المعطي
كلمة (المعطي) في اللغة اسم فاعل من الإعطاء، الذي ينوّل غيره...
العربية
المؤلف | إبراهيم بن محمد الحقيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحياة الآخرة |
وَأَيُّ عَذَابٍ يَنْتَظِرُ الْكَذَبَةَ الْأَفَّاكِينَ! الَّذِينَ يُشِيعُونَ الْكَذِبَ فِي وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ وَوَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الْجَمَاعِيِّ! فَيَقْذِفُونَ الْأَبْرِيَاءَ بِالتُّهَمِ الْبَاطِلَةِ! وَيَخْتَلِقُونَ الْأَخْبَارَ الْكَاذِبَةَ؟! إِنَّ أَشْدَاقَهُمْ تُشَرْشَرُ إِلَى أَقْفِيَتِهِمْ...
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ، اللَّطِيفِ الْخَبِيرِ؛ أَكْرَمَ الْبَشَرَ بِالْعَقْلِ وَدَلَّهُمْ عَلَى الدِّينِ، وَخَصَّ عِبَادَهُ
الْمُؤْمِنِينَ بِالْإِيمَانِ وَالْيَقِينِ، فَمَنْ هَدَاهُ عَقْلُهُ لِرَبِّهِ -سُبْحَانَهُ- فَقَدْ هُدِيَ إِلَى الرَّشَدِ وَالسَّعَادَةِ، وَمَنْ ضَلَّ بِهِ عَنْهُ فَقَدْ سَلَكَ سَبِيلَ الْغَيِّ وَالشَّقَاوَةِ (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طه: 123- 124].
نَحْمَدُهُ بِالْإِيمَانِ وَالْهِدَايَةِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى الرِّعَايَةِ وَالْوِقَايَةِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ، شَدِيدُ الْمِحَالِ، عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ، ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَنْصَحُ النَّاسَ لِلنَّاسِ وَأَتْقَاهُمْ لِلَّهِ -تَعَالَى-، لَا خَيْرَ إِلَّا دَلَّنَا عَلَيْهِ، وَلَا شَرَّ إِلَّا حَذَّرَنَا مِنْهُ، تَرَكَنَا عَلَى بَيْضَاءَ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا إِلَّا هَالِكٌ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ، وَالْزَمُوا دِينَهُ وَلَا تُفَارِقُوهُ، وَاتَّبِعُوا نَبِيَّهُ وَلَا تُخَالِفُوهُ، وَاسْتَمْسِكُوا بِكِتَابِهِ وَلَا تُفْلِتُوهُ؛ فَإِنَّهُ حُجَّةُ اللَّهِ -تَعَالَى- عَلَيْكُمْ، وَعَنْهُ تُسْأَلُونَ (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) [الزُّخْرُفِ: 43- 44]، وَلَيُذَادَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ حَوْضِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَا بَدَّلُوا مِنْ دِينِهِمْ وَغَيَّرُوا، وَيُقَالُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهِمْ: "إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ".
أَيُّهَا النَّاسُ: رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ، وَقَدْ رَأَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رُؤًى كَثِيرَةً وَعَبَّرَهَا لِأَصْحَابِهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ-، فَوَقَعَتْ كَمَا أَخْبَرَهُمْ بِهَا؛ كَرُؤْيَتِهِ لِقَتْلِ أَصْحَابِهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- فِي أُحُدٍ، وَرُؤْيَتِهِ لِغُزَاةٍ مِنْ أُمَّتِهِ يَرْكَبُونَ الْبَحْرَ، وَرُؤْيَتِهِ لِانْتِقَالِ وَبَاءِ الْمَدِينَةِ، وَغَيْرُهَا كَثِيرٌ. وَمِنْ أَعْجَبِ مَا رَأَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رُؤْيَتُهُ لِلْمُعَذَّبِينَ مِنَ النَّاسِ، وَحَدَّثَ أُمَّتَهُ بِهَذِهِ الرُّؤْيَا لِيَحْذَرُوا مِنَ الْوُقُوعِ فِي الذُّنُوبِ الَّتِي تُوجِبُ الْعُقُوبَاتِ الَّتِي رَآهَا فِي مَنَامِهِ؛ وَذَلِكَ مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمَّا يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ لِأَصْحَابِهِ: "هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيَا، قَالَ: فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُصَّ، وَإِنَّهُ قَالَ ذَاتَ غَدَاةٍ: إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي، وَإِنَّهُمَا قَالَا لِي: انْطَلِقْ، وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا، وَإِنَّا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ، فَيَتَدَهْدَهُ الْحَجَرُ هَا هُنَا، فَيَتْبَعُ الْحَجَرَ فَيَأْخُذُهُ، فَلَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الْأُولَى، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَانِ؟ قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَإِذَا هُوَ يَأْتِي أَحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ فَيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الْأَوَّلِ، فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الْجَانِبُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الْأُولَى، قَالَ: قُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، مَا هَذَانِ؟ قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ - قَالَ: فَأَحْسِبُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ - فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ، قَالَ: فَاطَّلَعْنَا فِيهِ، فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوُا، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ -حَسِبْتُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ- أَحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ، وَإِذَا فِي النَّهَرِ رَجُلٌ سَابِحٌ يَسْبَحُ، وَإِذَا عَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كَثِيرَةً، وَإِذَا ذَلِكَ السَّابِحُ يَسْبَحُ مَا يَسْبَحُ، ثُمَّ يَأْتِي ذَلِكَ الَّذِي قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ الْحِجَارَةَ، فَيَفْغَرُ لَهُ فَاهُ فَيُلْقِمُهُ حَجَرًا فَيَنْطَلِقُ يَسْبَحُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ فَغَرَ لَهُ فَاهُ فَأَلْقَمَهُ حَجَرًا، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَانِ؟ قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ كَرِيهِ الْمَرْآةِ، كَأَكْرَهِ مَا أَنْتَ رَاءٍ رَجُلًا مَرْآةً، وَإِذَا عِنْدَهُ نَارٌ يَحُشُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَا؟ قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا عَلَى رَوْضَةٍ مُعْتَمَّةٍ، فِيهَا مِنْ كُلِّ لَوْنِ الرَّبِيعِ، وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَيِ الرَّوْضَةِ رَجُلٌ طَوِيلٌ، لَا أَكَادُ أَرَى رَأْسَهُ طُولًا فِي السَّمَاءِ، وَإِذَا حَوْلَ الرَّجُلِ مِنْ أَكْثَرِ وِلْدَانٍ رَأَيْتُهُمْ قَطُّ، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَا؟ مَا هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا فَانْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَةٍ عَظِيمَةٍ، لَمْ أَرَ رَوْضَةً قَطُّ أَعْظَمَ مِنْهَا وَلَا أَحْسَنَ، قَالَ: قَالَا لِي: ارْقَ فِيهَا، قَالَ: فَارْتَقَيْنَا فِيهَا، فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنِ ذَهَبٍ وَلَبِنِ فِضَّةٍ، فَأَتَيْنَا بَابَ الْمَدِينَةِ فَاسْتَفْتَحْنَا فَفُتِحَ لَنَا فَدَخَلْنَاهَا، فَتَلَقَّانَا فِيهَا رِجَالٌ شَطْرٌ مِنْ خَلْقِهِمْ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ، وَشَطْرٌ كَأَقْبَحِ مَا أَنْتَ رَاءٍ، قَالَ: قَالَا لَهُمُ: اذْهَبُوا فَقَعُوا فِي ذَلِكَ النَّهَرِ، قَالَ: وَإِذَا نَهَرٌ مُعْتَرِضٌ يَجْرِي كَأَنَّ مَاءَهُ الْمَحْضُ فِي الْبَيَاضِ، فَذَهَبُوا فَوَقَعُوا فِيهِ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْنَا قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ، فَصَارُوا فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، قَالَ: قَالَا لِي: هَذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ وَهَذَاكَ مَنْزِلُكَ، قَالَ: فَسَمَا بَصَرِي صُعُدًا فَإِذَا قَصْرٌ مِثْلُ الرَّبَابَةِ الْبَيْضَاءِ، قَالَ: قَالَا لِي: هَذَاكَ مَنْزِلُكَ، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمَا ذَرَانِي فَأَدْخُلَهُ، قَالَا: أَمَّا الْآنَ فَلَا، وَأَنْتَ دَاخِلُهُ، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مُنْذُ اللَّيْلَةِ عَجَبًا، فَمَا هَذَا الَّذِي رَأَيْتُ؟ قَالَ: قَالَا لِي: أَمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ، أَمَّا الرَّجُلُ الْأَوَّلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ، وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ، يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرُهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ، فَيَكْذِبُ الْكَذْبَةَ تَبْلُغُ الْآفَاقَ، وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ، فَإِنَّهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي، وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يَسْبَحُ فِي النَّهَرِ وَيُلْقَمُ الْحَجَرَ، فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا، وَأَمَّا الرَّجُلُ الْكَرِيهُ الْمَرْآةِ، الَّذِي عِنْدَ النَّارِ يَحُشُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا، فَإِنَّهُ مَالِكٌ خَازِنُ جَهَنَّمَ، وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَمَّا الْوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ، قَالَ: فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ، وَأَمَّا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَنًا وَشَطْرٌ قَبِيحًا، فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا، تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُمْ" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
نَعُوذُ بِاللَّهِ -تَعَالَى- مِنْ غَضَبِهِ وَعَذَابِهِ، وَنَسْأَلُهُ الْعَافِيَةَ لَنَا وَلِلْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ) [الْبَقَرَةِ: 48].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْعَظِيمِ مِنَ الْعُقُوبَاتِ عَلَى الذُّنُوبِ مَا تَرْجُفُ مِنْهُ الْقُلُوبُ، وَتَقْشَعِرُّ مِنْهُ الْأَبْدَانُ، وَيَمْنَعُ تَذَكُّرُهُ الْهَنَاءَ بِالدُّنْيَا وَمَتَاعِهَا الزَّائِفِ الزَّائِلِ.
وَأَيُّ عَذَابٍ يَنْتَظِرُ مَنْ يَنَامُونَ عَنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ فَلَا يُصَلُّونَهَا إِلَّا بَعْدَ شُرُوقِ الشَّمْسِ! وَهَذَا دَأْبُهُمْ فِي أَكْثَرِ أَيَّامِهِمْ! مَعَ تَفْرِيطِهِمْ وَعَدَمِ مُبَالَاتِهِمْ؟! إِنَّ رُؤُوسَهُمْ تُرْضَخُ بِالْحِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الرَّأْسَ مَحِلُّ النَّوْمِ، وَبِالنَّوْمِ يَرْتَاحُ الدِّمَاغُ، فَعُوقِبَ بِرَضْخِهِ لَمَّا تَثَاقَلَ عَنْ فَرِيضَةِ اللَّهِ -تَعَالَى-.
وَأَيُّ عَذَابٍ يَنْتَظِرُ الْكَذَبَةَ الْأَفَّاكِينَ! الَّذِينَ يُشِيعُونَ الْكَذِبَ فِي وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ وَوَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الْجَمَاعِيِّ! فَيَقْذِفُونَ الْأَبْرِيَاءَ بِالتُّهَمِ الْبَاطِلَةِ! وَيَخْتَلِقُونَ الْأَخْبَارَ الْكَاذِبَةَ؟! إِنَّ أَشْدَاقَهُمْ تُشَرْشَرُ إِلَى أَقْفِيَتِهِمْ؛ لِأَنَّ مَصْدَرَ الْكَذِبِ الْفَمُ إِنْ كَانَ مَنْطُوقًا، وَالْعَيْنُ إِنْ كَانَ مَكْتُوبًا، وَالدِّمَاغُ مَصْنَعُ الْكَذِبِ، فَقُطِعَ الْفَمُ وَمَا حَوْلَهُ إِلَى قَفَا الرَّأْسِ، وَعَمَّتِ الْعُقُوبَةُ مَصَادِرَ الْكَذِبِ، نَعُوذُ بِاللَّهِ -تَعَالَى- مِنْ عَذَابِهِ.
وَأَمَّا الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي فَإِنَّهُمْ لَمَّا اسْتَخْفَوْا عَنِ النَّاسِ فِي ارْتِكَابِ الْفَوَاحِشِ عُوقِبُوا بِالْعُرْيِ فِي الْعَذَابِ، وَكَانُوا فِي تَنُّورٍ يُلْهِبُ أَسْفَلَهُمْ؛ لِأَنَّ أَعْضَاءَ الشَّهْوَةِ أَسْفَلَ الْجَسَدِ، فَصَلَتْهُمُ النَّارُ مِنْ أَسْفَلِهِمْ، فَوَيْلٌ لِأَهْلِ الْفَوَاحِشِ مِنْ هَذَا الْعَذَابِ الْأَلِيمِ إِنْ لَمْ يَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى-، وَوَيْلٌ لِمَنْ يَدْعُونَ النَّاسَ إِلَى الْفَوَاحِشِ، وَيُشِيعُونَهَا فِيهِمْ، وَيَمْهَدُونَ لَهُمْ سُبُلَهَا، وَيَفْتَحُونَ لَهُمْ أَبْوَابَهَا.
وَأَمَّا أَكَلَةُ الرِّبَا فَإِنَّهُمْ يَسْبَحُونَ فِي نَهْرٍ أَحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ؛ لِأَنَّ الذَّهَبَ أَحْمَرُ وَهُوَ أَعْلَى الْمَالِ وَأَثْمَنُهُ. وَيُلْقَمُونَ حِجَارَةً تَحْمِلُهَا أَفْوَاهُهُمْ جَزَاءَ مَا أَكَلُوا مِنَ الرِّبَا.
إِنَّهَا عُقُوبَاتٌ نَاسَبَتْ جَرَائِمَ أَصْحَابِهَا (جَزَاءً وِفَاقًا) [النَّبَأِ: 26]، (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) [الْكَهْفِ: 49]. وَهِيَ أَمْثِلَةٌ عَلَى عُقُوبَاتٍ أُخْرَى لِكَبَائِرَ غَيْرِهَا؛ فَعُقُوبَةُ النَّائِمِ عَنِ الصَّلَاةِ مِثَالٌ عَلَى عُقُوبَةِ تَرْكِ الطَّاعَاتِ، وَالتَّفْرِيطِ فِي الْفَرَائِضِ. وَعُقُوبَةُ الْكَذَّابِ الَّذِي تَبْلُغُ كِذْبَتُهُ الْآفَاقَ مِثَالٌ عَلَى عُقُوبَةِ مَعَاصِي الْقَوْلِ، وَمُوبِقَاتِ اللِّسَانِ. وَعُقُوبَةُ الزُّنَاةِ وَالزَّوَانِي مِثَالٌ عَلَى عُقُوبَةِ فِعْلِ الْمَعَاصِي. وَعُقُوبَةُ آكِلِ الرِّبَا مِثَالٌ عَلَى عُقُوبَةِ الْكَسْبِ الْحَرَامِ، فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنَ الْمَعَاصِي فَإِنَّهَا أَسْبَابٌ لِلْعَذَابِ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...