البحث

عبارات مقترحة:

السميع

كلمة السميع في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

الإله

(الإله) اسمٌ من أسماء الله تعالى؛ يعني استحقاقَه جل وعلا...

الكبير

كلمة (كبير) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، وهي من الكِبَر الذي...

عناية الإسلام بالعلم

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - الحكمة وتعليل أفعال الله
عناصر الخطبة
  1. مكانة العلم وفضله .
  2. مظاهر اعتناء الإسلام بالعلم .
  3. حث النبي على تعلم العلم .
  4. العلم الذي رغب فيه الإسلام .

اقتباس

إن الإسلام دين العلم والنور، وليس دين الجهل والظلام، إنه دين يحث على العلم كل العلم ما دام مشروعًا لا محظور فيه، وإذا كانت النصوص الخاصة الواردة في القرآن والسنة في مدح العلم وأهله تنصرف إلى العلم...

الخطبة الأولى:

الحمد لله العليم الأكرم، الذي علّم بالقلم، علم الإنسان مالم يعلم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أحاط بكل شيء علمًا، وقهر ما سواه تصرفًا وحُكما، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، أعلمُ الخلق وأتقاهم، وأصدقهم وأوفاهم، -صلى الله عليه وعلى آله الطيبين، وصحابته الراشدين، وزوجاته الطاهرات أمهات المؤمنين، وسلّم تسليما؛ أما بعد:

فيأيها الناس: اعلموا أن الفضائل التي يتباهى بها الناس كثيرة، وأن المفاخر التي يتمايزون بها وفيرة غزيرة، وأن صفات النفوس المحمودة عديدة ومتنوعة لا تقف عند حد، غير أن هناك فضيلة هي أسمى الفضائل وأرقاها، وأبهى المفاخر وأسناها، وأكمل الصفات وأحسنها، وأطيب الشِّيَم وأجملها، ومع كونها كذلك إلا أن أهلها قليل، والمقبلين عليها عدد غير كثير، والثابتين المستمرين عليها أقل من ذلك القليل! هذه الفضيلة والمفخرة والخصلة الحميدة هي العلم النافع؛ الذي أعلاه وأسماه العلمُ بالله -تعالى- وبما شرعه.

العلم زين وتشريف لصاحبه

فاطلب هديت فنون العلم والأدبا

العلم كنز وذخر لا نفاد له

نعم القرين إذا ما صاحب صحبا

قد يجمع المرء مالاً ثم يحرمه

عما قليل فيلقى الذل والحرَبا

وجامع العلم مغبوط به أبداً

ولا يحاذر منه الفوت والسلبا

يا جامع العلم نِعمَ الذخر تجمعه

لا تعدلن به درا ولا ذهبا

عباد الله: وما كان العلم كذلك إلا لأنه يصقل العقول ويوسّعها، ويزيح عن النفوس أدواءها وعللها، ويفتح للناس آفاقًا من المعارف والمعلومات، ومجالاتٍ من المصالح والمنافع، ويطرد عن الناس ظلام الجهل الذي يعيق مسيرة الحياة، ويوقعهم فيما لا تحمد عقباه.

لقد اعتنى الإسلام بالعلم اعتناء كبيراً، وأولاه اهتمامًا بالغًا، ومن المظاهر الدالة على ذلك:

أن أول كلمة من الوحي قرعت سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هي كلمة العلم مصحوبة بوسيلته؛ فالكلمة هي: اقرأ، والوسيلة هي: القلم؛ فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في عزلته التعبدية في غار حراء في ليلة من الليالي، وإذا بالروح جبريل -عليه السلام- ينزل عليه فيلقي على مسمعه بواكير الوحي؛ فعن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: "كان أول ما بُدئ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم؛ فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء يتحنث فيه -وهو التعبد الليالي أولات العدد- قبل أن يرجع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى فجِئه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ، قال: قلت: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطّني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قال: قلت: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)[العلق1-5]"(رواه البخاري ومسلم).

ومن المظاهر كذلك: أن رسالة السماء هي رسالة علم وتعليم، وتبصير وتبيين؛ فلذلك جاء الرسول معلمّا، ومعه كتاب الوحي معه مصدقًا وهدى ونوراً للعباد، قال -تعالى-: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)[النحل:89]، وقال: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)[الجمعة:2].

ومن مظاهر عناية الإسلام بالعلم أيضًا -وهذه سابقة للإسلام في محو الأمية بين الناس-: ما جرى في سبب فداء بعض أسرى المشركين عقب بدر، وهو أن "أهل مكة كانوا يكتبون، وأهل المدينة لا يكتبون؛ فمن لم يكن عنده فداء دُفع إليه عشرة غلمان من غلمان المدينة يعلمهم؛ فإذا حذقوا فهو فداء".

ومن المظاهر كذلك: ما جاء في القرآن والسنة من الدعوة إلى العلم ومدحه، والثناء على أهله، وبيان مكانتهم، وما ينبغي أن يكون عليه الناس مع أهل العلم؛ ففي كتاب الله -تعالى- نجد أن الله -سبحانه- يأمر نبيه الكريم -عليه الصلاة والسلام- بالاستزادة من العلم، ولم يطلب منه ذلك في غيره؛ فقال -تعالى-: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا)[طه:114].

ونرى رفعه لمكانة أهل العلم باستشهادهم على أجل مشهود وهو توحيده -تعالى- ؛ فقال: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[آلعمران:18].

قال ابن القيم-رحمه الله-: "وهذا يدل على فضل العلم وأهله من وجوه: أحدها: استشهادهم دون غيرهم من البشر، والثاني: اقتران شهادتهم بشهادته، والثالث: اقترانها بشهادة ملائكته، والرابع: أن في ضمن هذا تزكيتهم وتعديلهم؛ فإن الله لا يستشهد من خلقه إلا العدول".

ونجده -تعالى- ينفي المساواة بين العالم والجاهل؛ كما في قوله -تعالى-: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)[الزمر:9]، ونلحظ أن الله -تعالى- أحل في كتابه صيد الكلب المعلم وحرم صيد الكلب الجاهل؛ فقال -تعالى-: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ)[المائدة:4]؛ فإذا كان هذا التفريق بين المعلم والجاهل في جنس هذا الحيوان؛ فكيف بجنس الإنسان الذي كرمه الله؟!.

عباد الله: وحينما نتأمل في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نرى كذلك دعوة ملحة إلى العلم، وثناء عطراً على أهله؛ ففي صحيح مسلم يخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ربح من سلك طريق العلم وثمرة سعيه، ويبين الأجور وعلو المنزلة لمن اشتغل بهذه الفضيلة الكريمة؛ فيقول -عليه الصلاة والسلام-: "ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده".

وفي سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه وصحيح ابن حبان -بسند صحيح- عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- يبين رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- منزلة أهل العلم، وعلو شأنهم، وكثرة أجورهم، والحثَّ على سلوك منوالهم؛ فيقول: "وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهمًا وإنما ورثوا العلم؛ فمن أخذه أخذ بحظ وافر".

ويذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- أن العلم سبب للرفعة في الدنيا والآخرة؛ فعن عامر بن واثلة أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بعسفان، وكان عمر يستعمله على مكة فقال: من استعملت على أهل الوادي؟ فقال: ابن أبزى، قال: ومن ابن أبزى؟ قال: مولى من موالينا، قال: فاستخلفت عليهم مولى؟! قال: إنه قارئ لكتاب الله -عز وجل- وإنه عالم بالفرائض، قال عمر: أما إن نبيكم -صلى الله عليه وسلم- قد قال: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين".

واسمعوا -إخوة الإسلام- هذه القصة لتعلموا كيف يرفع العلم أهله: ذكر الخطيب البغدادي -رحمه الله- في كتابه الجامع لأخلاق الراوي عن ابن عباس "قال: لما قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قلت لرجل من الأنصار: هلم فلنسأل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فإنهم اليوم كثير، قال: واعجباً لك يا ابن عباس: أترى الناس يفتقرون إليك وفي الناس من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من فيهم؟! قال: فترك ذاك وأقبلت أنا أسأل أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن الحديث؛ فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه وهو قائل فأتوسد ردائي على بابه تسفي الريح علي من التراب، فيخرج فيقول: يا ابن عم رسول الله: ما جاء بك، ألا أرسلت إلي فآتيك؟ فأقول: أنا أحق أن آتيك، فأسأله عن الحديث. قال: فعاش ذلك الرجل الأنصاري حتى رآني وقد اجتمع الناس حولي يسألونني فيقول: هذا الفتى كان أعقل مني"! وصدق الله إذ يقول: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)[المجادلة:11].

نسأل الله أن يرزقنا العلم النافع، والعمل الصالح.

قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الرحيم الرحمن، خلق الإنسان، علمه البيان، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على رسولنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أيها المسلمون: فإن الإسلام دين العلم والنور، وليس دين الجهل والظلام، إنه دين يحث على العلم كل العلم ما دام مشروعًا لا محظور فيه، وإذا كانت النصوص الخاصة الواردة في القرآن والسنة في مدح العلم وأهله تنصرف إلى العلم بالشريعة؛ فإن النصوص العامة فيهما ترشد إلى العناية بعلوم الدنيا النافعة المباحة أيضًا؛ فلذلك سعى ذوو العلم من هذه الأمة منذ عصور الإسلام الأولى إلى الاهتمام التام بالعلوم المختلفة، وتراث أمتنا العلمي يشهد بصحة ذلك؛ فكم في المكتبة الإسلامية من مؤلفات نفيسة في فنون متعددة؛ في الشريعة واللغة والتاريخ والأدب والطب والاجتماع والجغرافيا والصناعة، وغير ذلك.

هكذا اعتنى الإسلام بالعلم، وحث عليه، ومدح أهله، ورفع شأنهم في الدنيا والآخرة؛ فعلينا أن نحرص على العلم حرصًا شديداً، ابتداء بالعلم بدين الله، وانتهاء بعلوم الدنيا؛ فإن العز والسيادة لن يبلغا إلا على سُلَّم العلم، ومعارج المعرفة، وصدق الشاعر يوم قال:

العلمُ بلّغ قومًا ذروة الشرفِ

وصاحبُ العلم محفوظ من التلفِ

العلمُ يرفع بيتاً لا عماد له

والجهلُ يهدم بيت العز والشرفِ

اللهم يا معلم آدم علمنا، ويا مفهم سليمان فهمنا، واجعل ما علمتنا وفهمتنا حجة لنا لا علينا.

وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه؛ فقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].