الخلاق
كلمةُ (خَلَّاقٍ) في اللغة هي صيغةُ مبالغة من (الخَلْقِ)، وهو...
العربية
المؤلف | عبد الله بن محمد الطيار |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - فقه النوازل |
وهذا النجاحُ شرفٌ عظيمٌ وإنجازٌ جليلٌ يترجم المهنيّة العالية في إدارةِ الدولةِ لشؤونِ الحجِّ على المستوياتِ كافّة، وهو محلُّ اعتزازٍ وإعجابٍ وتقديرٍ من الشعوبِ الإسلاميّةِ قاطبةً.
الخطبة الأولى :
الْحَمْدُ للهِ ربِّ العالمين، أكرمَ بلادَنا بفضلِهِ، وأعانهَا على كلِّ خيرٍ بتوفيقهِ وجودِه، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُاللهِ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وأصحابهِ ومَن تبعهمْ بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أمّا بعدُ: فاتقوا الله -أيها المؤمنون-؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
عباد الله: إنّ بلادّنا – المملكةَ العربيةَ السعوديةَ – لها مكانتُها الخاصّةُ والمتميزةُ بين دولِ العالمِ، ودورُها البارزُ على الساحةِ الاسلاميةِ لقيامِها على الحرمينِ الشريفينِ، قبلةِ المسلمين والزائرين، وخدمتِها لحجاجِ بيتِ اللهِ الحرامِ والزائرينَ للمسجدِ النبويّ الشريفِ، وقيامِها بإنفاق ملياراتِ الريالات من أجل تطوير وتوسعةِ الحرمينِ الشريفينِ والمشاعرِ المقدّسةِ، فتوسّعت الطرقُ والأنفاقُ، والقطاراتُ، والجسورُ، والمخيماتُ، وأماكنُ رميِ الجمراتِ، وذلك لرفع طاقتِها الاستيعابيةِ آلافِ المرّاتِ عمّا كانتْ عليهِ سابقاً ولله الحمد والمنَّة.
وقدْ كانَ من ثمراتِ تلكَ الجهودِ نجاحُ موسمِ حجِّ هذا العامِ تسعة وثلاثين وأربعمائة وألف من الهجرةِ، نجاحاً منقطعَ النظيرِ، وقد كان ذلك بفضلِ اللهِ -تعالى- أولاً، ثم بالجهودِ الجبّارةِ التي قدّمها خادمُ الحرمينِ الشريفينِ وسمو وليّ عهدهِ الأمينِ وسائرِ القطاعاتِ في إدارةِ شؤونِ الحجِّ بحكمةٍ وحنكةٍ واقتدارٍ، ومن خلالِ منظومةٍ متكاملةٍ منَ المشروعاتِ العملاقةِ والتقنيّاتِ والخدماتِ والمواردِ البشريّةِ والماليّةِ الضّخمةِ التي بُذلت من أجلِ راحةِ الحجيجِ وتيسيرًا لهمْ في أداءِ الحجِّ بيسرٍ وسهولةٍ وأمنٍ وأمانٍ؛ استشعاراً وعملاً بقول الله -جلّ وعلا-: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)[البقرة: 125]؛ معَ وجودِ أعدادٍ هائلةٍ من حجاجِ الداخلِ والخارجِ، والذينَ بلغَ عددُهم قرابةَ المليونين ونصفِ المليون من الحجاج.
وهذا النجاحُ شرفٌ عظيمٌ وإنجازٌ جليلٌ يترجم المهنيّة العالية في إدارةِ الدولةِ لشؤونِ الحجِّ على المستوياتِ كافّة، وهو محلُّ اعتزازٍ وإعجابٍ وتقديرٍ من الشعوبِ الإسلاميّةِ قاطبةً.
عبادَ اللهِ: لقد استحقّ موسمُ الحجِّ الحالي أنْ يكونَ مِنْ أنجحِ مواسمِ الحجِّ التي مرَّتْ على المملكةِ في السنواتِ الأخيرةِ، منْ ناحيةِ التنظيمِ والتجهيزِ المبكّرِ، ومنْ ناحيةِ خِطط تفويجِ الحجاجِ بين المشاعرِ المقدّسةِ في يسرٍ وسهولةٍ، فضلاً عن استثمارهِ في توعيةِ ضيوفِ الرّحمنِ بأهميةِ هذه الشعيرةِ الإيمانيّةِ، وضرورةُ أدائِها كما أمرَ رسولُ اللهِ -صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ-، وعدمِ ربطها بأيّ توجُّهاتٍ دنيويةٍ أو سياسيةٍ أو طائفيةٍ أو مذهبيةٍ، حتى يتحقق الغرضُ منها للإنسانِ المسلمِ، باعتبارِها الرّكن الخامسَ للإسلامِ.
كما استحقّ هذا الموسمُ أن يكونَ بمثابةِ رسالةِ سلامٍ، بعثتْ بها المملكةٌ إلى شعوبِ العالمِ، تؤكدُّ من خلالِها أنّ الإسلامَ دينُ السّماحةِ والسّلمِ والتعايشِ المبنيّ على أسسٍ ربّانيةٍ، عنوانُها احترامُ الإنسانِ أينما كان، ونبذُ العنفِ والإرهابِ.
عبادّ اللهِ: إنّ الجهودَ الرّسميةِ التي بُذلتْ من أجلِ إنجاحِ موسمِ حجِّ هذا العام، تمثلتْ في التنسيقِ الدبلوماسيِّ بين سفاراتِ خادمِ الحرمينِ الشريفينِ في الخارجِ، مع حكوماتِ الدّولِ القادمِ منها الحجاجُ، من أجلِ تطويرِ آليّاتِ العملِ للعنايةِ بالحجاجِ، وتقديمِ خدماتٍ نوعيةٍ لهم في سفاراتِ المملكةِ في الخارجِ، مرورًا بمنافذِ ومحطاتِ الوصولِ وخدماتِ النقلِ والإسكانِ وبرامجِ التّفويجِ للجمراتِ والمسجدِ الحرامِ، وكذلكَ تأمينُ سلامتهمْ، وخدمتهِمْ ورعايتهمْ، لتمكينهمْ من أداءِ نسكهمْ بكلِّ يسرٍ وطمأنينةٍ، منذُ قدومهمْ إلى المملكةِ، وحتى مغادرتهمْ.
ولمْ يكنْ نجاحُ موسمِ حجِّ هذا العامِ، إلّا نتيجةً طبيعيةً للجهودِ التي بذلتْها الدّولةُ، بتوجيهاتٍ ومتابعةٍ مباشرةٍ من خادمِ الحرمينِ الشريفينِ وسمو ولي عهدهِ الأمينِ، ووزيرِ الدّاخليّةِ رئيسِ لجنة الحجِّ العُليا، ورجالِ الأمنِ والقوّاتِ المسلّحةِ بمختلفِ فروعِها، والقطاعِ الأهلي في مؤسسات الطوّافةِ، وثُلّةٌ من الشبابِ السعوديِّ المتطوع، وتحتَ عنايةٍ ورعايةٍ فائقةٍ وخدماتٍ عديدةٍ وجليلةٍ، للتيسيرِ على ضيوفِ الرّحمنِ لأداءِ الركنِ الخامسِ منْ أركانِ الإسلامِ، في مشهدٍ مهيبٍ تجلّتْ فيهِ عظمةُ الإسلامِ وقيمتُه في قلوبِ المسلمينَ في شتّى بقاعِ العالمِ.
عبادَ اللهِ: لقدْ قامَ خادمُ الحرمينِ الشريفينِ وفّقهُ اللهُ بتوجيهِ الشّكر لجميعِ القطاعاتِ المشاركةِ في الحجِّ على ما بذلوهُ وقدّمُوهُ في حجِّ هذا العامِ، فقال حفظهُ اللهُ: "وقدْ تابعنا الجهودَ الكبيرةَ التي بذلتْها الجهاتُ الحكوميّةُ والأهليةُ المشاركةُ في خدمةِ ضيوفِ الرّحمنِ، وسرّنَا ما لمسناهُ من حرصٍ وتفانٍ من الجميعِ في نيلِ شرفِ خدمةِ الحجّاجِ، وإنّنا إذْ نشكركمْ جميعًا على تهنئتكمْ بعيدِ الأضحى المبارك، لنحمدُ المولى –سبحانهُ- على ما منّ بهِ علينَا من نجاحِ موسمِ الحجِّ وما وفقنا إليهِ منْ خدمةِ حجّاجِ بيتهِ العتيق وزوارِ مسجدِ نبيّهِ -صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهِ-، سائلينَ اللهَ –سبحانهُ- أنْ يتقبلَ منَ الحجّاجِ حجّهُمْ ويعيدهم إلى أوطانِهم سالمينَ غانمينَ، كمَا نسألُه سبحانَه أنْ يوفقنا لكلِّ ما فيه خيرُ الإسلامِ والمسلمينَ وأنْ يجعلَ أعمالَنا خالصةً لوجههِ الكريم إنه سميعٌ مجيبٌ".
كما وجّهَ صاحب السمو الملكيّ الأميرُ محمدُ بن سلمانَ وليُّ العهدِ من جانبهِ برقيّةَ شكرٍ، لوزيرِ الدّاخليةِ وأمراءِ المناطقِ وأعضاءِ لجنةِ الحجِّ العليا وجميعِ المشاركينَ في خدمةِ ضيوفِ الرّحمنِ ورجالَ الأمنِ منْ جميعِ القطاعاتِ العسكريّةِ والجهاتِ الحكوميّةِ والأهليّةِ "على ما تحققَ من نجاحٍ بفضلِ اللهِ سبحانهُ وتعالى ثمّ بفضلِ الجهودِ الّتي بذلها الجميعُ، وتسابقهمْ لتقديمِ الخدماتِ لضيوفِ الرحمنِ بإشرافٍ ومتابعةٍ وتوجيهٍ منْ سيِّدي خادمِ الحرمينِ الشريفينِ الملكِ سلمانِ بن عبد العزيزِ آلِ سعود حفظهُ اللهُ ورعاه".
أسألُ اللهَ –تعالى- أنْ يتقبلَ منَ الجميعِ جهودهمْ وعطائَهم، وأنْ يكتبَ لهم الأجرَ والمثوبةَ على ذلك.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون)[النحل:97].
باركَ اللهُ لي ولكُم في القرآنِ العظيمِ، ونفعنِي وإياكُم بمَا فيهِ منْ الآياتِ والعظاتِ والذِّكرِ الحكيمِ؛ أقولُ ما سمعتمْ فاستغفِرُوا اللهَ يغفرِ لي ولكُم؛ إنهُ هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على الرسولِ الكريمِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ الذي علَّم أمتهُ كلَّ خيرٍ، وحذَّرهم من كل شرٍّ، صلى الله عليه وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين، أما بعد:
فاتقوا الله -أيها المؤمنون-، واعلموا أنَّ بلادَنا -المملكةَ العربيةَ السعوديةَ- قد حبَاهَا اللهُ -جلّ وعلاَ- بنعمٍ عظيمةٍ منْ أجلِّها نعمةُ الإسلامِ وتحكيمُ شريعتهِ الغرّاءِ، وإقامةُ حدودهِ، وتثبيتُ دعائمِ الأمنِ والاستقرارِ، ووجودُ تلك المقدّساتِ التي تقومُ عليها، وتنفقُ عليها الأموالَ الطّائلةَ، لتيسيرِ السبيلِ إليها، وتقدِّمُ الخدماتِ الجليلةَ لكلِّ حاجٍّ ومعتمرٍ وزائرٍ بحيثُ يؤدِّي حجهُ وعمرتَهُ بيسرٍ وسهولةٍ.
وتمدُّ يدهَا لِتساعدَ المُحتاجينَ من المسلمينَ وغيرٍهم في كلِّ أصقاعِ الدُّنْيا، فأكرمَها اللهُ بالأمنِ والأمانِ، وتآلفِ القلوبِ، واجتماعِ الكلمةِ ووحدةِ الصفّ، وأغدقَ عليها الخيراتِ والأرزاقِ والبركاتِ منْ كلِّ مكانٍ، فنحمدُ اللهَ -جلّ وعلا- على هذهِ النّعم، ونسألُهُ المزيدَ منها.
وكلّ هذه الأمور تغيظُ أعداءَ الإسلامِ وتجعلُ قلوبهمْ تمتلئ ُحقداً وحسداً على ما أولى بلادَنا وأعطاهَا، فباتوا يكيدونَ لها ويدبّرونَ لها المكائدَ والخططَ الإجراميةَ ظناً منهمْ أنهمْ بذلك يزعزعونَ أمنَها، ويفرّقونَ صفّها، ولكنْ هيهاتَ لهم ذلك، فهذا المجتمع المؤمنُ لا تزيدهُ المِحنُ والفتنُ إلا اجتماعاً والتئاماً والتفافاً حولَ بعضه وقيادته وذلك فيما يعودُ على الجميعِ بالأمنِ والطمأنينةِ والرفاهية.
فاتّقوا اللَه -جلّ وعلا- فيها، وحافظوا على هذه النعم من أي مكرٍ وخديعةٍ وسوءٍ ومكروهٍ يرادُ بها، وقِفوا صفاً واحدًا في وجهِ كلِّ من يريدُ ببلادكمْ شرًّا.
أسألُ اللهَ -جلَّ وعلا- أنْ يوفّقَ ولاةَ أمرِنا لكلِّ ما يحبُّ ويرضى، وأنْ يُدِيمَ على بلادِنا نعمةَ الأمنِ والإيمانِ والسّلامَةَ والإسلام، إنّهُ وليُّ ذلكَ والقادرُ عليهِ.
هذا وصلوا وسلّموا على الحبيبِ المصطفى؛ فقدْ أمركمُ اللهُ بذلك فقال جلّ من قائلٍ عليماً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب:٥٦).