الأحداث والمواقف والعظات والعبر .
  3. فضل صيام عاشوراء والحذر من الخرافات والبدع .

اقتباس

فِي القصة أحداثٌ عَظِيمةٌ وَمَواقِفُ تَحوِي العِبَرَ لِكُلِّ مَنْ تَأمَّل وَنَظَر، فَقَد بيَّن اللهُ طُغيانَ فِرعونَ وُجُنُودِهِ عَلى بَنِي إسْرَائِيلَ، وَأنَّهُ كَانَ يَستعبِدُهُمُ وَيَتَتَبَّعُ أَطْفَالَهُم لِيَذبَحَهُم ذَبْحَ الشِّيَاهِ. فِي تِلكَ الظُّرُوفِ القَاسِيَةِ وُلدَ مُوسى -عليهِ السَّلامُ-، وَهَا هِيَ أُمُّهُ حَائِرَةٌ خَائِفَةٌ عَليهِ، عَاجِزَةٌ عَن حِمَايَتِهِ، حِينَهَا...

الخطبة الأولى:

الحمدُ للهِ قَصَّ علينا مِن نَبأِ المُرسَلِينَ مَا فيه عِبرةٌ لأولي الألبابِ، نَشهدُ أن لا إلهَ إلَّا الله وحدَه لا شَريك لَه العَزِيزُ الوَهَّابُ، ونَشهد أَنَّ نبيَّنا محمَّدًا عبد الله ورسولُهُ، بَعثهُ اللهُ بِخيرِ دِينٍ وَأَشْرَفِ كِتَابٍ، اللَّهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عليهِ وعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحسَانٍ إلى يَومِ الحِسَابِ.

أَمَّا بَعدُ:

فأوَّلُ ما يوصَى به تقوَى اللهِ في السرِّ والنَّجْوَى، فَالتَّقوَى خَيرُ لِباسٍ: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) [يونس: 62 - 63].

أيُّهَا المسلِمون: في زَمنِ الابتِلاءاتِ وَالفِتَنِ, وَحينَ يتَسرَّبُ اليأسُ إلى بَعضِ النُّفوسِ تَحلُو قِراءَةُ القُرآنِ الكَرِيمِ, وَتَدَبُّرُ قَصَصِ الأَوَّلينَ وعِبَرِ السَّالِفِينَ، فَلمَّا استُضعِفَ المسلمونَ بِمكَّةَ وَأُوذُوا, وَتَكبَّرَ المُشرِكونَ, أنزَلَ اللهُ -تَعَالى- عَلى المُسْلِمينَ, تُقَرِّرُ أَنَّ هُنَاكَ قُوَّةً وَاحِدَةً فِي الوُجُودِ، هِيَ قُوَّةُ اللهِ -تَعالى- الذي لَهُ الخَلقُ وَالأَمْرُ، وَأَنَّ هناكَ قِيمَةً وَاحِدَةً هِي قِيمةُ الإيمانِ! فمَن كانَ اللهُ معَهُ فَلا خَوفَ يَعْتَرِيهِ ولَو كانَ مُجَرَّدًا! إنَّهَا سُورَةُ القَصَصِ.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: (الْمُفْسِدِينَ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْطَسِم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ) [القصص: 1 - 6].

نَعَمْ قِصَّةُ مُوسى -عليهِ السَّلامُ- مَعَ فِرْعَونَ الَّلعِينَ الذي طَغَى وَبَغَى!

يا مُسلِمونَ: قَصَصُ القرآنِ أَبْلَغُ وَسِيلَةٍ لِتَرْبِيةِ النَّاسِ.

وَفِي سُورَةِ القَصَصِ تَرَى أنَّ العُلُوَّ فِي الأَرْضِ بِالفَسَادِ, مِفْتَاحُ الحُتُوفِ وَسبَبُ الهَلاكِ: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ) [القصص: 4]، وَفِي آخَرِ السُّورَةِ: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [القصص: 83].

وَفِي مِثْلِ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ هذا انتَهَتْ قِصَّةُ مُعَانَاةِ نَبِيِّ مُوسَى وَمَنْ آمَنَ مَعَهُ! فِي السُّورةِ أحداثٌ عَظِيمةٌ وَمَواقِفُ تَحوِي العِبَرَ لِكُلِّ مَنْ تَأمَّل وَنَظَر، فَقَد بيَّن اللهُ طُغيانَ فِرعونَ وُجُنُودِهِ عَلى بَنِي إسْرَائِيلَ، وَأنَّهُ كَانَ يَستعبِدُهُمُ وَيَتَتَبَّعُ أَطْفَالَهُم لِيَذبَحَهُم ذَبْحَ الشِّيَاهِ.

فِي تِلكَ الظُّرُوفِ القَاسِيَةِ وُلدَ مُوسى -عليهِ السَّلامُ-، وَهَا هِيَ أُمُّهُ حَائِرَةٌ خَائِفَةٌ عَليهِ، عَاجِزَةٌ عَن حِمَايَتِهِ، حِينَهَا ألقَى اللهُ في رَوْعِهَا الإيمَانَ وَالأَمَانَ: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) [القصص: 7].

يَا الله! أَلْقِيهِ مِنْ بَينِ ذِراعَيكِ وَمِنْ دِفْءِ يَدَيكِ أَلْقِيهِ فِي يَمٍّ مُتَلاطِمٍ، وَبَحْرٍ هَائِجٍ, فَإنَّهُ فِي حِمَايَةِ اللهِ، يَكْلؤُهُ ويَرْعَاهُ! رِعَايَةً إِلَهِيَّةً تَجْعَلُ النَّارَ بَرْدًا وَسَلامًا, وَالبَحْرَ مَلْجَأً وَمَنَامًا! (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ) [القصص: 8].

يَا الله: وَهَلْ يُخشَى عَليهِ إلَّا مِن آلِ فِرْعَونَ؟! وَلَكنَّ إرَادَةَ اللهِ تَتَحدَّى فِرْعَونَ بِطريقَةٍ مَكْشُوفَةٍ، إنَّهُم يَتَتَبَّعُونَ المَوَالِيدَ, وَيُرْسِلُونَ الجَوَاسِيسَ, لِقَتْلِ كُلِّ الأَطْفَالِ خَشْيَةَ أنْ يَكُونَ مُوسَى أَحَدَهُمْ! فَإذا بِالطّْفِلِ الرَّضِيعِ يَقْتَحِمُ حِصْنَ الطَّاغِيَةَ، وَيَسْتَقِرُّ فِي قَلْبِ قَصْرِهِ، لِيَكُونَ لَهُم عَدُوًّا وَحَزَنَاً، بَلْ وَعَطَّفَ اللهُ عَلَيهِ قَلْبَ امْرَأَةِ فِرْعَونَ، فَأَحَبَّتْهُ وَآوَتْهُ، وَهَكَذا حَمَاهُ اللهُ بِأَلْطَفِ سَبَبٍ، أمَّا حَالَةُ الأُمِّ فَقَدْ ربَطَ اللهُ عَلى قَلْبِهَا وَثَبَّتَهَا لِتَكونَ مِن المُؤمِنِينَ بِوَعْدِ اللهِ, الصَّابِرينَ عَلى بَلائِهِ.

وَمَنعَ اللهُ مُوسَى مِنْ قَبُولِ كُلِّ المُرْضِعَاتِ لِتَدُلَّهُم أُخْتُهُ عَلى أُمِّهِ، فَيَلْتَقِمُ ثَدْيَهَا, وَيَتَحَقَّقُ وَعْدُ اللهِ، يَعُودُ الطِّفْلُ بِحِمَايَةِ فِرعَونَ، وَرِعَايَةِ امْرَأَتِهِ، وَسَعَادَةِ أُمِّهِ بِهِ، وَتَأْخُذُ عَلَى رَضَاعِهِ الهَدَايَا وَالعَطَايَا.

اللهُ أكْبَرُ! إنَّ للهِ تَدْبِيرًا وَتقديرًا، فَأينَ المُؤمِنونَ؟ أَينَ المُصَابِرُونَ؟ أينَ المُبْتَلَونَ؟! بَل أَينَ المُوقِنُونَ؟!

وَإذَا العِنَايَةُ لاحَظَتْكَ عُيُونُهَا

نَمْ فَالحَوَادِثُ كُلُّهنَّ أَمَانُ

أيُّه المُسلِمُونَ: وَلَمَّا بَلَغَ مُوسى أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَاهُ اللهُ حُكمًا وعِلمَا، وَاصْطَفَاهُ وَأَخْلَصَهُ، وَجَعَلَ فِي قَلْبِهِ نُورًا، وَهَيَّأهُ لِلرِّسَالَةِ, وَقَد رَأَى طُغْيَانَ فِرْعَونَ ومَلَئِهِ، وَكَيف سَامُوا قَومَهُ سُوءَ العَذَابِ, فَجَعَلَ اللهُ لِمُوسَى سَبَبًا لِلخُرُوجِ مِن مِصْرَ فَقَدْ دَخَلَ يَومَاً المَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِن أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيها رَجُلَينِ يَقْتَتِلانِ، أَحَدُهُمَا مِن بَنِي إسْرَائِيلَ مِن بَنِي قَومِهِ, والآخرُ قِبطْيٌّ تَابِعٌ لِفَرْعَونَ، فَاسْتَغَاثَهُ الإسْرَائِيليُّ، فَوَكَزَ مُوسَى القِبْطِيَّ فَمَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ مِنْ قُوَّةِ يَدِ مُوسَى -عليهِ السَّلامُ-، فَهُوَ لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَهُ؛ إنَّمَا يُرِيدُ دَفْعَهُ وَكَفَّ أذَاهُ لِذَا قَالَ: (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي) [القصص: 16]، وهذه صفةُ المؤمِن؛ سَرِيعُ التَّوبةِ قَرِيبُ الأَوْبَةِ.

وَفي يَومٍ آخرَ رَأَى نَفْسَ الإسْرَائِيليَّ يَشْتَبِكُ مَعَ قْبْطِيٍّ آخَرَ، فَقَالَ لَهُ: (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ) [القصص: 18] كَثِيرُ المُشَاجَرَاتِ التي لا تُثمِر سِوى جَلبِ البلاءِ، فَلا قِيمَةَ لاشْتِبَاكاتٍ تَضُرُّ وَلا تُفِيدُ: (فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) [القصص: 19].

وحين شَاعَ خَبرُ الحادثةِ وأحسَّ الملأُ من قومِ فرعونَ ببوادِر التمرُّدِ على الظُّلم تَآمَرُوا على قتلِ مُوسى -عليهِ السَّلامُ-؛ لَكنَّ اللهَ -تَعَالى- نَجَّاهُ، وَيمْضِي عليه السَّلامُ وَيَتَزَوَّجُ وَيَعْمَلُ فِي كَنَفِ شَيخٍ صَالِحٍ فِي سِيرةٍ وَمَسيرَةٍ مَلِيئَةٍ بالدُّرُوسِ وَالعِبَرِ.

بَارك الله لي ولكم في القرآنِ والسّنَّة، ونفعنا بما فيهما من الآياتِ والحِكمَة.

أقولُ قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله ذي القوَّةِ القادرَة والحِكمةِ الباهِرَة، لا ينفُذ إلا أمرُه، ولا يمضِي إلا قدَرُه: (فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [يــس: 83].

نَشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، ونَشهَدُ أنَّ محمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ المصْطفى المُخْتَارُ، صلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عليهِ وعلَى آلِه وَصَحْبِهِ الأبْرَارُ، والتَّابِعينَ لَهُمْ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإحسَانٍ إلى يَومِ القَرَارِ.

أمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ -يَا مُؤمِنُونَ- تَسْعَدُوا, وَتَأمَّلوا قَصَصَ القُرْآنِ تَهْتَدُوا وَتَفُوزوا.

أيُّها المُسلِمُونَ: لَقَدْ شَرَّفَ اللهُ -تَعَالى- مُوسى -عَليهِ السَّلامُ- بِالرِّسَالَةِ, وَأَكْرَمَهُ بِالنُّبُوَّةِ فَبَعثَهُ إلى فِرْعَونَ وَقَومِهِ يَدْعُوهُم إلى اللهِ وَحْدَهُ، فَقَابَلُوه بِالتَّكْذِيبِ، وَاتَّهَمُوهُ بِالسِّحْرِ وَقَصدِ الإفْسَادِ، وَمَعَ ظُهُورِ آيَاتِ صِدْقِهِ إلَّا أنَّ المُتَكَبِّرِينَ مَحْرُومُونَ، وَهذهِ سُنَّةُ اللهِ في كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ، فَإنَّكَ تَرَى المُتَكَبِّرينَ هُم أَبْعَدُ النَّاس عن الهِدَايَةِ وَالإيمانِ؛ كمَا قَالَ تَعَالَى: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) [الأعراف: 146].

لَقَدْ خَرَجَ مُوسَى بِقَومِهِ مُهَاجِرِينَ بِدِينِهِم تَارِكِينَ دِيَارَهُم يَبحَثُونَ عَن مَكانٍ آمِنٍ يَعبُدُونَ اللهَ فِيهِ، وَلَكِنَّ فِرْعَونَ كَكُلِّ الطُّغَاةِ لَمْ يَتْرَكَ هَذا الشَّعْبَ المَقْهُورَ أنْ يَحْيَا كَمَا يُريدُ، مَعَ أَنَّهُم فَارَقُوهُ وَتَرَكُوهُ وَشَأْنَهُ.

حَقَّاً إنَّهُ التَّسلُّطُ وَالطُّغْيانُ وَالعُلوُّ وَالفَسَادُ, فَلمَّا أَوقَفَهُمُ البَحْرُ وَرَأَوا فِرْعَونَ وَرَاءَهُم: (قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) [الشعراء: 61].

في تِلْكَ اللَّحَظَاتِ الحَرِجَةِ لَمْ يَتَزَعْزَعِ إيمَانُ مُوسى بِرَبِّهِ، بَل صَاحَ صَيحَةَ مُؤمِنٍ مُوقِنٍ بِرَبِّهِ: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء: 62].

اللهُ أكبَرُ! إنَّهُ حِينَ كَمُلَ الإيمَانُ تَنَزَّلَ نَصْرُ الرَّحمَنِ، فَأَمَر اللهُ البَحرَ فَانفَلَقَ طُرُقًا يَابِسَةً، فَعَبَروا بِحِفظِ اللهِ وَمعَيَتِهِ، فَأَتْبَعَهُم فِرعونُ بِجُنُودِهِ، فَأَمَرَ اللهُ بَحرَهُ فَانطَبقَ عليهم وَأَغْرقَهُمْ أجْمَعِينَ, فِي نِهَايَةٍ مُهِينَةٍ لِلطَّاغِينَ، كَانَ ذَلِكَ فِي اليومِ العَاشِرِ مِنْ شَهْرِ اللهِ المُحرَّمِ، فَصَامَهُ مُوسى شُكْرًا للهِ -تَعَالَى-، وَصَامَهُ نَبِيُّنا محمَّدٌ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- حين وَجَدَ اليهودَ تَصُومُهُ وقالَ: "نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسى مِنْكُم"، وأَمَرَ بِصِيامِهِ وقالَ: "لئن عشتُ إلى قَاِبٍلٍ إنْ شَاءَ اللهُ لأَصُومَنَّ التَّاسعَ"، ولمَّا سُئِلَ عن فَضلِهِ قالَ: "صَومُ يومِ عاشورَاءَ إنِّي أحتَسِبُ على اللهِ أنْ يكفِّرَ السَّنةَ المَاضِيَةَ" قال ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: "مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلاَّ هَذَا الْيَوْمَ: يَوْمَ عَاشُورَاءَ".

فاجتهد –أَخي- في صيامِ التَّاسعِ مع العاشرِ, وَفِي مُسْنَدِ الإمِامِ أَحمَدَ أنَّ النَّبِيَّ قَالَ: "صُومُوا يَومًا قَبْلَهُ وَيَومًا بَعدَهُ".

سُبْحَانَ مَنْ فَرَّقَ بَينَ أَتْبَاعِ الرُّسُلِ الذينَ يَجْعَلُونَ هَذَا اليومَ يَومَ شُكْرٍ وِعِبَادَةٍ وَفَرَحٍ، وَبينَ رَافِضَةٍ أنْجَاسٍ يَجْعَلُونَهُ يَومَ حُزْنٍ وَبَلاءٍ, وَلَطْمٍ وَمَأْتَمٍ طَويلٍ!

يا أهلَ السُّنةِ والجماعةِ: يومُ عاشوراءَ يومٌ عظيمٌ نَفْرَحُ فِيه لانْتِصَارِ الحَقِّ على الباطِلِ, وَدِينُ اللهِ بَرَآءٌ مِن عَقِيدَةِ الرَّوافِضِ وَشِركِيَّاتِهم وخُرَافَاتِهم وَحُسينِيَّاتِهم!

لَقد تَنَكَّبُوا عَن الصِّراطِ وَعَاثُوا فِي الدِّينِ الفَسَادَ وَالإفْسَادَ, حَرَّفوا شَرِيعَةَ اللهِ, وَكَذَّبوا عَلَى أَتْبَاعِهم, وقلَّبوا الحقائقَ!

ومع كلِّ فالزَمُوا -يَا مُؤمِنُونَ- كِتَابَ ربِّكمُ، وَصِراطَهُ المُستَقيمَ.

فاللهمَّ وَأَبرِمْ لِهَذِهِ الأُمَّةِ أَمرًا رَشَيدًا، يُعَزُّ فِيهِ أَهلُ طَاعَتِكَ، وَيُذَلُّ فِيهِ أَهلُ معصيتكَ، وَيُؤمَرُ فِيهِ بِالمَعرُوفِ وَيُنهَى عَنِ المُنكَرِ يَا سَمِيعَ الدُّعَاءِ.

اللهمَّ لا تؤاخذنا بما كَسبنا ولا بما فعل السُّفهاءُ منَّا.

رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ.

اللهم انصر دِينكَ وكِتابكَ وسُنَّةَ نبيِّكَ وعبادكَ المؤمنينَ.

اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين وأذلَّ الشِّركَ والمُشرِكينَ, وأصلح ووفق أئمَّتنا وولاتنا والمسلمينَ.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ.

(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

فاللهم صلِّ وسلِّم وبارك على محمدٍ وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسانٍ وإيمانٍ وسلِّم تسليماً مزيداً.

(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].