الحكيم
اسمُ (الحكيم) اسمٌ جليل من أسماء الله الحسنى، وكلمةُ (الحكيم) في...
العربية
المؤلف | عمر بن عبد الله بن مشاري المشاري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | كتاب الجهاد - الأديان والفرق |
لم يكتفِ الحوثيون -أذلَّهم الله- بحربهم الشنيعة على أهلنا في اليمن بل تجاوزوا ذلك إلى إطلاقِ صواريخهم تجاه مكة المكرمة, في جريمة كبرى ضدَّ المسلمين جميعاً, كشفت عن عِظَمِ حقدهم وبالغِ عداوتهم للإسلام ولأهله ولمقدساته, وكذَّبوا بأفعالهم الإجراميةِ أقوالَهم فهم أنصارُ الشيطان لا كما يزعمون أنَّهم أنصارُ الإسلام؛ تلبيساً وتدليساً وتزويراً لحقيقتهم المعادية للإسلام, يريد الحوثيون -أذلهم الله وأخزاهم- أن يعيدوا ما فعله القرامطة في مكة...
الخطبة الأولى:
الحمد لله أمر عباده بالجهاد ورتَّب الأجر العظيم عليه؛ نشراً للدين ورفعاً لرايته, وحفظاً لبلاد المسلمين من الأعداء المعتدين, وإقامة للعدل بين الناس والحكم بما أنزل الله, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أنَّ محمداً عبد الله ورسوله جاهد في الله حق جهاده وبلَّغ البلاغ المبين, فأدى رسالة ربه ونصحَ أمَّتَه, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما, أما بعد:
فيا معاشر المسلمين: إنكم في زمن تسلَّط فيه الأعداء على الإسلام وأهله, فحاربوا المسلمين بشتى الوسائل, حربٌ فكرية وحرب سياسية وحرب إعلامية وحرب عسكرية, عبر حلف صهيوني صليبي مجوسي صفوي وأتباعهم من الخونة؛ للسيطرة على المسلمين وبلدانهم.
والواجب على المسلمين جميعا أن يجاهدوا بما يستطيعون نصرة للدين وذوداً عنه, قال -تعالى-: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ) [الحج: 78], وقال -تعالى-: (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [التوبة: 73], قال الإمام السعدي -رحمه الله-: "أي: بالغ في جهادهم والغلظةِ عليهم حيثُ اقتضت الحالُ الغلظةَ عليهم, وهذا الجهاد يدخل فيه الجهاد باليد، والجهاد بالحجة واللسان، فمن بارز منهم بالمحاربة فيُجَاهدُ باليد واللسان والسيف والبيان, ومن كان مذعناً للإسلام بذمَّةٍ أو عهدٍ، فإنَّه يُجاهد بالحجة والبرهان ويبينُ له محاسنَ الإسلام، ومساوئَ الشركِ والكفر", وقال -تعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) [الحجرات: 15], قال الإمام الطبري -رحمه الله- عن المؤمنين بأنهم: "جَاهَدوا المشركينَ بإنفاقِ أموالهم، وبذلِ مُهجِهم في جهادهم، على ما أمرهم الله به من جهادهم، وذلك سبيله؛ لتكون كلمةُ الله العليا، وكلمةُ الذين كفروا السفلى".
معاشر المسلمين: إنَّ من ألدِّ أعداء الإسلام من يحارب الإسلام باسم الإسلام, كما هو حال الحوثيين وأتباعهم من الخونة, فقد أفسدوا في اليمن إفساداً عظيماً؛ فهدَّموا المساجد ومدراسَ الحديث, ونهبوا وسلبوا وأخافوا الناس, وقتلوا الركع السُجَّد من عباد الله المؤمنين, وجمعوا الأسلحة استعداداً للاستيلاء على مكة المكرمة -حرسها الله-, وطمعاً في تخريب بيت الله الحرام وإيذاء حُجَّاجهِ وزوَّاره, ولكن قيَّض الله لهذا الدين من ينصره, فهبت عاصفة الحزم؛ بقيادة إمام من أئمة المسلمين خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله-؛ لتبدد أطماع الأعداء وتعصفَ بحلُمِهم في مهدهم, فرمت بشهب الحق زُمَرَ أهلِ الباطل من الحوثيين وأعوانهم ومموليهم ومناصريهم, فأحرقت مخطَّطهم وبدَّدت بالحق بغيهم وأحلامهم, فالحمدلله أن قيَّضَ للدين نُصَّاراً يحمون مقدساته.
أيها المؤمنون: إنَّ الحرب على الحوثيين جهادٌ في سبيل الله, قال -تعالى-: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 244], وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَقَالَ لِي: "إِنْ شِئْتَ أَنْبَأْتُكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذُرْوَةِ سَنَامِهِ" قَالَ: قُلْتُ: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَمَّا "رَأْسُ الْأَمْرِ فَالْإِسْلَامُ، وَأَمَّا عَمُودُهُ فَالصَّلَاةُ، وَأَمَّا ذِرْوَةُ سَنَامِهِ فَالْجِهَادُ" (أخرجه الإمام أحمد).
معاشر المسلمين: لم يكتفِ الحوثيون -أذلَّهم الله- بحربهم الشنيعة على أهلنا في اليمن بل تجاوزوا ذلك إلى إطلاقِ صواريخهم تجاه مكة المكرمة, في جريمة كبرى ضدَّ المسلمين جميعاً, كشفت عن عِظَمِ حقدهم وبالغِ عداوتهم للإسلام ولأهله ولمقدساته, وكذَّبوا بأفعالهم الإجراميةِ أقوالَهم فهم أنصارُ الشيطان لا كما يزعمون أنَّهم أنصارُ الإسلام؛ تلبيساً وتدليساً وتزويراً لحقيقتهم المعادية للإسلام.
يريد الحوثيون -أذلهم الله وأخزاهم- أن يعيدوا ما فعله القرامطة في مكة من تقتيل للمسلمين واستيلاءٍ على الحجر الأسود, قال سماحة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ -حفظه الله- عن استهداف الحوثيين لمكة المكرمة بإطلاقهم صاروخاً نحوها: "نستنكر هذا الفعل السيء, ونقول: فعلٌ قبيحٌ سيءٌ ومنطلقٌ خبيثٌ ينبئ عن نفاقٍ وكفرٍ وضلال... لأنهم فعلوا فعلاً ما عرفه أحد بعد أبرهةَ الحبشي والقرامطةَ -لعنهم الله-, هذا الفعل يستنكرهُ كلُّ مسلمٍ ويبغضه كلُّ مؤمن, ويعلمُ المسلمُ أنَّ هؤلاء أعداءٌ لهذا الدين وأعداءُ هذه الدولةِ هم أعداءُ الدين؛ لأنهم يرون أنَّ هذه الدولةَ المباركةَ تحكمُ بشريعة الله وتُقيمُ حدودَ الله, وتستقبل الحجيج في كل عام بكل إمكانياتها ويرجع الحجاج آمنين مطمئنين".
وقال الشيخ صالح الفوزان -حفظه الله-: "الحوثيون الذين أطلقوا الصاروخ تجاه منطقة مكة هم على ميراث الجبابرة والطواغيت, والله يحمي بيته -سبحانه وتعالى- وإنما يضرون أنفسهم ويفضحون أنفسهم, هم يدَّعون الإسلام, ولكن الله فضحهم بهذه الجريمة النكراء التي سلفها أبرهة الحبشي الخبيث, والله فضحهم -سبحانه وتعالى- وأبطل دعواهم للإسلام, فهذا البيت بحفظ الله ورعايته لأنه بيت الله ولهذا سُمي العتيق؛ لأنَّ الله يُعتقه من الجبابرة الذين يريدونه بسوء... ردَّ الله كيدهم في تضليل, وحمى بيته العتيق وفضحهم الله".
معاشر المسلمين: إنَّ عقيدة الحوثيين قبل الثورة الخمينينة عقيدة الزيدية إلا أنَّهم تحولوا إلى عقيدة الاثني عشرية الإمامية الثورية, التي هي من أشد وأخطر الفرق الباطنية (الرافضية) على الأمة الإسلامية, وخطرهم لا يقلُّ عن خطر أسلافهم القرامطة الذين قال عنهم الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "جَرَى عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ مِنْهُمْ مَا جَرَى، وَكَسَرُوا عَسْكَرَ الْخَلِيفَةِ مِرَارًا عَدِيدَةً، وَقَتَلُوا الْحَاجَّ قَتْلًا ذَرِيعًا، وَانْتَهَوْا إِلَى مَكَّةَ فَقَتَلُوا بِهَا مَنْ وَصَلَ مِنَ الْحَاجِّ إِلَيْهَا، وَقَلَعُوا الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ مِنْ مَكَانِهِ، وَقَوِيَتْ شَوْكَتُهُمْ وَاسْتَفْحَلَ أَمْرُهُمْ وَعَظُمَتْ بِهِمُ الرَّزِيَّةُ وَاشْتَدَّتْ بِهِمُ الْبَلِيَّةُ".
معاشر المسلمين: إنَّ الحوثيين والاثني عشرية والعبيدية القرامطة والنصيرية والدروز والثورة الخمينية وأتباعها أشرُّ من اليهود وأعظم عداوةً وأعمى قلوباً وأكذب ألسناً, فدينهم مبني على الكذب والنفاق والفساد والإفساد وسفك الدماء, وتاريخهم مليئ بالخيانة والغدر ونصرة أعداء الإسلام, كما هو حال الدولة الفاطمية والعبيدية. وكما هو حال الهالك ابن العلقمي الذي أعان التتار على المسلمين وبسببه سقطت الخلافة العباسية, والحوثيون باستهدافهم مكة المكرمة بالصاروخ تَبيَّنَ حالهم من عدم تعظيمهم لحرمة المسجد الحرام, قبلةُ المسلمين وأطهرُ بقعةٍ على وجه الأرض.
وتبين من حال الحوثيين عدم تعظيمهم لحرمة الدماء المعصومة من الطائفين بالبيت والسجَّد الركع فيه الذين أتوه من كلِّ فجٍّ عميق, قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ، وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلاَ يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلاَ يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهَا، فَقُولُوا: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، ثُمَّ عَادَتْ حُرْمَتُهَا اليَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ، وَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ" (متفق عليه).
والله -سبحانه- توعَّد من يريد الإلحاد والظلم في المسجد الحرام بأن يُذيقه عذاباً أليماً, قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) [الحج: 25], قال الإمام السعدي -رحمه الله-: "مجردُ إرادةِ الظلمِ والإلحادِ في الحرم، موجبٌ للعذاب".
بارك الله لي ولكم في القرآن العظي, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدلله على إحسانه, والشكر له على توفيقه وامتنانه, وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشأنه, وأشهد أنَّ محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما, أما بعد:
فاتقوا الله -يا عباد الله- واعلموا أنَّ من أسباب تأخر الانتصار على الأعداء ضعف تمسك المسلمين بدينهم والتسربل بالغفلة واللهو, وكثرة المنكرات فيهم مع قِلَّة المنكرين للمنكر, والانغماس في الملذات, والبعد عن الطاعات, فليحرص كلٌّ منكم على إصلاح نفسه وعياله, وليتب إلى الله من ذنوبه, وليقم بما أوجب الله عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق, وبذل الأسباب لنيل رضا الله -تعالى-.
معاشر المسلمين: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56], اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد, وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم ارض عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة والتابعين, وعنا معهم بعفوك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز من في عزه عز للإسلام والمسلمين, اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين وولِّ عليهم خيارهم واكفهم شرارهم, اللهم وفق ولي أمرنا ونائبه لما تحب وترضى واجعل عملهما في رضاك وأصلحهما وأصلح بطانتهما وأعز بهما الإسلام وأهله, وانصر بهما دينك وأعل بهما كلمتك.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في فلسطين وفي اليمن وفي العراق وفي سوريا وفي مانيمار وفي ليبيا وفي الأحواز, اللهم عليك بأعداء دينك أجمعين اللهم عليك بالصهاينة والصليبين والروس والمجوس والحوثيين وأعوانهم, اللهم مزقهم وزلزلهم واشدد وطأتك عليهم واجعل بأسهم بينهم, اللهم اهزمهم بقوتك وعظمتك وجبروتك يا قوي يا عزيز, اللهم انصر جنودنا المرابطين على حدود بلادنا وانصر جنود التحالف العربي في اليمن وانصر أهلنا في اليمن على الحوثيين والخونة, اللهم عجِّل بانتصارنا عليهم فلا ناصر لنا إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك سبحانك.
اللهم أقم علم الجهاد واقمع أهل الشرك والزيغ والفساد وانشر رحمتك على العباد, اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين اللهم أصلح قلوبنا وأصلح أعمالنا وأصلح نساءنا وأصلح شبابنا واجعلنا هداة مهتدين برحمتك يا أرحم الراحمين.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الصافات: 180 – 182].