العظيم
كلمة (عظيم) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وتعني اتصاف الشيء...
العربية
المؤلف | محمد ابراهيم السبر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - أهل السنة والجماعة |
التلقي والحُكْم على الأشخاص، وتشخيص الأحداث لا يُتلقَّى من المجاهيل، أو من الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي؛ فهي ليست مصدرًا موثوقًا به للتلقي، ومع ذلك وللأسف نجد بعض الشباب يجعله مصدرًا للحكم على الأشخاص وتشخيص الواقع...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله ...
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
معاشر المؤمنين: إن نعمة الأبناء من أعظم نِعَم الله -عز وجل- على عباده، وهي نعمة تستحق شكر المنعم الواهب، قال تعالى: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ)[الشُّورَى: 49].
إن الأبناء هم وقود الأمة في حاضرها، وأملها في مستقبلها، قال تعالى ممتنًّا على بني إسرائيل: (وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا)[الْإِسْرَاءِ: 6].
والمحافظة على الأبناء ورعايتهم واجب شرعي، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)[التَّحْرِيمِ: 6]. وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته الإمام راع، ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، فكلكم راع، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، فكلكم راع ومسؤول عن رعيته" (متفق عليه)، وقال أيضًا: "ما من عبد يسترعيه الله رعيةً يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة" (متفق عليه).
والمحافظة على الأبناء أمرٌ ذو بال خاصة في هذه الأيام؛ أيام الفتن والمحن، والتي اختلط فيها الحابل بالنابل، وفسدت فيها بعضُ المفاهيمِ، وامتلأت عقولٌ بلوثات فكرية أضرت بالعقيدة والسلوك، وشَطَّتْ أفهامٌ بأصحابها عن سواء السبيل فأخلَّت بالأمن وشقَّت عصا الطاعة وفرَّقت الجماعةَ، وحملت على أهلها وبلدها السلاح!
وإن من المؤسف حقًّا أن يتولى كِبْر هذه الأفعال أناسٌ من بني جِلْدَتِنَا، ويتكلمون بألسنتنا، يسوِّغون هذه الأعمالَ بأفكار مضللةٍ خارجةٍ عن الجماعة ليقع في أتون فتنتهم الشبابُ الأغرارُ ودهماءُ الناس.
وهذا يستدعي دورا ًكبيرًا من المجتمع بشتى طبقاته وفئاته لعلاج هذه الظاهرة وحماية الشباب منها، ومن ذلكم -عباد الله-:
تربيتهم على المنهج الحق، وهو منهج الوسطية والاعتدال؛ فلا إفراط ولا تفريط ولا غلو ولا جفاء، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ)[الْبَقَرَةِ: 143] الآيةَ. وقال صلى الله عليه وسلم: "يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا" (متفق عليه).
فلابد من توجيه الناشئة لاعتناق هذه العقيدة الوسطية، والبعد عن الغلو والتطرف، وكذلك تحذيرهم من الخروج عن جادَّة الشرع والتحلل من أحكامه وقِيَمِه، قال تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)[الْحَشْرِ: 7].
ومن الأمور التي تحفظ الشباب من الأفكار الهدَّامة العلم الشرعي المبنيّ على الكتاب والسُّنَّة وفهم علماء الأمة، وانتهاج منهج السلف الصالح في التعامل مع القضايا والمستجدات؛ لأن العلم عاصمٌ من الضلالة وحامٍ من الغواية والفتنة، قال تعالى: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا)[الْأَنْعَامِ: 122] الآيةَ. وقال الحسن البصري -رحمه الله-: "الفتنة إذا أقبلت عَرَفَهَا كلُّ عالِم، وإذا أدبرت عرفها الجاهل".
فأحوجُ ما يحتاج إليه الناشئةُ وشبابُ الأمة في هذه الأزمنة هو العلمُ الشرعيُّ الصحيحُ؛ فبالعلم يميِّز المرءُ بين الحق والباطل، وَيَثْبُتُ عند انقلاب المفاهيم، ويتبصَّر عند تشعُّب الطُّرُق، يقول حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-: "لا تضرك الفتنةُ ما عرفتَ دينَكَ، إنما الفتنة إذا التبس عليكَ الحقُّ بالباطلِ".
فينبغي للآباء توجيهُ أبنائهم لطلب العلم الصحيح؛ لأن الشاب إذا ابتعد عن العلم الصحيح والعلماء الراسخين ولم يتبين له رؤية واعية تتزاحم في ذهنه خطرات نفسية وسوانحُ فكريةٌ يختلط عنده فيها الخطأ بالصواب والحق بالباطل؛ فتنتج أمور وتصرفات لا تُحمد عقباها، ويكون فريسةً سهلةً للأعداء ومَنْ في قلوبهم مرض من أهل الشبهات والشهوات وَدُعَاة الفتن.
كما ينبغي على الآباء توجيه أبنائهم للأخذ عن العلماء المعتَبَرِينَ المعروفينَ بسلامة المنهج والرأي السليم، والصدور عنهم قال تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)[النِّسَاءِ: 83] الآيةَ، وكذلك تحذيرهم من المتعالِمِينَ والمتسرعينَ في الأمور أو المتجاسرينَ على الفُتْيَا خاصةً فيما يتعلق بالأمور العامة ومصير الأمة.
كما يتحتم تعريفهم أن التلقي والحُكْم على الأشخاص وتشخيص الأحداث لا يُتلقى من المجاهيل، أو من الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي؛ فهي ليست مصدرًا موثوقًا به للتلقي، ومع ذلك وللأسف نجد بعض الشباب يجعله مصدرًا للحُكْم على الأشخاص وتشخيص الواقع.
وهذه الوسائل الحديثة يجب أن نتعامل معها بحذر وبقدر؛ فهي تجمع الصالح والطالح والسيئ والحَسَن، فمتابعتُها واحتواؤُها مطلَب هامّ من الآباء والأمهات حتى تُستخدم الاستخدامَ الرشيدَ.
كما ينبغي تحذير الناشئة من الحماس غير المنضبط، وأن يكون الحُكْم على الأشياء بعيدًا عن العواطف ومجانِبًا للتشنجات، وأخذُ الحقوقِ ورفعُ الظلمِ إنما يكون بالطُّرُقِ المشروعةِ، والخطأ لا يعالج بالخطأ وكما قيل:
أوردها سعد وسعد مشتمل | ما هكذا يا سعدُ تورد الإبل |
وقال الآخَرُ:
رام نفعًا فضرَّ من غير قصدٍ | ومن البِرِّ ما يكون عُقُوقَا |
وأيضًا: يجبُ تقوية جانب التوجيه والتثقيف بالحوار مع الشباب، وعلى الآباء والمربين كفلٌ كبيرٌ من ذلك فلابد من النزول إلى مستواهم، وأن تتسع صدورُهم للحوار الهادف، وقَبُول النقد البنَّاء، واستيعاب الآراء واحترامها.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم…
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى.
وبعد: فإن دور الأسرة دور مهم في هذا الجانب؛ فمسؤولية حماية النشء من الناحية العقدية والفكرية تقع أولًا على الوالدين، قال تعالى عن لقمان وهو يعظ ابنه: (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)[لُقْمَانَ: 13]، فواجبُ الأبوينِ المحافظةُ على فطرة النشء وحمايتُها من كل شيء يتعارض معها، قال تعالى:(فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ)[الرُّومِ: 30].
وعلى الوالدين والمربين تربية الأولاد على الرفق واللِّين في التعامل مع الأمور صغيرها وكبيرها، وإشاعة هذا الخُلُق العظيم في جَوّ المنزل والمدرسة، فها هو لقمان يجسِّد هذا المعنى وهو يعظ ابنه: (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)[لُقْمَانَ: 18-19]. وذلك من خلال معاملتهم بالرفق واللِّين والمعاملة الحسنة، فإن الرفق ما كان في شيء إلا زَانَهُ، ولا نُزِعَ من شيء إلا شانه. وإذا كانت البيئة متسمة بالتعقل والهدوء والسَّكِينَة وعدم العَجَلَة اندرج ذلك وانطبع على خُلُق الأبناء؛ فالآباء مطالَبُون بالتطبيق العملي لمفهوم الرفق.
ومن الأمور المهمة التي ينبغي العناية بها مِنْ قِبَل الآباء تجاه الأبناء انتقاء الصحبة؛ فالصحبة الصالحة لها أثر كبير في تكوين فِكْر النشء، والمرءُ على دين خليله.
وأخيرًا شَغْل فراغ النشء بالمفيد وما يعود عليهم بالنفع دينًا ودنيا، وكما قال القائل:
إن الشباب والفراغ والجِدَة | مفسدة للمرء أي مفسدة |
حفظ الله شباب المسلمين من كل سوء، وجعلهم قُرَّةَ عينٍ لوالديهم، وذخيرةً لأوطانهم، ونصرة دينهم، وردّ ضالَّهم إليه ردًّا جميلًا.
اللهمَّ انصرِ الإسلامَ والمسلمين، واحْمِ حَوزةَ الدِّين، وانصرْ عبادك الموحدين.
اللهمَّ آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وَأَمِّنْ حدونا، وَانْصُرْ جنودنا المرابطين.
اللهمَّ صلِّ على محمد، وعلى آل محمَّد، كما صليتَ على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، في العالمين، إنَّك حميد مجيد، وبارِكْ على محمَّد، وعلى آل محمد، كما باركتَ على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، في العالمين، إنَّك حميدٌ مجيدٌ.