الخبير
كلمةُ (الخبير) في اللغةِ صفة مشبَّهة، مشتقة من الفعل (خبَرَ)،...
العربية
المؤلف | عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المنجيات |
والاستقامةُ حقيقتها لزوم دين الله -تبارك وتعالى-، وسلوك صراطه المستقيم، وعدم الانحراف عنه ذات اليمين أو ذات الشمال، وهي تتعلق بالأعمال والأقوال والأحوال والنيات، بأن تكون لله وبالله وعلى أمر الله، لله -تبارك وتعالى- خالصة مخلصة، وبالله -تبارك وتعالى- مستعينة، وعلى أمر الله -جل وعلا- متبعًا وملتزمًا...
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
معاشر المؤمنين عباد الله: اتقوا الله تعالى؛ فإن تقوى الله -جلّ وعلا- أساس السعادة، وسبيل الفلاح والفوز في الدنيا والآخرة.
عباد الله: اعلموا -رعاكم الله- أن أعظمَ خصال أهل الإيمان وخلال أهل الإسلام الاستقامةُ على دين الله -تبارك تعالى-؛ فإن الله -جل وعلا- قد أمر نبيه -صلى الله عليه وسلم- بالاستقامة، وأمر بها عباده المؤمنين؛ قال -جل وعلا-: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ) [هود: 112]، وقال -جل وعلا-: (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ) [فصلت: 6]، ورتب -جل وعلا- على الاستقامة عظيم الثواب وجميل المآب؛ قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الأحقاف: 13]، وقال -جلَّ وعلا-: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ) [فصلت: 30 – 31]، لا تخافوا ولا تحزنوا: أي لا تخافوا مما أنتم قادمون عليه، فإنكم قادمون على سعادة ونعيم، ولا تحزنوا على ما أنتم مفارقوه من أهل وأولاد، فإنهم في حفظ الله وكنفه ورعايته.
عباد الله: والاستقامةُ حقيقتها لزوم دين الله -تبارك وتعالى-، وسلوك صراطه المستقيم، وعدم الانحراف عنه ذات اليمين أو ذات الشمال، وهي -عباد الله- تتعلق بالأعمال والأقوال والأحوال والنيات، بأن تكون لله وبالله وعلى أمر الله، لله -تبارك وتعالى- خالصة مخلصة، وبالله -تبارك وتعالى- مستعينة، وعلى أمر الله -جل وعلا- متبعًا وملتزمًا، فهذه -معاشر المؤمنين- حقيقة الاستقامة التي رُتِّبَ عليها الثوابُ العظيم والأجرُ الجزيل في الدنيا والآخرة.
عبادَ الله: وأصل الاستقامة استقامةُ القلب على أمر الله، وخشيتُه من الله، ومراقبته لله، وحفظُه لأوامر الله، فإذا استقام القلب على ذلك استقامتْ الجوارح؛ لأن القلب ملك الأعضاء، فإن استقام استقامت، وإن اعوج وانحرف اعوجت، وفي هذا يقول -صلى الله عليه وسلم-: "ألا إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب". ثم إن من أعظم ما ينبغي أَن ترعى استقامته ويحفظ بعد القلب: اللسان؛ ولهذا جاء في الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفِّر اللسان؛ تقول: اتقّ الله فينا؛ فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا".
عباد الله: إن الواجب على عبد الله المؤمن أن يجاهد نفسه مجاهدة تامة على الاستقامة على أمر الله -جل وعلا-، محافظًا على ذلك تمام المحافظة، مخلصًا بذلك أعماله كلَّها لله -جل وعلا-، مبتعدًا تمام الابتعاد عن الأمور التي تجنح به عن طريق الاستقامة، ثم اعلموا -رحمكم الله- أن العبد مهما جد واجتهد في المحافظة على الاستقامة فلا بد أن يقع في شيء من الخطأ والتقصير، ولهذا نلاحظ -عباد الله- كما في الآية المتقدمة أن الله -جل وعلا- لما أمر عباده بالاستقامة أتبع ذلك بأمرهم بالاستغفار؛ فقال -جل وعلا-: (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ)، وهذا فيه إشارة أن العبد لن يطيق الاستقامة على التمام والكمال؛ إذ لابد من الخطأ والتقصير، فكل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون؛ ولهذا جاء في الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن".
وفي هذا الحديث -عباد الله- تنبيه للمستقيم على طاعة الله أن يجاهد نفسه على المحافظة على فرائض الدين وواجبات الإسلام، وعدمُ الإخلال بشيء منها؛ فإنها أكبر رافد له وعون على المحافظة على الاستقامة، فالصلاةُ -عبادَ الله- والوضوءُ وعموم فرائض الإسلام هي أعظم عون لك على الاستقامة على طاعة الله، وتأمّل هذا المعنى في قول الله -جل وعلا-: (اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) [البقرة: 153].
عباد الله: إن الانحراف عن الاستقامة له منحيان: منحى إلى جهة الغلو في دين الله، ومنحى إلى جهة التفريط والإضاعة، والشيطانُ الرجيم لا يبالي بأي الأمرين ظفر من العبد بإخراجه عن الاستقامة، سواء إلى الغلو أو إلى الجفاء، سواء إلى الإفراط أو إلى التفريط، ولهذا الواجبُ على عبد الله المؤمن أن يلزم صراط الله المستقيم، وأن يحذرَ أشدَ الحذر من الانحراف عن الصراط، سواءٌ إلى غلوّ، كما هو شأن أهل الخوارج، الذين يحقر أهل الاستقامة صلاتهم مع صلاتهم وقراءتهم مع قراءتهم، يقرؤون القرآن لا يجاوزوا تراقيهم، وليحذر العبد في هذا الباب من سبيل أهل التفريط والإضاعة ممن يَغْشَوْن الذنوب والمعاصي، فيخرجون من جهتها إلى تضييع الاستقامة، وقد قال العلماء -رحمهم الله-: إن الشيطان في هذا الباب يعاين القلب؛ فإذا رأى القلب محافظًا على الطاعة سلك به مسلك التشدد في دين الله، إلى أن يخرج من الاستقامة إلى التشدد، وإذا رأى فيه تهاونًا وكسلاً زين في قلبه ترك الطاعات وحب المعاصي والذنوب، إلى أن يخرجه من الاستقامة من هذا السبيل.
عباد الله: إن الواجب علينا أن نجاهد أنفسنا على الاستقامة على طاعة الله، والمحافظة على أمر الله، حذرين أشد الحذر من الإفراط والتفريط، والغلو والجفاء، وإنا لنسأل الله -جل وعلا- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، أن يرزقنا الاستقامة على دينه، وأن يجنبنا الفتن كلها، ما ظهر منها وما بطن، وأن يهدينا إليه صراطًا مستقيمًا، أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله تعالى...
عباد الله: ثبت في الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقول في دعائه: "اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، أعوذ بعزتك -لا إله إلا أنت- أن تضلني، فأنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون".
عباد الله: وفي هذا الحديث العظيم تنبيه في باب الاستقامة، بل إشارة إلى أمور ثلاثة عظيمة، إذا حافظ عليها العبد رُزق الاستقامة، وسَلِم من الضلال بإذن الله -جل وعلا-، أما الأمر الأول فهو دعاء الله، والإلحاح عيه -جل وعلا- بالسؤال بأن يهدي العبد ويثبته، وأن يعيده من الضلال، وقد كان الحسن البصري -رحمه الله- إذا قرأ قول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا) [فصلت: 30]، كان يقول: "اللهم بك آمنا، فارزقنا الاستقامة".
أما الأمر الثاني -عباد الله- فهو معرفة الله -جل وعلا- ومعرفة أسمائه وصفاته، فمن كان بالله أعرف كان لعبادته أطلب، وعن معصيته أبعد، ومنه -تبارك وتعالى- أخوف، ولهذا الإشارة في قوله: "أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون".
وأما الأمر الثالث فهو معرفة خصال الإسلام، وخلال الدين، والمحافظة عليها، ومجاهدة النفس على تطبيقها، وهذا في قوله: "لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت"، فبهذه الأمور الثلاثة: الدعاء ومعرفة الله -جل وعلا-، ومعرفة الإسلام وخصاله وخلاله، ومجاهدة النفس على المحافظة عليها بهذه الأمور الثلاثة تتحقق الاستقامة، ويسلم العبد بإذن الله -تبارك وتعالى- من الضلال.
اللهم اهدنا إليك صراطًا مستقيمًا، اللهم اهدنا إليك صراطًا مستقيمًا، اللهم اهدنا إليك صراطًا مستقيمًا، اللهم إنا نعوذ بك أن نَضِل أو نُضَل، أو نَزِل أو نُزَل، أو نظلم أو نُظلَم، أو نَجهَل أو يُجهَلَ علينا، وصلوا وسلموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرًا"، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكر الصديق، وعمر الفاروق، وعثمان ذي النورين، وأبي الحسنين علي، وارضَ اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزّ الإسلام، اللهم أعز الإسلام، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، اللهم وانصر إخواننا المسلمين المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم كن لهم ناصرًا ومؤيدًا وحافظًا ومعينًا، اللهم وعليك بأعداء الدين؛ فإنهم لا يُعجزونك، اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن اتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين، اللهم وفق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، واتباع سنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-.
اللهم آتِ نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعَلِ الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم اغفر لنا ذنبنا كله: دقه وجله، أوله وآخره، سره وعلنه، اللهم اغفر ذنوب المذنبين من المسلمين، وتب على التائبين، اللهم اغفر لنا أجمعين، اللهم إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدم ولا عذاب ولا غرق، اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، سَحًّا طبقًا، نافعًا غير ضار، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، وديارنا بالمطر، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين، اللهم رحمتك نرجو فلا تكلنا إلا إليك يا ذا الجلال والإكرام، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على عبد الله ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.