الحكيم
اسمُ (الحكيم) اسمٌ جليل من أسماء الله الحسنى، وكلمةُ (الحكيم) في...
العربية
المؤلف | عبدالله بن عمر السحيباني |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الحكمة وتعليل أفعال الله |
وهذه هي الصلاة الإبراهيمية وهي بألفاظها المتنوعة الصحيحة أفضل صيغ الصلاة عليه؛ فينبغي للمسلم أن يحرص على التزام السنة في الصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم-، وليحذر كل الحذر من بعض الصِّيَغ البدعية المخترعة من بعض الغلاة والمتصوفة والتي جاءت من عقيدةٍ فاسِدة، أو...
الخطبة الأولى:
أما بعد، فيا أيها المسلمون: اتقوا الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الحديد:28].
أيها المسلمون: هذا تذكير بذكر واجب، أوجبه الله سبحانه على العباد، بدأه سبحانه بنفسه العظيمة، وثنى فيه بملائكته الكرام؛ فقال -جلَّ في عُلاه-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
وصلاة الله على نبيه ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة الدعاء له؛ فهذه منزلة نبي الله في الملأ الأعلى، وأهل العالم السفلي في الأرض مأمورون بالصلاة والتسليم عليه؛ ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي.
اللهُ عَظَّمَ قَدْرَ جـاهِ محمَّدٍ | وأَنالَهُ فَضْلاً لَدَيْهِ عَظِيمَا |
في مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ قالَ لِخَلْقِهِ | صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيمَا |
الصلاة على رسول الله دعاء له -صلى الله عليه وسلم- بالزيادة في الشرف والتكريم والرقي في مراتب الكمال؛ فإذا قلنا اللهم صل على محمد فإنما نريد اللهم عظم محمداً بإعلاء ذكره وإظهار دينه وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بتشفيعه في أمته وإجزال أجره ومثوبته وإبداء فضله للأولين والآخرين بالمقام المحمود، وتقديمه على كافة المقربين الشهود.
الصلاة على رسول الله إظهار لفضله وتعظيم لمكانته ورفع لذكره وتكريم لمقامه، وتذكير بوجوب اتباع سنته، ودليل حبه وتعظيمه.
يَا خير مَوْلُود تعاظم فخره | وأتى بأشرف مِلَّة وَكتاب |
صلى الْإِلَه عَلَيْك يَا خير الورى | مَا انهل فِي الْآفَاق قطر سَحَاب |
الصلاة على رسول الله قيام ببعض حقه وشكر له على بذله وجهاده؛ فإن كل خير نالته أمته في الدنيا والآخرة فإنما نالته بسببه وعلى يديه.
للخلقِ أُرسِلَ رحمةً ورحيمًا | صلُّوا عليه وسلِّموا تسليمًا |
الصلاة على رسول الله قُربة جليلة وعبادة عظيمة، ينالُ بها المسلم كرامة الله وصلاته وثوابه ومغفرته، روى مسلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من صلَّى عليَّ واحدةً صلَّى الله عليه عشرًا" وفي حديث آخر صحيح "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ وَحُطَّتْ عَنْهُ عَشْرُ خَطِيئَاتٍ وَرُفِعَتْ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ".
الصلاة على رسول الله سبب لصلاة الملائكة الأبرار، في الحديث الحسن "ما مِن مُسلمٍ يُصلِّي عليَّ إلا صلَّت عليه الملائِكةُ ما صلَّى عليَّ، فليُقِلَّ العبدُ من ذلك أو ليُكثِر".
الصلاة على رسول الله سبب لتفريج الهموم وزوال الكروب وغفران الذنوب؛ ففي حديث أُبَيِّ بن كعبٍ -رضي الله عنه- لما سأل النبي -صلوات الله وسلامه عليه- كم أجعلُ لك من صلاتي؟ -أي: دُعائي- قال: "ما شئتَ". حتى قال "فإن زِدتَ فهو خيرٌ لك"، قال: أجعلُ لك صلاتي كلَّها؟ قال: "إذًا تُكفَى همَّك، ويُغفَرُ لك ذنبُك"؛ (أخرجه أحمد، والترمذي، وهو حسن).
الصلاة على رسول الله سبب لولايته -صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة والقرب منه؛ ففي الحديث الحسن "أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً"، وفي آخر حسن: "فمن كان أكثرَهم عليَّ صلاةً كان أقربَهم منِّي منزلةً".
صلَّى عليك الله ياخيرَ الورى | تعداد حبات الرمال وأكثرا |
صلَّى عليك الله ما غيثٌ همى | فوق السهول وبالجبال وبالقرى |
يا خير مبعوث بخير رسالةٍ | للناس يا خير الأنام وأطهرا |
صلى عليك الله في عليائه | ما صاح داع للأذان و كبرا |
صلوا على المختار أحمد إنه | أزكى الأنام وخير من وطئ الثرى |
الصلاة على رسول الله مشروعة في كل ذكر ودعاء وتتأكد في مواطن وتجب في أخرى؛ فتجب الصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة بعد التشهد، وقيل: بل هي ركن من أركان الصلاة، وقيل: بل هي سنة مستحبة، ورجح هذا شيخنا ابن عثيمين -رحمه الله-.
وكذلك تشرع الصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم- بعد الأذان، وهذا من المواضع التي يغفل عنها بعض الناس؛ ففي صحيح مسلم: "إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَىَّ".
وتشرع الصلاة على النبي في الصلاة على الجنازة، ومحلها بعد التكبيرة الثانية؛ بأي صيغة كانت، وهي سنة فيها، وقيل بل واجبة وهو اختيار ابن باز -رحمه الله-.
وتشرع في خطبة الجمعة، وقيل إنها واجبة فيها، ورجح شيخنا ابن عثيمين -رحمه الله- أنها سنة، وتشرع الصلاة على النبي عند الدعاء، وفي القنوت، وعند دخول المسجد والخروج منه، كما صح ذلك عنه -صلى الله عليه وسلم-، وتشرع في الصباح والمساء، جاء في الحديث الذي صححه بعضهم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ حِيْنَ يُصْبِحُ عَشْراً، وَحِيْنَ يُمْسِي عَشْراً، أَدْرَكَتْهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
ويشرع الإكثار من الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلة الجمعة؛ فعَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلاةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ تُعْرَضُ عَلَيْكَ صَلاتُنَا وَقَدْ أَرَمْتَ؟ يَقُولُونَ قَدْ بَلِيتَ، قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ"؛ (رواه أحمد وأهل السنن بسند صحيح].
وتشرع الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- عند ذكره؛ ففي الحديث الصحيح" رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ"، وقال بعضهم بوجوب الصلاة عليه حينئذ وصححوا حديث" البخيل من ذكرت عنده فلم يصلي علي".
وتشرع الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- في المجالس، في الحديث الصحيح "مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ رَبَّهِمْ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ إِلاَّ كَانَ تِرَةً عَلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ".
ولا شك أن ترك الصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم- بخل وجفاء وتقصير وقلة توقير، قال أهل العلم: حتى المستمع لخطبة الجمعة يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- سراً إذا ذكر.
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
الخطبة الثانية:
لقد علم النبي -صلى الله عليه وسلم- الصحابة لما سألوه عن كيفية الصلاة عليه فقال: "قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ"؛ (رواه مسلم).
وهذه هي الصلاة الإبراهيمية وهي بألفاظها المتنوعة الصحيحة أفضل صيغ الصلاة عليه؛ فينبغي للمسلم أن يحرص على التزام السنة في الصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم-، وليحذر كل الحذر من بعض الصِّيَغ البدعية المخترعة من بعض الغلاة والمتصوفة والتي جاءت من عقيدةٍ فاسِدة، أو غُلُوٍّ مَقيت.
ثم صلُّوا وسلِّموا على نبيِّ الرحمة والملحمة، البشير النذير والسراج المنير والشافع المشفع، صاحب اللواء المعقود، والمقام المحمود، والحوض المورود، سيدُ ولد آدم بالاتفاق، وخيرُ أهل الأرض على الإطلاق.
صلوا على الْقَمَر الْمُنِير إِذا بدا | فِي موكب من حسنه وجماله |
لم يخلق الرَّحْمَن خلقا مثله | فِي فَضله وبهائه وكماله |
صلوا على الْعلم الَّذِي من أمه | نَالَ المنى وَجرى السرُور بِبَالِهِ |
صلوا على بدر التَّمام محبَّة | وكرامة وجلالة لجلاله |
اللهم صل على محمد ما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد،