البحث

عبارات مقترحة:

العفو

كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...

الوهاب

كلمة (الوهاب) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) مشتق من الفعل...

الحكم

كلمة (الحَكَم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعَل) كـ (بَطَل) وهي من...

رسائل رمضانية (2)

العربية

المؤلف عبد الله اليابس
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الصيام
عناصر الخطبة
  1. أربع رسائل رمضانية مهمة. .

اقتباس

اجتهد في الأيام القادمة، واطلب خير ليلة القدر، وثق تمامًا أنك مصيبٌ خيرها إن حرصت على الاجتهاد في كامل الأيام العشر، روي عن أنس -رضي الله عنه-: "أنه إذا كان ليلةُ أربعٍ وعشرين اغتسل وتطيَّب، ولبِس حُلَّةً وإزارًا ورداءً، فإذا أصبح طواهما فلم...

الخطبة الأولى:

الحمدُ للهِ الذي خصَّ بالفضلِ والتَّشرِيفِ شهرَ رمضانَ، وأَنزلَ فيه القرآنَ هُدى للناسِ وبيِّناتٍ من الهدى والفُرقانِ، وخَصَّهُ بالعفو والغفرانِ، واخْتَصَّ منِ اصطَفاهُ بفضلٍ منه وامتنانٍ، وأيقَظَ بالوعظِ من وفَّقهُ في هذا الموسم العظيمِ الشأنِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ ذُو الفضلِ والإحسانِ. وأشهدُ أن محمدَّاً عبدهُ ورسُولهُ سيدُ ولدِ عَدنانِ، صلّى اللهُ عليه وعلَى آلِهِ وأصحابِهِ وسلّم تسليمًا كَثيرًا، أمَّا بعدُ:

أيها المسلمون: أوصِيكُمْ ونَفْسي بِتَقْوى اللهِ: (فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[المائدة: 100].

يا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-: في الجمعة الماضية بعثت لكم رسائل رمضانية أرسلتها خالصة من القلب -ـإن شاء الله- ولعلها وصلت إلى قلوبكم، واليوم أحمل لكم رسائلَ أخرى؛ رسائل منتصف الشهر؛ أسأل الله -تعالى- أن ينفعنا أجمعين بها؛ إنه سميع قريب مجيب:

الرسالة الأولى: وانتصف شهر رمضان؛ نعم انتصف الشهر، بالأمسِ كنا نترصدُ الأخبار، ونتابع وسائلَ التواصل مُتَحَرِّينَ دخولَ الشهر الكريم، واليوم قد انقضى شطره، وأيامه مرت مسرعة، وصدق الله -تعالى- إذ قال: (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ)[البقرة: 184].

روى ابن ماجه وغيره بسند صحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قَالَ: "إذا كانَت أوَّلُ ليلةٍ من رمَضانَ صُفِّدتِ الشَّياطينُ ومَردةُ الجِنِّ, وغلِّقت أبَوابُ النَّارِ فلم يُفتَحْ منها بابٌ, وفُتِحت أبوابُ الجنَّةِ فلم يُغلَقْ منها بابٌ, ونادى منادٍ يا باغيَ الخيرِ أقبِلْ, ويا باغيَ الشَّرِّ أقصِر, وللَّهِ عتقاءُ منَ النَّارِ وذلِك في كلِّ ليلةٍ".

خلال هذه الليالي المعدودة التي مرت كان لله -تعالى- في كل ليلة منها عتقاء من النار، نعم  أناس من بيننا ختم الله -تعالى- لهم بالعتق من النار؛ فلا يدخلونها أبدًا.

اسأل نفسك -أيها الكريم- هل عملت خلال الأيام الماضية ما ترجو أن تكون معه من العتقاء من النار؟

لقد فاز الأقوام بالأجر، وسبقوك، وحطوا رحالهم في الجنة، وهم بين أظهرنا، أتعبوا أجسادهم اليوم ليريحوها غدًا.

أرأيت سرعة انصرام الشطر الأول من الشهر؟ ألا وإن النصف الثاني سيمر كمثل ما مر الأول، وأرجو أن لا تتحسر عليه كما تتحسر الآن على صاحبه.

تنصف الشهرُ والهفاهُ وانصرَما

واختصَّ بالفوزِ بالجناتِ مَنْ خَدَما

وأصبح الغافلُ المسكينُ منكسِرا

مثلي فيا ويحَهُ يا عُظمَ ما حُرما

من فاتُه الزرعُ في وقت البذارِ فما

ترَاهُ يحصُدُ إِلاَّ الهمَّ والنَّدَما

طُوبَى لمن كانت التَّقوى بِضاعتَه

في شهرِه وبحبلِ اللهِ مُعْتَصِما

الرسالة الثانية: أيام قليلة تفصلنا عن ميدان السباق الأكبر في رمضان.. العشرِ الأخيرةِ منه، أتعلم ماذا كان يصنع حبيبك وقدوتك -صلى الله عليه وسلم- إذا دخلت العشر؟ روى مسلم في صحيحه عن عائشةَ -رضي الله عنها- قالت: "كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ"، وروت عائشةُ -رضي الله عنه-ا كما عند البخاري ومسلم قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ".

شد مئزره: فاجتهد للعبادة واعتزل نساءه، وأحيا ليله: فلا ينام فيه أبدًا، وإنما بالصلاة والذكر وتلاوة القرآن وسائر العبادات، وأيقظ أهله: أيقظهم للطاعة والعبادة، وأوصاهم بذلك، وأخذ على أيديهم.

قال سفيان الثوري -رحمه الله-: "أحبُّ إليَّ إذا دخل العشر الأواخر أن يتهجدَ بالليل، ويُنهضَ أهلَه وولدَه إلى الصلاة إن أطاقوا ذلك".

وقال النَّوويُّ -رحمه الله-: "يُستحبُّ أن يُزاد من العبادات في العشْر الأواخر من رمضان، وإحياءِ لياليه بالعبادات".

وقال الشَّافعيُّ -رحمه الله-: "أَستَحِبُّ أن يكونَ اجتِهادُه في نهارِها كاجتهادِه في ليلِها".

الرسالة الثالثة: أعظم ما في العشر الفوز بليلة القدر، احفظ هذه العبارة، واجعلها أمامك خلال الأيام القادمة، واجتهد في تحصيلها، أعظم ما في العشر الفوز بليلة القدر، (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)[القدر: 3 - 5].

قال مالكٌ -رحمه الله-: "بلغني أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- أُريَ أعمارَ الناس قبلَه، أو ما شاء الله من ذلك، فكأنه تقاصر أعمار أُمتِه أن لا يبلغوا من العمل الذي بلغ غيرهم في طول العمر، فأعطاه الله ليلة القدر خير من ألف شهر".

روي في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غفر له ما تقدم من ذنبه".

وفي المسند بسند صحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال في شهر رمضان: "فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم"، نعم، فإن من حرم خيرها فقد حُرم.

اجتهد في الأيام القادمة، واطلب خير ليلة القدر، وثق تمامًا أنك مصيبٌ خيرها إن حرصت على الاجتهاد في كامل الأيام العشر، روي عن أنس -رضي الله عنه-: "أنه إذا كان ليلةُ أربعٍ وعشرين اغتسل وتطيَّب، ولبِس حُلَّةً وإزارًا ورداءً، فإذا أصبح طواهما فلم يلبسهما إلى مثلها من العام القادم".

وقال حمَّادُ بن سلمةَ: " كان ثابتٌ وحميدٌ: يلبسان أحسنَ ثيابهما، ويتطيبان، ويُطيبانِ المسجدَ بالنَّضُوحِ والدُّخْنَة، في اللِّيلة التي تُرجى فيها ليلة القدر".

أيها المبارك: ها قد أقبلت العشر، فطيب ظاهرك، وطيب باطنك، يطيبُ عيشُك في الدنيا والآخرة بإذن الله -تعالى-.

إذا المرءُ لم يلبس ثيابًا من التقى

تقلَّب عُريانا، وإِن كانَ كاسيا

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم, ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, قد قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ لِلَّـهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الحشر: 18].

فيا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- ما زلنا مع الرسائل الرمضانية، والرسالةُ الرابعة منها تقول: مسكين من ترك الاعتكاف، نعم، إذا كان رمضانُ كله أيامٌ معدودات؛ فالعشرُ ليالٍ معدوداتٍ من أيام معدودات، أفَيُفَرِطُ فيها مفرط؟

كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-كما في الصحيحين يعتكف العشر الأواخر من رمضان، قال الإمام أحمد: "لا أعلم خلافاً بين العلماء في سنية الاعتكاف".

ساعات العشر الأواخر مباركة، وهي قليلة محصورة، أفلا تستحق أن تصرف كلها في طاعة الله؟

أليس من أعظمِ ما يعين على العمل الصالح المكث في المسجد؟

ماذا تنتظر؟ اجعل عشرك هذا العام خالصة لله تعالى، واملأها بما يرضيه.

أنجز من اليوم تجهيزات العيد لك ولأهلك، وخلِّص مهامَّك الشخصية، واختر مسجدًا جامعًا، وهيئ لنفسك فيه مكانًا، تدخله ليلة الحادي والعشرين، ولا تخرج منه إلا ليلةَ العيد.

املأ وقتك بالطاعة، تَنَعَّم بالقرب من الله، اِسعَد بالخلوة به -سبحانه-، ولذة مناجاته، ووالله ستجد نعيمًا لا يدانيه نعيم.

يا نائم الليل كم ترقدُ

قم يا حبيبي قد دنا الموعدُ

وخذ من الليل وأوقاته

وِرْداً إذا ما هجع الرُّقَّدُ

من نام حتى ينقضي ليله

لم يبلغ المنزل أو يزهدُ

قل لذوي الألباب أهلِ التقى

قَنطَرَةُ الَعْرض لكم موعِدُ

فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك, اللهم تقبل صيامنا وقيامنا, وتجاوز اللهم عن تقصيرنا وتفريطنا, واجعلنا ممن يصوم ويقوم رمضان إيماناً واحتساباً, ووفقنا لقيام القدر إيماناً واحتساباً يا رب العالمين.

يا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- اعلموا أن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- وجعل للصلاة عليه في هذا اليوم والإكثار منها مزية على غيره من الأيام, فللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون؛ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.