العربية
المؤلف | حمزة بن فايع آل فتحي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - المنجيات |
لا تستثقل أن تصيب حسنة أو تزور قرية نائية، أو منزلاً بئيسًا تُطعم أهله، وتواسيهم بالمعروف والإحسان.. مَن منا فكَّر في جاره الفقير، أو قريبه اليتيم، أو ذلك البيت الواسع بالعيال، أو المليء بالديون؟! هل فكر أحدكم أن يزور جاره، أو يداوي فقر أخيه، أو يمسح دمعة اليتامى؟!
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده…
معاشر المسلمين: ذكروا في ترجمة أمير المؤمنين عمر أنه كان يتردَّد على بيت من بيوتات المدينة بالليل، فرصده طلحة بن عبيد الله، فدخل قبله فنظر، فإذا هي امرأة عجوز عمياء مقعدة، فقال لها طلحة: ما يصنع هذا الرجل عندك؟ قالت: هذا له من كذا، وكذا، يطعمني ويصلح شأني، ويخرج الأذى عني، فقال طلحة: ثكِلتك أمُك طلحة عثراتِ عُمر تَتبَع؟!
إن المرء ليعجب من هذه النفوس الكبيرة، مع صلاحها وعظم تقواها، تفكِّر في التماس الأجر في كل مكان، ولا تزهد أن تبحث وتسأل، ولا تستثقل أن تصيب حسنة أو تزور قرية نائية، أو منزلاً بئيسًا تُطعم أهله، وتواسيهم بالمعروف والإحسان.
مَن منا فكَّر في جاره الفقير، أو قريبه اليتيم، أو ذلك البيت الواسع بالعيال، أو المليء بالديون؟!
هل فكر أحدكم أن يزور جاره، أو يداوي فقر أخيه، أو يمسح دمعة اليتامى؟!
ألم يقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما صح عنه: "ما آمن بي من بات شبعان، وجاره جائع عنده".
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة".
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "اتقوا النار ولو بشق تمرة".
إن الطرق إلى الجنة -يا عباد الله- فسيحة كثيرة، ولكن أين العاملون، وأين المتنافسون الذين يتلمسون الثواب في كل مكان؟!
جاء في الصحيح من حديث أبي ذر -رضي الله عنه- أنه سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: الإيمان بالله، والجهاد في سبيله، قال: أي الرقاب أفضل؟ قال أَنفسُها عند أهلها وأكثرُها ثمنًا، قلت: فإن لم أفعل؟ قال: تعين صانعًا أو تصنع أو لأخرق، قلت: يا رسول الله: أرأيت أن ضعفتُ عن بعض العمل؟ قال: تكفُّ شرك عن الناس، فإنها صدقة منك على نفسك" .
وجاء في صحيح مسلم عن أبي ذر أيضًا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "عُرضت عليَّ أعمالُ أمتي حسنها وسيئها، فوجدت في محاسن أعمالها: الأذى يُمَاط عن الطريق، ووجدت في مساوئ أعمالها، النخاعةُ تكون في المسجد لا تُدفن" .
ليس شرطًا -يا مسلمون- أن يدخل أحدكم الجنة بالعلم، أو بشدة اليقين أو بالدعوة الصادقة! بل ثمة أمور سهلة، بالإمكان لآحاد الناس، طرقها والتماس مكانها؛ فقد حكى -صلى الله عليه وسلم- أن رجلاً ممن كان قبلنا أزال غصن شوك عن طريق، فشكر الله له وأدخله الجنة. وأخبر -صلى الله عليه وسلم- أيضًا أن رجلاً ممن كان قبلنا سقى كلباً كان يأكل الثرى من العطش، فملأ له خفه فغفر الله له .
بل أعجب من ذلك امرأة بغي "زانية" من بني إسرائيل فعلت من الجرائم والآثام ما فعلت، تسقي كلبًا على العطش فيغفر الله لها، أين نحن من ذلك؟ !
أين الهمم التي تسابق إلى الله؟ وأين العزائم التي تركض إلى الله لتلتمس الرحمات، وتطلب الخيرات والسعادات؟!
ليس كل الناس يصلح لعمل معيَّن، بل إن الهمم تتفاوت، والعزائم تختلف، فلينظر كل امرئ ما يصلح له، فقيمة كل امرئ ما يُحسنه .
إن في قصة عمر تلك همةً عالية، جعلته يتجاوز أعباءه الثقيلة، ومشاغله الضخمة ومصالحه الملحة، ليصيب رحمة من الله، ومغفرة يرجوها .
له هممٌ لا منتهى لكبارِها | وهمته الصغرى أجلُّ من الدهرِ |
تعلّموا -يا مسلمون- مِن سلفكم الحرصَ على الخير، وجمع الحسنات، وبادروا في أزمان الفتن والشرور؛ ففي صحيح مسلم قال -صلى الله عليه وسلم-: "العبادة في الهرْج كهجرة إليَّ"، والهرج القتل والفتن.
فاستعصموا -عباد الله- بدينكم، وتشبثوا بسنة نبيكم، وفرّوا إلى الله دينًا وخضوعًا وعبادة، وإياكم وأخلاق الجاهلين، ورخاوة الباردين، وخنوع المستكينين .
قال -تعالى-: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)[آل عمران:133].
اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها …
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم …..
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه..
أيها الإخوة الفضلاء: المخاطر فيكم جسيمة، والأرزاء جمّة !!لا أدري!! هل أحدثكم عن تدمير "مخيم رفح" في الأيام الفائتة، أم أحدثكم عن صور الأسرى المسلمين في العراق، التي تقزِّز النفوس، ويتمنى العاقل أنه ما رآها؟ أم أحدثكم عن المواقف العربية المخزية، وسلسلة المهانات المتوالية .
إن مثل تلك الأحداث ما ينبغي أن تُورِّث لنا الهزيمة واليأس والإحباط، بل يجب أن تكون حافزًا للعمل والجدّ، وطريقًا لتحمُّل المسؤولية .
لأنكم مسلمون ولستم غرباء عن الأحداث، وقد أوجب الله عليكم النصرة والمؤازرة لإخوانكم لا يصيبكم ما أصابهم، فجُدْ على إخوانك بدعوة صادقة، أو كلمة طيبة، أو تهمّم صادق، أو ريالات مباركة .
إنهم في أمسِّ الحاجة إلى وقفتكم ونصرتكم يا مسلمون، لا تُسْلِمُوهم للاعتداء ولا تتركوا المنافقين والمتأمركين أن يبطشوا بهم، ويجعلوهم فريسة للصليبيين .
هبُّوا -يا مسلمون- لنصرة إخوانكم، واستبسلوا في الدعم والصبر، فإنكم في زمان كثرت فيه الشرور، وقلّ المعاون والنصير، لكن أهل الإيمان لا ييأسون ولا ينهزمون (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[آل عمران:139]، فدينكم منصور، وبشائره قادمة؛ قال -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم: "إن الله زَوَى -أي: قرَّبها- لي الأرض، فرأيتُ مشارقها ومغاربها، وإن مُلْك أمتي سيبلغُ ما زُوِيَ لي منها".
وصلوا وسلموا -يا عباد الله- على مَن أمرَكم الله بالصلاة والسلام عليه …