البحث

عبارات مقترحة:

الباطن

هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (الباطنيَّةِ)؛ أي إنه...

الملك

كلمة (المَلِك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعِل) وهي مشتقة من...

الكبير

كلمة (كبير) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، وهي من الكِبَر الذي...

حقوق العلماء

العربية

المؤلف حمزة بن فايع آل فتحي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب
عناصر الخطبة
  1. منزلة العلماء وعلو مكانتهم وشرفهم .
  2. خطر فقدان العلماء وتصدر الجهلة .
  3. بعض حقوق العلماء على الأمة .

اقتباس

إنهم العلماء حراس الشريعة، وحماة الدين، ومنارات الكون، بهم صلاح الناس وهدايتهم، وبهم ديمومة الحرية ونقاؤها، وسطوع الذكر وانتشاره، العلماء كالنجوم لأهل الأرض إذا أضاءت اهتدوا بها، وإذا أفلت ضلّوا وتحيروا، من...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل، بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضالٍ تائه قد هدَوه، فما أحسنَ أثرَهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغاليين وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.

وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب: 70 - 71].

أيها الإخوة الكرام: إن فئة في المجتمع بلغت شخوصهم سماء العز والمجد، وتملكت نفوسهم أعالي الشرف والسؤدد، حصلوا السعادة والبهجة في طي البلاء والنقمة، وحازوا المكارم رغم الأعادي لم يرفعهم جاه ولا سلطان، ولم يجملهم ملك ولا كبرياء، ولم يبلغهم نسب ولا يسار، هم في واقعنا أضخم الأسماء، وأكثرها بريقا، وأشدها دويا، قبلهم الناس بلا شروط ولا ميثاق، وأذعنوا لفضلهم دون تردد أو اضطراب، لصدقهم وأمانتهم وكمال ديانتهم.

تمنى أحد أكابر ملوك الإسلام أن يكون واحدا منهم متصفا بصفتهم، وسائرا على هديهم وطريقتهم، وقد جيء إليه بسائر متع الدنيا الفانيات، وقدمت له أنفس الملذات، قال الحافظ السيوطي في تاريخ الخلفاء في ترجمة أبي جعفر المنصور الخليفة العباسي: "وأخرج ابن عساكر عن محمد بن سلام الجُمَحي قال: قيل للمنصور: هل بقي من لذات الدنيا شيء لم تنله؟ قال: بقيت خصلة: أن أقعد في مَصْطبة وحولي أصحاب الحديث، يقول، يقول المستملي: مَنْ ذكرتَ رحمك الله؟ يعني: فأقول: حدثنا فلان، قال: حدثنا فلان، قال: حدثنا فلان عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: فغدا عليه الندماء وأبناء الوزراء بالمحابر والدفاتر فقال لهم: لستم بهم أي لستم بأصحاب الحديث الذين أعنيهم، إنما هم الدنِسة ثيابُهم المشققة أرجلهم، الطويلة شعورهم، بُرُدُ الآفاق، أي جوَّابوا البلدان والمسافات البعيدة ونقلة الحديث".

إنها منزلة سامية راقية، تمناها "خليفة عظيم" جمع ألوان السعادة في أنظار الناس ومع ذلك اشتاق للب السعادة، وحقيقة الحياة، وصدق الراحة والطمأنينة.

إنهم العلماء حراس الشريعة، وحماة الدين، ومنارات الكون، بهم صلاح الناس وهدايتهم، وبهم ديمومة الحرية ونقاؤها، وسطوع الذكر وانتشاره، العلماء كالنجوم لأهل الأرض إذا أضاءت اهتدوا بها، وإذا أفلت ضلّوا وتحيروا، من مثلهم في نشر السنن، ودرء الفتن، ونبذ البدع وسائر الخرافات.

همُ العدولُ لحمل العلم كيف وهم

أولوا المكارم والأخلاق والشيمِ

هم الجهابذةُ الأعلام تعرفهم

بين الأنام بسيماهم ووسْمِهمِ

هم ناصرو الدين والحامون حوزته

من العدو بجيش غير منهزمِ

لم يبق للشمس من نور إذا أفلت

ونورهم مشرقٌ من بعد موتِهمِ

معاشر المسلمين: إنكم لتبحثون عن النجاة، وتطلبون السلامة في هذه الحياة، فاعلموا إن نجاتكم مرهونة بوجود العلماء الربانيين الصادقين، فإذا قبض العلماء، حلت الهلكة والفوضى والفتن، ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالما، اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسُئلوا، فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا".

وأخرج الدرامي في سننه عن أبي جناب -رحمه الله- قال: "سألت سعيد بن جبير قلت: يا أبا عبد الله: ما علامة هلاك الناس؟ قال: إذا هلك علماؤهم".

السادة الأعزاء: إن علماء الشريعة الأجلاء لهم علينا حقوق وواجبات، يجب علينا مراعاتها، ونشرها وتعليمها أبناءنا وناشئتنا؛ فمن أجلِّ حقوقهم: إظهارهم ونشر فضائلهم ومحاسنهم، وصرف الجيل إلى محبتهم والاستماع إليهم وإنه لمن الخطأ بمكان، أن يعرف الأبناء رموز الخنا والسفاهة، ويجهلوا علماءهم الذين هم أمنة الأمة ورعاتها وحراسها، وهم الذين يذودون عنها، ويمنعونها من أيدي السفهاء والعابثين.

وأما أهل اللهو الزيغ فقد عُرفت مواقفهم، وانكشفت فعالهم في يوم داهمت الأمة النكبات والأزمات، فكان أهل العلم والفضل، أنصح الأمة للأمة، وأبرها وأحبها لها.

وإنه ليسؤونا كثيرا أن يعمد الآباء والمربون إلى تغيب العلماء والدعاة من واقع أبنائهم وشبابهم، في حين يرشدونهم إلى تراجم اللاهين البطالين، الذين صرفوا عقولهم عن المعاني النبيلة والطموحات الرفيعة.

إنّ العلماء هم صفوة الأمة ونبلاؤها، وقادتها وصلحاؤها، فخير لباغي الخير والسلامة معرفة العلماء والتقرب إليهم، والانتفاع بعلومهم وآدابهم.

ومن حقوق علمائنا علينا: إجلالهم واحترامهم والإصغاء لمواعظهم وتوجيهاتهم، وقبيح أن ترى بعض الشباب أو بعض المثقفين، يذكر العلماء كذكره لعامة الناس، ويسلم عليهم سلام الباغي المترفع، لا يحترمهم ولا يكرمهم، ولا ينزلهم منازلهم، روى الإمام أبو داود في سننه بسند حسن عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن من إجلال الله -تعالى-: إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القران غير الغالي فيه ولا الجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط".

وقد كان سلف هذه الأمة على وعي كبير بهذا الأدب العظيم، فكانوا يُجلّون العلماء ويحترمونهم، ويحفظون لهم وزنهم ومقدارهم، روى الحاكم وغيره بسند صحيح: أن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أخذ بركاب ناقة زيد بن ثابت -رضي الله عن- وقال: "هكذا أُمرنا أن نفعل لعلمائنا وكبرائنا".

ومن حقوقهم: الدفاع عنهم والذب عن أعراضهم، وفي العصور ظهر مثقفون بلا أخلاق ،يهمزون العلماء ويقدحون فيهم، وربما انتقصوهم أمام العامة، وحاولوا التقليل من شأنهم، ولا ريب أن انتقاص العلماء والدعاة الوقيعة فيهم من أخطر الذنوب على العبد، ويخشى عليه التردي والانتكاس، قال الحافظ ابن عساكر -رحمه الله-: "واعلم -يا أخي وفقنا الله وإياك لمرضاته، وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته-: أن لحوم العلماء -رحمة الله عليهم- مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة؛ لأن الوقيعة فيهم بما هم منه براء، أمر عظيم، والتناول لأعراضهم بالزور والافتراء مرتع وخيم، والاختلاف على من اختاره الله فيهم لنشر العلم خلق ذميم".

وليعلم المسلم أن تنقص العلماء والاستخفاف بهم علامة وهن وسقم فيه، وليس بهدي أهل السنة والاستقامة، وقد كان الصالحون قبلنا يعرفون فساد دين الشخص بوقيعته في العلماء المخلصين.

وإن من علامة البدعيّ

وقوعه في العالم الشرعي!

قال أبو حاتم الرازي -رحمه الله-: "علامة آهل البدع الوقيعة في أهل الأثر"، وقال الحسين الكرابيسي: "مثل الذين يذكرون أحمد بن حنبل مثل قوم يجيئون إلى أبي قُبيس يريدون أن يهدموه بنعالهم!".

أضحى ابن حنبل محنة مأمونة

وبحب أحمد يعرف المتنسكُ

وإذا رأيت لأحمد متنقصاً

فاعلم بأن ستوره ستُهَّتَكُ

قال عبد الله بن المبارك -رحمه الله-: "حق العاقل أن لا يستخف بثلاثة: العلماء والسلاطين والإخوان، فإن من استخف بالعلماء ذهبت آخرته، ومن استخف بالسلطان ذهبت دنياه، ومن استخف بالإخوان ذهبت مروءته".

وليعلم -الإخوة الكرام- أن القدح في العلماء إيذاء لهم، وإذا لم يكن العلماء أولياء لله، فليس لله ولي!

بارك الله لي ولكم...

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.

أما بعد:

اعلم -أخي رعاك الله- أنَّ ذبك عن أعراض إخوانك المسلمين، ثواب لك ومحمدة فيك، فكيف إذا كان هذا الذب عن فضلاء الأمة وخيارها، الذين هم زينة الحياة، وحلاوتها، ونضارتها، روى الترمذي بسند حسن عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من ردَّ عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة".

ومن حقوق العلماء علينا: زيارتهم والالتفاف حولهم والسؤال عنهم، فإنهم بضخامة أعبائهم أحوج ما يكون إلى المؤازرة والمساعدة والحماس والتشجيع، وتذكيرهم بعظم واجبهم، وأن عليهم مسئولية كبرى، عليهم حفظها وتبليغها والصبر عليها.

ومن العجب المؤسف في هذه الأعصار: زهد الناس في علمائهم ودعاتهم، وعدم السؤال عنهم ومجالستهم فتجد كثيرين، لا يعرف العالم إلا في المسجد وفي حلقة العلم، أو إذا احتاجه في فتيا مهمة، مع أن الإنسان قليل العلم لديه مسائل واشكالات وقضايا، يهمه رأي العالم الرباني فيها، لكي يبين له الحق، ويُضئ له الطريق، ويهديه قصد السبيل.

ومن حقوقهم: نشر علومهم ومصنفاتهم، وإياكم والكذب في النقل عن العلماء، أو تحريف الكلام، أو تصويره حسب الفهم والرأي، فكم جُني على علماء بسبب عدم التحري في النقل، أو التجوز في نشر الكلام؟ وكم نسب إلى عالم فتاوى غير صحيحة، وعند التثبت، علمنا فسادها وأنه قد افتري عليه فيها؟

وليعلم المسلمون أن النقل عن العلماء ليس كالنقل عن غيرهم، وإن كان المسلم مأمورا بالتثبت والتبين في نقل الأخبار، وإشاعتها على كل حال، وفي حق العلماء أعظم وأشد، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع" (أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه).

اللهم احفظ علينا علماءنا وخيارنا، اللهم وفقهم وسددهم، واجعلهم مفاتيح كل خير، مغاليق كل شر إنك على كل شيء قدير.