البحث

عبارات مقترحة:

الآخر

(الآخِر) كلمة تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...

المتين

كلمة (المتين) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل على وزن (فعيل) وهو...

المقيت

كلمة (المُقيت) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أقاتَ) ومضارعه...

في ختام رمضان

العربية

المؤلف صلاح بن محمد البدير
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الصيام
عناصر الخطبة
  1. تهنئة للمجتهدين في رمضان .
  2. دعوة للمقصرين المفرطين .
  3. توديع رمضان .
  4. من أحكام زكاة الفطر .
  5. سنة التكبير .
  6. صلاة العيد .

اقتباس

هذا رمضانُ قد دنا رحيلُه وأزِف تحويلُه؛ فهنيئًا لمن زَكت فيه نفسُه، ورقّ فيه قلبُه، وتهذَّبت فيه أخلاقُه، وعظُمَت للخير فيه رغبتُه، هنيئًا لمن كان رمضانُ عنوانَ توبتِه وساعةَ إيابه وعودتِه ولحظةَ رجوعه واستقامتِه، هنيئًا لمن غُفِرت فيه زلّتُه، وأُقيلَت فيه عثرتُه، ومُحيت فيه خطيئته، وعفا عنه العفوُّ الكريم، وصفَح عنه الغفورُ الرحيم، هنيئًا لمن حقَّق جائزتَه ونال غنيمته، فأُعتِقت رقبتُه وفُكَّ أَسره ..

أما بعد:

فيا أيّها المسلمون: اتقوا الله؛ فإنّ تقواه أفضل مكتسَب، وطاعته أعلى نسب: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

أيّها المسلمون: هذا رمضانُ قد دنا رحيلُه وأزِف تحويلُه؛ فهنيئًا لمن زَكت فيه نفسُه، ورقّ فيه قلبُه، وتهذَّبت فيه أخلاقُه، وعظُمَت للخير فيه رغبتُه، هنيئًا لمن كان رمضانُ عنوانَ توبتِه وساعةَ إيابه وعودتِه ولحظةَ رجوعه واستقامتِه، هنيئًا لمن غُفِرت فيه زلّتُه، وأُقيلَت فيه عثرتُه، ومُحيت فيه خطيئته، وعفا عنه العفوُّ الكريم، وصفَح عنه الغفورُ الرحيم، هنيئًا لمن حقَّق جائزتَه ونال غنيمته، فأُعتِقت رقبتُه وفُكَّ أَسره، وفاز بالجنة وزُحزِح عن النار، جعلَنا الله وإيّاكم منهم.

ويا ضيعةَ من قطَعه غافلاً ساهيًا، وطواه عاصيًا لاهيًا، وبدَّده متكاسِلاً متثاقِلاً متشاغِلاً.

يا مَن أغوَته نفسه وألهاه شيطانه وضيّعه قرناؤه، هذا شهرُ رمضانَ قد قارب الزوال، وأذِن بساعة الانتقال؛ فاستدرِك ما بقي منه قبل تمامِه، وتيقَّظ بالإنابةِ قبل خِتامه، وبادِر بالتوبة قبلَ انصرامه، فكم متأهِّبٍ لفِطره صار مرتهنًا في قبرِه، وكم من أعدَّ طِيابًا لعيده جُعِل في تَلحِيده، وكَم من خاطَ ثيابًا لتزيينه صارت لتكفينه، وكم من لا يصوم بعدَه سِواه.

يا من قُمتم وصمتم، بُشراكم رَحمةٌ ورِضوان وعتقٌ وغُفران؛ فربّكم رحيم كَريم، جوادٌ عظيم، لا يضيع أجرَ من أحسنَ عملاً، فأحسِنوا به الظنَّ، واحمدوه على بلوغ الختام، وسلوه قبولَ الصيام والقيام، وراقبوه بأداءِ حقوقه، واستقيموا على عبادتِه، واستمرّوا على طاعتِه، فشهركم قد ودَّع وحان الفراق.

فيا شهرَ البركة، يا شهر البركة غيرَ مودَّعٍ سنودّعُك، وغيرَ مقليٍّ سنفارقك، ولا ندري أتعود علينا أم تختَرِمُنا المنونُ فلا تؤوب إلينا.

سلامٌ عليك يا شهرَ الصيام والقيام، سلامٌ عليك يا شهرَ التلاوة والقرآن، سلام عليك يا شهرَ البركة والإحسان، سلام عليك يا شهرَ التجاوز والغفران، سلام عليك يا شهرَ التُّحف والرضوان.

تفيض عيونِي بالدّمـوع السواكبِ

وما لَي لا أبكي على خيْر ذاهبِ
علـى أشرف الأوقات لمَّا غُبِنتهـا بأسـواقِ غَبنٍ بيْن لاهٍ ولاعـبِ
على أنفَس الساعات لَمَّا أضعتهـا وقضيتهـا في غفلـة ومَعـاطبي
علـى صرفِيَ الأيّام في غيرِ طـائلٍ ولا نافعٍ مِن فِعلِ فضل وواجبِ
إليه مـآبِي وهو حسبِي وملجئـي ولِي أمَلٌ فِي عَطفِه غيْرُ خـائبِ
وأسأله التوفيـق فيما بقـي لِمَـا يحبّ ويرضى فهو أسْمى المطالبِ
وأن يتغشّـانـا بعفـوٍ ورحْمـة وفضلٍ وإحسانٍ وسَترِ الْمعائبِ

أيّها المسلمون: ومِن لطيف حِكمة الله -عزّ وجلّ- وتمامِ رحمته وكمالِ عِلمه وجميل عفوِه وإحسانه أن شرَع زكاةَ الفطر عند تمامِ عدّة الصيام؛ طُهرةً للصائم من الرّفث واللغو والمآثم، وجبرًا لما نقَص من صومه، وطُعمة للمساكين، ومواساةً للفقَراء، ومعونةً لذوي الحاجات، وشكرًا لله على بلوغ ختامِ الشهرِ الكريم، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "فرَض رسول الله –صلى الله عليه وسلم- زكاةَ الفطر طهرةً للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، من أدّاها قبلَ الصلاة فهي زكاةٌ مقبولة، ومَن أدّاها بعدَ الصلاة فهي صدقة من الصدقات". أخرجه أبو داود وابن ماجه.

وتلزم الإنسانَ عن نفسِه وعلى كلّ من تجب عليه نفقتُه، ومقدارُها عن كلّ شخص صاعٌ من بُرّ أو شعير أو تمر أو زبيب أو أقط أو مما يقتاته الناس، كالأرز والدُّخن والذرة، فعن ابن عمرَ -رضي الله عنهما- قال: "فرض رسول الله –صلى الله عليه وسلم- زكاةَ الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين، وأمر أن تُؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة". متفق عليه.

وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: "كنا نخرج زكاةَ الفطر إذ كان فينا رسولُ الله –صلى الله عليه وسلم- صاعًا من طعام، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من شَعير، أو صاعًا من زبيب، أو صاعًا من أَقِط". متفق عليه.

ومن أراد صاعًا وافيًا وكيلاً ضافيًا فليجعله ثلاثةَ كيلوجرامات.

ويستحبّ إخراجُها عن الجنين -وهو الحَمل- لفعلِ عثمان -رضي الله عنه-، ولا يجب.

ومن أخرجها نقودًا أو قيمَة أو كسوة لم تجزئه في أصحّ قولَي العلماء؛ لعدوله عن المنصوص عليه في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

ويبدأ وقتُها من غروبِ شمسِ آخِر يوم من رمضان، وينتهِي بصلاةِ العيد، ويجوز إخراجها قبل ذلك بيوم أو يومين، والأفضل أن تخرَج يوم العيد قبل أن يخرجَ إلى صلاة العيد إن أمكنه ذلك، ومن أخّرها عن وقتها عامدًا أثم وعليه التوبة وإخراجُها فورًا، وإن كان ناسيًا فلا إثمَ عليه ويخرِجها متى ذكر.

وتُعطى فقراءَ المسلمين في بلدِ مُخرِجِها، ويجوزُ نقلها إلى فقراءِ بلد أخرى أهلُها أشدّ حاجة، ولا تُدفع لكافر، ولا حرَج في إعطاءِ الفقير الواحد فطرَتين أو أكثر.

وليس لزكاةِ الفطر دعاءٌ معين ولا ذكر معين يُقال عليها.

ومن لم يكن لديه صاعٌ يومَ العيد وليلته زائدٌ عن قوته وقوت عياله وضروراته وحاجاته الأصليّة لم تجب عليه زكاة الفطر؛ لقوله –صلى الله عليه وسلم-: "لا صدقةَ إلا عن ظهر غنى". متفق عليه.

وإذا أخذ الفقيرُ زكاةَ الفطر من غيرِه وفضَل عنده منها صاعٌ وجَب عليه إخراجُه عن نفسه، فإن فضل منها عنده عدّة آصُع أخرَجها عمّن يمون وقدّم الأقربَ فالأقرب.

فطيبوا بها نفسًا، وأخرجوها كاملةً غيرَ منقوصة، واختارُوا أطيَبها وأنفَسَها وأنفعها للفقراء.

أيّها المسلمون: ويُشرع التكبير ليلةَ عيد الفطر وصباحَ يومها إلى انتهاء خطبة العيد؛ تعظيمًا لله -سبحانه وتعالى-، وشكرًا له على هدايته وتوفيقه، قال تعالى: (وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة: 185]، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "حقٌّ على المسلمين إذا رأوا هلال شوال أن يكبروا".

فاجهروا بالتكبير من غروب الشمس ليلةَ العيد إلى صلاةِ العيد في مساجِدكم وأسواقكم ومنازلكم وطرقكم، مسافرين كنتم أم مقيمين، وأظهروا هذه الشعيرةَ العظيمة، ولتكبِّر النساء سرًّا، وليقصُر أهلُ الغفلة عن آلاتِ الطرب والموسيقى والأغاني المحرمة الماجنة، ولا يُكدِّروا هذه الأوقات الشريفة بمزامر الشياطين وكلام الفاسقين.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائِر المسلمين من كلّ ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنّ نبيّنا وسيّدنا محمّدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلّم تسليمًا كثيرًا.

أمّا بعد:

فيا أيها المسلمون، اتقوا الله وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119].

أيها المسلمون: صلاةُ العيد من أعلام الدين الظاهرة وشعائره العظيمة، فاخرجوا إليها متطيِّبين متجمِّلين متزيّنين، لابسين أحسنَ ثيابكم، حتى المعتَكِف يخرُج إلى صلاة العيد في أجمل ثيابه، وليس من السنّة خروجُه في ثياب اعتكافه.

ويخرج النساء إلى صلاةِ العيد، حتى الحُيَّض يشهَدن بركةَ ذلك اليوم وطهرتَه والخيرَ ودعوة المسلمين، ويخرُجن متستّرات محتشمات، غير متطيّبات ولا متبرّجات، ولا يلبسن ثوبَ فتنة ولا زينة، قال رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم-: "لا تمنعوا إماءَ الله مساجدَ الله، وليَخرُجن تَفِلاتٍ". يعني: غير متطيبات. أخرجه أبو داود.

ويسنّ لمن فاتته صلاةُ العيد أو بعضُها قضاؤُها على صِفتها. ويسنّ الأكل يوم الفطر قبلَ الخروج لصلاة العيد، فعن أنس -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لا يغدو يومَ الفطر حتى يأكل تمرات، ويأكلهن وترًا. أخرجه البخاري.

ثمّ اعلموا أنّ الله أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنى بملائكته المسبِّحة بقدسه، وأيَّه بكم أيها المؤمنون من جنه وأنسه، فقال قولا كريمًا: (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

اللّهمّ صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمّدٍ، وارضَ اللّهمّ عن خلفائه الأربعة أصحابِ السنة المتّبعة: أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، وعن سائر الصّحابة أجمعين، والتابعين لهم وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنّك وفضلك وجودِك وإحسانك، يا أرحم الراحمين.

اللّهمّ أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمّر أعداء الدين، واجعَل هذا البلد آمنًا مطمئنًا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين...