الوارث
كلمة (الوراث) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَرِثَ يَرِثُ)، وهو من...
العربية
المؤلف | عمر بن عبد الله بن مشاري المشاري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المنجيات |
من أسباب سعة الرزق: برُّ الوالدين والتفاني في خدمتهما وصلة الرحم قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ"، وقال صلى الله عليه وسلم: "تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ، فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الأَهْلِ، مَثْرَاةٌ فِي المَالِ، مَنْسَأَةٌ فِي الأَثَرِ"...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي جعل لسعة الرزق أسباباً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد انَّ محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فاتقوا الله -أيها المؤمنون-، وراقبوه في السر والعلن، واعملوا الصالحات واجتنبوا السيئات قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [فصلت: 46].
معاشر المسلمين: إنَّ الله -تعالى- قسَّم الأرزاق، والأرزاق لا تنحصر في المال فحسب، بل يدخل فيها كل نعمة أنعم الله بها على المرء، من زوج وولد وصحة وسمع وبصر، وجاهٍ وقبولٍ بين الناس، ولن يأتي أحد من الرزق إلا ما كتب الله له، فمن رضي أفلح وفاز، ومن سخط فلا يلومنَّ إلا نفسه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ اللهَ يَبْتَلِي عَبْدَهُ بِمَا أَعْطَاهُ، فَمَنْ رَضِيَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَهُ بَارَكَ اللهُ لَهُ فِيهِ، وَوَسَّعَهُ، وَمَنْ لَمْ يَرْضَ لَمْ يُبَارِكْ لَهُ"؛ (أخرجه الإمام أحمد والبيهقي وصححه الألباني)، وفي رواية عند البيهقي: "وَمَنْ لَمْ يَرْضَ، لَمْ يُبَارِكْ لَهُ فِيهِ وَلَمْ يُوَسَّعْهُ".
فارض -يا عبد الله- بما قسم الله لك من الرزق يبارك لك فيه، ويوسِّع الله عليك من رزقه، وإن لم ترض فإنَّ الرزق الذي يأتيك تذهبُ بركته ولا يوسَّع لك فيه؛ فالرضا بما قسم الله من أول أسباب سعة الرزق.
الثاني من أسباب سعة الرزق: سعي المرء في طلب الرزق وفعل جميع الأسباب الموصلة إلى الحصول على المال الحلال قال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) [الملك: 15] قال الإمام السعدي -رحمه الله-: "أي: هو الذي سخر لكم الأرض وذللها، لتدركوا منها كل ما تعلقت به حاجتكم، من غرس وبناء وحرث، وطرق يتوصل بها إلى الأقطار النائية والبلدان الشاسعة، (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا) أي: لطلب الرزق والمكاسب". انتهى ما قاله -رحمه الله-، فاسع حفظك الله في طلب الرزق، أما من قعد وتكاسل ويريد أن يأتي إليه الرزق سهلاً بلا تعبٍ فهو مخطئٌ، فالسماء لا تُمطر ذهباً ولا فضة.
الثالث من أسباب سعة الرزق: برُّ الوالدين والتفاني في خدمتهما وصلة الرحم قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ"؛ (متفق عليه). وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ، فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الأَهْلِ، مَثْرَاةٌ فِي المَالِ، مَنْسَأَةٌ فِي الأَثَرِ"؛ (أخرجه الترمذي والحاكم وصححه الألباني).
وأعظم صلة الرحم أجراً صلة الوالدين وبرهما، ولا أحد من الأقارب يبلغ درجتهما في القرب وعظيم الصلة؛ فكم من مقصِّر في بر والديه، لم يوسَّع له في رزقه ولم يبارك له فيه، وكم من بارٍّ بوالديه وسَّع الله عليه وبارك له في رزقه، وكم من قاطع رحم ضُيِّق عليه في رزقه، وكم من واصل بورك له فيه، ووسِّعَ عليه؛ فليراجع كلٌّ نفسه، تجاه والديه هل خدم والديه وبرَّ بهما ولم يُقدِّم عليهما صاحباً ولا أحداً من الناس.. ليراجع كل منا نفسه هل وصل رحمه وصلاً كما أمره الله.
معاشر المسلمين: إنَّ الله -تعالى- يوسِّع رزق من بَرَّ بوالديه ووصل رحمه، وهذا معروف مشاهد لمن تبصَّر ونظر في أحوال الموفقين من الناس؛ فكم فُتح على المرء من الأرزاق المادية والمعنوية بسبب برِّ الوالدين وصلة الرحم؟!، وكم حُرم أناس بسبب تقصيرهم تجاه والديهم وقطيعتهم لأرحامهم؟!
السبب الرابع من أسباب سعة الرزق: تقوى الله -عز وجل- قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق:2-3].
قال الإمام السمعاني -رحمه الله-: "هَذِه الْآيَة نزلت فِي عَوْف بن مَالك الْأَشْجَعِيّ أسر ابْنه، فجَاء إِلَى النَّبِي يشكو إِلَيْهِ فَقَالَ: "اصبر وَاتَّقِ الله " فَرجع، ثمَّ إِن الْعَدو غفلوا عَن ابْنه، مرّة، فهرب مِنْهُم وسَاق مَعَ نَفسه إبِلاً وَرجع إِلَى أَبِيه وَجَاء بِالْإِبِلِ، فَأتى النَّبِي وَأخْبرهُ بذلك، وَسَأَلَهُ عَمَّا سَاقه إِلَيْهِ ابْنه هَل يحل لَهُ ذَلِك؟ فَأنْزل الله -تعالى- هَذِه الْآيَة"، وقال الإمام السعدي -رحمه الله-: "يسوق الله الرزق للمتقي، من وجه لا يحتسبه ولا يشعر به".
السبب الخامس من أسباب سعة الرزق: التوكل على الله حقَّ التوكل، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا".
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ-: "وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى الْقُعُودِ عَنِ الْكَسْبِ، بَلْ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى طَلَبِ الرِّزْقِ؛ لِأَنَّ الطَّيْرَ إِذَا غَدَتْ فَإِنَّمَا تَغْدُو لِطَلَبِ الرِّزْقِ وَإِنَّمَا أَرَادَ -وَالله -تعالى- أَعْلَمُ- لَوْ تَوَكَّلُوا عَلَى الله -تعالى- فِي ذَهَابِهِمْ وَمِجِيئِهِمْ وَتَصَرُّفِهِمْ وَرَأَوْا أَنَّ الْخَيْرَ بِيَدِهِ وَمِنْ عِنْدِهِ لَمْ يَنْصَرِفُوا إِلَّا سَالِمِينَ غَانِمِينَ كَالطَّيْرِ تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا، لَكِنَّهُمْ يَعْتَمِدُونَ عَلَى قُوَّتَهُمْ وَجَلَدِهِمْ وَيَغِشُّونَ وَيَكْذِبُونَ، وَلَا يَنْصَحُونَ وَهَذَا خِلَافُ التَّوَكُّلِ".
السادس من أسباب سعة الرزق: الإنفاق سواء كان الإنفاق الواجب أو الإنفاق المستحب على قريب أو جار أو مسكين أو يتيم أو غير ذلك قال تعالى: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ:39].
وقال رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "قَالَ اللَّهُ: أَنْفِقْ يَا ابْنَ آدَمَ أُنْفِقْ عَلَيْكَ"؛ (أخرجه البخاري)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ"؛ (أخرجه مسلم).
قال النووي -رحمه الله-: "ذَكَرُوا فِيهِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُبَارَكُ فِيهِ وَيَدْفَعُ عَنْهُ الْمَضَرَّاتِ فَيَنْجَبِرُ نَقْصُ الصُّورَةِ بِالْبَرَكَةِ الْخَفِيَّةِ وَهَذَا مُدْرَكٌ بِالْحِسِّ وَالْعَادَةِ وَالثَّانِي أَنَّهُ وَإِنْ نَقَصَتْ صُورَتُهُ كَانَ فِي الثَّوَابِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ جَبْرٌ لِنَقْصِهِ وَزِيَادَةٌ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ".
السابع من أسباب سعة الرزق -معاشر المسلمين-: كثرة ذكر الله وكثرة الاستغفار قال تعالى على لسان نوح -عليه السلام-: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) [نوح:10-12]، قال الإمام السعدي -رحمه الله-: "أي: يُكثِّر أموالكم التي تُدركون بها ما تطلبون من الدنيا وأولادَكم".
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله تكفَّل بأرزاق عباده، فمن من مولود إلا كتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد وهو بطن أمِّه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فاتقوا الله حق التقوى واستمسكوا بالعروة الوثقى.
معاشر المسلمين: الثامن من أسباب سعة الرزق: شكر الله على النعم، وعدم كفرانها؛ فمن شكر الله زاده من نعمه، قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7]، قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "علَّق سبحانه المزيدَ بالشكر، والمزيدُ منه لا نهاية له، كما لا نهاية لشكره".
معاشر المسلمين: والشكر يكون بفعل الطاعات وترك المعاصي والتوبة منها، ويكون الشكر أيضاً بحفظ النعم وصيانتها وعدم الإسراف والتبذير، قال الإمام ابن قدامة -رحمه الله-: "الشكر يكون بالقلب، واللسان، والجوارح. أما بالقلب، فهو إظهار الشكر لله بالتحميد، وأما بالجوارح، فهو استعمال نعم الله في طاعته، والتوقي من الاستعانة بها على معصيته، فمن شُكرِ العينين أن تستر كل عيب تراه لمسلم، ومن شكر الأذنين أن تستر كل عيب تسمعه".
التاسع من أسباب سعة الرزق: عدم اقتراف الذنوب والمعاصي، قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "كَمَا أَنَّ تَقْوَى اللَّهِ مَجْلَبَةٌ لِلرِّزْقِ، فَتَرْكُ التَّقْوَى مَجْلَبَةٌ لِلْفَقْرِ، فَمَا اسْتُجْلِبَ رِزْقُ اللَّهِ بِمِثْلِ تَرْكِ الْمَعَاصِي".
معاشر المسلمين: هذه بعض أسباب سعة الرزق، من عمل بها، ووعاها فإنَّ الله -تعالى- يوسِّع رزقه ويبارك له فيه، اللهم بارك لنا فيما رزقتنا ووسِّع لنا في أرزاقنا وارزقنا شكر نعمك علينا وعلى والدينا وأن نعمل صالحا ترضاه.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا وأصلح نساءنا وأولادنا وأعنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمَّن سواك.
اللهم احفظ بلادنا وولاة أمرها وعلماءها وأهلها وزدها قوة وأمنا ورخاء وزدها شكرا وتمسكا بالدين، وانصرها على أعدائها.
اللهم أصلح أحوال المسلمين وولِّ عليهم خيارهم واكفهم شرارهم، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك، اللهم أصلح ولي أمرنا وولي عهده واجعل عملهما في رضاك، وأصلح بطانتهما واجعلهما مفاتيح خير مغاليق شرٍّ، وأعز بهما دينك وأعل بهما كلمتك.
اللهم عليك بأعداء الدين من الصليبيين والصهاينة والروس والمجوس المعتدين وأعوانهم أجمعين اللهم خالف بين قلوبهم ومزقهم وزلزلهم واشدد وطأتك عليهم، اللهم أسقط دولة اليهود في فلسطين وأسقط دولة المجوس في إيران، اللهم ولِّ أهل السنة في إيران وفي العراق وفي فلسطين وفي سوريا وفي لبنان وفي اليمن، اللهم لا ترفع لليهود ولا للرافضة ولا للصليبين راية في بلدان المسلمين، واجعلهم لمن خلفهم آية يا رب العالمين.
اللهم انصر وثبت أقدام جنودنا المرابطين على الحدود، وجنود التحالف العربي في اليمن، اللهم صوِّب آراءهم وسدد رميهم واجمع على الحق كلمتهم.
اللهم عليك بالحوثيين وأعوانهم أرنا فيهم قدرتك وصُبَّ عليهم غضبك وأليم عقابك الذي لا يرد عن القوم الظالمين.
اللهم أقم علم الجهاد واقمع أهل الشرك والزيغ والفساد وانشر رحمتك على العباد.
اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة:201] (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الصافات:180-182].