العليم
كلمة (عليم) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...
العربية
المؤلف | عبد الله بن محمد الطيار |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصلاة |
والمتخلف عن الجماعة لا يخلو حاله من أمرين: إما أن يكون معذوراً في تخلفه عن الجماعة وصلاته منفرداً -كمن تخلف لمرض أو خوف أو غير ذلك مما يعذر به- فهذا يكتب له أجر من صلى في جماعة، وإما أن يكون تخلفه عن صلاة الجماعة لغير عذر فصلاته صحيحة ولكنه...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أمر بعمارة المساجد وأداء الصلاة فيها جماعة وأشهد ألا إله إلا الله إله الأولين والآخرين وقيوم السماوات والأرضين وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله إمام المتقين وقدوة الناس أجمعين الذي جيء به يهادى بين رجلين لحضور صلاة الجماعة صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فاتقوا الله -أيها المؤمنون-، وأدوا الصلاة مع الجماعة في المسجد كما أمر الله -جل وعلا- في كتابه قال تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [النور:36-38].
عباد الله: لم يكتف الإسلام من المسلم أن يؤدي الصلاة وحده في عزلة عن المجتمع الذي يعيش فيه بل أوجب عليه أن يؤديها مع الجماعة في المسجد، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً"؛ (رواه مسلم).
ولما جاءه رجل يسأله أن يرخص له في الصلاة في البيت قال له "هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بالصلاة؟" فقَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "فأجب"، (رواه مسلم).
وفي صلاة الجماعة من الحكم والأسرار الشيء الكثير ومن ذلك إظهار عزة المؤمنين وقوتهم واتحادهم وترابطهم وفيها غيظ المنافقين والأعداء.
وفيها حصول الألفة بين المصلين واجتماع القلوب على الخير وإزالة الحقد والغل وهدم الفوارق الاجتماعية والتعصب للجنس واللون والقبيلة والبلد
أيها المؤمنون: وصلاة الجماعة واجبة في حق الرجال ولا بد من أدائها في المسجد لغير المعذورين قال الله -جل وعلا-: (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) [النساء:101].
قال ابن كثير -رحمه الله-: "وما أحسن ما استدل به من ذهب إلى وجوب الجماعة من هذه الآية الكريمة حيث اغتفرت أفعال كثيرة لأجل الجماعة فلو لا أنها واجبة ما ساغ ذلك" ا.هـ.
إخوتي في الله: فإذا كان الأمر بالجماعة وقت الخوف والعدو ينازل المسلمين والمعركة ساخنة والعقول طائشة، مشغولة بالقتال؛ فماذا يكون حال صلاة الجماعة حال السلم والأمن والأمان؟! إنها تكون من أعظم الواجبات وأهمها.
وقد جاء التأكيد عليها على لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي هريرة: "إِنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْفَجْرِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ"؛ (رواه مسلم).
وقد فهم الرعيل الأول من صدر هذه الأمة أنه لا يتخلف عن صلاة الجماعة إلا منافق معلوم النفاق، قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "وَلقد رَأَيْتُنَا، وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلاَّ مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ"، (رواه مسلم).
قال ابن القيم -رحمه الله-: "ومن تأمل السنة حق التأمل تبين له أن فعلها في المساجد فرض على الأعيان إلا لعارض يجوز معه ترك الجمعة والجماعة فترك حضور المسجد لغير عذر كترك أصل الجماعة لغير عذر وبهذا تتفق جميع الأحاديث والآثار".
عباد الله: الإسلام يدعو إلى الوحدة ونبذ الفرقة وينادي بالتوحيد والاعتصام بحبل الله المتين وتنطلق حناجر المؤذنين مدوية في وقت واحد تجهر بنداء الحق فيجتمع المسلمون خمس مرات في كل يوم وليلة في مسجد حيهم ثم يُلزم الإسلام هؤلاء بلقاء أسبوعي يستمعون فيه للتوجيه والموعظة والتذكير وصدق الله العظيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) [الجمعة:9].
ثم يأتي الاجتماع السنوي حيث يجتمع أهل البلد في صلاة العيد حتى الأطفال والنساء ينبغي في حقهم أن يخرجوا ويحضروا هذه الصلاة في جو إيماني تتجلى فيه الوحدة والاجتماع والألفة والترابط وقوة المسلمين وعزتهم، وصدق الله العظيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الحج:77].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله -أيها المؤمنون-، وتعاونوا على البر والتقوى، وأدوا صلاة الجماعة في المساجد، واحذروا من التخلف عنها أو التهاون فيها، وسابقوا إليها؛ فقد أعد الله أجراً عظيماً لمن حافظ عليها قال -صلى الله عليه وسلم-: "صَلَاةُ الْجَمِيعِ (الْجَمَاعَةِ) تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَصَلَاتِهِ فِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وَأَتَى الْمَسْجِدَ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْهُ خَطِيئَةً حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ"؛ (رواه البخاري).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟" قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "إِسْبَاغُ الوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ"؛ (رواه مسلم).
عباد الله: والمتخلف عن الجماعة لا يخلو حاله من أمرين: إما أن يكون معذوراً في تخلفه عن الجماعة وصلاته منفرداً -كمن تخلف لمرض أو خوف أو غير ذلك مما يعذر به- فهذا يكتب له أجر من صلى في جماعة لما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا"، (رواه البخاري).
وإما أن يكون تخلفه عن صلاة الجماعة لغير عذر فصلاته صحيحة ولكنه آثم لترك الواجب.
وإذا كانت الجماعة في حق الرجال واجبة فهي مباحة في حق النساء بإذن أزواجهن أو أوليائهن يخرجن لها متسترات غير متبرجات بزينة ولا متطيبات، ويبتعدن عن مخالطة الرجال، ويكن وراء صفوفهم، وإذا كن في مكان خاص بهن فهذا أولى وأفضل.
أسأل الله بمنه وكرمه أن يوفقنا لإقامة الصلاة على الوجه الذي يرضيه عنا.
هذا وصلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين إمام الهدى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.