المحسن
كلمة (المحسن) في اللغة اسم فاعل من الإحسان، وهو إما بمعنى إحسان...
العربية
المؤلف | صالح بن فوزان الفوزان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصلاة |
مَثَلُ مَنْ يلتفتُ في صلاته ببصره أو بقلبه، مثلُ رجل استدعاه السلطانُ، فأوقفَه بينَ يديه وأقبلَ يُناديه ويخاطبُه وهو في خلالِ ذلك يلتفتُ عن السلطانِ يميناً وشمالاً، وقد انصرفَ قلبُه عن السلطان فلم يفهَمْ ما يخاطِبُه به؛ لأنَّ قلبَه ليس حاضراً معه، فما ظَنُّ هذا الرجل أن يفعَلَ به السلطان أفليسَ أقلُّ المراتب في حقه أن ينصرفَ من بين يديه ممقوتاً مُبْعَداً قد سَقَطَ...
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله رب العالمين، جَعَلَ الخشوعَ في الصلاة من صفات المؤمنين المفلحين، وأخبرَ أنَّهم يَرِثُون الفردوسَ، هم فيها خالدون.
وأشهَدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له ولو كَرِهَ المشركون، وأشهَدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله خاتَمُ النبيين، وقائدُ العُرِّ المُحَجَّلين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلَّمَ تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعدُ:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واعلمُوا أنَّ الخشوعَ في الصلاة هو روحُها، وهو الذي تحصُلُ به إقامتُها حقيقةً، فصلاةٌ بلا خشوع كجسدٍ بلا روح، وقد علَّقَ الله -سبحانه- الفلاح بخشوعِ المصلي في صلاته، قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) [المؤمنون:1 - 2].
فمَنْ فاته الخشوعُ في الصلاة لم يكن من أهلِ الفلاح.
ومن علاماتِ الخشوع في الصلاة: سكونُ الجوارح، وعدمُ الحركة، وحضورُ القلب، والتلذُّذُ بكلامِ الله ودعائه.
ومن علاماتِه: إتمامُ أركانِ الصلاة وواجباتِها وسُنَنِها، وعدمُ السرعة فيها.
ومن علاماتِ الخشوع: متابعةُ الإِمام، وعدمُ مسابقته، أو التخلُّف عنه.
ومن علامات الخشُوع في الصَّلاة: تجنبُ ما نُهي عنْه فيها، فهناك أشياءُ نهى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- عنها في الصلاةِ، وهي نوعان:
النوع الأول: ما يُبطلُ الصلاةَ، وهو ثمانيةُ أشياء "الكلامُ العَمْدُ، والضحكُ، والأكل والشرب، وكشف العورة، والانحراف عن القبلة، والعبثُ الكثير، وحدوث النجاسة".
والنوع الثاني: ما يُنهى عنه في الصلاة ولا يُبْطِلُها، لكن يُنْقِضُها، وهو أنواعٌ كثيرة:
فيْنْهى في الصلاة عن رفعِ البصر إلى السماء؛ لأنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أنكرَ على مَنْ يفعَلُ ذلك، فقال: "ما بالُ أقوامٍ يرفَعُون أبصارَهم إلى السماء في صلاتهم".
واشتَدَّ قولُه في ذلك، حتى قال: "لينْتَهُنَّ أو لَتُخْطَفَنَّ أبصارُهم" (رواه البخاري).
وهذا وعيدٌ شديد يوجبُ على المسلمِ الحَذَرَ من ذلك، والامتناعَ مِنْ رفعِ البصر في الصلاة.
وكذلك لا يجوزُ تسريحُ البصر فيما أمامَه من الأشياء؛ لأنَّ ذلك يشغلُه عن صلاته، وبعضُ الناس يتساهل في هذا الأمر، فتراه ينظر هنا وهناك، وهو قائمٌ يصلي.
والمطلوب من المصلي: أن يقصُرَ نظرَهُ على موضِع سجوده، ولا يَسْرَحَهُ فيما أمامه من الجدرانِ والنقوش والكتابات والقناديل المعلقة، وغيرها.
ونَهَى صلى الله عليه وسلم عن التشبُّهِ بالحيوانات في الصلاة، فنَهَى عن بُروكٍ كبروكِ البعير، والتفاتٍ كالتفاتِ الثعلب، وافتراشٍ كافتراشِ السَّبُعِ، وإقعاءٍ كإقعاءِ الكلبِ، ونقرٍ كنقرِ الغراب، ورفعِ الأيدي، وقتَ السلام، كأذنابِ الخيلِ الشُّمْسِ، فهذه ستُّ حيوانات نُهِيَ المصلِّي عن التشبُّهِ بها في الصلاة.
فنُهِيَ المصلي أن يبرُكَ كبروكِ البعير، يعني حالَ انحطاطِهِ للسجود، فالمشروعُ للمُصلي إذا انحطَّ للسجودِ أَنْ يكون أولَ ما يضع على الأرض ركبتيه ثم يديه، ثم جبهته وأنفه ولا يضع يديه قبلَ ركبتيه، فإنَّ هذا بروكُ البعير الذي نُهينا عنه في الصلاة إلا إذا كان كبيرَ السن أو مريضاً واحتاجَ إلى وضعِ يديه قبل ركبتيه، فلا بأسَ بذلك.
ونُهِيَ المصلي عن الالتفاتِ في الصلاة كما يلتفتُ الثعلب، وأخبرَ صلى الله عليه وسلم: "أنَّ الالتفات في الصلاة اختلاسٌ يختلِسُه الشيطانُ من صلاة العبد" (رواه البخاري).
قال الإِمام ابنُ القيم -رحمه الله-: الالتفاتُ المنهيُّ عنه في الصلاة قسمان:
أحدُهما: التفاتُ القلب عن الله -عز وجل- إلى غير الله -تعالى-.
والثاني: التفاتُ البصر، وكلاهما منهيٌّ عنه، ولا يَزالُ الله مقبلاً على عبده ما دام العبدُ مقبلاً على صلاته، فإذا التفتَ بقلبِه أو بصره أعرضَ الله -تعالى- عنه وقت سُئِلَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- عن التفاتِ الرجلِ في صلاته، فقال: "... اختلاسٌ يختلسهُ الشيطانُ من صلاة العبد".
وفي أثرٍ: "يقولُ الله -تعالى- إلى خيرٍ منِّي، إلى خير منِّي".
ومَثَلُ مَنْ يلتفتُ في صلاته ببصره أو بقلبه، مثلُ رجل استدعاه السلطانُ، فأوقفَه بينَ يديه وأقبلَ يُناديه ويخاطبُه وهو في خلالِ ذلك يلتفتُ عن السلطانِ يميناً وشمالاً، وقد انصرفَ قلبُه عن السلطان فلم يفهَمْ ما يخاطِبُه به؛ لأنَّ قلبَه ليس حاضراً معه، فما ظَنُّ هذا الرجل أن يفعَلَ به السلطان أفليسَ أقلُّ المراتب في حقه أن ينصرفَ من بين يديه ممقوتاً مُبْعَداً قد سَقَطَ من عينيه، فهذا المصلي لا يستوي والحاضرَ القلبِ المقبل على الله -تعالى- في صلاته، الذي قد أشعرَ قلبَه عظمةَ مَنْ هو واقفٌ بين يديه، فامتلأَ قَلبُهُ من هيبتِه، وذَلَّتْ عنقُه له، واستحى من ربِّه -تعالى- أن يُقبِلَ على غيره أو يلتفتَ عنه.
ونُهِيَ المصلي عن افتراشٍ كافتراش السبع، وذلك بأن يفترشَ ذراعيه في حال السجود بأن يمُدَّهما على الأرض معَ إلصاقِهما بها، والمشروعُ أن يضعَ كفيه مبسوطتين بباطنهما على الأرض حَذْوَ منكبيه وأُذنيه، ويرفعَ مِرْفقيه، ويجافي عَضُدَه عن جنبيه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا سَجَدْتَ فضَعْ كَفَّيْكَ، وارفَعْ مِرْفَقَيْكَ" (رواه مسلم).
ومما نُهِيَ عنه المصلي: إقعاء كإقعاء الكلب، وقد فَسَّر ذلك أهلُ العلم بأنَّ معناه: أَنْ يفرُشَ قدميه بأن يجعَلَ ظهورَهُما مما يلي الأرضَ، ويجلسَ على عقبيه وذلك بين السجدتين.
والمشروعُ في تلك الجلسة: أن يجلسَ مفترشاً يفرشُ رجلَه اليُسرى، ويجلسُ عليها، وينصُبَ رجلَه اليُمنى، ويُخْرِجَها من تحتِه، ويثنيَ أصابِعَها نحو القبلة.
ومما نُهِيَ عنه المصلي: نقرٌ كنقر الغراب.
ومعناه: أن يسرع في الصلاة، فلا يُتِمَّ ركوعَها ولا سجودها ولا الطمأنينة فيها، عن أبي عبد الله الأشعري قال: صلى رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بأصحابِهِ ثم جَلَسَ في طائفة منهم، فدَخَلَ رجلٌ، فقام يُصَلِّي، فجَعَلَ يركَعُ وينقر في سجوده ورسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ينظرُ إليه، فقال: "تَرَوْنَ هذا لو ماتَ، ماتَ على غيرِ مِلَّةِ محمد، ينقرُ صلاتَه كما ينقُرُ الغرابُ الدمَ، إنَّما مثلُ هذا الذي يصلي ولا يركع في سجوده كالجائعِ لا يأكل إلا تمرةً أو تمرتين فما يُغنيان عنه".
وقد جعلَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لصَّ الصلاةِ وسارقَها شرّاً من لصِّ الأموال وسارقها، حيث قال صلى الله عليه وسلم: "أسوأُ الناسِ سرقةً الذي يسرقُ من صلاته" قالوا: يا رسولَ الله: كيفَ يسرقُ صلاتَه؟ قال: "لا يُتمُّ ركوعَها ولا سجودَها"، أو قال: "لا يقيمُ صلبَه في الركوع والسجود".
ومما نُهيَ عنه في الصلاة: فرقعةُ أصابعه وتشبيكُها، روى الإِمام أحمدُ عن أبي سعيد أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا كان أحدُكم في المسجد فلا يشَبِّكن، فإن التشْبيك من الشَيْطانِ، وإن أحدَكُمْ لا يزالُ في صلاةٍ ما دامَ في المسجدِ حتى يخرجَ منْه".
وعن كعب بن عجرة مرفوعاً: "إذا توَضَّأ أحدُكُم ثم خرَجَ عامداً إلى الصلاةِ، فلا يُشَبِّكَنَّ بين يديه، فإنه في صلاةٍ" (رواه أحمد وأبو داود والترمذي).
وعن علي -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تُقعقِعْ أصابِعَك وأنت في الصلاة" (رواه ابن ماجة).
وتشبيكُ الأصابع: إدخالُ بعضها في بعض، وقعقعتُها: غمزُ مفاصِلها حتى يُسمَعَ لها صوتٌ، وقد نُهِيَ عن هذين الفعلين؛ لأنَّهما من العَبَثِ في الصلاة، ولأنهما يَدُلاَّنِ على الكسل، وبعضُ الناس إذا قام في الصلاة تسمَعُ صوتَ أصابِعه يعبثُ بها ويفرقعُها، ويُؤذي من حوله.
والمشروع للمصلي: أن يقبضَ يده اليسرى بيده اليمنى، ويجعلَهما فوقَ صدره طولَ قيامه في الصلاة.
ويُكرهُ التمطي في الصلاة، وهو التمغُّطُ؛ لأنه يدُلُّ على الكسل وعدمِ الخشوع.
ويُكْرَهُ التثاؤبُ في الصلاة، فإن غلبَه كظَمَ ما استطاعَ، فإن لم يقدِرْ وَضَعَ يده على فمه.
وبعضُ الناس يفتحُ فَمه في التثاؤب، ويُصَوِّتُ به تصويتاً مزعجاً.
وتُكره كثرةُ الحركة في الصلاة من غيرِ حاجةٍ، كمسح جبهته، ومسِّ لحيته، وعقصِ شعره، والعَبَثِ بملابسه، وإدخالِ أصابعه في أنفه لتنظيفه، وما أشبه ذلك من الحركات التي تُشْغِلُ عن حضورِ القلب، والخشوع في الصلاة.
وإذا كَثُرت هذه الأفعال من غير ضرورة، فإنَّها تُبطلُ الصلاة -كما سبق-.
ويُكره أن يدخُلَ في الصلاةِ وهو مشوَّشُ الفكرِ منشغلُ البالِ، بسببِ حضرة طعام يشتهيه، أو بسببِ إحساسه ببولٍ أو غائط، أو بسببِ كونِ المكان الذي يصلي فيه حارّاً شديداً أو بارداً شديداً، قال صلى الله عليه وسلم: "لا صلاةَ بحضرةِ طعام، ولا وهُو يدافعُه الأخبثان" (رواه مسلم).
ويُكره أن يصلِّيَ وأمامَهَ ما يُلهيه من زخارف ونقوش؛ فعن أنس قالَ: كان قِرامٌ لعائشة " أي: سترٌ ذو ألوان سترت به جانبَ بيتها، فقال لها النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "أميطي عنَّا قِرامَكِ هذا، فإنه لا تزالُ تصاويرُه تُعْرَضُ لي في صلاتي" (رواه البخاري).
قال العلماءُ: فيه دليلٌ على كراهةِ الصلاة على المفارشِ والسجاجيد المنقوشة، وكراهةِ تزويق المساجد ونقشها، وكراهةِ استقبال كل ما يَشْغَلُ المصلي.
وتُكرهُ الصلاةُ بمكانٍ فيه تصاويرُ لما فيه من التشبُّهِ بعبادة الأصنام، سواءٌ أكانت الصورة منصوبةً، أو غيرَ منصوبة على الصحيحِ، لكن إنْ كانت منصوبةً، فالكراهةُ أشدُّ.
ويُكْرَهُ للمصلي مسحُ موضع سجوده، أو مسحُ ما على جبهته من أثرِ السجود وهو يصلي؛ لحديث أبي ذر مرفوعاً: "إذا قام أحدُكم في الصلاة فلا يمسَح الحصا فإنَّ الرحمة تواجهُه"(رواه أحمد وأصحاب السنن).
لكن إنْ كان في موضع سجوده ما يؤذيه، فله مسحُهُ وإزالتُه، والأولى أن يسويَ موضع سجوده قبل الدخول في الصلاة.
ومما يجبُ التنبيهُ عليه: حكمُ النحنحة في الصلاة، فالنحنحةُ إن كانت لحاجة كما لو استأذنَ عليه أحدٌ وهو يُصلي فتنحنح لينبِّهَه، فلا بأسَ بذلك؛ لِما رَوَى أحمد وابنُ ماجة عن علي -رضي الله عنه- قال: كان لي مدخلان من رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- بالليلِ والنهار، فإذا دَخَلْتُ عليه وهو يصلي تنحنحَ لي، وإن كانت النحنحةُ لغيرِ حاجة، فالأولى تركُها في الصلاة.
وبعضُ العلماء: يرى أنَّها تُبْطِلُ الصلاة إذا كانت لغيرِ حاجة، والواقع أنَّ فيها تشويشاً على المصلين وعلى قراءة الإِمام، فلا ينبغي فعلُها إلا عند الحاجة مع خفض الصوت.
وكذا الكَحَّةُ، لا بأسَ بها عند الحاجة، معَ التقليلِ منها، وكَظْمِها ما أمكنَ.
والصلاةُ -أيها المسلمون- عبادةٌ عظيمةَ تَجِبُ العنايةُ بها، والتقيد بفعلِ ما شُرِعَ فيها، وتركِ ما يُخِلُّ بها، أو يُنْقِصُها من الأفعال والأقوال والحركات.
فاتقوا الله في صلاتكم، فإنَّ العبدَ إذا قام في الصلاة غارَ الشيطان منه، فهو يحرِصُ ويجتهد كلَّ الاجتهاد أن يُفْسِدَ عليه صلاته، فإذا لم يتمكن من منعِهِ من الصلاة بالكلية، فإنه يحاولُ أن يَشْغَلَهَ عنها، فيذكُرهَ في الصلاة ما لم يكن يذكر قبلَ دخولِهِ فيها، حتى رُبَّما يكونُ قد نسي الشيء، وأَيِسَ منه فيذكِّرُه إياه في الصلاةِ لِيَشْغَلَهَ به.
فاتقوا الله -عبادَ الله- واحذَرُوا صلاةَ المنافق، قال صلى الله عليه وسلم: "تلكَ صلاةُ المنافق، يجلسُ يَرْقُبُ الشمسَ حتى إذا كان بين قرني الشيطانِ قامَ فَنَقَرَهَا أربعاً لا يذكُرُ اللهَ فيها إلا قليلاً".
قال الإِمامُ ابنُ القيم -رحمه الله-: فهذه ستُّ صفات في الصلاةِ من علامات النفاق: الكسلُ عند القيام إليها، ومراءاةُ الناس في فعلها، وتأخيرُها، ونَقْرُها، وقلةُ ذكرِ الله فيها، والتخلُّفُ عن جماعتِها.
فاحذَروا -عباد الله- من تلك الصفات في الصلاة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)[البقرة:45 - 46].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله رب العالمين، شَرَعَ فيَسَّرَ وما جعل علينا في الدين من حَرَجٍ، وأشهَدُ أنْ لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له، وأشهَدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلَّمَ تسليماً كثيراً.
أما بعدُ:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، وتعلَّموا أحكامَ صلاتكم، حتى تؤدُّوها على الوجه المشروع.
وقد سَبَقَ: أن بيَّنا لكم بعض ما يُنهى عن فعلِه في الصلاة، والآن نُبينُ لكم ما يجوز أو يُشْرَعُ فعلُه فيها.
فاعلَمُوا أنه يُسْتَحَبُّ للمصلي: ردُّ المارِّ بين يديه؛ لقولِهِ صلى الله عليه وسلم: "إذا كانَ أحدُكم يصلي فلا يَدَعَنَّ أحداً يَمُرُّ بينَ يديه، فإنْ أبى فليقاتِلْهُ "أي: يدفعه بشدة "فإنَّ معَه القرين" أي: الشيطان. (رواه مسلم).
وهذا إذا لم يكن المارُّ محتاجاً إلى المرور، فإن كان محتاجاً إليه لعدمِ وجود طريق آخر، فإنه يمُرُّ بينَ يدي المصلي للضرورة.
وفي المسجد الحرام لا يُمْنَعُ الناسُ من المرور بينَ يديه؛ لأنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- صلَّى بمكة والناسُ يمرُّونَ بين يديه وليسَ دونهم سترةٌ (رواه أحمد وأصحابُ السنن).
وللمصلي قتلُ الحية والعقرب؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم أمرَ بقتلِ الأسودين: الحية والعقرب في الصلاة (رواه أبو داود والترمذي، وصححه).
ولا بأسَ بالعملِ اليسير في الصلاة، كالتقدُّمِ أو التأخُّرِ قليلاً للحاجة.
وله التعوُّذُ عند آية الوعيد، والسؤال عندَ آيةِ الرحمة في صلاة النافلة؛ لفعلِه صلى الله عليه وسلم، وإذا عَرَضَ للمصلي أمرٌ وهو في الصلاة، كاستئذانٍ عليه، أو سهوِ إمامه، أو خافَ على إنسانٍ من الوقوع في هلكة، فله التنبيهُ على ذلك بأن يُسَبِّحَ الرجل وتُصَفِّقَ المرأة؛ لقولِهِ صلى الله عليه وسلم: "إذا نابَكم شيءٌ في صلاتِكم فليسبِّحِ الرجالُ، ولتصفقِ النساءُ" (متفق عليه).
وإذا احتاجَ المصلي إلى إصلاح لباسه، فلا بأَس بذلك، وكذا إذا تَذَكَّرَ أَنَّ في بعضِ لباسه نجاسةً فَخَلَعَه في أثناءِ الصلاة، فلا بأسَ بذلك؛ لأنه صلى الله عليه وسلم التحَفَ بإزاره وهو في الصلاة.
ولَمَّا عَلِمَ صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة أنَّ في نعليه نجاسةً خَلَعَهما، ومضَىَ في صلاته.
فهذه أفعال يسيرةٌ تُفعلُ لحاجةٍ أو لدفع مضرة، وهي لا تخل بالصلاة، فالحمدُ لله على التيسير.
واعلَمُوا -عبادَ الله- أنَّ خيرَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهَدْيِ هَدْيُ محمد -صلى الله عليه وسلم- ...