الأعلى
كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...
العربية
المؤلف | أحمد بن حسن المعلم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - فقه النوازل |
تكلمنا عن القيادات والمسؤولين والموظفين، ولكن يجب أيضاً أن نخاطب أنفسنا نحن، فمِن أوساطنا خرج أولئك المسؤولون الفاسدون، ومن أولادنا وإخواننا وصلَ مَن وصل إلى تلك المناصب، فأفسد البلاد وآذى العباد، لماذا؟ لأننا نحن الذين ربيناهم فخرجوا من تربيتنا، فيجب أن نربي أنفسنا وأولادنا وأُسرنا على نبذ الفساد، وعلى الصلاح والإصلاح، وكيفما تكونوا يولَّ عليكم
الحمد لله الملك الحق المبين، اللهم لك الحمد: (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران:26].
والصلاة والسلام على الناصح الأمين، الذي قال لصاحبه أبي ذر -رضي الله عنه- عندما سأله أن يؤمّره: "يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةُ، وَإِنَّهَا يوم الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إلا من أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الذي عليه فيها" رواه مسلم.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وأوصيكم -عباد الله- ونفسي بتقوى الله.
أيها الإخوة المؤمنون: رحل علي عبد الله صالح، ووُقّعت المبادرة الخليجية على ما فيها من ملاحظات، وعلى ما تحمله من ألغام قد تتفجر مستقبلاً، كما يقول بعض المراقبين؛ ولكن الذي يبشر بالخير أن فتيل الفتنة قد نُزع، والنفق المظلم الذي دخلته البلاد قد لاح فيه بصيصٌ من النور، عسى الله أن يتم لنا نوره، ويعلي كلمته، ولو كرِهَ ذلك مَن كَرِهَ.
نعم؛ مازال جوٌّ من التوتُّر والاحتقان موجود، يؤكده ما وقع في الليلة الماضية من أحداث راح ضحيتها أنفس، وجرح فيها أعداد كبيرة، غير أنها أمور متوقعة، ولكنها صائرة إلى الزوال إن شاء الله.
والآن؛ لا يُجدي جدلنا حولَ مضامين المبادرة، فقد أصبحت تلك المبادرة أمراً واقعاً لا يجدي إلا إتقان التعامل معها، وحسن استثمارها، لا يجدي إلا حسن التأسيس للمرحلة القادمة.
وأصل الأصول التي يجب مراعاتها ونحن في صدد هذا التأسيس أن نحدد ماذا نريد، ونتفق عليه، ومادمنا في هذه البلاد -ولله الحمد والمنة- مسلمين، لا أقليات لدينا، ولا أديان تشاركنا المواطنة، فليكن تحقيقُ العبودية لله وتحكيمُ شرع الله الذي يضمن توفيرَ جميع المطالب التي ينادي بها الشعب هو هدفنا الأسمى، وغايتنا العظمى، يقول الله تبارك وتعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة:49].
ويبين الله سبحانه وتعالى حقيقةَ من يعارضون هذا الأمر، ويعارضون تحكيم شرع الله، أو يترددون في ذلك، فيقول -جل ذكره-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا) [النساء:60-61]، إلى أن يقول: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء:65].
انطلاقاً من هذه القاعدة التي يجب أن يتفق عليها جميع اليمنيين في جميع أرجاء البلاد، لابد أن تتوفر عوامل تراعي هذا التغيير الذي ناضل من أجله الجميع، وأهم تلك العوامل:
أولا: أن لا يظنّ من حمُلوا المسئولية وتقدموا وتصدروا ووقَّعوا ويعتزمون على تشكيل الحكومة وتشكيل المجلس الانتقالي ويديرون البلد فيما بعد؛ أن لا يظنوا أنها غنيمة سُلمت إليهم فيقتسمونها بينهم، فيعطونها لمن يحبون، أو يجاملون ويحابون هذا الطرف أو ذاك، بل يعتبرونها أمانة ومسؤولية سيُسألون عنها، ويحاسَبون عليها في الدنيا والآخرة، وأن يراعَى فيمن تسند إليهم الأعمال الصفات التي أشار إليها القرآن في من يتولى تلك المناصب، وهي في آيات ثلاث.
أما الآية الأولى فهي فقول الله تعالى: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج:40]، مَن هم؟ (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج:41]، هؤلاء الذين يجب أن يقودوا، وهؤلاء الذين إن قادوا البلد انتصروا على عدوها الخارجي والداخلي، وانتصروا على جميع التحديات، وما لم؛ فلا نصر، وسنكون محاربين لله، ومَن الذي ينتصر على الله؟!.
أما الآية الثانية فهي قوله تعالى: (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) [القصص:26]، وهم الآن يبحثون عن الوزراء الذين يسندون إليهم مهام هذه الدولة وسيادتها، يجب أن يراعوا هذا الأمر الذي وضعه القرآن الكريم، أن يسندوه إلى قوي لا يخضع لطاغية، ولا ينقاد لجماعة، ولا قبيلة طاغية، ولا لعسكر طاغٍ، قوي لا يخاف إلا الله، ولا يركع إلا أمام الله، أما الضعيف الذي يرهبه وعيد الطواغيت الذين مازالوا يتربعون على كثير من مفاصل بلادنا، فسيصبح عبداً، وسيبقى في الطغيان إلى ما شاء الله.
الضعيفُ أمام المطامع الذي سيقبل الإغراءات، سواءً إغراءات الجاه أو إغراءات المال؛ فانه سوف يبيعنا ويبيع بلادنا، وسنحتاج إلى ثورة ثانية وثالثة وعاشرة، ولن نخرج أبداً من إطار الثورة إلى إطار الدولة، لابد أن يكون قوياً أميناً.
وأما الآية الثالثة فهي قوله تعالى عن يوسف -عليه السلام- عندما طلب التولي على أموال الدولة، فقال للعزيز: (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) [يوسف:55]، ذو خبرة ومعرفة وتمرُّس في إدارة العمل الذي يُسند إليه، وهذه الصفة والخصلة تشترط في جميع من تسند إليهم المناصب والوظائف، إلا أنها في جانب المال أكبر إلحاحاً، فيجب فيمن تُسند إليه الجوانب المالية، أن يكون من هذا الصنف وهذا الطراز.
ولْيعلمْ هؤلاء الذين وَرِثوا هذه المسؤوليةَ أنهم لم يرثوا تركة آبائهم ولا أمهاتهم فيقتسمونها كما يشاءون، ولكنهم ورثوا مسؤولية وأمانة، إن اقتسموها حسب الإملاءات الشخصية أو الحزبية أو الاعتبار الخاص؛ فإنهم سيوضعون في خانات الخيانة، وسيلعنهم التاريخ، وستكون عليهم خزياً وندامةً يوم القيامة، قال -صلى الها عليه وسلم- عندما سأله رجل: متى الساعة؟ قال: "فإذا ضُيِّعَتْ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ"، قال كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قال: "إذا وُسِّدَ الْأَمْرُ إلى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ" رواه البخاري.
فنحن الآن كلٌ يتشوفُ ويشرئبُ بعنقه ويريد أن يغتنمَ ويقتسمَ الغنيمة، ويُرضي أتباعه وأنصاره، فإذا بهم يأتون بالمتردِّية والنطيحة وما أكل السبُع، يأتون بالمجرَّبين الذين جُربوا دهوراً وعقوداً وهم يفسدون ويسيئون ويأكلون ويمالئون أعداء الله، ثم يردونهم لنا مرة أخرى على رأس الدولة التي يقولون إنهم خرجوا، واستمرت هذه الثورة هذه المدة، وتكبدت البلدُ الدماءَ والأشلاءَ والخسائرَ الفادحة في سمعتها ومكانتها، وفي ثروتها ومعيشة أبنائها وصحتهم، وفي كل جانب من جوانب حياتها، ثم يعودون إلينا بوجهٍ آخر، هو ذاك الوجه القبيح أو أقبح منه، لن يكون هذا أبداً، ولن يكونوا في ذلك مصلحين، ولن يغيروا الذي هو أسوأ إن اتبعوا هذه الطريقة، فليتقوا الله سبحانه وتعالى.
ثانياً: هناك أمر آخر وعامل من عوامل الإصلاح الحق، أن يسود الشرعُ والقانونُ المنبثقُ عنه على جميع الأمة وجميع الشعب، دون محاباةٍ أو تمييز أو انتقاء، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إذا سَرَقَ فيم الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عليه الْحَدَّ، وأيم اللَّهِ لو أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا" متفق عليه. هل سنرى هذا على شيخ القبيلة وعضو اللجنة المركزية للحزب وعلى كبار التجار وكبار المتنفذين؟ أم أننا سنراه على مَن لا وزن له ولا قيمة له ولا بواكي له؟!.
ثالثاً: من عوامل إنجاح هذا التغيير أن يُربَّى الشعبُ، كل الشعب: الموظفون، والمدنيون والعسكريون، والأمنيون، وأجهزة القضاء، والنيابة، وسائر الأجهزة وكل الجوانب؛ أن يربَّوا على تقوى الله، والخوف منه، على أن يكون لهم من أنفسهم محاسبة ومراقبة، وأنه متى ما عرض مطمعٌ، أو سنحت فرصةٌ للأكل الحرام والسرقة أو فعل المنكر أو لتعريض البلاد للخطر، أن يقول هذا المسؤول: لا حول ولا قوة إلا بالله، أنا الذين أبيع؟ أنا الذين أخون وأرتشي؟ أين الله؟ يستشعر معية الله ورقابته والحساب بين يديه -عز وجل-، وأنه سيأتي يوم القيامة بما كسبت يداه.
بهذا ستُنقَّى أجهزتنا من الفساد، ولن يكون هذا عسيراً؛ بالموعظة والتذكير والتربية والتوعية، كما كان فيما قبل الوحدة في الجنوب والشمال: النائب الأيدلوجي والسياسي عند الحزب، والنائب السياسي عند المؤتمر الشعبي، الذين كان لكل واحد منهم في كل أسبوع وظيفي حصة تكون للتربية على مبادئ الحزب أو على مبادئ المؤتمر، وعلى المبادئ التي يرغب فيها الحزب والرئيس والقيادة، لِـمَ لا يكون أيضاً لدينا وقت نربي الناس فيه على ما يحبه الله ويصلح البلد؟ بهذا سوف نصلح.
أما أن نضع مراقبين فسقةً فسدة؛ فإنهم سيضاعفون الفساد؛ لأن المفسد الأول لن يكون الآن فقط معنيا بنفسه، ولكنه سوف يأخذ الذي لنفسه ويزيد على ذلك ما يعطيه للمراقب الذي يراقبه؛ حتى يسلم له الذي يريد؛ فيتضاعف الفساد، وإنما يكون الذي يقوم في هذه الأجهزة الرقابية ممن يخافون الله ممن لا تحوم حولهم الشبهات، ولم يُلمزوا بخيانة ولا انحراف، أما أن يجمع كل واحد أصحابه من أجل أن يوليهم هذه المناصب ليكسبوا من ورائها ويتاجروا فلن نجني إلا النكبات، ولن نجني إلا الظلام الأكبر الدامس.
رابعا: أن يُراعَى التوزان بين تلبية الحاجات الملحة والأمور الآنية، وبين التخطيط الاستراتيجي بعيد المدى الذي يخدم الأمة ومستقبل البلد، ويقطف الثمرة بطريقة شرعية، إياكم والحسد أو المكايدات أو فعل ما تتجملون به وإن أضر بالآخرين أو بالأمة في مستقبلها! قال صلى الله عليه وسلم-: "ما من إمامٍ ولا وال باتَ ليلةً سوداء غاشاً لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة" رواه الطبراني وصححه الألباني، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "مَنْ وَلِيَ من أمر المسلمين شيئاً فغشهم فهو في النار" رواه الطبراني، وصححه الألباني.
الخطبة الثانية:
معشر المؤمنين: تكلمنا عن القيادات والمسؤولين والموظفين، ولكن يجب أيضاً أن نخاطب أنفسنا نحن، فمِن أوساطنا خرج أولئك المسؤولون الفاسدون، ومن أولادنا وإخواننا وصلَ مَن وصل إلى تلك المناصب، فأفسد البلاد وآذى العباد، لماذا؟ لأننا نحن الذين ربيناهم فخرجوا من تربيتنا، فيجب أن نربي أنفسنا وأولادنا وأُسرنا على نبذ الفساد، وعلى الصلاح والإصلاح، وكيفما تكونوا يولَّ عليكم.
وهنا أمر في غاية الأهمية، وعليه يتوقف عزُّنا ونصرُنا أو عكس ذلك: أن نرسِّخَ ولاءنا لله ولرسوله وللمؤمنين، وبراءتنا الكاملة من أعداء الله وممن يمثلهم في أوساطنا، قال الله -سبحانه وتعالى- مبيناً آثار اختلال ميزان الولاء والبراء، بعد أن ذكر وجوب الموالاة والمناصرة بين المؤمنين، قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) [الأنفال:73].
ومن الفتنة زيادة ثقافة الكفار التي يُرادُ اليوم فعلاً في زمن العولمة أن تكون هي السائدة علينا، ليس فقط ثقافة فكرية وتنظيرية، ولكن أيضاً عملية تتغير لها أخلاقُنا وسلوكنا ومبادئنا ونمطُ حياتنا، يريدون أن يكون النمطُ الكافرُ الذي تسير عليه الحضارةُ الغربيةُ هو السائد، فهذا من الفتنة العظيمة أن يسود فينا مسلكُ وثقافةُ وأخلاقُ أعدائنا.
وأما الفساد الكبير فهو احتلال أرض المسلمين والسيطرة على حكمهم ظاهراً أو خفياً، فالبلاد المسلمة والعربية محتلة باحتلال عسكري ظاهر كما في العراق، أو باحتلال خفي كما في بقية بلدان العرب والمسلمين، وهذا هو الفساد الكبير الذي حذرت منه الآية الكريمة.
فلابد أن نواليَ أولياءَ الله، ونعاديَ أعداءَ الله، وأن لا نخضعَ ولا نرضخَ ولا نخاف إلا من الله -عز وجل-: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران:175]، هكذا يقول لنا ربنا -سبحانه-، أما ما يقوله الإعلامُ، وما نسمعه في كثير من المناسبات وعلى ألسنة كثير من المتحدثين، من أننا لابد أن نرضى بالواقع، فيتسابقون على أبواب السفارات، ويقدمون الولاءات، ويعملون فروض الطاعات، وهذا لن يجعلنا أبداً أعزة ولا سعداء، ولن تُبنى بلادُنا على سعادةِ عدونا؛ لأنهم يرون أن البناءَ الصحيحَ للبلدانِ سيخرجها في وقتٍ ما عن طاعتهم؛ ولذلك سيبقوننا فقراءَ جهلةً متخلفين حتى يستطيعوا أن يسيطروا علينا، ويمتصوا ثرواتنا وعرقنا، كما هو حاصل الآن، فلْنُرضِ الله وسيرضى علينا وُيرضي علينا مَن نخافه.
عباد الله: في ظل هذه الظروف كثُر الحديثُ عن القضية الجنوبية، وعُقدت المؤتمراتُ هنا وهناك، ونحن مع كل اجتهاد وعملٍ ولقاء يُرجع للناس حقوقهم، ويعلي من شأنهم، ويثبت هويّتهم، ويجمعُ كلمتهم على ما فيه صلاح البلاد والعباد، لكننا لسنا مع أن يهيمنَ قِسمٌ واحدٌ أو طيفٌ واحدٌ وحزبٌ واحد، أو جهة واحدة، فهذا لن يقبله ولن يرضى به أحد، فليكن الجميع مشاركين، وليكن هناك بحث عن مصلحة الجميع، فنحن في حضرموت قد عشنا دهوراً من التبعية، وعقوداً من الذل والخنوع لجهاتٍ وأفكارٍ أخرى.
ونحن -والحمد لله- جذورُنا ضاربة في التاريخ، وأعمالنا -من فضل الله- وعقولنا وحضارتنا لا يزايدُ عليها أحد، فَلِمَ دائماً نكون تبعاً؟ لـِمَ لا نكون نحن الرموز وغيرنا يتبعنا ممن هم في المكانة والعلم والثقافة وفي كل شي هم أقل منا؟ فلننتبه لهذا الأمر وفقكم الله تعالى.