البحث

عبارات مقترحة:

الحليم

كلمةُ (الحليم) في اللغة صفةٌ مشبَّهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل)؛...

الرحمن

هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...

الباسط

كلمة (الباسط) في اللغة اسم فاعل من البسط، وهو النشر والمدّ، وهو...

من أسباب صلاح القلب: العلم الشرعي

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات
عناصر الخطبة
  1. المراد العلم الشرعي .
  2. العلم الشرعي هو ميراث النبوة .
  3. فضل العلم والعلماء .
  4. العلم الشرعي من أسباب صلاح القلوب وبيان ذلك من أوجه .
  5. العلم الشرعي طريق إلى الجنة .

اقتباس

إن العلم الشرعي سبب لحياة القلوب وصلاحها، فهو علم مرتبط بالله وأسمائه وصفاته، وبالنبي صل الله عليه وسلم وبمنهجه وسيرته، وأحكام الدين وتشريعاته، وبالعلماء والمحدثين والدعاة والوعاظ، قال لقمان لابنه: يا بنيّ جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك؛ فإنّ الله...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها المؤمنون: تتعرض القلوب إلى الأمراض الحسية والمعنوية؛ فإن لم تجد مداوٍ أصابها الموت؛ فقادت أصحابها إلى خسارة العاجلة والآجلة، قال تعالى: (خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)[الحج:11].

ومع الأسف تجد الناس يعتنون أشد الاعتناء بمعالجة الأمراض الحسية، ويتجاهلون الأمراض المعنوية، وهي أشد خطرا وأعظم فتكا بأصحابها، ألا وإن من الدواء للأمراض المعنوية وأسباب صلاح القلوب؛ طلب العلم الشرعي، قال ابن رجب معرّفا بهذا العلم: "فالعلم النافع هو ضبط نصوص الكتاب والسنة وفهم معانيها، والتقيد في ذلك بالمأثور عن الصحابة والتابعين وتابعيهم في معاني القرآن والحديث، وفيما ورد عنهم من الكلام في مسائل الحلال والحرام والزهد والرقائق والمعارف وغير ذلك، والاجتهاد على تمييز صحيحه من سقيمه أولاً، ثم الاجتهاد على الوقوف على معانيه وتفهمه ثانياً، وفي ذلك كفاية لمن عقل، وشغل لمن بالعلم النافع عني واشتغل".

وقال ابن حجر: "والمراد العلم الشرعي الذي يفيد ما يجب على المكلف من أمر دينه في عبادته ومعاملاته، والعلم بالله وصفاته، وما يجب له من القيام بأمره، وتنزيهه عن النقائص، ومدار ذلك على التفسير والحديث والفقه".

معاشر المسلمين: العلم ميراث الأنبياء وزاد العقلاء والسبيل لمعرفة رب الأرض والسماء، وحظ العبد منه يكون بقدر الحرص عليه والتزود من معينه الصافي؛ فبه تصلح القلوب وتستقيم على شريعة علام الغيوب، ولما عرف إمام العارفين وسيد المرسلين مكانة العلم وفضله سأل الرب الزيادة منه؛ كما في قول الله -تبارك وتعالى-: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا)[طه:114].

وحسب العلم أن الله -تعالى- رفع أهله درجات وأوجب لهم أسمى المقامات؛ فقال -جل وعلا-: (يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)[المجادلة:11].

كما أن العلم أعظم أسباب زيادة الإيمان؛ كما قال الله في القرآن: (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[آل عمران: 18].

عباد الله: إن طلب العلم الشرعي والتفقه في الدين من أسباب صلاح القلوب، وذلك من عدة أوجه نذكر منها:

أن العلم يعصم صاحبه بعد توفيق الله من الزيغ والانحراف؛ كما قال -تعالى-: (كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ)[ فاطر: 28].

وكذلك: من جهة أن العلم يضيء في قلب صاحبه وينير طريقه وبصيرته، ويحميه من العمى، قال -تعالى-: (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)[الحج: 46].

أيها الأحبة: وتعالوا لنتأمل في حال أصحاب القلوب القاسية وأهل القلوب المخبتة؛ ليتجلى لنا الفرق الجلي ومعرفة المخطئ من السوي؛ كما قال الكريم الولي: (لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ لَهَادِي الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[الحج: 53-54].

يقول ابن القيم : "وأما العلماء بالله وأمره فهم حياة الوجود وروحه، لا يستغنى عنهم طرفة عين.. فالعلم للقلب مثل الماء للسمك، إذا فقده مات. فنسبة العلم إلى القلب كنسبة ضوء العين إليها، وكنسبة سمع الأذن وكنسبة كلام اللسان إليه، فإذا عدمه كان كالعين العمياء، والأذن الصماء، واللسان الأخرس؛ ولهذا يصف الله أهل الجهل بالعمي والصم والبكم، وذلك صفة قلوبهم حيث فقدت العلم النافع فبقيت على عماها وصممها وبكمها (وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا) [الإسراء: 72] والمراد عمى القلب في الدنيا".

ومن ذلك: أن طلب العلم الشرعي والتفقه في الدين يقود قلب صاحبه إلى شكر المولى والعمل لما فيه سعادة الآخرة والأولى، قال الله -عز وجل-: (قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا)[الإسراء: 107-109].

ومن ذلك: أن العلم الشرعي يهذب النفوس ويزكيها ويسمو بها ويربيها، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "ذللت طالبا فعززت مطلوبا"، فقال ابن أبي مليكة -رحمه الله-: "ما رأيت مثل ابن عباس، إذا رأيته رأيت أحسن النّاس وجها، وإذا تكلّم فأعرب النّاس لسانا، وإذا أفتى فأكثر النّاس علما".

ومنها: أن العلم الشرعي سبب لحياة القلوب وصلاحها؛ فهو علم مرتبط بالله وأسمائه وصفاته، وبالنبي -صلى الله عليه وسلم- وبمنهجه وسيرته، وأحكام الدين وتشريعاته، وبالعلماء والمحدثين والدعاة والوعاظ، قال لقمان لأبنه: "يا بنيّ! جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك؛ فإنّ الله يحي القلوب الميتة بالحكمة كما يحي الأرض الميتة بمطر السّماء".

والجهلُ داء قاتلٌ وشفـــاؤه

أمران في التركيب متفقـانِ

نص من القرآن أو من سنـة

وطبيب ذاك العالم الربانـي

والعلم أقسام ثلاث ما لــها

من رابع والحق ذو تبيــانِ

علم بأوصاف الإلـه وفعلــه

وكذلك الأسماء للديــــانِ

والأمر والنهي الذي هو دينـه

وجزاؤه يوم المعاد الثانــي

والكلُّ في القرآن والسنن التـي

جاءت عن المبعوث بالفرقان

والله ما قال امرؤ متحذلــق

بسواهما إلا من الهذيــان

قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه .

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، والصلاة والسلام على رسوله الداعي إلى رضوانه، وعلى آله وأصحابه وإخوانه، أما بعد:

عباد الله: إن طلب العلم الشرعي طريق إلى الجنة، وأي دواء أصلح وأنجع للقلوب من التعلق بالآخرة وبجنة الله ورضوانه، فتستقيم في هذه الحياة، وطالب العلم إذا سلك طريق العلم فإن الله يسهل له به طريقا إلى الجنة؛ كما قال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح: "وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْماً، سَهّلَ اللّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقاً إِلَىَ الْجَنّةِ"، وذلك أن طريق الجنة يكون بصحة الاعتقاد ويكون بصحة العمل، وصحة الاعتقاد لا تكون إلا بعلم، وصحة العمل لا تكون إلا بعلم.

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "ألا إن الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه، وعالم أو متعلم" (صحيح الجامع)، قال علي -رضي الله عنه- لكميل بن زياد: "يا كميل! العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والعلم يزكو على الإنفاق، والمال تنقصه النفقة، العلم حاكم، والمال محكوم عليه".

فاحرصوا -رعاكم الله- على طلب العلم والتفقه في الدين، تصلح قلوبكم وتستقيم حياتكم، وترفع درجتكم، وتسلكون الطريق إلى جنة ربكم.

وصلوا وسلموا على عبد الله ورسوله محمد امتثالاً لأمر الله -تعالى- لكم: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].