الحفي
كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...
العربية
المؤلف | عبد العزيز بن عبد الله السويدان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصلاة - الطهارة |
إن المتأمل في أحوال بعض المصلين يجد جملة من الأخطاء، سواء كانت في الوضوء أو في الصلاة، والحديث حول الأخطاء يطول، ولكن لا بأس باستحضار بعض تلك الأخطاء والتحذير منها؛ فالصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، والواجب على المسلم أن يعتني بصحة صلاته، وتكميلها، وخلوها من النقائص.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
وبعد.. فإن المتأمل في أحوال بعض المصلين يجد جملة من الأخطاء، سواء كانت في الوضوء أو في الصلاة، والحديث حول الأخطاء يطول، ولكن لا بأس باستحضار بعض تلك الأخطاء والتحذير منها؛ فالصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، والواجب على المسلم أن يعتني بصحة صلاته، وتكميلها، وخلوها من النقائص.
أيها الإخوة: الوضوء صح أنه -صلى الله عليه وسلم- عظَّم الوضوء فقال: "الطهور شطر الإيمان" أي: أن الوضوء نصف الصلاة، وجاء من حديث عثمان قوله -صلى الله عليه وآله وسلم-: "من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره" (رواه مسلم).
ونلحظ في قوله "فأحسن الوضوء" أي اعتنى بالوضوء، وجاء بسننه ولم يُخِلًّ بشيء من أركانه، فالوضوء عبادة جليلة وعواقبها عظيمة، ينبغي مراجعة الأخطاء وكذلك ما يظن فيها أنه واجب وليس بواجب، ومن ذلك ظن البعض أنه إذا نسي التسمية في الوضوء فعليه أن يعيده، والرأي الراجح في هذه المسألة أن من نسي التسمية حتى انتهى من الوضوء فوضوئه صحيح؛ فإن تذكر التسمية أثناء الوضوء سمى وليس عليه أن يعيد الوضوء على أن في التسمية اتباعًا للسنة وأجرًا عظيمًا فينبغي ألا يُفَوِّت أحدٌ هذه السنة وألا يفوت أحد على نفسه ثواب الإتيان بها.
من أخطاء الوضوء: غسل العضو أكثر من ثلاث مرات، وعلى من ينتابه الوسواس أن يغلب الوسواس بأن يمضي قدمًا ولا يلتفت إليه أبدًا، وقد جاء في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ ثلاث ثم قال "هكذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد أساء وظلم"،
وقال الإمام ابن المبارك -رحمه الله-: " لا أأمن على من زاد عن الثلاث أن يأثم".
الحاصل أن غسل العضو ثلاث هو السنة، وهو ما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- به، فإن زاد الغسلة الرابعة زاد على السنة، وهي زيادة مردودة قال الإمام النووي -رحمه الله-: "فإذا زاد عن الثلاث فقد ارتكب المكروه، ولا يبطل وضوءه".
ومن الأخطاء الغفلة عن غسل الأعقاب، قال -صلى الله عليه وسلم-: "ويل للأعقاب من النار" مرتين أو ثلاثة، (أخرجه البخاري ومسلم).
قال الإمام النووي: "توعدها بالنار أي: الأعقاب؛ لعدم طهارتها".
فلنحذر جميعًا من أخطاء الوضوء ولنتناصح فيما بيننا ولنحسن الوضوء، نسأل الله –عز وجل- للجميع السداد والقبول.
معاشر الإخوة: الصلاةَ الصلاة من حديث أم سلمة -رضي الله عنها- كما في سنن البيهقي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول في مرضه: "الصلاة الصلاةَ وما ملكت أيمانكم"، قالت: فجعل يتكلم به وما يفيض، أي: لا يكاد يبين كلامه من شدة المرض.
فالصلاة أمرها عظيم، هناك أخطاء تقع قبل الصلاة وأثناء الصلاة وبعدها، من ذلك تشبيك الأصابع، سواء كنت في طريقك إلى المسجد للصلاة أو كنت في انتظار الصلاة في المسجد؛ فمن حديث أبي هريرة كما في إرواء الغليل في تصحيح الألباني -رحمه لله- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن ذلك فقال: "إذا توضأ أحدكم في بيته ثم أتى المسجد كان في صلاة حتى يرجع فلا يفعلها حتى هكذا"، وشبَّك بين أصابعه.
ومن الأخطاء الرَّكض إلى المسجد للحاق بالركعة لاسيما إذا كان الإمام راكعًا، فينطلق جريًا ليلحق الركعة عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا" (رواه البخاري ومسلم).
ومن الأخطاء المزمنة عدم تسوية الصفوف، وإهمال هذا الأمر النبوي الشريف والتساهل في سدّ الفُرَج وإكمال الصفوف؛ فعن النعمان بن بشير -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم" (رواه البخاري).
ومن حديث ابن عمر قال -صلى الله عليه وسلم-: "من وصل صفًّا وصله الله، ومن قطع صفًّا قطعه الله" (رواه النسائي).
ومن الأخطاء الجلوس في الصلاة مع القدرة على القيام؛ القيام ركن من أركان الصلاة، من تركه وهو قادر على القيام بطلت صلاته، فهناك من يصلي الصلاة من أولها لآخرها وهو جالس إما لمرض أو لغيره، وصلاة المريض أو المصاب فيها تفصيل؛ فمن استطاع القيام حتى لو كان عاجزًا عن الركوع أو السجود لا يسقط عنه القيام، بل يجب عليه القيام؛ فإن استطاع الركوع ركع، وإلا أومأ، فلا يجوز لأحد أن يصلي قاعدًا وهو يستطيع الوقوف.
ومن المخالفات الفاحشة مسابقة الإمام، وأقول: إنها مخالفة فاحشة؛ لأنه ورد النهي الشديد عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لمن يسبق إمامه؛ كأن يرفع رأسه قبله أو يركع أو يسجد قبله، روى الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: "أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار أو يجعل صورته صورة حمار".
أما التأخر عن الإمام فقد ذكر الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أن متابعة الإمام هي السنة، ومعناها أن يشرع الإنسان في أفعال الصلاة فور شروع إمامه، لكن بدون موافقة أي: أن يتحرك بعد أن يصل الإمام إلى نهاية الركن لا قبل ذلك.
وفي الصحيح يقول البراء بن عازب -رضي الله عنه-: كنا خلف النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكان إذا انحطَّ من قيامه للسجود، لا يحني أحدٌ منا ظهره حتى يضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جبهته على الأرض".
يقول الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "إذا ركع الإمام تركع حتى لو لم تكمل القراءة المستحبة، بل قال الشيخ حتى لو بقي عليك آية واحدة؛ لكونها توجب التخلف فلا تكملها بل اركع معه".
وفي السجود كذلك إذا رفع من السجود تَابِعْ الإمام؛ فكونك تتابعه أفضل من كونك تبقى ساجدًا تدعو الله؛ فالدعاء مستحب، أما متابعتك للإمام فواجب، وكونك مأمومًا فقد ارتبطت صلاتك بالإمام، وأنت الآن مأمور بمتابعة إمامك وإنما جعل الإمام ليؤتم به.
بعضهم يدخل المسجد والإمام ساجد أو ما بين السجدتين ونحوها فيبقى واقفًا ينتظر الإمام حتى يقوم للركعة التالية، والسنة الدخول مع الإمام في أيِّ هيئة يكون فيها الإمام ولربما فوت في ذلك السجود دعوة تصل إلى الله -عز وجل- فيقبلها.
قد جاء في سنن أبي داود من حديث أبي هريرة قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئًا".
وامتدادا لهذا الحديث بعضهم إذا دخل المسجد والجماعة قائمة والإمام في آخر صلاته ظل واقفًا ينتظر تسليم الإمام؛ فهذا لا أصل له ولا دليل عليه يستثني العموم الواردة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك الحديث: "إذا جئتكم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا".
ولذلك نص بناء على حديث أبي هريرة السابق على أن مَن دخل المسجد والإمام يصلي حتى لو كان في التشهد الأخير فإنه ينبغي عليه أن يدخل مع الجماعة، بل منهم من يقول يجب عليه أن يدخل مع الإمام ولا يتخلف اتباعًا لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم-.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم فاستغفروه ..
الخطبة الثانية:
وبعد فمن الأخطاء إظهار الصوت بالحديث أو بالأدعية أو حتى القرآن، سواء ذلك قبل الصلاة وأنت تنتظر الإقامة أو في الصلاة أو بعدها؛ فذلك مما يؤذي بقية المصلين، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ألا إن كلكم مناجٍ ربه، فلا يؤذينّ بعضكم بعضاً ولا يرفع بعضكم صوته على بعض في القراءة" (رواه أحمد وأبو داود وهو حديث صحيح).
ومن الملاحظات أن بعض المصلين يأتي مبكرًا إلا أنه لا يوفّق للقرب من الإمام، فيجلس في مؤخرة المسجد قبل امتلاء الصفوف الأمامية، مع أن السنة هو القرب ما أمكن.
في صحيح الترغيب من حديث أوس بن أبي أوس قال -صلى الله عليه وسلم-: "من غسَّل يوم الجمعة واغتسل وبكَّر وابتكر، ودنا من الإمام، فأنصت كان له بكل خطوة يخطوها صيام سنة وقيامها".
وصح أنه -صلى الله عليه وسلم- رأى في أصحابه تأخُّرًا فقال لهم: "تقدموا فائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله –عز وجل-" (أخرجه مسلم).
هذه بعض الأخطاء التي ينبغي مراجعتها، وأسأل الله –تعالى- أن يوفِّق الجميع لسداد القول والعمل.
اللهم أصلح أعمالنا وأقوالنا، وتقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.