البحث

عبارات مقترحة:

العفو

كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...

النصير

كلمة (النصير) في اللغة (فعيل) بمعنى (فاعل) أي الناصر، ومعناه العون...

المقيت

كلمة (المُقيت) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أقاتَ) ومضارعه...

والله يعصمك من الناس (3) عصمته صلى الله عليه وسلم من المنافقين

العربية

المؤلف إبراهيم بن محمد الحقيل
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - السيرة النبوية
عناصر الخطبة
  1. تربص أعداء الله بدعوة الحق .
  2. سبب ظهور النفاق .
  3. دور المنافقين في الإرجاف والتخذيل في المعارك .
  4. محاولتهم اغتيال النبي الكريم .
  5. استمرار التآزُر بين الكفار والمنافقين للقضاء على الإسلام إلى اليوم .

اقتباس

قضى الله تعالى وقضاؤه واقع، ووعد سبحانه ووعده نافذ، بحفظ دينه من التحريف والضياع؛ فكما أنه -سبحانه- قد عصم نبيه محمدا -صلى الله عليه وسلم- من كيد الكافرين والمنافقين؛ فإنه قد تأذَّن بحفظ دينه من محاولاتهم القضاء عليه، أو إبدال غيره به، (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) ..

 

 

 

 

الحمد لله رب العالمين؛ امتنَّ على عباده فشرع لهم الدين، وهداهم صراطه المستقيم، وفضَّلهم على أمم العالمين، (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى المُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) [الشُّورى:13]

نحمده على نعمه وآلائه، ونشكره على فضله وعطائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ ينصر أولياءه، ويكبت أعداءه، وهو القوي العزيز.

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ أشرقت ببعثته الأرض بعد طول ظلام، وربَّعت القلوب بماء وحيِه بعد جدب وإقفار، هداه الله تعالى وهدى به، وابتلاه وابتلى العباد به، وعصمه من كيد اليهود والمشركين والمنافقين، وردَّهم على أعقابهم خاسئين خاسرين، صلَّى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ) [البقرة:123].
 

أيها الناس: بعث الله تعالى رسوله محمدا -صلى الله عليه وسلم- إلى الناس ليخرجهم من الظلمات إلى النور، وخاطبه ربه -سبحانه- بذلك فقال: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ العَزِيزِ الحَمِيدِ) [إبراهيم:1].

وكل دعوة إلى الخير والرشاد، وفيها نفع للناس، وإخراج لهم من العبودية لغير الله تعالى، فإن شياطين الجن والأنس تتربص بها، وتأتمر عليها، وتحول بين الناس وبينها؛ ليبقوا في عبوديتهم للملأ والسادة والكبراء من دون الله تعالى، وهكذا فعل المشركون في مكة مع النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى هاجر إلى المدينة، فقابله المشركون في المدينة بمثل ما قابله أهل مكة.

لقد كان المشركون في المدينة من الأوس والخزرج أقلَّ من الأنصار الذين آمنوا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وبايعوه في العقبة على النصرة ولكنهم، كانوا منذ الهجرة إلى السنة الثانية يجاهرون بشركهم، ولا يخشون شيئا، ويؤذون النبي -صلى الله عليه وسلم- علانية، ويصدُّون الناس عن دعوته؛ كما دلت على ذلك حادثة وقعت قبل غزوة بدر رواها أُسَامَةَ بن زَيْدٍ -رضي الله عنهما-.

وفيها أَنَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ بِمَجْلِسٍ فيه عبد الله بن أُبَيٍّ بن سَلُول، وَذَلِكَ قبل أَنْ يُسْلِمَ عبد الله بن أُبَيٍّ، فإذا في الْمَجْلِسِ أَخْلَاطٌ من الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالْيَهُودِ وَالْمُسْلِمِينَ، وفي الْمَجْلِسِ عبد الله بن رَوَاحَةَ، فلما غَشِيَتْ الْمَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ خَمَّرَ عبد الله بن أُبَيٍّ أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ ثُمَّ قال: لَا تُغَبِّرُوا عَلَيْنَا. فَسَلَّمَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليهم ثُمَّ وَقَفَ فَنَزَلَ فَدَعَاهُمْ إلى الله، وَقَرَأَ عليهم الْقُرْآنَ، فقال عبد الله بن أُبَيٍّ: أَيُّهَا الْمَرْءُ! إنه لَا أَحْسَنَ مِمَّا تَقُولُ، إنْ كان حَقًّا فلا تُؤْذِنَا بِهِ في مجالسنا، ارْجِعْ إلى رَحْلِكَ، فَمَنْ جَاءَكَ فَاقْصُصْ عليه. فقال عبد الله بن رَوَاحَةَ: بَلَى يا رَسُولَ الله! فَاغْشَنَا بِهِ في مَجَالِسِنَا، فَإِنَّا نُحِبُّ ذلك. فَاسْتَبَّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ حتى كَادُوا يَتَثَاوَرُونَ، فلم يَزَلْ النبي -صلى الله عليه وسلم- يُخَفِّضُهُمْ حتى سَكَنُوا. رواه البخاري.

ولكن الشرك المعلن في أهل المدينة لم يَطُل وقتُه كما طال شرك أهل مكة؛ إذ انتهى بعد غزوة بدر، وعِزِّ الإسلام، وانتصار المسلمين، وكان المشركون في المدينة -وهم قلة- يأملون أن يقتل النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة بدر، فلما انتصر نصرا عظيما علموا أنهم لا يستطيعون النَّيل منه، ولا أذيته بعد ذلك، فأظهروا إسلامهم، وأبطنوا كفرهم، وتحولوا من مشركين معلنين بشركهم إلى منافقين يظهرون خلاف ما يبطنون، وتلك هي بداية النفاق والمنافقين في هذه الأمة.

وكما قال أسامة بن زيد -رضي الله عنهما-: فلما غَزَا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بَدْرًا فَقَتَلَ اللهُ بها من قَتَلَ من صَنَادِيدِ الْكُفَّارِ وَسَادَةِ قُرَيْشٍ، فَقَفَلَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- وَأَصْحَابُهُ مَنْصُورِينَ غَانِمِينَ مَعَهُمْ أُسَارَى من صَنَادِيدِ الْكُفَّارِ وَسَادَةِ قُرَيْشٍ، قال ابنُ أُبَيٍّ بنِ سَلُولَ وَمَنْ معه من الْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ: هذا أَمْرٌ قد تَوَجَّهَ! فَبَايِعُوا رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- على الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمُوا" رواه البخاري.

وبظهور النفاق بعد غزوة بدر أصبح النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضي الله عنهم- يعالجون ثلاثةً من الأعداء: المشركين خارج المدينة، واليهودَ المجاورين لهم، والمنافقين الداخلين معهم، فعظمت المحنة، وازداد البلاء والامتحان، ولكن الله تعالى عصم نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وحفظ دينه من شرهم ومكرهم.

وكان أخطر هؤلاء الأعداء الثلاثة أهل النفاق الذين خَذَلوا المسلمين في أشد المواقف، وأحلك الساعات؛ ففي غزوة أحد خذَّلوا في المسلمين وأرجفوا، وانسحبوا بثلث الجيش رجاء أن يُقتل النبي -صلى الله عليه وسلم-، فخذلهم الله تعالى، وعصم نبيه-صلى الله عليه وسلم- من شر المشركين.

وفي الخندق بثوا الإشاعات، وأضعفوا المعنويات، وقالوا: (مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) [الأحزاب:12]، ولما اشتد الأمر انسحبوا! (وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا) [الأحزاب:13]. فخَذَل الله تعالى الأحزاب، وعصم رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

وفي غزوة بني المصطلق أشعل المنافقون نار الفتنة بين المهاجرين والأنصار رجاء أن يقتتلوا، ويُفني بعضهم بعضا، فلا يبقى للنبي -صلى الله عليه وسلم- أصحاب يذبون عن دعوته، وينشرون دينه، فلم يتحقق للمنافقين ما أرادوا.

وكان من دناءَة المنافقين وحقارتهم أذيتُهم النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- في عِرضه، وقذفُ زوجه عائشة -رضي الله عنها- بالإفك، وإشاعة هذه الفرية العظيمة في الناس؛ حتى داخَل القلوب ما داخلها، وخاضت فيه بعض الألسن، وأوذي خير البشر أشدَّ الأذى، فعصم الله تعالى نبيه -صلى الله عليه وسلم- من القدح والسُبَّة، وذبَّ عن عرضه بقرآن يتلى إلى يوم الدين، وطهَّر عائشة المصونة المطهرة، وتوعَّد أصحاب الإفك بأليم العذاب، (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [النور:11].

وفي غزوة تبوك عزم المنافقون على قتل النبي -صلى الله عليه وسلم- بإثارة دابته من عقبةٍ عالية رجاء أن تُسقطه فتهلكه، ولكن الله تعالى عصم نبيه -صلى الله عليه وسلم- من كيدهم، وحفظه من مكرهم، وردهم على أعقابهم خاسرين.

روى أبو الطُّفَيْلِ رضي الله عنه قال: لَمَّا أَقْبَلَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من غَزْوَةِ تَبُوكَ أَمَرَ مُنَادِياً فَنَادَى أنَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- أَخَذَ الْعَقَبَةَ فَلاَ يَأْخُذْهَا أَحَدٌ، فَبَيْنَمَا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يَقُودُهُ حُذَيْفَةُ وَيَسُوقُ بِهِ عَمَّارٌ إِذْ أَقْبَلَ رَهْطٌ مُتَلَثِّمُونَ على الرَّوَاحِلِ غَشَوْا عَمَّاراً وهو يَسُوقُ بِرَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، وَأَقْبَلَ عَمَّارٌ يَضْرِبُ وُجُوهَ الرَّوَاحِلِ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لِحُذَيْفَةَ: قُدْ قُدْ! حتى هَبَطَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما هَبَطَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نَزَلَ وَرَجَعَ عَمَّارٌ فقال: "يا عَمَّارُ، هل عَرَفْتَ الْقَوْمَ؟" فقال: قد عَرَفْتُ عَامَّةَ الرَّوَاحِلِ وَالْقَوْمُ مُتَلَثِّمُونَ، قال: "هل تدري ما أَرَادُوا؟" قال: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قال: "أَرَادُوا أن يَنْفِرُوا بِرَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- فَيَطْرَحُوهُ". رواه أحمد، وفيه أنهم كانوا أربعة عشر رجلا.

وفي روايةٍ أنهم كانوا قد أجمعوا أن يقتلوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجعلوا يلتمسون غِرَّتَه، فلما أراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يسلك العقبة أرادوا أن يسلكوها معه، وقالوا: إذ أخذ في العقبة دفعناه عن راحلته في الوادي، فأخبر الله تعالى رسوله -صلى الله عليه وسلم- بمكرهم.

فعصم الله تعالى نبيه محمدا -صلى الله عليه وسلم- من غدر المنافقين وشرهم، كما عصمه عز وجل من غدر اليهود، وشرِّ المشركين، وحفظه من كيدهم، ووقع قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي القَوْمَ الكَافِرِينَ)[المائدة:67]، وقوله -سبحانه-: (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ) [البقرة:137].
 

فالحمد الله الذي عصم نبيه، وحفظ دينه، وأظهره على الدين كله، حتى بَلَغَنَا نقيا محفوظا؛ والحمد لله الذي هدانا له، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله تعالى.

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[البقرة:281].

أيها المسلمون: قضى الله تعالى وقضاؤه واقع، ووعد سبحانه ووعده نافذ، بحفظ دينه من التحريف والضياع؛ فكما أنه -سبحانه- قد عصم نبيه محمدا -صلى الله عليه وسلم- من كيد الكافرين والمنافقين؛ فإنه قد تأذَّن بحفظ دينه من محاولاتهم القضاء عليه، أو إبدال غيره به، (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر:9].

وفي أخريات عهد الصحابة -رضي الله عنهم-، أي في العقد الرابع من القرن الهجري الأول، وقعت محاولات خبيثة على يد المنافقين للقضاء على دين الإسلام، وإدخال فيه ما ليس منه، وإخراج ما هو منه، ولَبس ما فيه من حق ناصع بباطل مزيف، تولى كبر ذلك عبد الله بن سبأ اليهودي المنافق، الذي أظهر الإسلام وأبطن الكفر؛ لهدم الإسلام من داخله، وتقويض دعائمه، وإخراج أهله منه، وإدخالهم فيما أحدثه من مذاهبَ باطنيةٍ خبيثةٍ تتدثر بالولاء لآل البيت، وتبطن عقائد فاسدة، وأفكاراً منحرفة، كثير منها منقول عن اليهود والزنادقة.

ورغم تمكُّن هذه الأفكار من قلوب كثير من الناس في بعض الأزمان والأمصار فإن الدين الصحيح بقي محفوظا بحفظ الله تعالى له، وردَّ الله تعالى كيد المنافقين عليهم، فما ضروا إلا أنفسهم، ومَن اتَّبَعَهُم في باطلهم، ووافقهم على إفكهم.

واستمر المنافقون عبر القرون، وفي كثير من أمصار المسلمين، يتآزرون مع الكفار للقضاء على الإسلام، وإخراج المسلمين منه، ومسخ شريعته، ولكن الله تعالى حفظ شريعته من كيدهم، وعصم أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- من موافقتهم في ضلالاهم وانحرافهم.

وفي عصرنا هذا تتآزر الإنجيلية البروتستانتية النصرانية المتطرفة، والصهيونية العالمية المتنفذة، مع الرأسمالية الغربية المتوحشة، في تحالف مع الكاثوليكية المتعصبة، بقصد القضاء على الإسلام، وإخراج المسلمين منه، ويعينهم في إثمهم هذا الليبراليون الجدد، المسمَّون بالمارينز العرب، مع أصحاب المذاهب الباطنية المنحرفة، من صوفية ورافضة إمامية وإسماعيلية ودرزية وغيرهم، تحت لافتة محاربة الإرهاب، وتجفيف منابعه؛ وما يريدون إلا القضاء على الإسلام الأثري النصوصي المستند إلى الكتاب والسنة، الذي يدين به جمهور المسلمين في الأرض، ويسمونه إسلاما رجعيا أصوليا، يريدون استبداله بما يسمونه إسلاما ليبراليا متسامحا، لا شيء يجب فيه غير الحرية، ولا مكان للمحرمات فيه، وكل شيء فيه مباح. إنْ هو إلا الإلحاد على الطريقة الغربية التي جاء بها ملاحدة الغرب إبَّان ثورتهم على الدين النصراني المحرف.

وكما بآت محاولات أسلافهم بالفشل الذريع فإن الفشل سيكون حليفهم بإذن الله تعالى هذه المرة، أيا كان جمعهم وقوتهم، ومهما عظم مكرهم وكيدهم. (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا) [الطًّارق:15-17].

وسيكون كسرهم، ودحر قوتهم، وإفشال خططهم، وفضح مؤامراتهم، على أيدي رجال وهبوا أنفسهم وأموالهم وأوقاتهم لنصرة دين الله تعالى، والذبِّ عن شريعته، وتحذير الناس من مكر الكافرين والمنافقين؛ كما جاء في حديث ثَوْبَانَ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ من أُمَّتِي ظَاهِرِينَ على الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ من خَذَلَهُمْ، حتى يَأْتِيَ أَمْرُ الله وَهُمْ كَذَلِكَ" رواه مسلم.

وفي حديث أبي عِنَبَةَ الْخَوْلَانِيِّ -رضي الله عنه- قال: سمعت رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لَا يَزَالُ اللهُ يَغْرِسُ في هذا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُمْ في طَاعَتِهِ" رواه ابن ماجه.

فاتقوا الله ربكم -أيها المؤمنون- واثبتوا على دينكم، مهما كانت التبعات، ولا تتبعوا الكافرين والمنافقين في باطلهم، وإن اجتمعوا عليكم من كل حدب وصوب، ولو كانوا يملكون من القوة ما لا تملكون؛ فإن القوة لله جميعا، وإن ما معكم من الحق أقوى من باطلهم، (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ الله وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ الله وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) [آل عمران:173-174].

وصلوا وسلموا على نبيكم...