البحث

عبارات مقترحة:

الخبير

كلمةُ (الخبير) في اللغةِ صفة مشبَّهة، مشتقة من الفعل (خبَرَ)،...

الرب

كلمة (الرب) في اللغة تعود إلى معنى التربية وهي الإنشاء...

القابض

كلمة (القابض) في اللغة اسم فاعل من القَبْض، وهو أخذ الشيء، وهو ضد...

لماذا يجب أن نعلمه صغارنا؟

العربية

المؤلف محمد بن مبارك الشرافي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - التوحيد
عناصر الخطبة
  1. مكانة العلم وأهميته .
  2. أولى وأعظم العلوم توحيد الله .
  3. الأدلة على وجوب الاهتمام بعلم توحيد الله .
  4. انتشار مخالفات عقدية بين أبنائنا .

اقتباس

فَإِنَّنَا نَسْتَقْبِلُ أَيَّامَنَا هَذِهِ فَصْلاً دِرَاسِيَّاً جَدِيدَاً، وَأَبْنَاؤُنَا وَبَنَاتُنَا سَيَبْقَوْنَ مَا يُقَارِبُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ يَجْلِسُونَ فِي مَقَاعِدِ الدِّرَاسَةِ يَتَعَلَّمُونَ فِي الْمَدَارِسِ بِجَمِيعِ مَرَاحِلِهَا، وَيَنْهَلُونَ الْمَعْرِفَةَ بِمُخْتَلَفِ أَنْوَاعِهَا، وَلاشَكَّ أَنَّ هَذَا خَيْرٌ لَنَا وَلَهُمْ فِي أَمْرِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا؛ فَأَمَّا كَوْنُهُ خَيْرَاً فِي الدِّينِ فَلِأَنَّ...

الخطبة الأولى:

الْحَمْدُ للهِ الوَاحِدِ الأَحَد، الْقَوِيِّ الصَّمَد، الذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَد، لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَد، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه، الْمُتَفَرِّدُ بِالْمَلَكُوتِ وَالْمُلْك ، فَهُوَ أَغْنَى الأغْنِيَاءِ عَنِ الشِّرْك، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأصْحَابِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيرا.

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّنَا نَسْتَقْبِلُ أَيَّامَنَا هَذِهِ فَصْلاً دِرَاسِيَّاً جَدِيدَاً، وَأَبْنَاؤُنَا وَبَنَاتُنَا سَيَبْقَوْنَ مَا يُقَارِبُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ يَجْلِسُونَ فِي مَقَاعِدِ الدِّرَاسَةِ يَتَعَلَّمُونَ فِي الْمَدَارِسِ بِجَمِيعِ مَرَاحِلِهَا، وَيَنْهَلُونَ الْمَعْرِفَةَ بِمُخْتَلَفِ أَنْوَاعِهَا، وَلاشَكَّ أَنَّ هَذَا خَيْرٌ لَنَا وَلَهُمْ فِي أَمْرِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا؛ فَأَمَّا كَوْنُهُ خَيْرَاً فِي الدِّينِ فَلِأَنَّ دِينَنَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْعِلْمِ، وَالْجَاهِلُ لا يُحْسِنُ تَطْبِيقَ دِينِهِ، وَلا يَعْرِفُ كَيْفَ يَعْبُدُ رَبَّهُ عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ، وَأَمَّا كَوْنُ التَّعْلِيمِ خَيْرَاً فِي الدُّنْيَا فَلِأَنَّنَا نَعِيشُ فِي حَيَاةٍ لَهَا مُتَطَلَّبَاتٌ وَفِيهَا مَسْؤُولِيَّاتٌ وَلَنْ يَنْجَحَ إِلَّا الْمُتَعَلِّمُ، وَلَنْ يَعِيشَ الْحَيَاةَ الصَّحِيحَةَ التِي أَمَرَنَا اللهُ بِهَا لِنَحْيَا وَنَعْمُرَ الْأَرْضَ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) [الملك:15].

فَالْجَاهِلُ لا مَكَانَ لَهُ فِي الْمُجْتَمَعِ وَلا وَزْنَ لَهُ مَعَ النَّاسِ، وَسَوْفَ يَعِيشُ عَلَى فُتَاتِ الْخُبْزِ وَبَقَايَا طَعَامِ غَيْرِهِ كَمَا هُوَ وَاقِعٌ مَلْمُوسٌ، وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ نُعَوِّدَ أَوْلَادَنَا عَلَى الْجِدِّ وَالاجْتِهَادِ وَاسْتِغْلَالِ الْمَدَارِسِ وَالتَّعْلِيمِ فِيهَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ، واَعْلَمُوا أَنَّ الصِّغَارَ عَلَى مَا عَوَّدَهُمْ أَهْلُهُمْ.

قَالَ الشَّاعِرُ الْأَوَّلُ:

وَيَنْشَأُ نَاشِئُ الْفِتَيانِ مِنَّا

عَلَى مَا كَانَ عَوَّدَهُ أَبُوهُ

فَمَنْ جَدَّ وَجَدَ وَمَنْ زَرَعَ حَصَدَ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ هُنَاكَ أَمْرَاً مُهِمَّاً يَجِبُ أَنْ نَحْرِصَ عَلَيْهِ فِي عَمَلِيَّةِ التَّعْلِيمِ، سَوَاءً كُنَّا أَوْلِيَاءَ أُمُورٍ أَوْ مُعَلِّمِينَ أَوْ خُطَبَاءَ أَوْ أَئِمَّةَ مَسَاجِدٍ؛ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا فَرْضٌ يَجِبُ أَنْ يَقُومَ بِهِ، أَلَا وَهُوَ التَّوْحِيدُ وَالْعَقِيدَةُ.

نَعَمْ! إِنَّهُ التَّوْحِيدُ الذِي خُلِقْنَا مِنْ أَجْلِهِ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات:56].

إِنَّهُ التَّوْحِيدُ الذِي دَعَتْ إِلَيْهِ الرُّسُلُ وَأُنْزِلَتْ مِنْ أَجْلِ تَحْقِيقِهِ الْكُتُبُ، إِنَّهُ التَّوْحِيدُ الذِي هُوَ إِفْرَادُ اللهِ بِالْعِبَادَةِ، فَلا يُدْعَى إِلَّا هُوَ، وَلا يُرْجَى غَيْرُهُ، وَلا يُتَوَكَّلُ عَلَى سِوَاهُ، إِنَّنَا يَجِبُ أَنْ نَعِيَ هَذِهِ الْحَقِيقَةَ التِي غَابَتْ عَنْ كَثِيرٍ مِنَّا الْيَوْمَ فَدَخَلَ عَلَيْنَا الشَّرْكُ، وَاخْتَلَّتْ عِنْدَنَا الْعِقَيدَةُ، وَظَهْرَتِ الْبِدَعُ وَالْخُرَافَاتُ بِسَبَبِ الْجَهْلِ بِالْعَقِيدَةِ وَضَعْفِ الاهْتِمَامِ بِأَمْرِ التَّوْحِيدِ مِنْ غَالِبِ النَّاسِ الْيَوْمَ، وَهَذَا أَمْرٌ يُنْذِرُ بِالْخَطَرِ، وَيُؤْذِنُ بِتَدْمِيرِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا مَعَاً.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: رُبَّمَا يَسْتَغْرِبُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ، وَيَقُولُ القَائِلُ: نَحْنُ لَسْنَا بِحَاجَةٍ لِلْاهْتِمَامِ بِالتَّوْحِيدِ وَالْعَقِيدَةِ؛ لِأَنَّ عَقِيدَتَنَا صَافِيَةٌ وَتَوحِيدَنَا نَقِيٌ، فَدَعْ مِنَّا التَّخْوِيفَ وَالتَّهْوِيلَ؟

وَيُقَالُ: لِهَذَا إِنَّكَ لا تُلَامُ؛ لِأَنَّكَ لَمْ تَعْرِفْ عَقِيدَتَكَ عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ، وَلَمْ يَرْسَخِ التَّوْحِيدُ فِي قَلْبِكَ وَلِذَلِكَ صَدَرَ مِنْكَ هَذَا الْكَلَامُ؛ وَإِلَّا -فَوَاللهِ- لَوْ عَرَفْتَ حَقِيقَةَ التَّوْحِيدِ وَعِظَمَ أَهَمِيَّتِهِ لِأَمْضَيْتَ حَيَاتَكَ فِي تَعَلُّمِهِ؛ حِرْصَاً وَحِفَاظَاً عَلَيْهِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُ: تَأَمَّلْ هَذِهِ النُّصُوصَ وَمَا سَوْفَ تَسْمَعُ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ؛ لِكَيْ تَهْتَمَّ بِدِينِكَ وَتَلْتَفِتَ لِإِقَامَةِ عَقِيدَتِكَ.

فَأَوَّلاً: التَّوْحِيدُ هُوَ الذِي خُلِقْنَا مِنْ أَجْلِهِ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات:56]، وَالْعِبَادَةُ لا تُسَمَّى عِبَادَةً إِلَّا إِذَا  كَانَتْ للهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَحْدَهُ؛ فَالْمُشْرِكُ لَمْ يَعْبُدِ اللهَ وَإِنْ رَكَعَ وَسَجَدَ.

ثَانِيَاً: التَّوْحِيدُ هُوَ دَعْوَةُ جَمِيعِ الرُّسُلِ -عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل:36]؛ فَجَعَلَ اللهُ مُهِمَّةَ جَمِيعِ الرُّسُلِ -عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- هِيَ الدَّعْوَةُ لِلتَّوْحِيدِ وَالتَّحْذِيرُ مِنَ الطَّاغُوتِ وَهِيَ عِبَادَةُ غَيْرِ اللهِ.

ثَالِثَاً: التَّوْحِيدُ أُمِرَ بِهِ الْمُرْسَلُونَ وَرَغَّبُوا فِيهِ، فَهَذَا نَبِيُّنَا مُحَمُّدٌ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَّ-سَيِّدُهُمْ وَخَيْرُهُمْ وَإِمَامُهُمْ يَأْمُرُهُ اللهُ بِالتَّوْحِيدِ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) [محمد:19]؛ فَهَلْ نَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ: لا حَاجَةَ لِنَتَعَلَّمَ التَّوْحِيدَ؟!

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَّ- قَالَ: "قَالَ مُوسَى يَا رَبِّ عَلِمِّنِي شَيْئاً أَذْكُرُكَ بِهِ وَأَدْعُوكَ بِهِ. قَالَ: يَا مُوسَى لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، قَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ كُلُّ عِبَادِكَ يَقُولُ هَذَا! قَالَ: قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ. قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتْ، إِنَّمَا أُرِيدُ شَيْئاً تَخُصُّنِي بِهِ. قَالَ: يَا مُوسَى لَوْ أَنَّ السَّمَوَاتِ السَّبعِ وَعَامِرُهُنَّ غَيْرِي وَالْأَرْضِينَ السَّبْعِ فِي كِفَّةٍ وَلَا إِلَه َإِلَّا اللهُ فِي كِفَّةٍ مَالَتْ بِهنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ" (رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَالذَّهَبِيُّ).

رَابِعَاً: نَبِيُّ اللهِ إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- خَافَ عَلَى تَوْحِيدِهِ وَعَلَى عَقِيدَتِهِ وَعَقِيدَةِ أَبْنَائِهِ، وَدَعَا اللهُ أَنْ يَحْفَظَهَا مِنَ الْخَلَلِ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاس) [إبراهيم:35-36]ِ.

قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: "مَنْ يَأْمَنُ الْبَلَاءَ بَعْدَ إِبْرَاهِيم"؛ يَعْنِي: مَنِ الذِي لا يَخَاُف عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الشِّرْكِ إِذَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- خَافَ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى أَبْنَائِهِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَأَمَّا الْأَمْرُ الْخَامِسُ الذِي يَدُلُّ عَلَى أَهَمِيَّةِ التَّوْحِيدِ: فَهُوَ أَنَّ دَعْوَةَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي التَّوْحِيدِ وَفِي التَّحْذِيرِ مِنَ الشِّرْكِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا، وَقَدْ بَقِيَ فِي النَّاسِ بَعْدَ الْبِعْثَةِ ثَلَاثَاً وَعِشْرِينَ سَنَةً؛ فَالْعَشْرُ سِنِينَ الْأُولَى لَمْ يَأْمُرْ بِشَيْءٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ الْمَعْرُوفَةِ؛ لا صَلَاةً وَلا صَوْمَاً وَلا حَجَّاً وَلا جِهَادَاً، وَإِنَّمَا كَانَ يَأْمُرُ قُرَيْشَاً وَالْعَرَبَ أَنْ يَقُولُوا: لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ.

وَلا تَظُنُّوا أَنَّهُ يَدْعُو أُنَاسَاً لا يَفْهَمُونُ أَوْ كَانَتْ قُرَيْشُ أَغْبِيَاءَ لا يَعْرِفُونَ مَاذَا يُرِيدُ مِنْهُمْ؛ بَلْ كَانُوا عَلَى جَانِبٍ عَظِيمٍ مِنَ الذَّكَاءِ وَالْفِطْنَةِ وَقُوَّةِ الْحِفْظِ، لَكِنَّهُ الشِّرْكُ إِذَا ضَرَبَ أَطْنَابَهُ فِي الْعُقُولِ صَعُبَ اجْتِذَاذُهُ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى- عَنْهُمْ: (وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ * وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ) [ص:4-6]؛ فَانْظُرُوا كَيْفَ يَتَوَاصَوْنَ عَلَى الصَّبْرِ عَلَى الشِّرْكِ!

سَادِسَاً: لَوْ سَأَلْتَ نَفْسَكَ لِمَاذَا كَانَتْ آيَةُ الْكُرْسِيِّ أَعْظَمَ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ؟ وَلِمَاذَا كَانَتْ سُورَةُ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحْدٌ) [الإخلاص:1] تَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآن؟ فَلَوْ تَأَمَّلْتَ لَكَانَ الْجَوَابُ: لِأَنَّهُمَا خَاصَّتَانِ بِتَوْحِيدِ اللهِ دُونَ غَيْرِهِ؛ بَلْ إِنَّ سُورَةَ الْفَاتِحَةِ هِيَ أَعْظَمُ سُورِ الْقرْآنِ وَالسَّبَبُ أَنَّهَا تَضَمَّنَتْ جَمِيعَ أَنْوَاعِ التَّوْحِيدِ، وَأُصُولَ الْعَقِيدَةِ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالتَّحْذِيرَ مِنَ الشِّرْكِ وَالْبِدَعِ وَالانْحِرَافَاتِ.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ الذَي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ، وَالصَّلاةُ عَلَى خَاتَمِ رُسُلِهِ وَأَفْضَلِ أَنْبِيَائِهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ لِقَائِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيراً.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّهُ ظَهَرَ عِنْدَ أَوْلادِنَا مُخَالفَّاتٌ فِي الْعَقِيدَةِ، فَبَدَأَ عِنْدَهُمُ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللهِ، وَهَذَا شِرْكٌ أَوْ كُفْرٌ، كَمَا صَحَّ بِذَلِكَ الْحَدِيثُ عَنْ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ فَكَمْ يُسْمَعُ مِنْ أَوْلادِنَا فِي الْمَدَارِسِ بِالْحَلِفِ بِالْأَمَانَةِ! وَكَمْ مِمَّنْ يَحْلِفُ يَقُولُ: بِشَبَابِي! فِي أَبُوي وَأُمِّي!

إِنَّهُ يَرُوجُ عِنْدَهُمْ سُوقُ الذِينَ يَدَّعُونَ عِلْمَ الْغَيْبِ؛ سَوَاءٌ فِي الْقَنَوَاتِ أَوْ فِي الْجَوَّالاتِ، وَلَهُمْ بَرَامُجُ تُحَمَّلُ عَلَى الْجَوَّالاتِ الذَّكِيَّةِ؛ فَكَمْ مِنَ الْأَبْنَاءِ وَالْبَنَاتِ مَنْ يَنْظُرُ فِيمَا يُسَمَّى بِالْأَبْرَاجِ؛ التِي يُدَّعَى مِنْ خَلَالِهَا مَعْرِفَةُ الْمُسْتَقْبَلِ وَمَا الذِي يَحْدُثُ لِلشَّخْصِ فِي حَيَاتِهِ؟ كَمْ وُجِدَ مِنْ أَوْلادِنَا مَنْ يَتَوَاصَلُ مَعَ الْعَرَّافِينَ وَالسَّحَرَةِ مِنْ خِلَالِ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ! وَهَذَا كُلُّهُ مُضَادٌّ لِلْعَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ الْوَاجِبَةِ!

كَمْ وَقَعَ مِنْهُمْ مِنْ تَعْلِيقِ التَّمَائِمِ وَالْحُرُوزِ خَوْفَ الْعَيْنِ أَوِ الْجِنِّ، وَهَذَا شِرْكٌ، عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُول: "إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ" (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيّ).

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الْمُجْتَمَعَ الْجَاهِلَ بِدِينِهِ وَعَقِيدَتِهِ تَنْتَشِرُ فِيهِ الْخُرَافَاتُ وَيَكُونُ مَرْتَعَاً لِلسَّحَرَةِ وَالْمُشَعْوِذِينَ، وَيَكُونُ مَكَانَاً خَصْبَاً للضَّلَالاتِ، وَلِذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْنَا جَمِيعَاً التَّوَاصِي عَلَى الْحِفَاظِ عَلَى عَقِيدَتِنَا وَالْخَوْفِ مِمَّا يُخِلُّ بِهَا؛ وَخَاصَّةً بَيْنَ أَبْنَائِنَا وَبَنَاتِنَا.

نَسْأَلُ اللهُ أَنْ يَحْفَظَ لَنَا دِينَنَا وَأَنْ يُقِيمَ عَقِيدَتَنَا وَأَنْ يُطَهِّرَ تَوْحِيدَنَا مِنْ كُلِّ مَا يَشُوبُهُ مِنْ شَرْكٍ وَبِدْعَةٍ وَخُرَافَةٍ، الَّلهُمَّ اجْعَلْنَا مِمنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ.

الَّلهُمَّ احْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ ،حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَأَقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ.

الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ.

اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، ونَسْتَعِيذُ بِكَ مِمَّا اسْتَعَاذَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ.

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة:201]، (رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ) [آل عمران:193-194].

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ * وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ) [الصافات:180-182].