البحث

عبارات مقترحة:

النصير

كلمة (النصير) في اللغة (فعيل) بمعنى (فاعل) أي الناصر، ومعناه العون...

الغفور

كلمة (غفور) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) نحو: شَكور، رؤوف،...

الْمُنْجِيَات مِنْ فِتْنَةِ النِّسَاء

العربية

المؤلف عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب
عناصر الخطبة
  1. فتنة النساء خطرها .
  2. أسباب النجاة من فتنة النساء .
  3. نجاة يوسف -عليه السلام- من فتنة النساء عبرة وعظة .

اقتباس

أيها المؤمنون: يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ؛ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِى إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ" إنها فتنة من أشد الفتن وأعظمها وأخطرها؛ فيحتاج المرء -ولا سيما الشاب- أن يتفقه في هذا الباب فيما يعينه على الخلاص من هذه الفتنة، والنجاة من الوقوع فيها، لا سيما إذا كثرت المغريات، وتنوعت الدواعي. ولا أنفع في هذا المقام من أن نتدبر القرآن؛ فإنه شفاءٌ من كل داء، وبخاصةٍ تلك القصة العجيبة؛ قصة...

الخطبة الأولى:

الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيُّه وخليله، وأمينه على وحيه، ومبلِّغ الناس شرعه؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أمَّا بعد: أيها المؤمنون: اتقوا الله -تبارك وتعالى-، وراقبوه في جميع حركاتكم وسكناتكم مراقبة من يعلم أن ربَّه يسمعُه ويراه، وفي تقوى الله -جل وعلا- خلَفٌ من كل شيء، وليس من تقوى الله خلَف.

أيها المؤمنون: يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ؛ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِى إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ" إنها فتنة من أشد الفتن وأعظمها وأخطرها؛ فيحتاج المرء -ولاسيما الشاب- أن يتفقه في هذا الباب فيما يعينه على الخلاص من هذه الفتنة والنجاة من الوقوع فيها، لا سيما إذا كثرت المغريات، وتنوعت الدواعي.

أيها المؤمنون: ولا أنفع في هذا المقام من أن نتدبر القرآن؛ فإنه شفاءٌ من كل داء، وبخاصةٍ تلك القصة العجيبة؛ قصة يوسف -عليه السلام- فإن فيها أعظم عبرة، (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ)[يوسف: 111]، فيوسف -عليه السلام- تعرض لهذه الفتنة تعرضًا هو من أشد ما يكون، فقد أخبر الله -عز وجل- أن امرأة العزيز قد راودته عن نفسها، أوتيت منصبًا وجمالا، وهو شاب في أوج شبابه وقوة نشاطه، وفي بلد غربة، وهي التي دعته إلى نفسها، وتهيأت له وعملت على إغرائه، وغلَّقت الأبواب، واجتهدت في أن توقعه في شراك هذه الفتنة بكل ما أوتيت من سبيل أو طريق ؛ فنجَّاه الله . فيحتاج المرء وبخاصةٍ الشاب أن يتأمل في الأسباب التي كانت نجاةً ليوسف -عليه السلام-، متدبرًا كلام الله -عز وجل- مستلهمًا من هذا ما يُعينه على الخلاص من هذه الفتنة العظيمة الخطيرة.

أيها المؤمنون: وبالتأمل في هذا السياق الكريم؛ نجد أن الأسباب المعينة على النجاة من هذه الفتنة مستخلصةً من قصة يوسف -عليه السلام- سبعة أسباب، ولنتأملها جيدا: الأول: الاستعاذة بالله، فإن من استعاذ بالله أعاذه، ومن توكل على الله كفاه، (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[آل عمران: 101]؛ ولهذا بادر عليه السلام إلى التعوذ بالله -جل وعلا-، فقال حين راودته: (مَعَاذَ اللَّهِ)[يوسف: 23] أي: أستعيذ بالله.

والاستعاذة -أيها المؤمنون- حصنٌ حصين، وحرزٌ متين، يقي المسلم بإذن الله من الفتن كلها، والشرور بجميع صورها.

الأمر الثاني: أن يستحضر المرء في هذا المقام أن هذه الفَعلة ظلمٌ وأيُّ ظلم، وهو أمرٌ لا يرضاه المرء لنفسه في أهله، ولهذا قال عليه السلام مستحضرًا ذلك: (إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)[يوسف: 23]؛ فهذا ظلمٌ لا يفلح من قارفه بل إنه يكون من الخاسرين، وفي المسند للإمام أحمد في قصة الشاب الذي جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقال: يَا رَسُولَ اللهِ ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا؟ فنهره الصحابة، فأدناه النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال له: "أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟"، "أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟"، "أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟"، "أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟"، "أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟"، وفي كل ذلك يقول الشاب: لَا وَاللهِ، جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: "وكذلك الناس لا يرضونه لأمهاتهم ولا لبناتهم ولا لأخواتهم ولا لعماتهم ولا لخالاتهم"؛ لأنه ظلمٌ شنيع.

الأمر الثالث: تجديد الإيمان وتقويته؛ فإن الإيمان عصمةٌ لصاحبه ونجاة في الفتن، وتأمل قول الله -عز وجل-: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ)[يوسف:24] ؛ والمراد ببرهان ربه على الصحيح في معناها: أي ما معه من العلم والإيمان. وأعظم الإيمان ردعًا وزجرا: الإيمان بالله وعظمته جل في علاه، وأنه عز وجل مطلع على العباد يعلم سرهم ونجواهم لا تخفى عليه من العباد خافية، فهذا برهانٌ عظيم إذا حضر في قلب المؤمن عند الفتنة استحيا من ربه ومولاه أن يراه حيث نهاه.

الرابع -عباد الله-: تحقيق الإخلاص؛ فإن الإخلاص خلاصٌ من الفتن، ونجاة من المحن، وسلامة من البلايا والشرور، وتأمل في قصة يوسف يقول الله -عز وجل-: (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ)[يوسف: 24]، وفي قراءة «المخلِصين»؛ أي المخلِصين لله. فمن أخلص قلبه لله لم تجد هذه الشهوات المحرمة والملذات المنهي عنها سبيلًا إلى قلبه.

الخامس -عباد الله-: الفرار بالنفس من الفتن، ولا سيما عند انعقاد أسبابها ووجود موجبات وقوعها، فها هو يوسف -عليه السلام- لما وجدت هذه الفتنة العصيبة فرَّ متجهًا إلى الباب: (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ)[يوسف: 25] فرارًا من الفتنة ناجيًا بنفسه، وهكذا ينبغي أن يكون عبد الله المؤمن ؛ لا يخطو خطوات تفضي به إلى الفتنة، وإذا وقع في شيء من ذلك فعليه أن ينجو بنفسه فرارًا من الفتن، لا أن يستشرف لها أو يعرِّض نفسه للوقوع فيها، بل عليه أن يفر من الفتن طلبًا لنجاة نفسه وسلامتها وعافيتها .

الأمر السادس -عباد الله-: الاستعصام؛ وهذا شأنه عظيم، قال الله -عز وجل- ذاكرًا عن امرأة العزيز في هذا السياق: (وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ)[يوسف: 32]، والاستعصام -عباد الله- هو القوة مع النفس في منعها وكفِّها وزجرها والأخذ بأسباب نجاتها وسلامتها، وهكذا كان عليه السلام.

والناس في هذا المقام عند ورود الفتن بين مستعصِمٍ ومستسلم؛ ومن استعصم نجا، ومن استسلم للفتنة هلك.

الأمر السابع -عباد الله-: الإلحاح على الله بالدعاء وصدق الالتجاء إلى الله -سبحانه وتعالى-؛ فإن من دعا الله صادقًا أجاب الله دعاءه، وحقق رجاءه، وأعطاه سؤله، ويوسف -عليه السلام- لجأ إلى ربه معتصمًا بالله طالبًا نجاته وسلامته ممن بيده الأمر كله سبحانه وتعالى: (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ  وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ)[يوسف: 33]؛ دعا بهذه الدعوات الصادقات ملتجئًا إلى رب الأرض والسموات؛ فأجاب الله دعوته وحقق طِلبته (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[يوسف: 34].

نسأل الله -عز وجل- أن يرزقنا أجمعين بصيرةً في دينه، وحُسن تدبرٍ لكتابه وجمال ائتساء بأنبيائه وأصفيائه، وأن يلحقنا بالصالحين من عباده.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: أيها المؤمنون: اتقوا الله؛ فإن من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه. واعلموا أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدى هدى محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة؛ فإن يد الله على الجماعة.

أيها المؤمنون: وفي نجاة يوسف -عليه السلام- من هذه الفتنة وغيرها مما عرض له مما حكاه الله وقصه في سورة يوسف -عليه السلام- عبرة للمعتبرين، وعظة للمتعظين، ولا سيما من وفقه الله -تبارك وتعالى- للتأمل في آياته والتدبر لهداياته لتكون شفاءً لقلبه ونجاةً له من الفتن والشرور بأنواعها.

وفي تمام قصة يوسف ذكر الله -عز وجل- خصلتين عظيمتين اتصف بهما عليه السلام فكانتا له نجاةً من كل فتنة، وسلامةً له من كل بلية، تأمل ذلك في خواتيم هذه القصة، حيث قال عليه السلام: (أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا) ما سبب هذه المنة؟ وما سبب هذه النجاة؟ قال: (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)[يوسف: 90]؛ فجمع الله له بين التقوى والصبر، وهما عاصمتان من الفتن ومنجيتان من كل هلاك.

رزقنا الله أجمعين حُسن التقوى، وجعلنا من عباده المحسنين، وأعاذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: ٥٦]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد. وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهدين؛ أبى بكرٍ الصديق، وعمرَ الفاروق، وعثمانَ ذي النورين، وأبي الحسنين علي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وإحسانك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنَّة نبيك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان.

اللهم آمِنَّا اللهم في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال، اللهم وفِّقه وولي عهده لما تحبه وترضاه يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم آت نفوسنا تقواها، زكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها.

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].

اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.