البحث

عبارات مقترحة:

الغني

كلمة (غَنِيّ) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (غَنِيَ...

المقدم

كلمة (المقدِّم) في اللغة اسم فاعل من التقديم، وهو جعل الشيء...

العزيز

كلمة (عزيز) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وهو من العزّة،...

رسائل للمعلمين .. مع بداية العام الدراسي

العربية

المؤلف خالد بن سعود الحليبي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب
عناصر الخطبة
  1. أهمية التعليم .
  2. استثمار التعليم في الدعوة وبناء الأمة .
  3. من وسائل توجيه الطلاب .

اقتباس

وقد بدأ العام الدراسي الجديد، ودبَّت الحياة التعليمية في جسد المجتمع بعد توقف طويل، كان لا بد من تجديد العهد مع العلم بما يصلح له ويصلحه، فاسمحوا لي -أيها الإخوة الكرام- أن أخاطب القائمين بالتعليم مباشرة، والمعلمين منكم خاصة؛ لأنهم صُنّاع الجيل، وهم الذين يباشرون توجيه فلذات الأكباد، وأمل الأمة.

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله خير المعلمين، أشرقت الأرض بنور رسالته وقناديل علمه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فيا أيها الأحبة في الله، اتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.

أيها الأحبة في الله: قد بدأ العام الدراسي الجديد، ودبَّت الحياة التعليمية في جسد المجتمع بعد توقف طويل، كان لا بد من تجديد العهد مع العلم بما يصلح له ويصلحه، فاسمحوا لي -أيها الإخوة الكرام- أن أخاطب القائمين بالتعليم مباشرة، والمعلمين منكم خاصة؛ لأنهم صُنّاع الجيل، وهم الذين يباشرون توجيه فلذات الأكباد، وأمل الأمة.

أيها المعلمون: وكم أتمنى أن يصل خطابي هذا إلى المعلمات: إن طلاب اليوم هم الذين سيتولون في المستقبل القريب توجيه سفينة المجتمع، وإدارة شؤونه، فإذا قمنا اليوم بتوجيههم الوجهة الصالحة، وخرجوا لنا جيلاً مثقفًا مؤمنًا بالله -تعالى-؛ فستسري في نفوسهم روح الخير وحب دينهم وأمتهم ووطنهم، وحب العمل ابتغاء وجه الله -تعالى- وليس ابتغاء مطمع دنيوي، أو متاع زائل، وتخلصت مجتمعاتنا من أمراض النفاق، وأكل السحت، واتباع الشهوات ونحو ذاك، وسارت سفينتنا إلى غايتها لا تبالي بالرياح، ولا الأمواج التي تأتيها من الشرق والغرب.

أخي المعلم: لا شك بأنك تحب رقي مجتمعك، وتحرص على أن تترك بصماتك الحميدة على نفوس طلبتك، وأن يذكروك في الدنيا والآخرة بالخير، ويشهدوا لك بحسن أداء الأمانة، كما أنك الآن لا تذكر من أساتذتك إلا من لهم أثر في حياتك، ومن كانوا يسقونك رحيق تجاربهم، طيبةً بذلك نفوسهم، يسهرون من أجل تقدمك العلمي، ويتحرقون حين يواجهون طالبًا مهملاً.

لا شك بأنك تتذكر هذا وأكثر من هذا، فتدفعك الحماسة لكي تنجز كما أنجزوا، وتقدم كما قدموا، ولكنك ستزداد حماسةً وحبًّا للنصح والتوجيه والدعوة إلى الله حين تتذكر حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا" رواه مسلم، وقوله -صلى الله عليه وسلم- كذلك: "لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم" متفق عليه.

فلعلك عقدت النية على اغتنام هذه الفرصة الثمينة التي تتيح لك اللقاء مع أكثر فئات المجتمع استجابة للدعوة إلى الله، وكأني بك تطير شوقًا ليوم الغد لكي تضع الأساس فيه مع طلبتك، ولتكون البداية المحرقة التي ستختم لك بالنهاية المورقة المشرقة بإذن الله -تعالى-.

لأنك تعلم بأن جهادك في ميدان التربية والتعليم لا يقل أهمية عن الجهاد بالمدفع والصاروخ، فالأيدي التي ستحمل المدفع، وتوجه الصاروخ إن لم تكن من الأيدي المتوضئة فإنها ستترك السلاح وتفر من الميدان وتخلد إلى الأرض، حين يدعوها داعي الدفاع عن الدين والعرض والوطن:

لا يصنع الأبطال إلا

في مساجدنا الفساح

في روضة القرآن في

ظل الأحاديث الصحاح

شعب بغير عقيدة

ورق تذريه الرياح

من خان"حي على الصلا

ة" يخون "حي على الكفاح"

والحكمة واللين والتؤدة هي سواعدك التي تبني بها تلك النفوس الطرية، قال الله -تعالى-: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [النحل:125].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآي والذكر الحكيم. أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة:11].

وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

عباد الله: اتقوا الله -تعالى- وأطيعوه.

أخي المعلم: وإن كانت المقام لا يسمح بالإفاضة في ذكر وسائل ترشيد الطلاب وتوجيههم، ولكني أكتفي هنا بذكر بعضها مختصرة:

إن رأس كل عمل وأسّه إخلاص النية لله -تعالى-، وبدونه تصبح هذه الوسائل رياء وسمعة، وينأى المسلم بنفسه عنهما، فـ "إنما لكل امرئ ما نوى" متفق عليه.

وينبغي للمدرس أو المعلمة أن يكونا قدوة للطلاب أو الطالبات؛ التزامًا بالمظهر والسمت الإسلامي الحسن، وتطبيقًا لأوامر الله واجتنابًا لنواهيه، وتخلقًا بالفضائل في جميع الأحوال. يقول -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) [الصف:2-3]، وعندما يخالف فعل المعلم قوله فلا يجزع إذا لم يلقَ استجابة لتوجيهاته.

وينبغي للمعلم -أيضًا- إذا دخل الفصل أن يقابل الطلاب بوجه طليق مشرق، بابتسامة شفافة غير مصطنعة، ويحييهم بتحية الإسلام أولاً، ثم يثني -إذا شاء- بمثل: (صباح الخير) ونحوها، ويبدأ الكتابة على السبورة بالبسملة أو الحمد لله، فـفي الحديث الصحيح: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم، وبالحمد لله، أو بحمد الله أو بذكر الله، فهو أجذم أو أقطع أو أبتر" أخرجه ابن حبان في صحيحه، والنسائي في الكبرى.

وقد نبهنا حبيبنا -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الحسن الصحيح، بأنه "ما جلس قوم مجلسًا لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم تِرَة، فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم" رواه الترمذي عن أبي هريرة. ويختم الدرس بكفارة المجلس، والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- والسلام.

وجدير بكل أستاذ أن يربط بين محتوى المقرر ومبادئ الإسلام وأسس عقيدته، ليكون التعليم بحق وسيلة إلى تثبيت العقيدة، وعمارة الكون، وعبادة الله -تعالى-، وليس غاية في حد ذاته لمجرد الحصول على شهادات أو مراكز للمباهاة والتفاخر؛ يقول -صلى الله عليه وسلم- في حديث بإسناد صحيح: "من تعلم علمًا مما يُبتغى به وجه الله -عز وجل- لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضًا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة"، يعني: ريحها. رواه أبو داود وصححه الألباني. ويقول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الحسن: "لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء، أو لتماروا به السفهاء، أو لتصرفوا وجوه الناس إليكم؛ فمن فعل ذلك فهو في النار" رواه ابن ماجه وصححه الألباني.

لتعلم -أيها المعلم- أن نجاحك في توجيه الطلبة بعد كل ما مر مرتبط بتوفيق الله -تعالى- لك في إحسان العملية التعليمية، والإخلاص في إعداد الدروس وتحضيرها، ثم في شرحها وإبداع الوسائل التي تتمكن عن طريقها من إيصال المعلومات للطالب.

ووصيتي لك -أخيرًا- أن تُحسن معاملة طلبتك، وأن ترفق بهم ولا تشدد عليهم، ولا تسخر من أحد منهم حتى ولو كان ضعيفًا، بل احرص على تقويته، فإن ذلك كله مما يساعد على استجابتهم لما تدعوهم إليه من خير وبر.

وتذكر بأن الفصل هو ميدانك الأول، والنشاط الطلابي هو ميدانك الآخر، فخُض غماره، واستفد وأفد منه، سواء أكان ثقافيًّا يشمل المسرح والإذاعة والصحف ونحوها، أم اجتماعيًّا كالرحلات والمخيمات وغيرها، أم رياضة؛ وليكن دورك هو وضعها في إطار الإسلام، وجعلها وسيلة خير وبر.

اللهم...