البحث

عبارات مقترحة:

الحليم

كلمةُ (الحليم) في اللغة صفةٌ مشبَّهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل)؛...

الباسط

كلمة (الباسط) في اللغة اسم فاعل من البسط، وهو النشر والمدّ، وهو...

الحميد

(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...

الابتعاث وخطره

العربية

المؤلف راشد بن مفرح الشهري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. وقفة مع قصة عمرو بن لُحَيّ .
  2. الرسائل الثلاث: إلى المبعثين وأوليائهم وولاة أمرهم .
  3. من قصص المبتعثين وأخبارهم. .

اقتباس

قل بربك عندما تخرج فتاة في سن الثامنة عشرة لتبتعث في الغرب أو في الشرق وغالبا لوحدها أو مع مجموعة من الفتيات أو محرم لبضعة أشهر ثم يعود، عاشت في بيئة محافظة، وفي قرية محصورة، أو في مدينة متمسكة، ثم تذهب إلى هذا الانفتاح غالبهن تكون حياتها ضياع في...

الخطبة الأولى:

الحمد لله جل عن شبه الخليقة، وتعالى عن الأفعال القبيحة، عدل في أحكامه وأحسن إلى عباده، دبر بلا وزير وقهر بلا معين، الأول بلا غاية، والآخر بلا نهاية، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، الشاهد لكل نجوى، والسامع لكل شكوى، والكاشف لكل بلوى، الذي لا يحويه مكان، ولا يشتمل عليه زمان وكل يوم هو في شأن، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله بعثه ربه بالدلائل الواضحات، والحجج القاطعات، بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، -صلوات ربي وسلامه عليه- ما ذكره الذاكرون الأبرار، -وصلاة ربي وسلامه عليه- ما غفل عنه الغافلون والأشرار، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1].

أيها المسلمون: عليكم بتقوى الله -جل وعلا-؛ فإنها سفينة النجاة، ويقول ثابت بن مرة: "راحة الجسم في قلة الطعام، وراحة النفس في قلة الآثام، وراحة القلب في قلة الاهتمام، وراحة اللسان في قلة الكلام"؛ فأريحوا أنفسكم -عباد الله-بالقرب من الله، والبعد عما يسخط الله.

أيها المسلمون: عمرو بن لُحَيّ رجل من رجالات لعرب الجاهلية، كان في دين إبراهيم -عليه السلام- يدين، وبالحنفية السمحة يستنير، أصابه مرض فذهب إلى الشام متطببا؛ فرآهم للأصنام يعكفون، ولها يعبدون، لماذا هذا يا هؤلاء؟ قالوا: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، أَعْجَبَهُ ما يعملون، فحمَل إلى مكة من الأصنام ما له يقدسون، حسَّن إلى الناس عبادتَها، وحثَّهم على تعظيمها حتى استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، أطاعوه وانخرطوا في ركابه، فكان صاحب قصب السبق واليد الطُّولَى في إغواء الناس، وإفساد عقائدهم، وصدهم عن سبيل الله كثيرا، لقد سافر وعاد، وأنفق مالَه وأتعب حاله ليعود بالأوزار والشرور، والكفر والثبور، (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ)[الْأَنْفَالِ: 36].

ما الذي جناه عمرو بن لُحَيّ على نفسه قبل أن يجنيه على أهله وذويه، وصحبه وأخيه؟ ذهب للتطبُّب فرأى ما يعجبه فأعجبه فنقله، رأى ما يستحسنه فاستحسنه فأحضره، غير دين قومه، وحرَّف دين ذويه، وألحد بعد توحيد، وأشرك بعد إيمان، ما الذي حصل من جرَّاء ذلك -عباد الله-؟ وما الذي استفاده من رحلته العلاجية؟ لقد حصل على شهادة تاريخية وعلاج كبير، وشقاء عليل، اسمعوا لهذه الشهادة، لهذا الرجل الذي اغترب وابتعث نفسَه إلى هذا المكان، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "خَسَفَتِ الشَّمْسُ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ خَطَبَ فِي النَّاسِ إِلَى أَنْ قَالَ: "لَقَدْ رَأَيْتُ فِي مَقَامِي هَذَا كُلَّ شَيْءٍ وُعِدْتُمْ، حَتَّى لَقَدْ رَأَيْتُنِي أُرِيدُ أَنْ آخُذَ قِطْفًا مِنَ الْجَنَّةِ حِينَ رَأَيْتُمُونِي جَعَلْتُ أَتَقَدَّمُ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ، وَرَأَيْتُ فِيمَا رَأَيْتُ –أي: في جهنم- عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ وَهُوَ الَّذِي سَيَّبَ السَّوَائِبَ" (رواه الإمام البخاري).

وفي رواية من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: "عُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارُ فَرَأَيْتُ فِيهَا عَمْرَو بْنَ لُحَيِّ بْنِ قَمَعَةَ بْنِ خِنْدِفَ أَبُو عَمْرٍو وَهُوَ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ غَيَّرَ عَهْدَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ سَيَّبَ السَّوَائِبَ، وَبَحَرَ الْبَحَائِرَ، وَحَمَى الْحَامِيَ، وَنَصَبَ الْأَوْثَانَ، وَأَشْبَهُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ أَكْثَمُ بْنُ أَبِي الْجَوْنِ قَالَ: فَقَالَ أَكْثَمُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَضُرُّنِي شَبَهُهُ؟ قَالَ: "لَا إِنَّكَ مُسْلِمٌ وَإِنَّهُ كَافِرٌ".

عباد الله: هذا ما أفاده عمرٌو من سفره وغربته، لم يكتفِ بكفره وشركه بل حمل معه ما غير على أهله وقومه دينهم، وهذا ذنب عظيم وإثم كبير، وغمس في جهنم وبئس المصير، هذا عقابه الذي رآه -صلى الله عليه وسلم- فكيف بيوم القيامة؟ كيف به إذا حمل أوزار أولئك القوم وآثامَهم، حمل أوزار من أضل، وآثام من أفسد، (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ)[النَّحْلِ: 25]، نعم؛ من أضل مهتديا فعليه وزره بسببه الذي تسبب به، وقال -جل وعلا-: (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ)[الْعَنْكَبُوتِ: 13]؛ أي: أثقال الذين أضلوهم، (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 13].

إنها الحقيقة العظمى لكل من دعا إلى فساد أو ضلال، أو زيغ أو انحراف، أن يتحمل عاقبة متبعيه، أن يتحمل إثم متبعيه وعاقبتهم، قال -عليه الصلاة والسلام-: "مَا مِنْ نَفْسٍ تُقْتَلُ ظُلْمًا إِلا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا، وَذَلِكَ بِأَنَّهُ أَسَنَّ الْقَتْلَ"، يا من يسن الضلالة لشباب المسلمين، ويودي ببنات المسلمين، إن هذا أمر مخيف عليكم أنفسكم أن تتحملوا آثاما مع آثامكم، وأوزارا مع أوزاركم، إن هذا أمر مخيف -عباد الله- من سن سنة فلها أجرها، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها.

إن هذا الحدث من عمرو بن لحي رسالة إلى كل مسافر ومتغرب ومبتعد، ماذا أنت إلى بلادك حامل وإليها معيد؟ رسالة إلى كل متغرب ومبتَعَث: ماذا أنت صانع بتوحيدك وعقيدتك؟ وأنت ترى اليهودية والنصرانية والشيعة. رسالة إلى كل متغرب وَمُبْتَعَث: ماذا أنت صانع بسلوكك وأخلاقك وحياتك؟

ألا ترى -أيها الشاب الطيب المسلم- ما نرى؟ ألا تشاهد -أيها الشاب المسلم- ما نشاهد؟ إلحاد بالله بعد إيمان، إلحاد بالله وبجلاله بعد إيمان وكفر بالله وآياته بعد إسلام، شباب عادوا بعد الإيمان كفارا، شباب عادوا وهم بعد الإيمان معهم كفر، وبعد الثبات انحرافا، وبعد القوة ضعفا، شباب عادوا وفتيات عدن كذلك ولكن بعار مرة، وبخزي مرة، وبانتكاسة مرة أخرى.

أيها المبتعث: كنتَ على ملة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما بالك في الدين مشككا؟ وللثوابت مبتذلا؟ وعن الشريعة صادا؟ وللأخلاق مغيرا؟ اقتديت بغير المسلمين، واهتديت بغير سبيل المؤمنين، لست مبالغا عباد الله عندما أقول لكم: إن الإلحاد، ولاسيما في وسائل التواصل الاجتماعي خط طريقه بصدود بعض الغاوين، وأن الشك سلك سبيله في قلوب بعض أبناء المسلمين، هذا يتنصر، وذاك يتشيع، وذاك يعلن علمنته، ورابع يفقد عقله بالمخدرات، وخامس يفقد شرفه وأخلاقه بالترهات، لست هنا -عباد الله- ألغي صورا مشرقة لبعض المبتعثين الذين استمسكوا بالدين القويم، ونشروا سنن سيد المرسلين، وكانوا للدين ناشرين، وبه عاملين، وبه معتزين، ولكنهم قلة والأكثر يتغيرون.

رسالة إلى والد كل مبتَعَث ومبتَعَثَة، رسالة ألقيها بين يديهم أبرأ به مما بيني وبينهم أمام الله -اتقوا الله- في أولادكم، واتقوا الله في بناتكم، شباب في ريعان الشباب وزهور الأعمار تلقون بهم إلى ذئاب الكفر والانفتاح المطلق، لا دين ولا قيم.

أيها الأب: قل بربك عندما تخرج فتاة في سن الثامنة عشرة لتبتعث في الغرب أو في الشرق وغالبا لوحدها أو مع مجموعة من الفتيات أو محرم لبضعة أشهر ثم يعود، عاشت في بيئة محافظة، وفي قرية محصورة، أو في مدينة متمسكة، ثم تذهب إلى هذا الانفتاح غالبهن تكون حياتها ضياع في ضياع، خرجت من بيت محافظ، وبلد محافظ، وقوم محافظين إلى بلاد كلها تفسخ وسفور وضياع، ليس للذِّكْر فيها محل، ولا للوعظ والتذكير مكان، ملتقياتها سفور، وشوارعها عري ورقص وغناء، أصبحنا نبيع الدين من أجل شهادة، والدين من أجل ريادة، والدين من أجل دنيا، لقد خلقنا الله وما سألنا عن سفر إلى بلاد الكفر، خلقنا لنحافظ على ديننا وعلى قيمنا وأخلاقنا وثوابتنا، ولنبلغ ذلك للناس ليدخلوا جنة ربنا، (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذَّارِيَاتِ: 56]، هذه الشهادة العظيمة التي إذا خرج به الواحد من الدنيا خرج من ذل إلى عز، ومن شقاء إلى سعادة.

إن هذا البلد وأهله هداهم الله -جل وعلا- وحفظهم وسددهم شعب مسلم مبارك وولاة مسلمون وترى الخير في كل مكان والمساجد في كل مكان، وتسمع الأذان في كل مكان، واسألوا المبتَعَثِينَ عن الأذان، متى يسمعونه؟ إن الواحد منهم إذا نزل إلى هذه البلاد فسمع الأذان في كل وقت تذكر حياتَه الأولى، وتذكَّر غربتَه هناك بلا نداء ولا أذان.

ورسالة -عباد الله- إلى ولاة أمرنا وفقهم الله وإلى كل مسئول عن الابتعاث أن يقننوا الابتعاث بتخصصات دقيقة، وبأعمار كبيرة، وأن يكون محصَّنا بزوجة أو تكون هي محصَّنة بزوج، وإلا فإن أولادنا أقولها براءةً للذمة: إن أولادنا هناك يتهافتون وإن بناتنا يُصطادون ويغرقون، ونحن على ساحل البحر متفرجون، أنرسل شبابا مراهقين تنقصهم الخبرةُ، وتدعوهم الرغبةُ والشهوةُ، ولا ترحمهم قوة الشباب، ويعجب اللهُ من شاب ليس له صبوة، والشباب شعبة من الجنون، والله لقد تألمت -عباد الله-، تألمت -عباد الله- في إحدى المطارات وأنا أرى المبتَعَثِين والمبتَعَثَات، شباب وفتيات صغار في مستهل أعمارهم، فاللهَ اللهَ أن نضيِّع هذه الأمانات لأجل شهادات ومآلات، الله أعلم بها، تأملوا واقرؤوا وتذكَّروا قول ربكم -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)[التَّحْرِيمِ: 6]، من ألقى بأولاده إلى تلك الأماكن خَلِيًّا ليس معهم أحد، هل هو متق لله؟ واقيا لأهله من النار.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والأموات، الأحياء منهم والأموات، اللهم احفظ أولادنا في كل مكان، اللهم احفظ أولادنا في كل مكان، وردهم إلينا ردا جميلا يا كريم.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول ما سمعتُم وتسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم؛ فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى، وسمع الله لمن دعا، الصلاة والسلام على النبي المصطفى، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى، أما بعد:

عباد الله: بلادنا -حَرَسَهَا اللهُ- بلاد مباركة، محفوظة من ظواهر المعاصي، بل إن المعاصي الظاهرة مجرمة ومعاقب عليها، ومع هذا كله نخاف على أولادنا، على أبنائنا وبناتنا، كيف إذا ذهب شباب في ريعان الزهور فوجدوا كل شيء مبثوثا في الشوارع، وكل معصية مطرحة في الأسواق والطرقات؟ أتريدون شهادات فيأتونكم بالمعاصي والمنكرات، أم تريدون مناصب وعلو هبات فلا ترون إلا الخذلان من الأولاد وفقدان الذات؟

أَمَتُّ مَطَامِعِي فَأَرَحْتُ نَفْسِي

فَإِنَّ النَّفْسَ مَا طَمِعَتْ تَهُونُ

وَأَحْيَيْتُ الْقُنُوعَ وَكَانَ مَيْتًا

فَفِي إِحْيَائِهِ عِرْضِي مَصُونُ

إِذَا طَمَعٌ يَحِلُّ بِقَلْبِ عَبْدٍ

عَلَتْهُ مَهَانَةٌ وَعَلَاهُ هُونُ

وإنني لأذكر لكم قصتين: الأولى مطوَّلة والثانية مختصرة، وقلب القاص والمستمع يتمزَّق بسبب هذا العناء الذي يمر بأولادنا، القصص كثير، والذي يشتهر منها ومعروف في الوسائل كثير، ولكن خذوا قصة من ألف قصة، شاب وأخته نشآ في مدارس التحفيظ، أرسلهما والدهما للابتعاث، تقول الفتاة: وفي السنة الأولى كنا على خير حال، دراسةً وجديةً، ثم وقع أخي في شبكة من الفساد، شرب المسكرات مرات ومرات، ثم تعاطى الحشيش، أخذت أنصحه وأنصحه، ولكن دون جدوى، ارتقى به الحال فترك المسكر أو معه فأصبح يتعاطى الهيروين المخدر، وفي يوم ما أحضر لي عصيرا وأنا أذاكر دروسي شربت ذلك العصير فأعجبني للذته، فطلبته منه مرة ومرة؛ لإعجابي به، المصيبة بعد ذلك أنه لم يكن عصيرا، وإنما كان عصيرا مشوبا بالمسكرات، وعصيرا مشوبا بالهيروين، حتى أدمنت المخدرات، وأصبح الراتب لا يكفينا حتى أن بعض أيامنا نعيش حالات من الفقر شديدة، حصلت الفاجعة ووقعت المصيبة، لم يكن إلا إبرة واحدة للهيروين، أريدها ويريدها أخي، طالبته مرارا فرفض، على ألا تكون إلا له، حاولت معه مرة ومرة فامتنع، ثم وافقني بشرط، لكنه لم يكن في وعيه التام، ووافقني بشرط، ما هو ذلك الشرط -عباد الله-؟ وافق بشرط أن تمكنه أخته من نفسها، إنا لله وإنا إليه راجعون، وتحت نشوة الرغبة في الهيروين والمخدرات وافقت، ومكنته من فعل الفاحشة بي، ثم أخذنا هذه معا، ساء الحال بهما، وضاع المال بينهما، وذهبا مرة لمن يعطيهم المخدرات فامتنع، فأشار الأخ لأخته، بدل أن يكون صائنا لها، أشار لها أن وافقي أن يفعل بك الفاحشة حتى يعطينا المخدرات.

إن ذلك المروِّج أخذ ما يريد من هذه الفتاة التي كانت في بلدها عفيفة، فباعت عرضها بالمخدرات، والمشرف على بيع العِرْض هو أخوها، الذي ذهب من هنا ليحمي عرضه، ذهبت الدراسة، وضاع التعليم، وكسبوا وفازوا ونجوا في المخدرات والمسكرات والمنكرات، تقول: وأصبح أهل المخدرات يحضرون إلي بيتنا يعبثون بي، بل ويعبثون بأخي كما يريدون، مقابل أن يعطونا بعض المخدرات، وأصبحت أرى الدم تلو الدم، أجنة تسقط من البغاء، ضَعُفْنَا هُنَا، وَهُنَّا هناك، وأهلنا يظنون أننا بالدراسة مشغولان، وبالعلم مشتغلان، وتوصلت إحدى الفتيات لهاتف أهلي فاتصلت بأخي الكبير حضر إلينا، إلى ذلك البلد، فدخل علينا البيت، فوجدنا سكارى، بل وعراة، وجدنا سكارى وعراة، وأخذ لحافا ليغطينا من مصيبة إلى أخرى، ومن مصحة إلى أخرى، وتفاجأ أخي بعد أن وجدنا مدمنين ليس ذلك فحسب، بل وجدنا محملين بمرض الإيدز، عندها عدنا لأهلنا ولكن بعد أن خسرنا حياتنا وأعمارنا، وعفتنا، وعقولنا، نتوارى عن القوم من سوء ما حل بنا؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون، تقول الفتاة عن نفسها: أجلس مع أهلي فأختفي عنهم أن آكل أمامهم خشية أن يأكلوا مما آكل منه حتى لا يصيبهم ما أصابني، صورة واحدة من صور شباب في ريعان الشباب، يزج بهم آباؤهم ويشجعهم إخوانهم في حبال تلك الدول الغربية وحتى الشرقية منها، أو حتى العربية، أهذا ما تريدون أيها الآباء من أبنائكم المبتعثين؟ يضيع أولادكم في أحضان دول الابتعاث، أم تريدون أن بناتكم يسلكن مسلكا آخر أيضا، تقول: إنها متزوجة بكندي؛ فيأتي والدها يريد أن يستخلصها وإذا به هو المهان، والمسجون والمعاقب.

أَصُونُ عِرْضِي بِمَالِي لَا أُدَنِّسُهُ

لَا بَارَكَ اللَّهُ بَعْدَ الْعِرْضِ فِي الْمَالِ

أَحْتَالُ لِلْمَالِ أَنْ أُودِي لِأَكْسِبَهُ

وَلَسْتُ لِلْعِرْضِ إِنْ أَوْدَى بِمُحْتَالِ

الْفَقْرُ يُزْرِي بِأَقْوَامٍ ذَوِي حَسَبٍ

وَيَقْتَدِي بِلِئَامِ الْأَصْلِ أَنْذَالُ

رسالة أخيرة -عباد الله- لمن له أولاد، لمن له أبناء وبنات مبتَعَثُون، أن يقوموا بزيارتهم، والاطمئنان على أحوالهم عن قرب، وأن يُكثروا لهم من الدعاء، وأن يستودعوهم الله -جل وعلا-، وأن يحرصوا على عودتهم إلى البلاد في أقرب وقت، ما داموا على عقولهم محافظين.

رَمِ الْمَطْرَحَ الْأَعْلَى مِنَ الْفَضْلِ كُلِّهِ

وَلَا تَرْضَ فِي أُكْرُومَةٍ بِسِوَاهَا

وَخَلِّ ضَنِينًا بِالْحَيَاةِ وَشَأْنَهُ

فَدَاهَا بِبَذْلِ الْعِرْضِ حِينَ فَدَاهَا

اللهم احفظ شبابنا، اللهم احفظ شبابنا وبناتنا، اللهم احفظهم من كل سوء، وردهم إلينا ردًّا جميلا يا كريم، اللهم احفظ بلادنا من كل سوء، واحفظ ولاة أمرنا، وعلماءنا وألف بين قلوبنا، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم آمِنًّا في الأوطان والدُّور، وأصلح لنا ولاة الأمور، وارزقهم بطانة صالحة تدلهم على الخير وتعينهم عليه، إنك على كل شيء قدير، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201].

وصلوا وسلِّموا على مَنْ أُمِرْتُم بالصلاة والسلام عليه؛ فمن صلى عليه في الصبح عشرا، وفي المساء عشرا حلت له شفاعتُه، ثم اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكرُ اللهِ أكبرُ، والله يعلم ما تصنعون.